تحميل المحاضرة على شكل ملف pdf

Download Report

Transcript تحميل المحاضرة على شكل ملف pdf

‫التواجد المسيحي على ارض النجف االشرف‬
‫من المسلم به في علم االثار أن ارض وادي الرافدين شهد اولى‬
‫االستيطانات البشرية ‪ ,‬عند تحول االنسان من حالة الصيد‬
‫والتنقل الى حالة الزراعة وتدجين الحيوان ‪ ,‬والتي ساعدت‬
‫على ظهور اولى القرى الزراعية ‪ ,‬ثم المدن والدول ‪ ,‬ونشوء‬
‫اولى الحضارات االنسانية ‪ ...‬فكانت سومر وأكد وبابل واشور‬
‫‪...‬‬
‫استمر هذا الوادي الخصيب في احتضان التطور الحضاري‬
‫االنساني وحفظ ارثه ‪ ,‬فضمت تربته شواخص تحكي عظمة‬
‫هؤالء الخالدين وقصة تطور االنسان وحضارته‪.‬‬
‫ليس بالغريب اليوم ان نسمع اكتشاف اثار في منطقة ارض النجف تعود‬
‫لحضارة كانت قائمة قبل اكثر من ‪ 1500‬سنة اي قبل الفتح االسالمي للمنطقة‬
‫‪ .‬حيث اكتشف اكثر من موقع اثري ‪ ,‬ليزاح التراب عن بقايا العديد من‬
‫االديرة والكنائس والمقابر المسيحية تعود الى حقبة دولة المناذرة اللخمينية‬
‫وحاضرتها مدينة الحيرة ‪ .‬اعلنت ذالك مديرية اثار النجف التي اكتشفت‬
‫جزء كبير منها اثناء أعمال انشاء مطار النجف الدولي ‪ .‬ودعت لها العديد من‬
‫المهتمين باالمر لزيارة هذه المواقع ‪ ,‬وكان من بينها واهمها زيارة عدد من‬
‫رجال الدين المسيحين وعلى راسهم السفير البابوي (سفير الفاديكان) ورئيس‬
‫ديوان االوقاف للمسيحين ‪ ,‬لقي هذا الوفد كل الحفاوة والتكريم من قبل‬
‫المسؤلين في النجف وعلى رأسهم السيد السستاني الذي قابلهم في داره‬
‫المتواضع ورحب بهم ‪ ,‬اضافة الى السادة سدنة الحضرة العلوية وصلوا مع‬
‫اخوتهم المسلين عند ضريح امير المؤمنين االمام علي بن ابي طالب ‪.‬‬
‫وتم االعالن كذالك عن اكتشاف اكبر مقبرة مسيحية تاريخية في العالم ‪,‬تبلغ‬
‫مساحتها ‪ 1416‬دونم وذات امتدادات واسعة من محافظة النجف ‪ ,‬لتجاور‬
‫أكبر مقبرة اسالمية في النجف حاليا ‪..‬‬
‫وقبل الخوض في تفاصيل هذه االكتشافات االثرية ال بد ان نلقي الضوء‬
‫على تلك الفترة من تاريخ العراق ‪ ,‬حيث ظهور دولة المناذرة ‪ ,‬وديانتهم ‪,‬‬
‫اللذين عاشوا في هذا الحوض واسسوا دولة دامت حوالي اربعمائة سنة ‪,‬‬
‫وانتهت ابان الفتح االسالمي ‪ ,‬في حدود سنة ‪ 633‬م‬
‫وبأفول نجم هذه الدولة في العراق بدأت الحقبة الجديدة من الحكم العربي‬
‫االسالمي وسيطرتها على مساحة واسعة من العالم المعروف انذاك ‪ ,‬والذي‬
‫امتد في فترات ‪ ,‬من حدود الصين شرقا الى بالد االسبان غربا ‪ .‬لتنتهي‬
‫هذه الحقبة بسقوط بغداد على يد المغول بقيادة هوالكو سنة ‪ 1258‬م ‪.‬‬
‫ليبقى العراق تحت نير الحكم االجني وفترة مضلمة من تأريخه اختفت من‬
‫على ارضه اي سمة من سمات الحضارة المتمدنة حتى مطلع القرن‬
‫العشرين بعد الحرب العالمية االولى وتأسيس الحكم الوطني في الدولة‬
‫العراقية الحديثة ‪.‬‬
‫دولة المناذرة اللخمينية في التأريخ‬
‫المناذرة اللخمينين هم ساللة عربية حكمت العراق قبل االسالم‬
‫وحتى الفتح االسالمي ‪ ,‬كانت ديانتهم النصرانية في المراحل‬
‫االخيرة من حكمهم ‪ ,‬بعد تحولهم عن الوثنية بتأثير عدد من الرسل‬
‫والقديسين المسيحين اللذين جابوا المنطقة مبشرين بديانتهم ‪ .‬كان‬
‫لتحول دين الدولة رسميا الى النصرانية تأثير كبير على ديانة‬
‫المنطقة وقبائلها ‪ ,‬حيث امتد هذا التأثير ليشمل الجزيرة العربية وما‬
‫يحيطها قبل االسالم ‪.‬‬
‫اصل اللخمينيون قبائل عربية من بني لخم هاجروا من اليمن على‬
‫اثر انهيار سد مأرب قبل الميالد ليستوطنوا ضفاف نهر الفرات ‪.‬‬
‫واطلق على دولتهم الدولة اللخمينية اضافة الى تسمية المناذرة نسبة‬
‫الى اسم ( منذر ) للعديد من اسماء ملوكهم ‪.‬‬
‫حكم في هذه الساللة عشرون ملكا ‪ ,‬استمرت مملكتهم من سنة ‪ 268‬م الى‬
‫سنة ‪ 633‬م ‪ .‬عاصمتهم الحيرة ( وهي كلمة ارامية تعني الحصن ) التي‬
‫تقع بالقرب من مدينة النجف بحوالي ‪ 15‬كم ‪ .‬تكلموا العربية واالرامية‬
‫الشرقية كلغة طقسية ‪ ,‬ومن الحيرة تعلم العرب الكتابة ‪ ,‬وينسب المؤرخ‬
‫البالذري الكتابة العربية الى الحيرة ‪ .‬حيث تم اشتقاق الخط العربي عن‬
‫الخط السرياني ‪ ,‬وظهر القلم النبطي ومنه تفرع القلم العربي الذي كتب به‬
‫اهل الحجاز عند ظهور االسالم ‪ ,‬فصار الحرف العربي الرسمي للمسلمين‪.‬‬
‫ومن اشهر مدنهم اضافة الى الحيرة ‪ ,‬عاقوال و عين تمر و النجف ( وهي‬
‫كلمة عربية تعني المرتفع ) والنعمانية ووابلة ( البصرة ) واالنبار وهيت‬
‫وعانة ‪ .‬وجميعها تقع في حوض الفرات الوسط والجنوبي ‪ .‬وتمتاز هذه‬
‫المنطقة بخصوبة عالية لالرض ووفرة في المياه العذبة ونظارة في بساتينها‬
‫ونقاوة هوائها ‪.‬‬
‫كانت هذه الدولة تابعة لالمبراطورية الساسانية وعاصمتها قيطيسفون (‬
‫المدائن ) ‪ .‬وعندما حاول أحد ملوكها وهو النعمان بن المنذر توحيد القبائل‬
‫العربية تمهيدا الستقاللها عن دولة فارس قام كسرى باستدراجه وحبسه‬
‫وقتله في سجنه ‪.‬‬
‫بعدها تضامنت القبائل العربية وثأرت لقتل مليكها ودخلت حربا ضد الجيش‬
‫الساساني ‪ ,‬انتصرت القبائل العربية في معركة ذي قار الشهيرة سنة ‪ 610‬م ‪.‬‬
‫وصف الرسول العربي محمد ( صلعم )عند وصول أخبار هذا االنتصار الى‬
‫الجزيرة بقوله ( هذا اليوم انتصف العرب من الفرس ) ‪.‬‬
‫كانت ديانة دولة المناذرة وثنية ‪ ,‬نفسها التي عرفت في منطقة الجزيرة وحتى في‬
‫تسمية بعض االلهه ‪ ,‬كالالة والعزة ‪ ..‬الى ان تنصرت الدولة على عهد المنذر بن‬
‫امرؤ القيس بن ماء السماء سنة ‪ 514‬م ويقال في رواية اخرى في عهد النعمان‬
‫بن منذر االول سنة ‪ 431 – 405‬م عندما شفاه القديس سمعان ايشو من علة‬
‫عجز اطباء عصره عن معالجته ‪ .‬وبعد تنصر دولة المناذرة انتشرت الديانة‬
‫المسيحية في جميع ارجاء وادي الرافدين وصارت مدنها مراكز لالحبار (‬
‫الجثليق ) ( الكراسي البابويه ) كمدينة الحيرة وتكريت وحتى في المدائن‬
‫عاصمة الدولة الساسانية التي كانت تدين بالمجوسية قبل الفتح االسالمي ‪.‬‬
‫تنصرت كثير من القبائل العربية منها قبائل‬
‫بني تميم وبنو امرؤ القيس وربيعة واياد وتغلب وغسان ولخم وجذام‬
‫وطي وكلب وقضاعة وتنوخ وبكر ‪.‬‬
‫وقد قال الشاعر العربي طخيم في مدح بني تميم‬
‫ويرتاح قلبي نحوهم ويتوق‬
‫واني وان كانوا نصارى نحبهم‬
‫انتشرت المراكز الدينية من كنائس واديرة وصارت هذه المراكز محطة اشعاع‬
‫حضاري كالعادة في تلك العصور وظهر العديد من االسماء الالمعة في مجال الطب‬
‫والهندسة والعلوم وغيرها ‪ ..‬الى جانب الرهبان والقديسين الذين زاولوا هذه المهن‬
‫الى جانب التأليف الديني والترجمة والشعر ‪.‬‬
‫كالشاعر حنين الحيري صاحب بيت الشعر الشهير في وصفه لنوع من الخبز ( وهو‬
‫خبز الرقاق ) المستعمل كتسمية الى هذا اليوم في شمال العراق حيث يقول‬
‫وبقوال وقطعة من نون‬
‫محقبا ركوة وخبز رقاق‬
‫والشاعر عدي بن زيد العبادي من شعراء بني تميم وزوج هند الصغرى بنت‬
‫النعمان التي ترهبت بعد مقتل قرينها‬
‫من هؤالء في مجال الطب الطبيب المسيحي أثير بن عمر هاني المسكوني من بلدة‬
‫عين تمر ( قرب كربالء الحالية ) الذي استدعي لمعالجة االمام علي بن ابي طالب‬
‫بعد جرحه في رأسه على اثر اعتداء من قبل عبد الرحمن بن ملجم من الخوارج سنة‬
‫‪ 661‬م ‪ ,‬وادى هذا االعتداء الى استشهاده ‪.‬‬
‫الجدير بالذكر ان جامعة الكوفة – كلية الطب تمنح سنويا جائزة الحسن‬
‫طبيب ‪ .‬اسمتها جائزة أثير السكوني للطب ‪ .‬بدأت الجامعة بمنح هذه‬
‫الجائزة منذعام ‪ 1998‬م‬
‫برعوا المناذرة كذالك في العمارة وما زال اسم قصر السدير وقصر‬
‫الخورنق علم في االبداع الهندسي من ذالك العصر ‪.‬‬
‫دخل القائد العربي خالد بن الوليد في عصر الفتوحات االسالمية مدينة‬
‫الحيرة سلما ‪ ,‬منهيا عصر دولة المناذرة ‪ .‬من بين وجهاء القوم الذين‬
‫صالحوا خالد بن الوليد على الحيرة هو عبد المسيح بن عمر بن بقيلة‬
‫وهاني بن قصبة الشيباني اللذان كانا على دين النصرانية ‪.‬‬
‫عند دخول الجيوش العربية االسالمية ارض العراق اسسوا الكوفة‬
‫كمعسكر لجيوش الفتح االسالمي ثم صارت عاصمة الخالفة في عهد االمام‬
‫علي بن ابي طالب رابع الخلفاء الراشدين ‪ .‬قلت بعدها اهمية الحيرة ومن‬
‫الثابت ان العديد من ابنية الكوفة قد شيدت من احجار ابنية الحيرة ‪ ,‬كما‬
‫حدث لمدينة بابل التي بنيت العديد من ابنيتها بطابوق بابل ‪.‬‬
‫بقية الحيرة كمنتجع يؤمها الكثيرين للتمتع بطيب اجوائها‬
‫وخصوصا خلفاء بني العباس ‪ ,‬ويذكر منهم الخليفة هارون‬
‫الرشيد الذي كان دائم الزيارة لمنطقة الحيرة وزيارة دير هند‬
‫الصغرى بنت النعمان ‪ ,‬الناسكة المعروفة في اواخر عهد دولة‬
‫المناذرة ‪.‬‬
‫وبعد ذالك هجرت المدينة وقل االهتمام بها على حساب تصاعد‬
‫االهتمام بمدينتي الكوفة والنجف حتى اندثرت تماما ولم يبقى‬
‫منها اليوم سوى اطالل تنتضر من يزيل الغبار عنها ‪.‬‬
‫ديارات الحيرة‬
‫في ادبيات الكنيسة اسماء العديد من الديارات التي كانت في تلك الحقبة عامرة‬
‫بالنشاط الديني التعبدي اضافة الى نشاطات ادبية وعلمية للرهبان كعادتهم غي تلك‬
‫العصور ‪ ,‬منها‬
‫دير هند الصغرى‬
‫يقع شمال الحيرة ‪ ,‬ينسب هذا الدير الى هند الصغرى بنت النعمان الثالث ‪ .‬كانت‬
‫من اجمل بناة زمانها ومن ذوات الفصاحة واالدب والشعر ‪ ,‬وقد تزوجت في‬
‫الحادية عشر من عمرها من الشاعر عدي بن زيد العبادي وكان وزيرا لدى‬
‫النعمان ‪ ,‬اغتيل زيد فدخلت هند ديرا للراهبات ‪ .‬ويقال ان النعمان والدها بنى هذا‬
‫الدير البنته لتتعبد به ‪ ,‬وسكنته دهرا طويال ‪ ,‬وكان النعمان يصلي هو به ‪ ,‬وقد‬
‫كان مزار للعديد من الناس بعد انشائه بمئات السنين ‪ ,‬ويقال ان الخليفه هارون‬
‫الرشيد قد زاره عدة مرات اثناء قضاء فترات من الراحة في مدينة الحيرة ‪.‬‬
‫وعند الفتح االسالمي زار هند في ديرها خالد بن الوليد ‪ ,‬وقل لها سليني حاجة ‪,‬‬
‫فقالت هؤالء النصارى اللذين في ذمتك تحفظونهم ‪ ,‬قال هذا فرض علينا اوصانا‬
‫به نبينا محمد ( صلعم ) ‪ ,‬فقالت عنه البيت‬
‫صان لي ذمتي وأكرم وجهي انما يكرم الكريم الكريم‬
‫ديرهند الكبرى‬
‫هي ابنة الحارث بن عمر بن حجر الملك الكندي وهي عمة امرؤ القيس الشاعر‬
‫المشهور‬
‫يقع بالقرب من مدينة النجف‬
‫دير الجرعة او دير عبد المسيح بن بقيلة‬
‫يقع في الشمال الغربي من الكوفة ‪ ,‬وعبدالمسيح احد اعيان نصارى الحيرة ‪,‬‬
‫وجميع الذين ذكروه يجمعون على التحدث عن شرفه وثباته في النصرانية بعد‬
‫االسالم واشتهر بمصالحة خالد بن الوليد قومه على الحيرة ‪ .‬ومات عبد المسيح‬
‫عن عمر طويل ودفن في ديره ‪.‬‬
‫دير الجماجم و دير حنة الكبير وديرحنظلة ودير داديشوع ودير دندا والدير‬
‫الخصيب ودير زرارة و دير الزرنوق ودير الشاء ودير سلسلة ودير العدل ودير‬
‫عبديشوع ودير العذارى ودير عقلمة ودير قرة ودير كعب ودير اللج ودير ابا‬
‫الكبير ودير السالح ودير المعري ‪ .‬وغيرها ال مجال لذكرها جميعها ‪...‬‬
‫شكرا لحسن اصغائكم‬