تجربة الصكوك الإسلامية في ميزان الشريعة ومقاصدها
Download
Report
Transcript تجربة الصكوك الإسلامية في ميزان الشريعة ومقاصدها
تجربة الصكوك االسالمية في ميزان
الشريعة ومقاصدها
األستاذ الدكتور
عبدالرحمن يسرى احمد
أستاذ االقتصاد واالقتصاد اإلسالمي بجامعة اإلسكندرية
أستاذ زائر لكلية االقتصاد والعلوم االدارية
جامعة اإلمام محمد بن سعود
تطور اإلصدارات
احتلت المصارف االسالمية الماليزية المركز األول في إصدارات الصكوك
•
منذ ، 2002ويأتى من بعدها المصارف االسالمية في االمارات ،ثم من
بعدها بفارق كبير مصارف المملكة العربية السعودية
فقد "بدأ تاريخ الصكوك في ماليزيا عام 2002حين تم إصدار ما يقارب
•
المليار دوالر منها .ونما حجم الصكوك المصدرة بمعدالت مرتفعة ،حتى
تجاوز 94مليار دوالر عام .2007وسادت توقعات متفائلة باستمرار نمو
المعروض من الصكوك.
• ولكن في عام 2008تسبب النقص العالمي في السيولة ،نتيجة أزمة
الديون العقارية الرديئة في العالم الغربي ،وكذلك الخالف بين الفقهاء حول
األساليب التي كانت تستخدم في تقديم ضمانات لحملة الصكوك ،في انحسار
النمو في إصدارها بدرجة كبيرة ،حيث لم يتجاوز مجمل ما أصدر منها خالل
ذلك العام 19مليار دوالر إال بقليل" (معبد الجارحى وعبد العظيم ابو
زيد)[]1
•
] )[1وثمة بيانات إحصائية أخرى في معبد الجارحى وعبد العظيم ابو زيد " ،الصكوك :قضايا فقهية واقتصادية" الدورة التاسعة
عشرة لمجمع الفقه االسالمى بالشارقة ، 2009ص.11-8
ميزات الصكوك االسالمية
•
•
•
•
لقد نظر العديد من رجال االقتصاد اإلسالمي إلى الصكوك االسالمية على أنها
منتج مميز تستطيع المصارف االسالمية االعتماد عليه في تمويل
المشروعات االستثمارية الضخمة والتي يصعب تغطية احتياجاتها بأدوات
التمويل اإلسالمي األخرى .
وإصدارات الصكوك تعنى توسعة آفاق النشاط التمويلي للمصارف
االسالمية حيث يتم بواسطتها توريق بعض الموجودات المدرة للدخل (عقود
االجارة على وجه الخصوص) في جانب االصول وبيعها للجمهور فتتحقق
لها سيولة من وراء ذلك.
وحينما بدأت إصدارات الصكوك االسالمية كانت بمثابة عملية اقتحام لسوق
المال من قبل المؤسسة المالية االسالمية ،وكانت تعنى بالتأكيد فتحا ً
المكانية تعبئة الموارد التمويلية من القاعدة الواسعة الصحاب فوائض
األموال .
كذلك فإن الصكوك ،تحمل في الوقت نفسه ميزات خاصة للذين يريدون
استثمار اموالهم في مشروعات كبيرة والحصول على ارباح من وراءها
بطرق شرعية ،مع امكانية مبادلتها بالنقود في السوق الثانوية في حال
احتياجهم إلى السيولة أو حيث يمكن تحقيق زيادة في قيمتها السوقية عن
طريق البيع ) .
الصكوك االسالمية والسندات
• لقد كان يقال دائما ً قبل إصدارات الصكوك أن التمويل االسالمى يفتقد وجود
أوراق مالية بديلة للسندات فى النظام الرأسمالى ،فتؤدى مهامها التمويلية
ولكن على اسس قواعد تقرها الشريعة .
• والمعروف أن السندات تسد جزءاً هاما ً من احتياجات المشروعات
الكبيرة .واالغراء االساسى الصحاب الفوائض المالية(الذين اليعبئون بحرام
أوحالل فيما يكتسبون )بالنسبة للسندات أنها تدر عائداً دوريا ً (الفائدة وهى
ربا) وقيمتها االسمية مضمونة الرد ( عملية االطفاء) باالضافة الى امكانية
بيعها فى السوق الثانوية لتحقيق سيولة نقدية مطلوبة أو لتحقيق ربح
رأسمالى (الفرق بين قيمتها االسمية وقيمتها السوقية).
• يقول محمد تقى الدين عثمانى (" الصكوك وتطبيقاتها المعاصرة" ،الدورة
19لمجمع الفقه اإلسالمي ،2009 ،ص " )2إن الذين أصدروا هذه
الصكوك حاولوا بكل ما في وسعهم أن تكون هذه الصكوك منافِسة للسندات
الربوية الرائجة في السوق ،وأن تحمل معظم خصائصها ،ليسهل ترويجها
في السوق اإلسالمية والتقليدية في آن واحد"
• لكن هناك فرق شاسع بين أن نستهدف اصدار أوراق مالية
اسالمية تحمل ثقل السندات ومهامها التمويلية وأن نصدر أوراقا ً
مالية تحاكى السندات حتى تكاد تحمل خطاياها أيضا ً.
• والحقيقة أن االصدارات األولى من الصكوك فى ماليزيا كانت تؤكد
انحراف الصكوك االسالمية عن القواعد الشرعية حيث بدأت في
الغالب مبنية على بيوع العينة المحرمة وبيع الدين .وقيل لتبرير
ذلك حينئ ٍذ أن المذهب الشافعي يسمح ببيوع العينة والديون
• يقول معبد الجارحى وابو زيد (المرجع السابق ،ص )8أن هذا قد
تسبب في أن الصكوك الماليزية لم تستطع أن تحصل على قبول
دولي في الدول اإلسالمية ،واقتصر تداولها على األسواق المجاورة
وأسواق الدول الغربية.
التوريق
• الحقيقة ان اصدار صكوك اسالمية كان يستلزم اجازة
التوريق Securitizationمن الناحية الشرعية في
اطار التمويل اإلسالمي ،فما هو التوريق في المفهوم
الوضعى؟
• التوريق هو عملية تعبئة أصول غير سائلة متمتعة بمستوى
مناسب من الثقة االئتمانية مثل الديون والمستحقات المالية
وإعادة توزيع هذه األصول في شكل حزم تصلح
للمستثمرين .ويقوم المستثمرون بشراء هذه الحزم من
األصول في شكل أوراق مالية أو سندات والتي هى
مضمونة باألصول التى تساندها وبتيار إيراداتها .وهكذا
فإن التوريق هو عملية تحويل أصول غير ممكن بيعها
للمستثمرين في شكلها غير السائل إلى أصول سائلة قابلة
للبيع للمستثمرين والتداول في السوق*.
)*. (Mark Fisher & Zoe Shaw, eds., Euromoney Books, London 2003
•
نحو مفهوم للتوريق اإلسالمي
• التوريق اإلسالمي هو عملية تعبئة أصول غير سائلة
تتمثل في موجودات قابلة للتداول وموظفة فعالً في
نشاط يدر دخالً حالالً ،وتحويلها إلى أصول سائلة
في شكل صكوك قابلة للبيع للمستثمرين والتداول في
السوق .أما الديون فاليجوز توريقها وبيعها في شكل
صكوك قابلة للتداول وكذلك األرصدة النقدية التى لم
تستخدم بعد في اقتناء اصول انتاجية تدر دخالً حالالً
التوريق اإلسالمي والصكوك القابلة للتداول
• من الناحية الشرعية اليجوز بيع الديون.ومن ناحية أخرى حتى
وإن جوز بعض الفقهاء بيع الدين بشروط تؤكد عدم المتاجرة فيه
أوعدم االجحاف بالمدين فإن مقاصد الشريعة في مجال التمويل
تتعارض مع ممارسة بيع الديون بشكل منظم عن طريق التوريق.
• والشك أن األزمة المالية العالمية التى يمر بها العالم منذ سبتمبر
2008تؤكد أن ممارسة بيع الديون كان أحد االسباب الرئيسة
وراءها.
• واليجوز بيع االرصدة النقدية ،لوقوع الربا إذا بيعت االصول
المسندة اليها بنقود بأكثر من قيمتها ،فالبد من تحويل االرصدة
النقدية الى أصول توظف في نشاط انتاجي جائز شرعا ً
• ولذلك فإن اجازة التوريق استلزمت استبعاد انواع عديدة
من االصول المالية المتعارف على توريقها وضعيا ً
واقتصرت على تلك التى تدر دخوالً حالالً .
• وكان ثمة اتفاق عام على أن من الممكن اصدار صكوك
قابلة للتداول في االسواق بتوريق عقود المشاركة
والمشاركة المتناقصة والمضاربة المطلقة أوالمقيدة
والوكالة المطلقة أو المقيدة واالجارة المنتهية بالتمليك
بشرط عام وهو مراعاة أحكام تمثيل الصكوك لموجودات
قابلة للتداول وبدء النشاط الذى يدر دخلا
• أما بالنسبة لعقود السلم والمرابحة واالستصناع فل يجوز
توريقها ألنها ممثلة لديون أو مستحقات نقدية لسداد هذه
الديون
االستثناءات!
• أجاز مجمع الفقه اإلسالمي في قرار رقم 5دورة االنعقاد الرابعة 1988
امكانية توريق عقود مثل المرابحة واالستصناع ولكن في أدنى الحدود
الممكنة وبصفة استثنائية وذلك أخذاً في االعتبار الظروف الواقعية التى يمر
بها التمويل السالمية وماقد تستلزمه عمليات التوريق من اعادة هيكلة حزمة
االصول المالية المساندة للصكوك بمرونة
• ولقد فتح هذا االستثناء ،كما هى الحالة دائما ً عندما تكون هناك استثناءات.
ذلك ألنه حينما نتكلم عن "ظروف استثنائية" ! فماهى ؟ كيف نعرفها بدقة
ونحكم حدودها ؟ ومداها الزمنى؟ وهل تتطابق هذه الظروف مع احكام
الضرورة في الشريعة ؟
• ولقد انعكس األخذ باالستثناءات في ممارسات اصدار الصكوك االسالمية
ولكن ذلك لم يتم ”في أدنى الحدود الممكنة“ الذى نص عليه قرار مجمع
الفقه اإلسالمي حيث تم ادخال عقود مرابحة واستصناع في حزمة التوريق
بنسب وصلت احيانا ً الى اقصى حد ممكن
•
•
•
•
مثال على االستثناءات التى تجاوزت الحد
تم ادخال عقود مرابحة واستصناع في الصكوك االسالمية التى اصدرها البنك
اإلسالمي للتنمية بقيمة 400مليون دوالر في 2003بنسب وصلت احيانا ً
الى اقصى حد ممكن وهو %49من اجمالى قيمة االصول ،وهذا مايخالف
قرار مجمع الفقه الذى اجاز خلط هذه العقود بنسب صغيرة.
بل وأجازت هيئة من رجال الشريعة أن من الممكن تحت ضغط ظروف
استثنائية أن تنخفض نسبة أصول االجارة التى يفترض أنها االساس الذى
تعتمد عليه عملية التوريق تحت نسبة %51من القيمة الكلية لألصول وذلك
بشكل مؤقت ،ولكن ليس بأى حال تحت .%25
وهذه القرارات الفقهية تبيح استثناءات السند لها في رأينا من القواعد
االقتصادية االسالمية التى تحرص على تطبيق قواعد الشريعة االسالمية
تطبيقا ً يرعى مقاصدها في المقام األول واألخير.
وإذا كان قرار مجمع الفقه في 1988قد اثار شبهة بيع الديون بادخال عقود
المرابحة واالستصناع في حزمة االصول الخاضعة للتوريق بنسب صغيرة ،
فإن الممارسات التى زادت من نسبة هذه العقود بالنسبة إلى عقود اإلجارة
والمشاركة قد تجاوزت الحد وجعلت من الصكوك وسيلة لبيع الديون
ضمانات تتنافى مع القواعد الشرعية!
• مسألة أخرى ذات أهمية بالغة بالنسبة للصكوك االسالمية وهى أنه
اليجوز بأى حال اعطاء ضمان لحملة هذه الصكوك بدفع عوائد
معينة لهم بشكل دورى أو باطفاء قيمة الصكوك وفق قيمتها
االسمية في نهاية مدتها .ذلك ألن ( قاعدة الخراج بالضمان) في
اطار تحريم الربا التجوز أن يجتمع عائد (خراج) مع ضمان أصل
رأس المال .
• وهذا بطبيعة الحال على خالف مايجرى بالنسبة للسندات في
اسواق رأس المال عالميا ً .ذلك ألن السندات تضمن لحامليها دائما ً
استرداد قيمتها االسمية عند االطفاء باالضافة الى عائد دورى
وهو الفائدة وفقا ً لما هو محدد عند االصدار (الفائدة االسمية)*.
• *حتى في حالة مايسمى بالسندات الصفرية العائد Zero Coupon Bondفإن
مشترى السند يحصل عليه بسعر أقل من السعر الذى يتسلمه عند االطفاء .
لقد تضمنت اإلصدارات المختلفة للصكوك فعليا ً ضمانات للعائد عليها
ولقيمتها االسمية في نهاية المطاف عند االطفاء.
• إن المبادئ االساسية للتمويل االسالمية لم تنتهك ظاهريا ً أو
رسميأ ً بالنسبة للصكوك االسالمية لكن التجربة الفعلية للصكوك
اثبتت أنحرافا ً خطيراً عن هذه المبادئ .
• وعلى سبيل المثال بالنسبة لصكوك البنك االسالمى للتنمية التى
سبق االشارة اليها ( $400فى )2003تم اعطاء ضمان بعائد
سنوى قدره 3.635%الى نهاية اجلها فى ، 2008مع المحافظة
على قيمتها االسمية ثابتة.
• وبطبيعة الحال فإن اللجان الفقهية التى استشيرت في هذه األمور
لم تستطع اجازة هذه االنحرافات بشكل مباشر ،ولكنها وجدت من
"الحيل الشرعية" ما أدى الى اجازتها .والمعروف أن باب الحيل
الشرعية من أرذل ابواب الفقه
آليات االصدار
• ومما يؤخذ كدليل عملى على انحراف الصكوك االسالمية عن
مبادئ التمويل االسالمية أنها في آليات اصدارها أتخذت نفس
الخطوات التى اتخذتها السندات الربوية .
• فلقد عهدت المصارف االسالمية وغيرها من المؤسسات االسالمية
الى بيوت عالمية ( مثل (Fitch or Standard & Poor
للتقويم ratingاالئتمانى والسوقى للصكوك قبل اصدارها .
فقامت هذه البيوت بمنح عالمات امتياز وجودة لهذه الصكوك على
اسس التختلف عما يمنح للسندات .ولم تكن هذه العالمات لتمنح
للصكوك االسالمية إال بعد التأكد من ضمان العائد وضمان القيمة
االسمية عند االطفاء.
• يقول محمد تقى الدين عثمانى " معظم الصكوك المصدرة قد اكتسبت فيها
خصيصة السندات الربوية سواء بسواء من حيث إنها توزع أرباح المشروع
بنسبة معينة مؤسسة على سعر الفائدة (الالئبور) .ومن أجل تبرير ذلك
وضعوا بندا في العقد يصرح بأنه إذا كان الربح الفعلي الناتج من االستثمار
زائدا على تلك النسبة المبنية على سعر الفائدة ،فإن المبلغ الزائد كله يد فع
إلى مدير العمليات (سواء أكان مضاربا أو شريكا أو وكيل االستثمار) على
كونه حافزا له على حسن اإلدارة ،حتى أنى رأيت في هيكلة بعض الصكوك
أنها ال تصرح بكون الزائد مستحقا للمدير كحافز ،بل تكتفي بقولها إن حملة
الصكوك يستحقون نسبة معينة مؤسسة على أساس سعر الفائدة في التوزيع
الدوري (فكأن كون الزائد حافزا ثبت تقديرا أو اقتضاء ).أما إذا كان الربح
الفعلي ناقصا من النسبة المذكورة المبنية على سعر الفائدة ،فإن مدير
العمليات يلتزم بدفع الفرق (بين الربح الفعلي وبين تلك النسبة) إلى حملة
الصكوك على أساس قرض بدون فائدة يقدم إلى حملة الصكوك .وإن هذا
القرض يسترده المدير المقرض إما من المبالغ الزائدة على سعر الفائدة في
فترات الحقة ،وإما من تخفيض ثمن شراء الموجودات عند إطفاء الصكوك.
• ثم يضيف محمد تقى الدين عثمانى وهو أحد البارزين من بين
رجال الشريعة العاملين في حقل التمويل اإلسالمي " جميع
الصكوك المصدرة اليوم تضمن رد رأس المال إلى حملة الصكوك
عند إطفاءها ،مثل السندات الربوية سواء بسواء ،وذلك بوعد ملزم
إما من ُمصدر الصكوك أو من مديرها أنه سيشترى األصول التي
تمثلها الصكوك بقيمتها االسمية التي اشتراها بها حملة الصكوك
في بداية العملية ،بقطع النظر عن قيمتها الحقيقية أو السوقية في
ذلك اليوم .وبهذه اآللية المركبة استطاعت الصكوك أن تحمل
خصائص السندات الربوية من حيث إنها ال تعطى حملة الصكوك إال
نسبة معينة من رأس المال مبنية على سعر الفائدة ،وفي الوقت
نفسه إنها تضمن لحملة الصكوك استرداد رأس مالهم في نهاية
العملية
خاتمة
• لقد اقتطفنا عبارات من مقال ألحد رجال الشريعة البارزين
العاملين فى حقل التمويل االسالمى لمثل هذه الترتيبات التى
انتهت بالصكوك المسماة اسالمية الى مربع السندات
الربوية.
• وفى النهاية نقول أنه مالم تصحح هذه األوضاع بالنسبة
للتوريق والصكوك االسالمية نكون قد انحرفنا انحرافا ً هائالً
عن مقاصد التمويل االسالمى في الشريعة االسالمية .