Transcript إمش…
وقع تحت يدي منذ عدة أيام كتيب ألقوال
الحسن البصري ،فرحت أتصفحه إلى أن
ل ا ،ولم
وصلت إلى مقولة استوقفتنى طوي ً
أستطع تجاوزها ..فقد تذكرت أن بعض
الصحابة رضي هللا عنهم كانوا ال يستزيدون
في حفظ كتاب هللا قبل تطبيقهم لما قد
حفظوا مسبقا ..إنتابني شعور بالخجل
والذنب و الخوف..
أما الخجل ..فيا لتقصيري وإسرافي في أمري ..ويا
لسعة رحمة الغفور..
وأما الذنب ..فما نفع ما نقرأ إن لم نطبق أبجديته
األولى؟ ..كله بحساب ..نسأل هللا أن يجعل علمنا
حجة لنا ال علينا..
وأما الخوف ،فقد تملك بي ولم أجرؤ -ولن أجرؤ -
على تتمة القراءة ،حتى أعمل بما قرأت ..وإليكم ما
قرأت:
يقولًالحسنًالبصريً:
" الًيزدادًالمؤمنًصلحاًوبراًوعبادةً
إالًازدادًخوفاً،يقولً :الًأنجو!
والفاسق يقول :سواد الناس كثير،
وسيغفر لي ،وال بأس علي ! فيؤجل
العمل ،ويتمنى على هللا تعالى "
" سوادًالناسًكثيرً،وسيغفرً
ليً،والًبأسًعليً"
صحيحًأنناًالًنتفوهًبهاًصراحةً،ولكنًكمًمنًمراتًومراتً
نتصرفًعلىًأساسها..
كمًمنًمرةًبررناًألنفسناًعندًمحاسبتهاًعلىًذنبًتصرًعليهً
"هيًليستًبكبيرةً،كماًأنًفلنًوفلنًوفلنًوالكثيرونً
يرتكبونهاً،وكلهمًيرجونًالجنة"...
كمًمنًمرةًنظرناًلألدنىًبدالاًمنًاألعلىًوفكرناً" كلًهؤالءً
يرتكبونًالكبائرًوالعياذًباهلل ...وماًذنبيًهذاًمقارنةً
بجرمهم؟!”...
متناسينًخطواتًالشيطانًالتيًيليًبعضهاً
البعضً،وأنًالصغيرةًتوصلًنهايةًالمطافًإلىً
الكبيرة ..ومتناسينًأنًاإلنسانًيجبًأنًيرنوًللعلىً
فيًدينهًقبلًكلًشيءً،فيقارنًحالهًبأحوالً
الصالحينً،مثلماًيمدًعينيهًلمنًآتاهًهللاًزهرةً
الحياةًالدنياً،فيطمحًويسعىًلألفضلًفيًدنياه..
" فيؤجلًالعملً"
كمًمنًمرةًوعدتًقلبيًالمنقبضًبالتوبة...
(هذهًالمرةًاالخيرةًوبعدهاًسوفًأستغفرًوأتوبً
بإذنًهللا)
وً( بعدًأنًينتهيًهذاًالظرفًسوفًأضعًبرنامجً
عبادةًمكثفًيعيننيًعليًنفسيًإنًشاءًهللا)
وً(لوًأننيًأرزقًالحجًهذاًالعامً،ألصبحنًإنسانة
أخرىًوًأبدأًحياتيًمنًجديدًبمشيئةًهللاً)
وًوًو...
وًوًو...
متناسيةًأنًالموتًيأتيًبغتةًوًالًيمهل
ح َّتىًإِ َ
نً
تً ًَ
عو ِ
لً َربًِا ْر ِ
ج ُ
قا َ
مًا ْل َ
جا َءًأَ َ
ذاً َ
َ
م ْو ُ
ح َدهُ ُ
هاً َ
مةًٌ
ماًتَ ًَ
ْتًك ََّلًإِنَّ َ
كلًِ َ
صالِحااًفِي َ
لً َ
لَعَلِيًأَعْ َ
رك ُ
م ُ
وً َ
ع ُث َ
ونً.
مً ُي ْب ًَ
و ِ
قائِ ُل َ
مًبَ ْر ًَز ٌ
نً َ
هاً َ
هُ َ
ه ْ
م ْ
خًإِلَىًيَ ْو ِ
و َرائِ ِ
المؤمنونً((100-99
حصل أن مررت بحياتي
بموقفين لم يبقيا بيني وبين
الموت سوى لطف هللا .أفكر
بهما اآلن وأقارن بينهما ...إن
ألولي
لعبرة
ذلك
في
األبصار..
أولهما كان منذ حوالي العشرة سنوات عندما كدت أغرق وحيدة
في البحر الواسع .ال أحد يدري بمكاني وأنا ال أحسن السباحة،
وكل موجة تأتي تبعدني عن الشاطئ أكثر وتكتم أنفاسي..
تحينت الفرصة بين الموجة وأختها لكي ألقي نظرة حولي ..ال
أحد وال شيء سوى البحر والسماء والرمال من بعيد ..لم أحاول
أن أصرخ حتى ،فل طائل من الصراخ ،إذ لن يسمعني أحد إال
ربي ..أدركت بتلك اللحظة معنى سواد الناس كثير ..نضيع
أنفسنا وسط الزحام ،ولكن عندما تأتي ساعة الحق :ها أنا
وحيدة أنتظر الموت بينما أهلي و أحبابي ملتفون حول مائدة
تضم ما لذ وطاب ..لحظات ال أنساها ما حييت ..أغمضت عيني و
رددت الشهادة أكثر من مرة ،ثم رحت أبذل مجهودًاا كبيرًاا في
التركيز على ما أحفظ من كتاب هللا لكي أقبض وأنا أتلو القرآن،
ولكن األفكار التي ازدحمت في رأسي لم تسمح لي بأكثر من
الفاتحة والناس بعد عدة محاوالت..
الرهبة كادت تنسيني إسمي ..أذكر أنني فكرت وقتها :إن
كنت ال أحسن قراءة المعوذات اآلن ،ماذا أفعل عندما يقال لي
اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر
آية تقرؤها ..يا هللا أين ذهب القرآن الذي أحفظ ..شعرت
باستغراب ورهبة ..رهبة نعم ..هذا هو الشعور الذي كان
مسيطرًاا علي وقتها .رهبة و وحشة ..أذكر أنني فكرت أيضا :يا
هللا ..هذا البحر المتوسط بالذات الذي يعرف الجميع مدى
عشقي له ،أيعقل أن يكون سبب ًاا في موتي! ..هل ممكن أن
يمضي االنسان عمره يحب شيئا يكون سببا في هلكه؟ ...ثم
فكرت في أمي و حزنت جدًاا لحالها من بعدي ،و دعوت هللا أن
يصبرها ..ثم عدت لمحاولة التلوة ..كل هذه األفكار والتلوة
و..و ..كلها في دقيقة أو أقل ...ثم نجوت بقدرة هللا وحدها..
واذكر أنني جلست على الرمال أكثر من ساعة بعدها أنظر
إلى البحر في حالة عدم تصديق..
ثم جاء الموقف اآلخر أثناء الحرب على لبنان ..الوضع
مختلف هذه المرة ..أمي إلى جانبي وإبني في حضني،
والطائرة الحربية اإلسرائيلية تحوم فوق السيارة على
الطريق الذي اعتادت أن تستهدف من يسلكه في األيام
األخيرة ..كنا نسمع أصوات تفجيرات من هنا وهناك ،فل
ندري ،لعلنا نكون الهدف التالي ..حمدت هللا ألننا إن متنا
متنا جميعا ،ال حزن وال قلق ..نطقنا جميعنا بالشهادة .راح
فكري ألغلى الناس ..رجوت أن ال ينسوني من دعائهم لي
بالمغفرة ،فدعوة المحب عادة تكون نابعة من القلب
وصادقة ومستمرة .ثم فكرت بمن يموت متفجرًاا :هل يتألم
كثيرًاا لحظتها؟ يعني هل تكفر الكثير من ذنوبه؟..
نطقت بالشهادة من جديد و حاولت استعراض شريط "الذنوب
المؤجلة" لكي أستغفر عما تسعفني اللحظات األخيرة لكي
أستغفر عنه ،فتلعثمت و لم أعرف من أين ابدأ و ال ماذا أقول
وأدركت عندها هول حجم "صغائري" ،ففزعت وبكيت
وتضرعت ...الثواني ال تكفي ..فات األوان ..قد كنت أعمل بل
حساب ،و اآلن قد اقترب الحساب و ال وقت للعمل ..يا رب نجنا
يا هللا لست مستعدة للموت بصحيفة األعمال هذه ..يا حي
يا قيوم أستغفرك يا ربي قد كنت في غفلة أرجعني أعمل
صالحا ..مررنا بجنب حافلة ركاب محترقة تماما..
و لكن هللا نجانا ...يا إلهي ..كيف نسيت بعدها؟؟....
في المرة األولى لعل ذنوبي كانت أقل ،لم
أتعلق بالدنيا ،ولم أفكر بالدعاء بالنجاة حتى..
جل فكري كان في مدى اغترارنا ببريق الدنيا
الزائف ،و كل همي كان في حسن الخاتمة.
كانت تتملكني الرهبة فقط..
أما في المرة الثانية ،فقد تملكني الخوف و الندم ..
كل تفكيري كان منصب ًاا في التوبة ..حتى عندما
فكرت بأغلى الناس ،فكرت بحاجتي إلى الدعاء
على مدى السنين ألن ذنوبي كثيرة وتحتاج إلى
دعاء مستمر ..شعور بالحسرة ال يوصف ..سبحان
هللا ..نعرف كل شيء ونردده في الكلم ،ولكن
كأنما ال نفقهه وال ندرك حقيقته إال في اللحظة
القاضية.
ه َذاً َ
نً َ
َ
(ل َ َ
ف َ
ف َناً
ش ًْ
ةً ًِ
تًفِ
يًغ ْفلَ ٍ
ك َ
ق ْدً ُك ْن َ
م ْ
كً َ
د)
دي ًٌ
ح ِ
كً ِ
مً َ
كًا ًْليَ ْو َ
ص ُر َ
فبَ َ
غطَا َء َ
عَ ْن َ
قً()22
األهلًأينًحنانهم؟ًباعواًوفائي
والصحبًأينًجموعهم؟ًتركواًإخائي
والمالًأينًهناؤه؟ًصارًورائي
واالسمًأينًبريقهًبينًالثناء
والحبًودعًشوقهًوبكىًرثائي
والدمعًجفًمسيرهًبعدًالبكاء
والكونًضاقًبوسعهًضاقتًفضائيً
فاللحدًصارًبجثتيًأرضيًسمائي
هذهًنهايةًحالي؛ً
فرشيًالترابًيضمنيًوًهوًغطائي
واللحدًيحكيًظلمةًفيهاًابتلئي
" ويتمنىًعلىًهللاًتعالىً"
دً
ياًناظرااًيرنوًبعينيًراق ٍ
دً
وًمشاهدااًلألمرًغي َرًمشاه ِ
د َركً
تصلًالذنوبًإلىًالذنوبًوترتجيً َ
دً
نًبهاًوفوزًالعاب ِ
الجنا ِ
ونسيتًأنًهللاًأخرجًآدمااًا ًمنهاً
َ
بًواحد
إلىًالدنياًبذن ٍ
قالًرجلً :ياًرسولًهللاًأحدناًيذنبًالذنب .قال
يكتبًعليه .قالًثمًيستغفرًويتوب؟ًقالًيغفرًلهً
ويتابًعليه .قالًثمًيعودًفيذنب؟ًقالًيكتب عليه.
قالًثمًيستغفرًويتوب؟ًقالًيغفرًلهًويتاب عليهً
والًيملًهللاًحتىًتملوا.
حديثًحسنًصحيح
" الًيملًهللاًحتىًتملوا "
نستغفر ونتوب و نعاهد هللا ..ثم نعود ..مرة أخرى
نستغفر ونجدد العهد أال نرجع أبدًاا ..ثم نعود ..ثم
نلبث حينا ويهل موسم من مواسم الخيرات،
فندعوا هللا ونتوب ..ثم نعود ..تمر سنوات ونحن
على هذا الحال ،وفي كل مرة تصبح التوبة أصعب
على النفس ،ويأتي إبليس اللعين ليزعزع يقيننا،
وهو من أسس التوبة والقبول..
أنت قائمة على هذا الذنب منذ سنين ،ولقد حاولت اإلقلع
ل ا أن هذه المرة مختلفة،
عنه أكثر من مرة ،هل تصدقين فع ً
وأنك لن تعودي إليه أبدا؟؟..
لقد بات هذا األمر جزءا من حياتك ،هل تعتقدين حقا أنه
يمكنك التخلي عنه؟!
لقد فعلت كذا و قلت كذا و اقترفت كذا ،هل تظنين أن كل
ذلك يمكن أن يمحى لمجرد بكاؤك وحرقتك اآلن!..
تساؤالتًتدورًفيًكلًنفسًأعياهاً
الذنب ..وًلكنًأينًاإلجابةً؟
لقد وجدت اإلجابة مؤخرًاا في قول
الرسول صلى هللا عليه وسلم لسيدنا
علي رضي هللا عنه يوم خيبر :
" إمش وال تلتفت حتى يفتح هللا عليك "
نعمً،دينناًدينًالوصول؛ًولكن
معًاألخذًباألسباب.
•توبة صادقة بشروطها الثلثة (االستغفار عن
الذنب ،الندم ،والعزم على عدم العودة إليه).
•اليقين باهلل وعدم التشكيك بمغفرته ،والدعاء مع
اليقين باإلجابة.
• الصبر على الطاعات ..ولقد صنف بعض العلماء
الصبر على الطاعات كأشد أنواع الصبر ،لما يتطلبه
من عزم وهمة وصدق.
•نصبر على الطاعة ،أي نمتثل ألوامر هللا ،ونجتهد
في العبادة قدر المستطاع.
• نثبت على صلة السنة والضحى وال يزال عبدي
يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه .حديث صحيح
• التهجد والدعاء في الثلث األخير من الليل
ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا
حين يبقى ثلث الليل اآلخر يقول :من يدعوني
فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من
يستغفرني فأغفر له؟ متفق عليه
•تقديم صدقات تطهرنا -مهما كانت صغيرة
الصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار.
حديث صحيح.
• أخيرًاا وأهم شيء :التركيز
على القرآن الكريم حفظ ًاا
وتلوة بنية شفاء القلب.
ش َ
فا ٌءً
نً ًَ
وً ِ
نًا ْل ُق ْرآ ِ
لً ِ
ماًهُ َ
م َ
ز ُ
( َو ُن َن ِ
ين) اإلسراءً82
م ِن ًَ
م ْؤ ِ
ح َ
َو َر ْ
مةًٌلِ ْل ُ
تخيلوا معي :خطايا أطفأتها الصدقة،
ودعاء مستجاب ،وحب من هللا،
وشفاء ورحمة ..كيف سيكون حالنا
عندها ؟ لن تسعنا األرض بما رحبت
مهماًطالًاالنتظارً،الًبدًأنًيستجيبًهللا
إذاًاستجبناًلهًوًأطعناه
َ
َ
َ
َ
وإ ِ َ
يًعَ
يبً
ق
يً
ن
إ
ً
ف
يً
ن
د
ا
ب
ع
ً
ك
ل
اًسأ
ِ
ِ
ِ
ِ
َ
ذ َ
( َ
ر ٌ
ِ
َ
ِ
نً َ
داعًِإِ َ
جي ُبواً
دعَا ًِ
ذاً َ
يبً َ
ُأ ِ
و َةًال َّ
دعْ َ
س َت ِ
ف ْليَ ْ
ج ُ
م ُنواًبِيًلَ َ
ون)
ش ُد ًَ
علَّ ُه ًْ
و ْل ُي ْؤ ِ
لِيً َ
مًيَ ْر ُ
البقرةً()186
فلنثبتًولنصبرًوالًنلتفت حتىًيفتحًهللاًعلينا..
لن أصغي لوسوسة الشيطان يشككني بعفو هللا..
لن أفكر بكيف ستكون حياتي وكيف أتدبر أمري
وكيف أتخلى وكيف أطيق الصبر ومئة كيف وكيف..
لن ألتفت! سوف أستقم كما أمرت وأفوض أمري
لمن قال :
مخْ َرجاا) الطلق2
َل ًلَ ًُ
جع ًْ
ق اللَّ ًَ
ن يَ َّت ًِ
م ًْ
ه َ
و َ
( َ
ه يَ ْ
سوفًيجعلًليًربيًمخرج ًاا..
هذاًيقيني
حتى ولو وقعنا من جديد ،فلنقم ونتابع بعزم
وال نلتفت وراءنا بيأس من صلح أنفسنا
ونقرر أنه ال خير فينا وال أمل في صلحنا،
إنما هو الشيطان ييئسنا من روح هللا..
حتى ولو شعرنا بفتور و تكاسل ،فل نلتفت ونقول
سبب حالنا هذا أنه لم يتقبل منا ،فيتملكنا اإلحباط،
بل لنذكر أن القلوب في إقبال وإدبار..
دعونا ال نلتفت لهذه األفكار ووساوس
الشيطان المحبطة ،بل نصبر على
الطاعات حتى يفتح هللا علينا وينير قلوبنا
ويشرح صدورنا ويحيينا حياة طيبة ويجزينا
أجرنا بأحسن ما نعمل..
الخوفًيمألًغربتيًوالحزنًدائي
أرجوًالثباتًوإنهًقسمااًدوائي
والربًأدعوًمخلصاًأنتًرجائي
أبغيًإلهيًجنةًفيهاًهنائي