Transcript ******* 1

‫الحسن‪ ،‬والجمال مصدر الجميل‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال ابن سيده‪ :‬الجمال‪ :‬الحسن ويكون في الفعل والخلق‪.‬‬
‫ال يدخل الجنة من‬
‫كان في قلبه مثقال ذرة من كبر‪ ,‬قال رجل‪ :‬إن الرجل يحب أن يكون ثوبه‬
‫حسنا‪ ،‬ونعله حسنا‪ ،‬قال‪ :‬إن هللا جميل يحب الجمال‪ .‬الكبر‪ :‬بطر الحق‪،‬‬
‫وغمط الناس‬
‫إن هللا جميل‪ ،‬اختلفوا في معناه‪ ،‬فقيل إن معناه‪ :‬أن كل أمره‬
‫سبحانه حسن جميل‪ ،‬وله األسماء الحسنى وصفات الجمال والكمال‪.‬‬
‫إن هللا سبحانه‬
‫وتعالى جميل‪ ,‬أي‪ :‬له الجمال الحقيقي كله؛ فهو سبحانه له الجمال المطلق‪ ,‬وكل مافي المخلوقات من‬
‫جمال فهو من آثار جمال الرب جل في عاله؛ فكل ما ترونه من جمال المخلوقات هي ال شيء يذكر‬
‫من جمال الخالق‪.‬‬
‫إن هللا تعالى جميل‪ ,‬أي‪ :‬حسن األفعال كامل األوصاف‪.‬‬
‫فاهلل سبحانه الجميل فله سبحانه الجمال المطلق الذي هو الجمال على‬
‫الحقيقة؛ فإن جمال هذه الموجودات على كثرة ألوانه وتعدد فنونه هو من بعض آثار جماله؛ فيكون‬
‫سبحانه أولى بذلك الوصف من كل جميل فإن واهب الجمال للموجودات ال بد أن يكون بالغا من هذا‬
‫الوصف أعلى الغايات‪ ،‬وهو سبحانه الجميل بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله‪.‬‬
‫‪-1‬إن هللا تعالى هو الجميل على الحقيقة بال كيف نعلمه‪ ،‬وجماله بالذات واألوصاف‬
‫ْس َك ِم ْثلِ َِه َش ْيءَ َوهُ ََو ال َّس ِمي َُع‬
‫واألسماء واألفعال ال شيء يماثله في ذلك‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬لَي ََ‬
‫س ِميًّا}‪(.‬مريم‪)65:‬‬
‫صي َُر}(الشورى‪ ،)11:‬وقال سبحانه‪{ :‬هَلَْ تَ ْعلَ َُم لَ َهُ َ‬
‫ْالبَ ِ‬
‫فاهلل سبحانه الجميل الذي ال أجمل منه؛ بل لو كان جمال الخلق كلهم على رجل واحد‬
‫منهم وكانوا جميعهم بذلك الجمال لما كان جمالهم قط نسبة إلى جمال هللا؛ بل كانت‬
‫لِل ْال َِم َثلِ ْاْلَعْ لَى}‬
‫النسبة أقل من نسبة سراج ضعيف إلى ضياء جرم الشمس { َو ّ َِّ‬
‫(النحل‪ ،)60:‬ثم إن كل جمال في الوجود من آثار صنعه‪ ،‬فله جمال الذات‪ ،‬واألوصاف‪،‬‬
‫واألفعال واألسماء؛ فأسماؤه سبحانه كلها حسنى‪ ،‬وصفاته كلها كمال وأفعاله كلها‬
‫جميلة‪.‬‬
‫فال يستطيع بشر النظر إلى جالله وجماله في هذه الدار؛ فإذا رأوه سبحانه في جنات‬
‫النعيم أنستهم رؤيته ما هم فيه من النعيم‪ ،‬فال يلتفتوا حينئذ إلى شيء غيره‪.‬‬
‫لوال حجاب النور على وجهه ألحرقت سبحات وجهه سبحانه وتعالى "ما‬
‫قام فينا رسول هللا صلى‬
‫انتهى إليه بصره من خلقه"‪،‬‬
‫هللا عليه وسلم بأربع كلمات فقال‪ :‬إن هللا ال ينام وال ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه‬
‫ويرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل‪ ،‬حجابه النار لو كشفها ألحرقت‬
‫سبحات وجهه – زاد عبد هللا – كل شيء أدركه بصره رواه مسلم‪ ،‬وأفعاله سبحانه جميلة‬
‫فهي دائرة بين البر واإلحسان التي يحمد عليها ويثنى بها ويشكر‪.‬‬
‫وإن مما يدلك على جمال البارئ سبحانه‪ ،‬جمال األلوان التي احتوت أصناف الجمال‪ ،‬وجمالها‬
‫الحسن فهو أولى منها‪ ،‬فكل جمال الدنيا‬
‫من هللا تعالى فهو الذي كساها الجمال‪ ،‬وأعطاها ُ‬
‫باطني وظاهري ال شيء بالنسبة لجماله سبحانه‪ ،‬وهللا سبحانه نور السموات واألرض‬
‫اجة‬
‫اوات َو أاألَ أرض َمثَ ُل نُوره َكم أ‬
‫صبَاح ا ألم أ‬
‫ش َكاة في َها م أ‬
‫صبَ ُ‬
‫اح في ُز َج َ‬
‫هللاُ نُو ُر الس َم َ‬
‫ُّ‬
‫ار َكة َز أيتُونَة َال ش أَرقية َو َال َغ أربية يَ َكا ُد َز أيتُ َها‬
‫اجةُ َكأَن َها َك أو َكب د ُِّري يُوقَ ُد منأ ش ََج َرة ُمبَ َ‬
‫الز َج َ‬
‫سهُ نَار نُور َعلَى نُور يَ أهدي هللاُ لنُوره َمنأ يَشَا ُء (النور‪ ،)35:‬تأملي هذه‬
‫س أ‬
‫يُضي ُء َولَ أو لَ أم تَ أم َ‬
‫اآلية وقفي معها في وصف هللا بالنور‪.‬‬
‫اللهم لك الحمد أنت‬
‫نور السموات واألرض ومن فيهن ‪ ....‬صحيح البخاري‪ ،‬وفي العرض األكبر تشرق األرض‬
‫ض بنُور َربِّ َها (الزمر‪)69:‬؛ فهو سبحانه نور السماوات واألرض‪.‬‬
‫بنور هللا َوأَش َأرقَت أاألَ أر ُ‬
‫والحسن لمن شاء‪ ،‬ولذا كان من آثار جماله ما نراه‬
‫‪-2‬إن هللا سبحانه الجميل هو واهب الجمال‬
‫ُ‬
‫إنا َج َع ألنَا‬
‫في الكون يراه رائعا‪ ،‬عجيبا جميال ال ت َمل العين من جماله وروعته‪،‬‬
‫ع َمال (الكهف‪)7:‬‬
‫سنُ َ‬
‫َما َعلَى أاألَ أرض زينَة لَ َها لنَ أبلُ َو ُه أم أَ ُّي ُه أم أَ أح َ‬
‫فإنه سبحانه زين األرض وجملها بأنواع الحدائق والبساتين واألزهار واألشجار ذات البهجة‬
‫والحسن والجمال حتى إن الناظر تبتهج نفسه وتفرح بسببها‪ ،‬وهو سبحانه أيضا زين السماء‪،‬‬
‫يح (الملك‪)5:‬‬
‫صاب َ‬
‫َولَقَ أد َزينا الس َما َء ال ُّد أنيَا ب َم َ‬
‫فمشهد النجوم في السماء جميل جماال يأخذ القلوب‪ ،‬وهو جمال متجدد تتعدد ألوانه بتعدد أوقاته؛‬
‫بل إن النفس لتؤسر عند مشهد الشروق والغروب ومشهد الضباب والسحاب وأن جمالها يأخذ‬
‫ف بَنَ أينَا َها َو َزينا َها َو َما لَ َها منأ فُ ُروج‬
‫باأللباب‪،‬‬
‫أَفَلَ أم يَ أنظُ ُروا إلَى الس َماء فَ أوقَ ُه أم َك أي َ‬
‫(ق‪)6،7:‬‬
‫ض َم َد أدنَا َها َوأَ ألقَ أينَا في َها َر َواس َي َوأَ أنبَ أتنَا في َها منأ ُك ِّل َز أوج بَهيج‬
‫َو أاألَ أر َ‬
‫ََ ه َُو الذي أَ أن َز َل م َن‬
‫بل حتى النباتات من حولنا لها جمال يخلب اللب ويثير الوجدان‪,‬‬
‫َيء فَأ َ أخ َر أجنَا م أنهُ َخضرا نُ أخر ُج م أنهُ َحبا ُمتَ َراكبا َوم َن الن أخل منأ‬
‫الس َماء َماء فَأ َ أخ َر أجنَا به نَبَاتَ ُك ِّل ش أ‬
‫شتَبها َو َغ أي َر ُمتَشَابه ا أنظُ ُروا إلَى ثَ َمره إ َذا‬
‫ان ُم أ‬
‫الرم َ‬
‫طَ ألع َها ق أن َوان َدانيَة َو َجنات منأ أَ أعنَاب َوالز أيتُ َ‬
‫ون َو ُّ‬
‫ون (األنعام‪)99:‬‬
‫أَ أث َم َر َويَ أنعه إن في َذل ُك أم َآلَيَات لقَ أوم يُ أؤمنُ َ‬
‫انظر األلوان المتناسقة في الزهور والثمار فيها إبداع وجمال‪ ،‬والبرتقالة تبدأ باللون األخضر؛ فإذا‬
‫نضجت تحولت إلى اللون األصفر‪ ،‬ومن أروع ما في الكون من جمال اللون األخضر وهو الغالب على‬
‫كل ألوان النبات‪ ،‬مما يثير بهجة في النفس‪.‬‬
‫ون (النحل‪)6:‬؛ ففي األنعام جمال وزينة‬
‫ وفي األنعام جمال‬‫س َر ُح َ‬
‫ون َوح َ‬
‫يح َ‬
‫َولَ ُك أم في َها َج َمال ح َ‬
‫ين تَ أ‬
‫ين تُر ُ‬
‫في أعين الناس‪ ،‬لحسن صورتها وتركيبها وتناسق أعضائها وتناسبها‪.‬‬
‫سن تَ أقويم (التين‪ ،)4:‬ويوسف –عليــه‬
‫ وخلق اإلنسان في أحسن صورة‬‫س َ‬
‫ان في أَ أح َ‬
‫لَقَ أد َخلَ أقنَا أاإل أن َ‬
‫السالم‪ -‬أوتي شطر الحسن وليس حسن الدنيا ولكن حسن وجمال آدم –عليه السالم‪ ،-‬فإن النسوة لما رأينه أَ أكبَ أرنَهُ‬
‫ه َذا إال َملَك َكريم (يوسف‪)31:‬‬
‫اش هلل َما َه َذا بَشَرا إنأ َ‬
‫َوقَط أع َن أَ أيديَ ُهن َوقُ أل َن َح َ‬
‫ ولقد أعطى نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم من ذلك الجمال حظا وافرا‬‫كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أحسن الناس وجها‪ ,‬وأحسنه خلقا ليس بالطويل الذاهب وال بالقصير ‪.‬‬
‫فيحلة‬
‫كان النب ُّي صلى هللاُ عليه وسلم مربوعا‪ ،‬بعي َد ما َ‬
‫بين ال َمنكبَين‪ ،‬له شعر يبل ُغ شَح َمةَ أُ ُذنَيه‪ ،‬رأيتُه ُ‬
‫حمرا َء لم أ َر شَيئا ق ُّ‬
‫وجهُ النبي صلى هللاُ عليه‬
‫ط أحسن منه (صحيح البخاري)‪،‬‬
‫أكان أ‬
‫وسلم مثل الس أيف‪ ،‬قال ‪ :‬ال‪ ،‬بل م أث َل القَ َمر ‪(.‬صحيح البخاري)‬
‫ ولذا تجد كثيرا من األحاديث إذا سئل الصحابي عن وصف النبي صلى هللا عليه وسلم إن النبي صلى هللا عليه وسلم‬‫سر أصبح وجهه كالبدر من شدة النور‪ ،‬وكان من وصفه –عليه السالم‪ -‬أبيض اللون مشربا بالحمرة‪ ،‬صلت‬
‫إذا ُ‬
‫الجبين‪ ،‬أدعج العينين –أي شديد السواد‪ -‬أقني األنف –أي طويل األنف‪ -‬وله برقة في أرنبته‪ ،‬كأن عنقه إبريق فضة‪،‬‬
‫طويل رموش العينين‪ ،‬وكان صلى هللا عليه وسلم من عند صدره إلى صرته خط فيه شعر خفيف‪ ،‬هذا ما وجد على‬
‫ما‬
‫صدره صلى هللا عليه وسلم من الشعر وكان من حسنه وجماله في رقة يده‪،‬‬
‫مست يدي ديباجا وال حريرا أبين من كف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ,‬وكان صلى هللا عليه وسلم مع هذا أشد‬
‫حياء من العذراء في خدرها‪ ،‬وكان مع هذا الحسن قد ألقيت عليه المحبة والمهابة؛ فمن وقعت عليه عيناه أحبه‬
‫وأهابه‪ ،‬وقد جمع هللا له مع جمال الخلقة وجمال ُ‬
‫الخلق وحسنه فهو –عليه السالم‪-‬‬
‫َ‬
‫ق (صحيح البخاري)‬
‫الحديث‪َ ،‬وت أَحم ُل ال َكل‪َ ،‬وتَ أقري‬
‫ق‬
‫الح ِّ‬
‫َص ُد ُ‬
‫َ‬
‫إنك لَتَص ُل الرح َم‪َ ،‬وت أ‬
‫الضيف‪َ ،‬وتُعينُ َعلَى نَوائب َ‬
‫خدمت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عشر سنين فما قال لي ‪ :‬أف قط‪،‬‬
‫وما قال لشيء صنعته ‪ :‬لم صنعته ؟ وال لشيء تركته ‪ :‬لم تركته ؟ وكان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من‬
‫أحسن الناس خلقا ‪ ،‬وما مسست خزا قط وال حريرا وال شيئا كان ألين من كف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫وال شممت مسكا قط وال عطرا كان أطيب من عرق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم (صحيح الترمذي)‪،‬‬
‫إن‬
‫لم يكن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فاحشا ًوال متفحشا ً‪،‬‬
‫خياركم أحاسنكم أخالقا (صحيح البخاري)‪ ،‬فحسن الخلق يبلغ العبد مقامات عالية في الجنة ال يبلغها بعلمه‪،‬‬
‫أثقل شيء في ميزان المؤمن خلق حسن‪ ،‬إن هللا يبغض الفاحش المتفحش البذيء (صحيح‬
‫إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخالقا‪،‬‬
‫الجامع)‪،‬‬
‫وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون ‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول هللا قد‬
‫علمنا الثرثارين والمتشدقين فما المتفيهقون ؟ قال ‪ :‬المتكبرون (صحيح الترمذي)‬
‫ظاهر وباطن‪.‬‬
‫هو المحبوب لذاته‪ ,‬وهو جمال العقل والجود والعفة والشجاعة‪ ،‬وهذا الجمال الباطن محل نظر هللا‬
‫إن هللا ال ينظر إلى صوركم وال إلى أموالكم‪ ,‬ولكن ينظر إلى‬
‫من عبده وموضع محبته‪،‬‬
‫قلوبكم وأعمالكم ‪ .‬صحيح مسلم‬
‫وهذا الجمال الباطن يزين الصورة الظاهرة‪ ،‬وإن لم تكن ذات جمال؛ فتكسوا صاحبها من الحالوة والمهابة‪ ،‬بحسب ما‬
‫اكتسب روحه من تلك الصفات؛ فإن المؤمن يُعطى مهابة وحالوة بحسب إيمانه‪ ،‬فمن رآه هابه‪ ،‬ومن خالطه أحبه‪،‬‬
‫وهذا أمر مشهود بالعيان‪ ،‬فإنك ترى الرجل الصالح المحسن ذا األخالق الجميلة من أحلى الناس صورة وإن كان‬
‫أسود أو غير جميل‪ ،‬وال سيما إذا ُرزق حظا من صالة الليل فإنها تُنور الوجه وتحسنه‪ ،‬وقد كان بعض النساء تكثر‬
‫من صالة الليل فقيل لها في ذلك فقالت‪ :‬تدنيني من ربي وتحسن وجهي‪.‬‬
‫ومما يدل على أن الجمال الباطن أحسن من الظاهر‪ ,‬أن القلوب ال تنفك عن تعظيم صاحبه ومحبته والميل له‪.‬‬
‫يَزي ُد‬
‫فزينة خص هللا بها بعض الصور عن بعض‪ ،‬وهي من زيادة الخلق التي‬
‫في ا أل َخ ألق َما يَشَا ُء ( فاطر‪)1:‬‬
‫قالوا‪ :‬هو الصوت الحسن والصورة الحسنة‪ ،‬والقلوب مفطورة على استحسانه‪ ،‬ولقد حرص اإلسالم على حسن‬
‫الشكل‪ ،‬وجمال الهيئة في غير كبر أو ازدراء للناس‪ ،‬ولذا كانت سنن الفطرة التي أمر بها اإلسالم بمثابة تجميل‬
‫وتحسين لإلنسان‪ ،‬وقد بين النبي صلى هللا عليه وسلم أن من يحرص على نقاوة بدنه ونظافة أعضائه بالوضوء فإنه‬
‫يبعث يوم القيامة مضيء الوجه أغر الجبين‪ ،‬نقي األعضاء‪،‬‬
‫لين من آثار الوضوء‪ ،‬فمن استطاع من ُكم أن يُطي َل ُ‬
‫غرتهُ ف أليفعل (صحيح‬
‫دعون يو َم القيامة ُغرا ً ُمحج َ‬
‫َ‬
‫إن أُمتي يُ‬
‫ُ‬
‫حيث يبل ُغ الوضو ُء (صحيح مسلم)‪ ،‬فمن كان في الدنيا وضوءه كثير‬
‫تبل ُغ الحليةُ من المؤمن‬
‫البخاري)‪،‬‬
‫قوي نوره يوم القيامة‪ ،‬وبالل رضي هللا عنه سبق إلى الجنة ألنه كان يتوضأ ومع كل وضوء يصلي؛ فالنظافة والجمال‬
‫جزء ال يتجزأ من اإلسالم فالمسلم نظيف البدن‪ ،‬جميل الهيئة‪ ،‬والجسم المتسخ الهزيل المتزين بالذيل المرقع إنما هو‬
‫من عالمة الجهل بالدين بل ظنه بعضهم أن هذا من العبادة وهذا غاية الجهل‪ ،‬فاهلل عز وجل جميل يحب الجمال‪ ،‬فكيف‬
‫يتقرب إليه بما ال يحبه؟‪.‬‬
‫إن هللا ُيحِب أن يرى أثر نعمت ُه على عبد ِه (سنن الترمذي)‪،‬‬
‫رآني النبي صلى هللا عليه وسلم وعلي أطمار ‪ ،‬فقال‪ :‬هل لك من مال؟ قلت ‪ :‬نعم‪،‬‬
‫قال‪ :‬من أي المال ؟ ! قلت ‪ :‬من كل قد آتاني هللا ‪ :‬من الشاة ‪ ،‬واإلبل‪.‬قال ‪ :‬إذا آتاك هللا ماال ؛ فلير‬
‫أثر نعمة هللا وكرامته عليك (حدثه األلباني)؛ فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده‪ ،‬فإنه من الجمال الذي‬
‫يحبه وذلك من شكره على نعمه‪ ،‬وهو جمال باطن فيجب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن‬
‫بالشكر عليها‪.‬‬
‫والجمال الظاهر من أعظم نعم هللا على عبده يوجب الشكر‪ ،‬فإن شكره بتقواه لربه وصيانته ازداد جماال على جمال‪،‬‬
‫وإن استعمل جماله في معصية هللا قلبه له في الدنيا قبل اآلخرة‪ ،‬فتعود تلك المحاسن وحشة وقبحا وشينا‪ ،‬وينفر‬
‫عنه من رآه‪ ،‬فكل من لم يتق هللا في حسن وجماله انقلب قبح وشينا‪ ،‬فحسن الباطن يعلو قبح الظاهر ويستره‪،‬‬
‫وقبح الباطن يعلو جمال الظاهر ويستره‪ ،‬ولذا فإن المؤمن حريص أن ال يفتن بالجمال الظاهر فيقارب المعاصي‬
‫رجل دعته امرأة‬
‫بسبب هذا الجمال‪ ،‬ونذكر هنا‬
‫ذات منصب وجمال فقال إني أخاف هللا ‪ ،‬فهذا العبد التقي‪ ,‬لم يغره الجمال وال المنصب أن يفعل هذا الفعل الذي‬
‫يغضب هللا؛ بل قد امتأل قلبه من خوف الوقوف بين يدي هللا فترك الذي يغضب هللا؛ بل قد امتأل قلبه من خوف‬
‫الوقوف بين يدي هللا؛ فترك هذا األمر إجالال هلل فكان من هللا الجزاء بأن يكون من السبعة الذين يظلهم في ظله‪,‬‬
‫والناس في زحمة الموقف تحت الشمس كل يعرق على قدر عمله‪ ،‬أجارنا هللا وإياكم من هذا الموقف وجعلنا من‬
‫ُيظل بظله يوم ال ظل إال ظله‬
‫يا بنِي آدم قد‬
‫ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا وزينة تجمل ظواهرهم وتقوى تجمل بواطنهم‬
‫اس ال َّتقوى ذلِك خير ذلِك مِن آيا ِ‬
‫هللا لعلَّ ُهم ي َّذ َّك ُرون (األعراف‪،)26:‬‬
‫ت َّ ِ‬
‫اري سوآتِ ُكم و ِريشا ولِب ُ‬
‫أنزلنا علي ُكم لِباسا ُيو ِ‬
‫س ُرورا‬
‫يا بنِي آدم ُخ ُذوا ِزينت ُكم ِعند ُكل مس ِجد (األعراف‪،)31:‬‬
‫ول َّقاهُم نضرة و ُ‬
‫(اإلنسان‪)11،12:‬‬
‫وجزاهُم ِبما صب ُروا ج َّنة وح ِريرا‬
‫فجمل وجوههم بالنضرة وبواطنهم بالسرور وأبدانهم بالحرير‪ ،‬وهو سبحانه كما يحب جمال األقوال واألفعال‬
‫واللباس والهيئة فهو يبغض القبيح من األقوال واألفعال والثياب والهيئة؛ فيبغض القبيح وأهله ويحب الجمال‬
‫وأهله‪.‬‬
‫‪-1‬منه ما ُيحمد‪ :‬وهو ما كان هلل وأعان على طاعة هللا وتنفيذ أوامره واالستجابة له‪ ,‬كما كان النبي صلى هللا عليه‬
‫ُ‬
‫النبي صلَّى هللاُ علي ِه‬
‫رأيت‬
‫وسلم يتجمل للوفود‪،‬‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫القمر وعلي ِه ُحلَّة حمرا ُء فإذا هو‬
‫رسول هللاِ صلَّى هللاُ علي ِه وسلَّم وإلى‬
‫فجعلت أنظ ُر إلى‬
‫وسلَّم في ليل ِة إِضحِيان‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫القمر (سنن الترمذي) فكان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يحب الجمال‪.‬‬
‫عندي أحسنُ من‬
‫ِ‬
‫‪-2‬منه ما ُيذم‪ :‬وهو ما كان للدنيا والرياسة والفخر والخيالء والكبر‪ ،‬وهو من باب ازدراء واحتقار الناس؛ فهذا‬
‫مذموم‪.‬‬
‫‪-3‬منه ما ال يذم وال يحمد‪ :‬وهو ما خال من القصدين وتجرد من هذه الوصفين‪.‬‬
‫فإنه سبحانه ُيعرف بالجمال الذي ال يماثله فيه شيء‪ ،‬و ُيعبد بالجمال الذي يحبه من األقوال واألعمال‬
‫واألخالق‪ ،‬فعلى العبد أن يجمل لسانه بالصدق وقلبه باإلخالص‪ ،‬والمحبة واإلنابة والتوكل‪ ،‬وجوارحه بالطاعة‬
‫ونعمه عليه في لباسه وتطهير نفسه من األوساخ فيقلم أظافره‪ ،‬ويقص شاربه ويستنجي‪ ،‬إلى غير ذلك من سنن‬
‫الفطرة‪-.‬ما تقدم من كالم ابن القيم –رحمه هللا‪ -‬بتصرف‪ ،‬والقرطبي‪.-‬‬
‫فاص ِبر صبرا جمِيال (المعارج‪ ،)5:‬أي صبرا ال شكوى فيه ألحد غير هللا تعالى‪ ،‬وذلك في مقابل استهزاء الكفار‬
‫وعدم إيمانهم بما يدعوهم إليه من اإليمان باهلل واليوم اآلخر‪،‬‬
‫فصبر جمِيل (يوسف‪ ،)18:‬عند فقده ابنيه يوسف وبنيامين وهو –عليه السالم‪-‬‬
‫هللا ما ال تعل ُمون (يوسف‪ ،)86:‬وينبغي أن يعلم إن إخبار‬
‫هللا وأعل ُم مِن َّ ِ‬
‫قال إِ َّنما أش ُكو بثي و ُحزنِي إِلى َّ ِ‬
‫المخلوق بالحال لالستعانة أو اإلرشاد ال يقدح في الصبر‪ ،‬فإخبار المريض للطبيب بشكايته‪ ،‬وإخبار المظلوم لمن‬
‫ال بأس ‪ ،‬طهور إن شاء‬
‫ينتصر به بحاله‪،‬‬
‫هللا (حدثه األلباني)‬
‫واه ُجرهُم هجرا جمِيال (المزمل‪ ،)10:‬والمعنى اهجرهم في هللا هجرا‬
‫صفح الجمِيل (الحجر‪،)85:‬‬
‫جميال ال عتاب فيه‪ ,‬وفعل ال جزع فيه‪،‬‬
‫فاصف ِح ال َّ‬
‫وليعفُوا وليصف ُحوا (النور‪)22:‬؛ فالعفو يختلف عن الصفح فبعض الناس يعفو ولكن ال ينسى‬
‫وال يمحيها من قلبه‪ ،‬فالعفو في نفس الوقت‪ ,‬والصفح أن يمحي ما في قلبه وال يبقى في قلبه شيء من ذلك‬
‫الموقف‪،‬‬
‫يل َّ‬
‫هللاِ وليعفُوا‬
‫وال يأت ِل أُولُو الفض ِل مِن ُكم و َّ‬
‫السع ِة أن ُيؤ ُتوا أُولِي القُربى والمساكِين وال ُمها ِج ِرين فِي س ِب ِ‬
‫هللاُ ل ُكم و َّ‬
‫ح ُّبون أن يغفِر َّ‬
‫وليصف ُحوا أال ُت ِ‬
‫ألحب أن ُيغفر لي‬
‫وهللا إني‬
‫هللاُ غفُور رحِيم (النور‪ )22:‬؛فقال أبو بكر‪ :‬بلى َّ ِ‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫ينفق علي ِه ‪.‬‬
‫فرجع إلى مسطح نفقته الَّتي كان‬
‫َّ‬
‫يا أ ُّيها ال َّن ِب ُّي قُل ِألزوا ِجك إِن ُكن ُتنَّ ُت ِردن الحياة الدُّنيا و ِزينتها فتعالين أ ُمتع ُكنَّ وأُسرح ُكنَّ‬
‫سراحا جمِيال (األحزاب‪ ،)28:‬أي‪ :‬طالقا خاليا من األذى‪ ،‬مع أداء الحقوق والواجبات‪ ,‬وهذا السراح الذي يحبه هللا‬
‫عز وجل ورسوله صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪-5‬إن مما يسترعي االنتباه جمال القرآن الكريم؛ فإنك لو تركت القارئ يقرأ القرآن ويرتله حق ترتيله؛‬
‫فإنك ستجد نفسك منساقا وراء هذه التالوة وال يعتريك شيء من السآمة أو الملل؛ بل ال تنفك تطلب‬
‫المزيد منه‪ ،‬وهذا الجمال في لغة القرآن ال يخفى على أحد ممن يسمع القرآن‪ ،‬حتى الذين ال يعرفون لغة‬
‫العرب؛ فكيف يخفى على العرب أنفسهم؟‬
‫إن له لحالوة‪ ,‬وإن عليه لطالوة‪ ،‬وإنه يعلو وال ُيعال‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪ -6‬إن أجمل ما خلقه الجميل سبحانه الجنة‪ ,‬وما فيها من نعيم‪،‬‬
‫ُ‬
‫عددت لعبادي الصالحين ما ال عينُ رأت ‪ ،‬وال أُذن سمعت ‪ ،‬وال خطر على‬
‫أ‬
‫قل ِ‬
‫ب بشر ‪ ،‬وأقرؤوا إن شئ ُتم‪ :‬فال تعل ُم نفس ما أُخفِي ل ُهم مِن قُ َّر ِة أع ُين جزاء بِما كا ُنوا يعملُون (السجدة‪)17:‬‬
‫(صحيح الترمذي)‬
‫وحتى تعلمي حسن الجنان وجمالها وجمال أهلها انظري عند باب الجنة عينين؛ فيشرب أهل الجنة من العين األولى‬
‫فيذهب ما في بطونهم من األذى‪ ،‬ثم يشربون من الثانية فيلبسون نضرة النعيم‪ ،‬وهذا الحسن والجمال يتفاوت على‬
‫قدر منازلهم في الجنةح ألن الجنة درجات ما بين كل درجة ودرجة ما بين السماء واألرض‪.‬‬
‫فالجنة جميلة وال يدخلها إال كل جميل‬
‫السماء‬
‫البدر ‪ ،‬ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دُري في‬
‫القمر ليلة‬
‫إنَّ أول ُزمرة يد ُخلون الجنة على صور ِة‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الذهب ‪ ،‬ورش ُحه ُم المِس ُك ‪ ،‬ومجام ُِرهم‬
‫يتغوطون ‪ ،‬وال يتفِلون وال يمتخِطون ‪ ،‬أمشا ُطه ُم‬
‫إضاءة ‪ ،‬ال يبولون وال‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫ج ‪ ،‬عو ُد الطي ِ‬
‫لق رجل واحد ‪ ،‬على صور ِة أبيهم آدم ‪ ،‬ستون‬
‫الح ُ‬
‫ب ‪ -‬وأزوا ُجهم ُ‬
‫األلُ َّوةُ ‪ -‬األلنجو ُ‬
‫ور العِينُ ‪ ،‬على خ ِ‬
‫السماء (صحيح البخاري)؛ فأهلها يتفاوتون في الحسن والجمال بتفاوت مراتبهم ودرجاتهم في الجنة كما‬
‫ذِراعا في‬
‫ِ‬
‫بينا في الحديث‪ ،‬وأهل الدرجات في الجنة ليسوا في نعيم واحد‪ ،‬وإنما لكل درجة لها متعتها الخاصة ونعيم ال يوجد‬
‫إِنَّ األبرار لفِي نعِيم‬
‫مثله في الدرجة التي دونها‪ ،‬فكلما علت الدرجة اتسعت واتسع معها نعيمها‬
‫خِتا ُم ُه مِسك‬
‫ُيسقون مِن رحِيق مخ ُتوم‬
‫ِيم‬
‫على األرائِكِ ين ُظ ُرون‬
‫تع ِر ُ‬
‫ف فِي ُو ُجو ِه ِهم نضرة ال َّنع ِ‬
‫(المطففين)‪،‬‬
‫سون‬
‫س ال ُمتنافِ ُ‬
‫وفِي ذلِك فليتناف ِ‬
‫إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم ‪،‬كما تتراءون الكوكب الدري‬
‫الغابر من األفق من المشرق أو المغرب ؛ لتفاضل ما بينهم ‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول هللا ؛تلك منازل األنبياء ال يبلغها‬
‫غيرهم ‪ .‬قال ‪ :‬بلى ‪ ,‬والذي نفسي بيده رجال آمنوا باهلل وصدقوا المرسلين (صحيح مسلم)‬
‫سلوا هللا لي الوسيلة‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول هللا‬
‫وما الوسيلة? قال‪ :‬أعلى درجة في الجنة ال ينالها إال رجل واحد أرجو أن أكون أنا هو (صحيح الترمذي)‪ ،‬وحسن‬
‫أهل الجنة وجمالهم ال يقف عند حد معين؛ بل يزداد ويتجدد أبدا‪،‬‬
‫إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة؛ فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم‬
‫؛فيزدادون حسنا وجماال ؛فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجماال ‪ .‬فيقول لهم أهلوهم ‪ :‬وهللا لقد ازددتم‬
‫بعدنا حسنا وجماال ‪ .‬فيقولون ‪ :‬وأنتم ‪ ،‬وهللا لقد ازددتم بعدنا حسنا وجماال (صحيح مسلم)‬
‫وأما مساكن أهل الجنة فطيبة جميلة‪،‬‬
‫يطوف‬
‫ِن فيها أهلون‬
‫للمؤمن في الج َّن ِة لخيمة من لؤلؤة واحدة‬
‫إنَّ‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫مجوفة طولُها س ُّتون ميال للمؤم ِ‬
‫ِ‬
‫ضهم بعضا (صحيح مسلم)‬
‫عليهم المؤمِنُ ؛ فال يرى بع ُ‬
‫ِ‬
‫بطائِ ُنها مِن إِستبرق (الرحمن‪ ،)54:‬فإذا كانت البطانة من‬
‫اإلستبرق وهو أجود أنواع الحرير فما الظن بالذي فوق البطائن؟!‬
‫وإن مما يدلك على جمال الجنة وأهلها انظر ما وصف هللا به حور الجنة من أحسن الصفات‪،‬‬
‫لغدوة في سبيل هللا أو روحة خير من الدنيا وما فيها ‪،‬‬
‫ولقاب قوس أحدكم أو موضع يده في الجنة خير من الدنيا وما فيها ‪ ،‬ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى‬
‫األرض ألضاءت ما بينهما‪,‬ولمألت ما بينهما ريحا ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها (صحيح الترمذي)‬
‫يتغوطون ‪ ،‬آنيتهم‬
‫القمر ليلة‬
‫أول ُ ُزمرة تلِ ُج الجنة صورتهم على صور ِة‬
‫البدر ‪ ،‬ال يبصقون فيها وال يمتخطون وال َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الذهب ‪ ،‬أمشاطهم من الذه ِ‬
‫زوجتان ‪،‬‬
‫ب والفض ِة ‪ ،‬ومجامرهم األُلُ َّوةُ ‪ ،‬ورشحه ُم المس ُك ‪ ،‬ولكل واحد منهم‬
‫فيها‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫قلب رجل واحد ‪ُ ،‬يسبحون‬
‫وراء‬
‫ُيرى ُم ُّخ سوقهما من‬
‫ِ‬
‫اللحم من ال ُحس ِن ‪ ،‬وال اختالف بينهم وال تباغض ‪ ،‬قلوبهم ُ‬
‫ِ‬
‫هللا بكرة وعشيا (صحيح البخاري)‬
‫ون‬
‫اللُّؤلُ ِؤ المك ُن ِ‬
‫كأ َّن ُهنَّ الياقُ ُ‬
‫وت والمرجانُ (الرحمن‪ ،)58:‬و ُحور ِعين‬
‫ال‬
‫كأمث ِ‬
‫(الواقعة‪)22،23:‬‬
‫ومع هذا النعيم والجمال الذي يعجز عن وصفه اللسان لهؤالء الحور فإن المرأة الصالحة من أهل الدنيا أجمل من‬
‫هذه الحورية فضل الظهارة على البطانة‪ ,‬وذلك بصالتها وصيامها وعبادتها هلل تعالى‪ ،‬ومع كل هذا الجمال فإن أهل‬
‫الجنة عندما يتجلى عليهم الجميل سبحانه ينسون كل جمال ونعيم‪ ،‬فإن النعيم نوعان‪ :‬نوع للبدن‪ ،‬ونوع للقلب‪،‬‬
‫وأسألك نعيم ال ينفد وقرة عين ال تنقطع (صحيح‬
‫وهو قرة العين وكماله بدوامه واستمراره‪،‬‬
‫زينة البدن وزينة القلب‪ ،‬وكان القلب أعظمهما قدرا‪ ،‬وأجلهما خطرا‪ ،‬فإنه إذا‬
‫النسائي)‪،‬‬
‫حصل للعبد زينة البدن سأل ربه الزينة الباطنة زينة اإليمان ‪.‬‬
‫ولما كان العيش في هذه الدار ال يبرد ألحد كائنا من كان؛ بل هو محفوف باآلالم الباطنة والظاهرة فإن المؤمن‬
‫يسأل ربه برد العيش بعد الموت ‪ ،‬وبعد هذا ينبغي أن يعلم أن أفضل نعيم الدنيا وهو معرفته سبحانه والشوق إلى‬
‫لقائه وأفضل نعيم اآلخرة على اإلطالق وأجله وأعاله هو النظر إلى وجه الرب جل جالله وسماع خطابه‪،‬‬
‫إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد ‪ :‬إن لكم عند هللا موعدا يريد أن ينجزكموه ‪ .‬قالوا ‪ :‬ألم يبيض وجوهنا وينجنا‬
‫من النار ويدخلنا الجنة ؟ قال ‪ :‬فيكشف الحجاب ‪ .‬قال ‪ :‬فوهللا ما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه (صحيح‬
‫الترمذي)‬
‫فب َّين النبي –عليه الصالة والسالم‪ -‬أنهم مع كمال تنعمهم بما أعطاهم ربهم في الجنة‪ ،‬لم يعطهم شيئا‬
‫أحب إليهم من النظر إليه‪ ،‬وإنما كانت ذلك أحب إليهم؛ ألن ما يحصل لهم به من اللذة والـنعيم والفرح‬
‫والسـرور وقـرة العين‪ ،‬فوق ما يحصل لهم من التمتع باألكل والشـرب والحـور العين‪ ،‬وال نسبة بيـن‬
‫اللذتين والنعيمين ألبتة‪.‬‬
‫وكما أنه ال نسبة لنعيم ما في الجنة إلى نعيم النظر إلى وجهه األعلى سبحانه؛ فال نسبة لنعيم الدنيا إلى‬
‫نعيم محبته ومعرفته والشوق إليه واألمن به؛ بل لذة النظر إليه سبحانه تابعة لمعرفتهم به‪ ،‬ومحبتهم‬
‫له‪ ،‬فإن اللذة تتبع الشعور والمحبة‪ ،‬فكلما كان المحب أعرف بالمحبوب وأشد محبة له‪ ،‬كان التذاذه‬
‫بقربه ورؤيته ووصوله إليه أعظم‪.‬‬
‫إِلى‬
‫ُو ُجوه يومئِذ ناضِ رة‬
‫جعلنا هللا وإياكم ممن تلذذ بالنظر إلى وجهه الكريم وممن‬
‫(القيامة‪)22،23:‬‬
‫ربها ناظِ رة‬
‫أتانا رسول‬
‫‪-7‬وألنه سبحانه جميل فقد أمرنا بحسن السمت‪،‬‬
‫أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه؟ ‪،‬‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فرآني شعثا قد تفرق شعري‬
‫أما كان يجد هذا ما يغسل به ثوبه؟ (سنن أبي داود)‬
‫ورأى رجال عليه ثياب وسخة‪،‬‬
‫من كان له شعر ‪ ،‬فليكرمه (سنن أبي‬
‫داود)‬
‫وحسن السمت هو حسن المظهر الخارجي لإلنسان من طريق الحديث والسمت والحركة والسكون‬
‫والدخول والخروج‪ ،‬وحسن السمت يكسب المرء احترام اآلخرين وحبهم‪ ,‬ويكسب المرء الهيبة والوقار‬
‫وهو يدل غالبا على صفاء القلب ونقاء السريرة‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضا حسن العشرة‬
‫قال‪ :‬من أحق الناس بحسن صحابتي‪،‬‬
‫أبوك (صحيح مسلم)‬
‫أمك ‪ ،‬قال‪ :‬ثم من؟‬
‫جاء رجل إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫أمك ‪ ،‬قال‪ :‬ثم من؟‬
‫أمك ‪ ،‬قال‪ :‬ثم من؟‬
‫إذا أتى أحدُكم خادمه بطعام ِه ‪ ،‬فإن لم‬
‫ُيجلس ُه معه ‪ ،‬فليناول ُه أُكلة أو أ ُ‬
‫كلتين ‪ ،‬أو لُقمة أو لُ‬
‫حرهُ وعِالج ُه (صحيح البخاري)‬
‫قمتين ‪ ،‬فإ َّن ُه ولِي َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى هللا‬
‫ومن حسن العشرة ما جاء في البخاري‬
‫عليه وسلم‪ ,‬وكان لي صواحب يلعبن معي‪ ،‬فكان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذا دخل يتقنعن عنه فيسربهن‪،‬‬
‫إلي فيلعبن معي‪.‬‬
‫َّ‬
‫فسابقته فسبقته على رجلي‬
‫هذه بتلك السبقة (سنن أبي داود)‬
‫فلما حملت اللحم سابقته فسبقني؛‬
‫ما ضرب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم شيئا قط بيده وال امرأة وال خادما؛ إال‬
‫أن يجاهد في سبيل هللا‪ ،‬وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إال أن ينتهك شيء من محارم هللا فينتقم هلل عز‬
‫وجل (صحيح مسلم)‬
‫ومن حسن المعاملة مع الناس ما جاء‬
‫رحم هللا ُ رجال ‪ ،‬سمحا إذا باع ‪ ،‬وإذا اشترى ‪ ،‬وإذا اقتضى (صحيح البخاري)‬
‫حوسب رجل ممن كان قبلكم‪ p‬فلم يوجد له من الخير شيء إال أنه كان رجال موسرا‪ ,‬و كان يخالط الناس ‪،‬‬
‫و كان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر؛ فقال هللا عز و جل لمالئكته ‪ :‬نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه (حدثه‬
‫ال تحقرنَّ من المعرو ِ‬
‫ف شيئا ‪،‬‬
‫األلباني)‪،‬‬
‫ولو أن تلقى أخاك بوجه طلِق (صحيح مسلم)‬