Transcript ******* 1
الحسن ،والجمال مصدر الجميل.
ُ
قال ابن سيده :الجمال :الحسن ويكون في الفعل والخلق.
ال يدخل الجنة من
كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ,قال رجل :إن الرجل يحب أن يكون ثوبه
حسنا ،ونعله حسنا ،قال :إن هللا جميل يحب الجمال .الكبر :بطر الحق،
وغمط الناس
إن هللا جميل ،اختلفوا في معناه ،فقيل إن معناه :أن كل أمره
سبحانه حسن جميل ،وله األسماء الحسنى وصفات الجمال والكمال.
إن هللا سبحانه
وتعالى جميل ,أي :له الجمال الحقيقي كله؛ فهو سبحانه له الجمال المطلق ,وكل مافي المخلوقات من
جمال فهو من آثار جمال الرب جل في عاله؛ فكل ما ترونه من جمال المخلوقات هي ال شيء يذكر
من جمال الخالق.
إن هللا تعالى جميل ,أي :حسن األفعال كامل األوصاف.
فاهلل سبحانه الجميل فله سبحانه الجمال المطلق الذي هو الجمال على
الحقيقة؛ فإن جمال هذه الموجودات على كثرة ألوانه وتعدد فنونه هو من بعض آثار جماله؛ فيكون
سبحانه أولى بذلك الوصف من كل جميل فإن واهب الجمال للموجودات ال بد أن يكون بالغا من هذا
الوصف أعلى الغايات ،وهو سبحانه الجميل بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
-1إن هللا تعالى هو الجميل على الحقيقة بال كيف نعلمه ،وجماله بالذات واألوصاف
ْس َك ِم ْثلِ َِه َش ْيءَ َوهُ ََو ال َّس ِمي َُع
واألسماء واألفعال ال شيء يماثله في ذلك ،كما قال تعالى{ :لَي ََ
س ِميًّا}(.مريم)65:
صي َُر}(الشورى ،)11:وقال سبحانه{ :هَلَْ تَ ْعلَ َُم لَ َهُ َ
ْالبَ ِ
فاهلل سبحانه الجميل الذي ال أجمل منه؛ بل لو كان جمال الخلق كلهم على رجل واحد
منهم وكانوا جميعهم بذلك الجمال لما كان جمالهم قط نسبة إلى جمال هللا؛ بل كانت
لِل ْال َِم َثلِ ْاْلَعْ لَى}
النسبة أقل من نسبة سراج ضعيف إلى ضياء جرم الشمس { َو ّ َِّ
(النحل ،)60:ثم إن كل جمال في الوجود من آثار صنعه ،فله جمال الذات ،واألوصاف،
واألفعال واألسماء؛ فأسماؤه سبحانه كلها حسنى ،وصفاته كلها كمال وأفعاله كلها
جميلة.
فال يستطيع بشر النظر إلى جالله وجماله في هذه الدار؛ فإذا رأوه سبحانه في جنات
النعيم أنستهم رؤيته ما هم فيه من النعيم ،فال يلتفتوا حينئذ إلى شيء غيره.
لوال حجاب النور على وجهه ألحرقت سبحات وجهه سبحانه وتعالى "ما
قام فينا رسول هللا صلى
انتهى إليه بصره من خلقه"،
هللا عليه وسلم بأربع كلمات فقال :إن هللا ال ينام وال ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه
ويرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل ،حجابه النار لو كشفها ألحرقت
سبحات وجهه – زاد عبد هللا – كل شيء أدركه بصره رواه مسلم ،وأفعاله سبحانه جميلة
فهي دائرة بين البر واإلحسان التي يحمد عليها ويثنى بها ويشكر.
وإن مما يدلك على جمال البارئ سبحانه ،جمال األلوان التي احتوت أصناف الجمال ،وجمالها
الحسن فهو أولى منها ،فكل جمال الدنيا
من هللا تعالى فهو الذي كساها الجمال ،وأعطاها ُ
باطني وظاهري ال شيء بالنسبة لجماله سبحانه ،وهللا سبحانه نور السموات واألرض
اجة
اوات َو أاألَ أرض َمثَ ُل نُوره َكم أ
صبَاح ا ألم أ
ش َكاة في َها م أ
صبَ ُ
اح في ُز َج َ
هللاُ نُو ُر الس َم َ
ُّ
ار َكة َز أيتُونَة َال ش أَرقية َو َال َغ أربية يَ َكا ُد َز أيتُ َها
اجةُ َكأَن َها َك أو َكب د ُِّري يُوقَ ُد منأ ش ََج َرة ُمبَ َ
الز َج َ
سهُ نَار نُور َعلَى نُور يَ أهدي هللاُ لنُوره َمنأ يَشَا ُء (النور ،)35:تأملي هذه
س أ
يُضي ُء َولَ أو لَ أم تَ أم َ
اآلية وقفي معها في وصف هللا بالنور.
اللهم لك الحمد أنت
نور السموات واألرض ومن فيهن ....صحيح البخاري ،وفي العرض األكبر تشرق األرض
ض بنُور َربِّ َها (الزمر)69:؛ فهو سبحانه نور السماوات واألرض.
بنور هللا َوأَش َأرقَت أاألَ أر ُ
والحسن لمن شاء ،ولذا كان من آثار جماله ما نراه
-2إن هللا سبحانه الجميل هو واهب الجمال
ُ
إنا َج َع ألنَا
في الكون يراه رائعا ،عجيبا جميال ال ت َمل العين من جماله وروعته،
ع َمال (الكهف)7:
سنُ َ
َما َعلَى أاألَ أرض زينَة لَ َها لنَ أبلُ َو ُه أم أَ ُّي ُه أم أَ أح َ
فإنه سبحانه زين األرض وجملها بأنواع الحدائق والبساتين واألزهار واألشجار ذات البهجة
والحسن والجمال حتى إن الناظر تبتهج نفسه وتفرح بسببها ،وهو سبحانه أيضا زين السماء،
يح (الملك)5:
صاب َ
َولَقَ أد َزينا الس َما َء ال ُّد أنيَا ب َم َ
فمشهد النجوم في السماء جميل جماال يأخذ القلوب ،وهو جمال متجدد تتعدد ألوانه بتعدد أوقاته؛
بل إن النفس لتؤسر عند مشهد الشروق والغروب ومشهد الضباب والسحاب وأن جمالها يأخذ
ف بَنَ أينَا َها َو َزينا َها َو َما لَ َها منأ فُ ُروج
باأللباب،
أَفَلَ أم يَ أنظُ ُروا إلَى الس َماء فَ أوقَ ُه أم َك أي َ
(ق)6،7:
ض َم َد أدنَا َها َوأَ ألقَ أينَا في َها َر َواس َي َوأَ أنبَ أتنَا في َها منأ ُك ِّل َز أوج بَهيج
َو أاألَ أر َ
ََ ه َُو الذي أَ أن َز َل م َن
بل حتى النباتات من حولنا لها جمال يخلب اللب ويثير الوجدان,
َيء فَأ َ أخ َر أجنَا م أنهُ َخضرا نُ أخر ُج م أنهُ َحبا ُمتَ َراكبا َوم َن الن أخل منأ
الس َماء َماء فَأ َ أخ َر أجنَا به نَبَاتَ ُك ِّل ش أ
شتَبها َو َغ أي َر ُمتَشَابه ا أنظُ ُروا إلَى ثَ َمره إ َذا
ان ُم أ
الرم َ
طَ ألع َها ق أن َوان َدانيَة َو َجنات منأ أَ أعنَاب َوالز أيتُ َ
ون َو ُّ
ون (األنعام)99:
أَ أث َم َر َويَ أنعه إن في َذل ُك أم َآلَيَات لقَ أوم يُ أؤمنُ َ
انظر األلوان المتناسقة في الزهور والثمار فيها إبداع وجمال ،والبرتقالة تبدأ باللون األخضر؛ فإذا
نضجت تحولت إلى اللون األصفر ،ومن أروع ما في الكون من جمال اللون األخضر وهو الغالب على
كل ألوان النبات ،مما يثير بهجة في النفس.
ون (النحل)6:؛ ففي األنعام جمال وزينة
وفي األنعام جمالس َر ُح َ
ون َوح َ
يح َ
َولَ ُك أم في َها َج َمال ح َ
ين تَ أ
ين تُر ُ
في أعين الناس ،لحسن صورتها وتركيبها وتناسق أعضائها وتناسبها.
سن تَ أقويم (التين ،)4:ويوسف –عليــه
وخلق اإلنسان في أحسن صورةس َ
ان في أَ أح َ
لَقَ أد َخلَ أقنَا أاإل أن َ
السالم -أوتي شطر الحسن وليس حسن الدنيا ولكن حسن وجمال آدم –عليه السالم ،-فإن النسوة لما رأينه أَ أكبَ أرنَهُ
ه َذا إال َملَك َكريم (يوسف)31:
اش هلل َما َه َذا بَشَرا إنأ َ
َوقَط أع َن أَ أيديَ ُهن َوقُ أل َن َح َ
ولقد أعطى نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم من ذلك الجمال حظا وافراكان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أحسن الناس وجها ,وأحسنه خلقا ليس بالطويل الذاهب وال بالقصير .
فيحلة
كان النب ُّي صلى هللاُ عليه وسلم مربوعا ،بعي َد ما َ
بين ال َمنكبَين ،له شعر يبل ُغ شَح َمةَ أُ ُذنَيه ،رأيتُه ُ
حمرا َء لم أ َر شَيئا ق ُّ
وجهُ النبي صلى هللاُ عليه
ط أحسن منه (صحيح البخاري)،
أكان أ
وسلم مثل الس أيف ،قال :ال ،بل م أث َل القَ َمر (.صحيح البخاري)
ولذا تجد كثيرا من األحاديث إذا سئل الصحابي عن وصف النبي صلى هللا عليه وسلم إن النبي صلى هللا عليه وسلمسر أصبح وجهه كالبدر من شدة النور ،وكان من وصفه –عليه السالم -أبيض اللون مشربا بالحمرة ،صلت
إذا ُ
الجبين ،أدعج العينين –أي شديد السواد -أقني األنف –أي طويل األنف -وله برقة في أرنبته ،كأن عنقه إبريق فضة،
طويل رموش العينين ،وكان صلى هللا عليه وسلم من عند صدره إلى صرته خط فيه شعر خفيف ،هذا ما وجد على
ما
صدره صلى هللا عليه وسلم من الشعر وكان من حسنه وجماله في رقة يده،
مست يدي ديباجا وال حريرا أبين من كف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ,وكان صلى هللا عليه وسلم مع هذا أشد
حياء من العذراء في خدرها ،وكان مع هذا الحسن قد ألقيت عليه المحبة والمهابة؛ فمن وقعت عليه عيناه أحبه
وأهابه ،وقد جمع هللا له مع جمال الخلقة وجمال ُ
الخلق وحسنه فهو –عليه السالم-
َ
ق (صحيح البخاري)
الحديثَ ،وت أَحم ُل ال َكلَ ،وتَ أقري
ق
الح ِّ
َص ُد ُ
َ
إنك لَتَص ُل الرح َمَ ،وت أ
الضيفَ ،وتُعينُ َعلَى نَوائب َ
خدمت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عشر سنين فما قال لي :أف قط،
وما قال لشيء صنعته :لم صنعته ؟ وال لشيء تركته :لم تركته ؟ وكان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من
أحسن الناس خلقا ،وما مسست خزا قط وال حريرا وال شيئا كان ألين من كف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم،
وال شممت مسكا قط وال عطرا كان أطيب من عرق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم (صحيح الترمذي)،
إن
لم يكن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فاحشا ًوال متفحشا ً،
خياركم أحاسنكم أخالقا (صحيح البخاري) ،فحسن الخلق يبلغ العبد مقامات عالية في الجنة ال يبلغها بعلمه،
أثقل شيء في ميزان المؤمن خلق حسن ،إن هللا يبغض الفاحش المتفحش البذيء (صحيح
إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخالقا،
الجامع)،
وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون .قالوا :يا رسول هللا قد
علمنا الثرثارين والمتشدقين فما المتفيهقون ؟ قال :المتكبرون (صحيح الترمذي)
ظاهر وباطن.
هو المحبوب لذاته ,وهو جمال العقل والجود والعفة والشجاعة ،وهذا الجمال الباطن محل نظر هللا
إن هللا ال ينظر إلى صوركم وال إلى أموالكم ,ولكن ينظر إلى
من عبده وموضع محبته،
قلوبكم وأعمالكم .صحيح مسلم
وهذا الجمال الباطن يزين الصورة الظاهرة ،وإن لم تكن ذات جمال؛ فتكسوا صاحبها من الحالوة والمهابة ،بحسب ما
اكتسب روحه من تلك الصفات؛ فإن المؤمن يُعطى مهابة وحالوة بحسب إيمانه ،فمن رآه هابه ،ومن خالطه أحبه،
وهذا أمر مشهود بالعيان ،فإنك ترى الرجل الصالح المحسن ذا األخالق الجميلة من أحلى الناس صورة وإن كان
أسود أو غير جميل ،وال سيما إذا ُرزق حظا من صالة الليل فإنها تُنور الوجه وتحسنه ،وقد كان بعض النساء تكثر
من صالة الليل فقيل لها في ذلك فقالت :تدنيني من ربي وتحسن وجهي.
ومما يدل على أن الجمال الباطن أحسن من الظاهر ,أن القلوب ال تنفك عن تعظيم صاحبه ومحبته والميل له.
يَزي ُد
فزينة خص هللا بها بعض الصور عن بعض ،وهي من زيادة الخلق التي
في ا أل َخ ألق َما يَشَا ُء ( فاطر)1:
قالوا :هو الصوت الحسن والصورة الحسنة ،والقلوب مفطورة على استحسانه ،ولقد حرص اإلسالم على حسن
الشكل ،وجمال الهيئة في غير كبر أو ازدراء للناس ،ولذا كانت سنن الفطرة التي أمر بها اإلسالم بمثابة تجميل
وتحسين لإلنسان ،وقد بين النبي صلى هللا عليه وسلم أن من يحرص على نقاوة بدنه ونظافة أعضائه بالوضوء فإنه
يبعث يوم القيامة مضيء الوجه أغر الجبين ،نقي األعضاء،
لين من آثار الوضوء ،فمن استطاع من ُكم أن يُطي َل ُ
غرتهُ ف أليفعل (صحيح
دعون يو َم القيامة ُغرا ً ُمحج َ
َ
إن أُمتي يُ
ُ
حيث يبل ُغ الوضو ُء (صحيح مسلم) ،فمن كان في الدنيا وضوءه كثير
تبل ُغ الحليةُ من المؤمن
البخاري)،
قوي نوره يوم القيامة ،وبالل رضي هللا عنه سبق إلى الجنة ألنه كان يتوضأ ومع كل وضوء يصلي؛ فالنظافة والجمال
جزء ال يتجزأ من اإلسالم فالمسلم نظيف البدن ،جميل الهيئة ،والجسم المتسخ الهزيل المتزين بالذيل المرقع إنما هو
من عالمة الجهل بالدين بل ظنه بعضهم أن هذا من العبادة وهذا غاية الجهل ،فاهلل عز وجل جميل يحب الجمال ،فكيف
يتقرب إليه بما ال يحبه؟.
إن هللا ُيحِب أن يرى أثر نعمت ُه على عبد ِه (سنن الترمذي)،
رآني النبي صلى هللا عليه وسلم وعلي أطمار ،فقال :هل لك من مال؟ قلت :نعم،
قال :من أي المال ؟ ! قلت :من كل قد آتاني هللا :من الشاة ،واإلبل.قال :إذا آتاك هللا ماال ؛ فلير
أثر نعمة هللا وكرامته عليك (حدثه األلباني)؛ فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده ،فإنه من الجمال الذي
يحبه وذلك من شكره على نعمه ،وهو جمال باطن فيجب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن
بالشكر عليها.
والجمال الظاهر من أعظم نعم هللا على عبده يوجب الشكر ،فإن شكره بتقواه لربه وصيانته ازداد جماال على جمال،
وإن استعمل جماله في معصية هللا قلبه له في الدنيا قبل اآلخرة ،فتعود تلك المحاسن وحشة وقبحا وشينا ،وينفر
عنه من رآه ،فكل من لم يتق هللا في حسن وجماله انقلب قبح وشينا ،فحسن الباطن يعلو قبح الظاهر ويستره،
وقبح الباطن يعلو جمال الظاهر ويستره ،ولذا فإن المؤمن حريص أن ال يفتن بالجمال الظاهر فيقارب المعاصي
رجل دعته امرأة
بسبب هذا الجمال ،ونذكر هنا
ذات منصب وجمال فقال إني أخاف هللا ،فهذا العبد التقي ,لم يغره الجمال وال المنصب أن يفعل هذا الفعل الذي
يغضب هللا؛ بل قد امتأل قلبه من خوف الوقوف بين يدي هللا فترك الذي يغضب هللا؛ بل قد امتأل قلبه من خوف
الوقوف بين يدي هللا؛ فترك هذا األمر إجالال هلل فكان من هللا الجزاء بأن يكون من السبعة الذين يظلهم في ظله,
والناس في زحمة الموقف تحت الشمس كل يعرق على قدر عمله ،أجارنا هللا وإياكم من هذا الموقف وجعلنا من
ُيظل بظله يوم ال ظل إال ظله
يا بنِي آدم قد
ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا وزينة تجمل ظواهرهم وتقوى تجمل بواطنهم
اس ال َّتقوى ذلِك خير ذلِك مِن آيا ِ
هللا لعلَّ ُهم ي َّذ َّك ُرون (األعراف،)26:
ت َّ ِ
اري سوآتِ ُكم و ِريشا ولِب ُ
أنزلنا علي ُكم لِباسا ُيو ِ
س ُرورا
يا بنِي آدم ُخ ُذوا ِزينت ُكم ِعند ُكل مس ِجد (األعراف،)31:
ول َّقاهُم نضرة و ُ
(اإلنسان)11،12:
وجزاهُم ِبما صب ُروا ج َّنة وح ِريرا
فجمل وجوههم بالنضرة وبواطنهم بالسرور وأبدانهم بالحرير ،وهو سبحانه كما يحب جمال األقوال واألفعال
واللباس والهيئة فهو يبغض القبيح من األقوال واألفعال والثياب والهيئة؛ فيبغض القبيح وأهله ويحب الجمال
وأهله.
-1منه ما ُيحمد :وهو ما كان هلل وأعان على طاعة هللا وتنفيذ أوامره واالستجابة له ,كما كان النبي صلى هللا عليه
ُ
النبي صلَّى هللاُ علي ِه
رأيت
وسلم يتجمل للوفود،
َّ
ُ
القمر وعلي ِه ُحلَّة حمرا ُء فإذا هو
رسول هللاِ صلَّى هللاُ علي ِه وسلَّم وإلى
فجعلت أنظ ُر إلى
وسلَّم في ليل ِة إِضحِيان
ِ
ِ
القمر (سنن الترمذي) فكان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يحب الجمال.
عندي أحسنُ من
ِ
-2منه ما ُيذم :وهو ما كان للدنيا والرياسة والفخر والخيالء والكبر ،وهو من باب ازدراء واحتقار الناس؛ فهذا
مذموم.
-3منه ما ال يذم وال يحمد :وهو ما خال من القصدين وتجرد من هذه الوصفين.
فإنه سبحانه ُيعرف بالجمال الذي ال يماثله فيه شيء ،و ُيعبد بالجمال الذي يحبه من األقوال واألعمال
واألخالق ،فعلى العبد أن يجمل لسانه بالصدق وقلبه باإلخالص ،والمحبة واإلنابة والتوكل ،وجوارحه بالطاعة
ونعمه عليه في لباسه وتطهير نفسه من األوساخ فيقلم أظافره ،ويقص شاربه ويستنجي ،إلى غير ذلك من سنن
الفطرة-.ما تقدم من كالم ابن القيم –رحمه هللا -بتصرف ،والقرطبي.-
فاص ِبر صبرا جمِيال (المعارج ،)5:أي صبرا ال شكوى فيه ألحد غير هللا تعالى ،وذلك في مقابل استهزاء الكفار
وعدم إيمانهم بما يدعوهم إليه من اإليمان باهلل واليوم اآلخر،
فصبر جمِيل (يوسف ،)18:عند فقده ابنيه يوسف وبنيامين وهو –عليه السالم-
هللا ما ال تعل ُمون (يوسف ،)86:وينبغي أن يعلم إن إخبار
هللا وأعل ُم مِن َّ ِ
قال إِ َّنما أش ُكو بثي و ُحزنِي إِلى َّ ِ
المخلوق بالحال لالستعانة أو اإلرشاد ال يقدح في الصبر ،فإخبار المريض للطبيب بشكايته ،وإخبار المظلوم لمن
ال بأس ،طهور إن شاء
ينتصر به بحاله،
هللا (حدثه األلباني)
واه ُجرهُم هجرا جمِيال (المزمل ،)10:والمعنى اهجرهم في هللا هجرا
صفح الجمِيل (الحجر،)85:
جميال ال عتاب فيه ,وفعل ال جزع فيه،
فاصف ِح ال َّ
وليعفُوا وليصف ُحوا (النور)22:؛ فالعفو يختلف عن الصفح فبعض الناس يعفو ولكن ال ينسى
وال يمحيها من قلبه ،فالعفو في نفس الوقت ,والصفح أن يمحي ما في قلبه وال يبقى في قلبه شيء من ذلك
الموقف،
يل َّ
هللاِ وليعفُوا
وال يأت ِل أُولُو الفض ِل مِن ُكم و َّ
السع ِة أن ُيؤ ُتوا أُولِي القُربى والمساكِين وال ُمها ِج ِرين فِي س ِب ِ
هللاُ ل ُكم و َّ
ح ُّبون أن يغفِر َّ
وليصف ُحوا أال ُت ِ
ألحب أن ُيغفر لي
وهللا إني
هللاُ غفُور رحِيم (النور )22:؛فقال أبو بكر :بلى َّ ِ
ُّ
ُ
ينفق علي ِه .
فرجع إلى مسطح نفقته الَّتي كان
َّ
يا أ ُّيها ال َّن ِب ُّي قُل ِألزوا ِجك إِن ُكن ُتنَّ ُت ِردن الحياة الدُّنيا و ِزينتها فتعالين أ ُمتع ُكنَّ وأُسرح ُكنَّ
سراحا جمِيال (األحزاب ،)28:أي :طالقا خاليا من األذى ،مع أداء الحقوق والواجبات ,وهذا السراح الذي يحبه هللا
عز وجل ورسوله صلى هللا عليه وسلم.
-5إن مما يسترعي االنتباه جمال القرآن الكريم؛ فإنك لو تركت القارئ يقرأ القرآن ويرتله حق ترتيله؛
فإنك ستجد نفسك منساقا وراء هذه التالوة وال يعتريك شيء من السآمة أو الملل؛ بل ال تنفك تطلب
المزيد منه ،وهذا الجمال في لغة القرآن ال يخفى على أحد ممن يسمع القرآن ،حتى الذين ال يعرفون لغة
العرب؛ فكيف يخفى على العرب أنفسهم؟
إن له لحالوة ,وإن عليه لطالوة ،وإنه يعلو وال ُيعال
عليه.
-6إن أجمل ما خلقه الجميل سبحانه الجنة ,وما فيها من نعيم،
ُ
عددت لعبادي الصالحين ما ال عينُ رأت ،وال أُذن سمعت ،وال خطر على
أ
قل ِ
ب بشر ،وأقرؤوا إن شئ ُتم :فال تعل ُم نفس ما أُخفِي ل ُهم مِن قُ َّر ِة أع ُين جزاء بِما كا ُنوا يعملُون (السجدة)17:
(صحيح الترمذي)
وحتى تعلمي حسن الجنان وجمالها وجمال أهلها انظري عند باب الجنة عينين؛ فيشرب أهل الجنة من العين األولى
فيذهب ما في بطونهم من األذى ،ثم يشربون من الثانية فيلبسون نضرة النعيم ،وهذا الحسن والجمال يتفاوت على
قدر منازلهم في الجنةح ألن الجنة درجات ما بين كل درجة ودرجة ما بين السماء واألرض.
فالجنة جميلة وال يدخلها إال كل جميل
السماء
البدر ،ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دُري في
القمر ليلة
إنَّ أول ُزمرة يد ُخلون الجنة على صور ِة
ِ
ِ
ِ
الذهب ،ورش ُحه ُم المِس ُك ،ومجام ُِرهم
يتغوطون ،وال يتفِلون وال يمتخِطون ،أمشا ُطه ُم
إضاءة ،ال يبولون وال
ُ
َّ
ج ،عو ُد الطي ِ
لق رجل واحد ،على صور ِة أبيهم آدم ،ستون
الح ُ
ب -وأزوا ُجهم ُ
األلُ َّوةُ -األلنجو ُ
ور العِينُ ،على خ ِ
السماء (صحيح البخاري)؛ فأهلها يتفاوتون في الحسن والجمال بتفاوت مراتبهم ودرجاتهم في الجنة كما
ذِراعا في
ِ
بينا في الحديث ،وأهل الدرجات في الجنة ليسوا في نعيم واحد ،وإنما لكل درجة لها متعتها الخاصة ونعيم ال يوجد
إِنَّ األبرار لفِي نعِيم
مثله في الدرجة التي دونها ،فكلما علت الدرجة اتسعت واتسع معها نعيمها
خِتا ُم ُه مِسك
ُيسقون مِن رحِيق مخ ُتوم
ِيم
على األرائِكِ ين ُظ ُرون
تع ِر ُ
ف فِي ُو ُجو ِه ِهم نضرة ال َّنع ِ
(المطففين)،
سون
س ال ُمتنافِ ُ
وفِي ذلِك فليتناف ِ
إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم ،كما تتراءون الكوكب الدري
الغابر من األفق من المشرق أو المغرب ؛ لتفاضل ما بينهم .قالوا :يا رسول هللا ؛تلك منازل األنبياء ال يبلغها
غيرهم .قال :بلى ,والذي نفسي بيده رجال آمنوا باهلل وصدقوا المرسلين (صحيح مسلم)
سلوا هللا لي الوسيلة .قالوا :يا رسول هللا
وما الوسيلة? قال :أعلى درجة في الجنة ال ينالها إال رجل واحد أرجو أن أكون أنا هو (صحيح الترمذي) ،وحسن
أهل الجنة وجمالهم ال يقف عند حد معين؛ بل يزداد ويتجدد أبدا،
إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة؛ فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم
؛فيزدادون حسنا وجماال ؛فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجماال .فيقول لهم أهلوهم :وهللا لقد ازددتم
بعدنا حسنا وجماال .فيقولون :وأنتم ،وهللا لقد ازددتم بعدنا حسنا وجماال (صحيح مسلم)
وأما مساكن أهل الجنة فطيبة جميلة،
يطوف
ِن فيها أهلون
للمؤمن في الج َّن ِة لخيمة من لؤلؤة واحدة
إنَّ
ُ
َّ
مجوفة طولُها س ُّتون ميال للمؤم ِ
ِ
ضهم بعضا (صحيح مسلم)
عليهم المؤمِنُ ؛ فال يرى بع ُ
ِ
بطائِ ُنها مِن إِستبرق (الرحمن ،)54:فإذا كانت البطانة من
اإلستبرق وهو أجود أنواع الحرير فما الظن بالذي فوق البطائن؟!
وإن مما يدلك على جمال الجنة وأهلها انظر ما وصف هللا به حور الجنة من أحسن الصفات،
لغدوة في سبيل هللا أو روحة خير من الدنيا وما فيها ،
ولقاب قوس أحدكم أو موضع يده في الجنة خير من الدنيا وما فيها ،ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى
األرض ألضاءت ما بينهما,ولمألت ما بينهما ريحا ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها (صحيح الترمذي)
يتغوطون ،آنيتهم
القمر ليلة
أول ُ ُزمرة تلِ ُج الجنة صورتهم على صور ِة
البدر ،ال يبصقون فيها وال يمتخطون وال َّ
ِ
ِ
الذهب ،أمشاطهم من الذه ِ
زوجتان ،
ب والفض ِة ،ومجامرهم األُلُ َّوةُ ،ورشحه ُم المس ُك ،ولكل واحد منهم
فيها
ُ
ِ
قلب رجل واحد ُ ،يسبحون
وراء
ُيرى ُم ُّخ سوقهما من
ِ
اللحم من ال ُحس ِن ،وال اختالف بينهم وال تباغض ،قلوبهم ُ
ِ
هللا بكرة وعشيا (صحيح البخاري)
ون
اللُّؤلُ ِؤ المك ُن ِ
كأ َّن ُهنَّ الياقُ ُ
وت والمرجانُ (الرحمن ،)58:و ُحور ِعين
ال
كأمث ِ
(الواقعة)22،23:
ومع هذا النعيم والجمال الذي يعجز عن وصفه اللسان لهؤالء الحور فإن المرأة الصالحة من أهل الدنيا أجمل من
هذه الحورية فضل الظهارة على البطانة ,وذلك بصالتها وصيامها وعبادتها هلل تعالى ،ومع كل هذا الجمال فإن أهل
الجنة عندما يتجلى عليهم الجميل سبحانه ينسون كل جمال ونعيم ،فإن النعيم نوعان :نوع للبدن ،ونوع للقلب،
وأسألك نعيم ال ينفد وقرة عين ال تنقطع (صحيح
وهو قرة العين وكماله بدوامه واستمراره،
زينة البدن وزينة القلب ،وكان القلب أعظمهما قدرا ،وأجلهما خطرا ،فإنه إذا
النسائي)،
حصل للعبد زينة البدن سأل ربه الزينة الباطنة زينة اإليمان .
ولما كان العيش في هذه الدار ال يبرد ألحد كائنا من كان؛ بل هو محفوف باآلالم الباطنة والظاهرة فإن المؤمن
يسأل ربه برد العيش بعد الموت ،وبعد هذا ينبغي أن يعلم أن أفضل نعيم الدنيا وهو معرفته سبحانه والشوق إلى
لقائه وأفضل نعيم اآلخرة على اإلطالق وأجله وأعاله هو النظر إلى وجه الرب جل جالله وسماع خطابه،
إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد :إن لكم عند هللا موعدا يريد أن ينجزكموه .قالوا :ألم يبيض وجوهنا وينجنا
من النار ويدخلنا الجنة ؟ قال :فيكشف الحجاب .قال :فوهللا ما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه (صحيح
الترمذي)
فب َّين النبي –عليه الصالة والسالم -أنهم مع كمال تنعمهم بما أعطاهم ربهم في الجنة ،لم يعطهم شيئا
أحب إليهم من النظر إليه ،وإنما كانت ذلك أحب إليهم؛ ألن ما يحصل لهم به من اللذة والـنعيم والفرح
والسـرور وقـرة العين ،فوق ما يحصل لهم من التمتع باألكل والشـرب والحـور العين ،وال نسبة بيـن
اللذتين والنعيمين ألبتة.
وكما أنه ال نسبة لنعيم ما في الجنة إلى نعيم النظر إلى وجهه األعلى سبحانه؛ فال نسبة لنعيم الدنيا إلى
نعيم محبته ومعرفته والشوق إليه واألمن به؛ بل لذة النظر إليه سبحانه تابعة لمعرفتهم به ،ومحبتهم
له ،فإن اللذة تتبع الشعور والمحبة ،فكلما كان المحب أعرف بالمحبوب وأشد محبة له ،كان التذاذه
بقربه ورؤيته ووصوله إليه أعظم.
إِلى
ُو ُجوه يومئِذ ناضِ رة
جعلنا هللا وإياكم ممن تلذذ بالنظر إلى وجهه الكريم وممن
(القيامة)22،23:
ربها ناظِ رة
أتانا رسول
-7وألنه سبحانه جميل فقد أمرنا بحسن السمت،
أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه؟ ،
هللا صلى هللا عليه وسلم ،فرآني شعثا قد تفرق شعري
أما كان يجد هذا ما يغسل به ثوبه؟ (سنن أبي داود)
ورأى رجال عليه ثياب وسخة،
من كان له شعر ،فليكرمه (سنن أبي
داود)
وحسن السمت هو حسن المظهر الخارجي لإلنسان من طريق الحديث والسمت والحركة والسكون
والدخول والخروج ،وحسن السمت يكسب المرء احترام اآلخرين وحبهم ,ويكسب المرء الهيبة والوقار
وهو يدل غالبا على صفاء القلب ونقاء السريرة.
ومن ذلك أيضا حسن العشرة
قال :من أحق الناس بحسن صحابتي،
أبوك (صحيح مسلم)
أمك ،قال :ثم من؟
جاء رجل إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
أمك ،قال :ثم من؟
أمك ،قال :ثم من؟
إذا أتى أحدُكم خادمه بطعام ِه ،فإن لم
ُيجلس ُه معه ،فليناول ُه أُكلة أو أ ُ
كلتين ،أو لُقمة أو لُ
حرهُ وعِالج ُه (صحيح البخاري)
قمتين ،فإ َّن ُه ولِي َّ
ِ
ِ
كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى هللا
ومن حسن العشرة ما جاء في البخاري
عليه وسلم ,وكان لي صواحب يلعبن معي ،فكان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذا دخل يتقنعن عنه فيسربهن،
إلي فيلعبن معي.
َّ
فسابقته فسبقته على رجلي
هذه بتلك السبقة (سنن أبي داود)
فلما حملت اللحم سابقته فسبقني؛
ما ضرب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم شيئا قط بيده وال امرأة وال خادما؛ إال
أن يجاهد في سبيل هللا ،وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إال أن ينتهك شيء من محارم هللا فينتقم هلل عز
وجل (صحيح مسلم)
ومن حسن المعاملة مع الناس ما جاء
رحم هللا ُ رجال ،سمحا إذا باع ،وإذا اشترى ،وإذا اقتضى (صحيح البخاري)
حوسب رجل ممن كان قبلكم pفلم يوجد له من الخير شيء إال أنه كان رجال موسرا ,و كان يخالط الناس ،
و كان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر؛ فقال هللا عز و جل لمالئكته :نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه (حدثه
ال تحقرنَّ من المعرو ِ
ف شيئا ،
األلباني)،
ولو أن تلقى أخاك بوجه طلِق (صحيح مسلم)