الترادف من خصائص العربية • حينما كنت أبحث عن الفروق اللغوية بين كلمات الهم ، والغم ، والحزن في كتب الفروق اللغوية
Download
Report
Transcript الترادف من خصائص العربية • حينما كنت أبحث عن الفروق اللغوية بين كلمات الهم ، والغم ، والحزن في كتب الفروق اللغوية
الترادف
من خصائص العربية
• حينما كنت أبحث عن الفروق اللغوية بين كلمات الهم ،والغم ،
والحزن في كتب الفروق اللغوية ،تذكرت قضية قديمة حديثة
وربما أذكرنيها قراءتي عن الكلمات الثالث السابقة .
• وتلكم القضية هي قضية الترادف في اللغة وهي من الحيوية
والحداثة بمكان ،في ظل توسع اللغة الدائم ،الذي يجعل المهتم
بأمر اللغة وتطور داللتها ،على مفترق طريقين ممتدين منذ
عصور سلفت .
• وأحاول من خالل هذا البحث أن أطل على رأيين من آراء
علمائنا األجالء حول الترادف وحقيقته محاوالً أن أصل بالقارئ
إلى رأي أحسبه راجحا ً .
• والبحث حول الترادف مشكل ،وقد وجدت القضية أوسع مما
كنت أقرر لها ،فهي مبسوطة في كتب أرباب اللغة ،الذين
أولوا هذا المحور جل اهتمامهم ،وصدروا بها أوائل كتبهم ،
وجذورها تمتد إلى أغوار الزمن األول الذي نشأت فيه هذه
اللغة ؛ وهي بين قائل بالتوقيف أو االصطالح ـ وهو بحث
ظني على كل حال ـ .
• أعود ألقول إن قضية الترادف ؛ وجوده أو عدمه قد شغلـت
كثيراً من اللغويين ،وأفرد لها اإلمام السيوطي في كتابه
المزهر صفحات ذات عدد ،كما أوالها الكثير من اللغويين
اهتمامهم ذلك أنها تتصل بأصل لغتنا
• وفي معجمنا اللغوي الكبير كثير من المترادفات ؛ ترى هل
ً
لمعنى واحد ،اقتضاها تنوع القبائل
هي مترادفات ومسميات
واألمصار وظروف أخرى ؟! أو أنه ال يوجد في الحق
ترادف أصال وأن العسل هو االسم ،وتسعة وسبعين اسما
أخرى أحصاها الفيروزآبادي ما هي إال أوصاف لها دالالت
تختلف كل داللة عن األخرى.
• هذا ما يحاول هذا البحث الكشف عنه ..
•
• أوالً :الترادف في كتب اللغة :
• بادئ ذي بدء أقول إن جذر هذه القضية يعود إلى أصل نشأة
اللغة ،ومعلوم أن علماء اللغة على اختالف واسع ومبسوط
في كتب اللغة ،ويكاد الرأي األخير يتشعب إلى رأيين
أحدهما يرى التوقيف في أصل نشأة اللغة ،وأن هللا علم آدم
األسماء كلها ،ورأي آخر يرى أن اللغة قائمة في أصلها
على االصطالح والتواضع ..وتبعا ً لهذين الرأيين انقسم
علماء اللغة إلى قسمين في قضية الترادف :
• أ ـ إنكار الترادف :
• يقول أصحابه :بأن الشارع حكيم ،ومن العبث أن يأتي الترادف إال
ولكل كلمة داللة ،فإذا سلمنا بتلك الدالالت المتعددة فال ترادف بل إن أبا
هالل العسكري قد أنكر حتى المشترك اللفظي ،وأن يكون فعل ،وأفعل
بمعنى واحد ،بل إن أصحاب هذا الرأي ومنهم أبو هالل العسكري
يقولون بعدم تعاقب حروف الجر ،وعللوا ذلك بأنه يوقع في اإلشكال
واللبس على المخاطب ،وليس من الحكمة ،وضع األدلة المشكلة ..
وقال المحققون ،ال يجوز أن تختلف الحركتان في الكلمتين ومعناهما
واحد ،ثم يقول :وإذا كان اختالف الحركات يوجب اختالف المعاني ،
فاختالف المعاني أنفسها أولى أن يكون كذلك ،ولهذا المعنى قال
المحققون من أهل العربية :إن حروف الجر ال تتعاقب )) (. )1
• ويقول ابن درستويه ( : )2في جواز تعاقب حروف الجر
إبطال لحقيقة اللغة ،وإفساد الحكمة فيها ،والقول بخالف ما
يوجبه العقل والقياس ،ويسحب أبو هالل العسكري المبرد
إلى القائلين بإنكار الترادف وينقل عنه قوله .. (( :قولنا اللب
،وإن كان هو العقل فإنه يفيد خالف ما يفيده العقل ،وكذلك
المؤمن ،ومستحق الثواب ،لكل منهما معنى زائدة )) (. )3
• ويفرق المبرد بين قولي أبصرته ،وبصرت به على
اجتماعهما في فائدة شبه متساوية إال أن أبصرت به معناه
أنك صرت به بصيرا بموضعه ،وفعلت أي انتقلت إلى هذه
الحال ،وأما أبصرته فقد يجوز أن يكون مرة وأن يكون
ألكثر من ذلك ،وكذلك أدخلته ودخلت به ،فإذا قلت أدخلته
جاز أن تدخله وأنت معه ،وجاز أال تكون معه ،ودخلت به
إخبار بأن الدخول لك وهو معك ،وبسببك )) (. )4
• وممن أنكر الترادف ابن فارس ت 395هـ وقد بسط رأيه
( )5الذي ال يبعد في استدالله عن آراء ابن درستويه
ومعاصره أبي هالل العسكري ،وهو رأي البن األنباري ـ
صاحب األضداد يقول ابن األنباري [ يذهب ابن األعرابي
إلى أن مكة سميت بذلك لجذب الناس إليها ] ثم يقول بعد كالم
طويل عن علة بعض التسميات لبعض البلدان ـ فإن قال رجل
:ألي علة سمى الرجل رجال ،والمرأة امرأة قلنا :لعلة
علمتها العرب ،وجهلناها ،فلم تزل عن العرب حكمة العلم
بما لحقنا من غموض العلة وصعوبة االستخراج علينا ))..
(. )6
• ويعلل قطرب تكرار العرب للفظتين على المعنى الواحد بعلة
أن ذلك يدل على اتساعهم في كالمهم كما زاحفـوا في أجزاء
الشعر ،ليدلوا على أن الكالم واسع عندهم . )7( )) ..
• وباستعراض اآلراء السابقة نجد أن أصحابها ينكرون وجود
الترادف ،ويمكن أن نستنبط عللهم ونجملها في النقاط اآلتية:
:
• أوالً :إن الشارع حكيم ،وإذا سلمنا بالترادف ،وقعنا في
عبثية لفظية ،ينـزه الشارع عنها ،ورأيهم هذا ينطلق من
قولهم بتوقيفية اللغة كما أسلفنا .
• ثانيا ً :إن لكل كلمة داللة تدور في محيطها ،وما لم نعلم
علته ،فهو معلوم في العربية ،وإن جهلناه .
• ثالثا ً :إذا قلنا بإنكار الترادف ،فهذا يدفعنا إلى بحث العلل
وفي هذا ما يدل على سعة الكالم عند العرب.
•
• ب ـ إثبات الترادف :
• أما الرأي اآلخر ،فيثبت الترادف ،ويرى أن هناك كلمات مترادفة ،
ً
معنى واحداً تاما ً ،لم تأت في العربية عبثا ً ،وإنما جاءت
تؤدي
ألغراض ومقاصد ،ويستدلون على صواب رأيهم بأدلة عقلية وخرجوا
اآلية الكريمة مخارج تدعم أو تسالم رأيهم ،وحديثهم في إثبات الترادف
قائم من منطلق أن اللغة اصطالحية حتى صرح بذلك السيوطي في
المزهر بقوله ( (( : )8وهذا مبني على كون اللغات اصطالحية )) ولعل
من أبرز القائلين به اآلمدي صاحب اإلحكام في أصول األحكام إذ نص
على ذلك ،واتهم أصحاب الرأي السابق وسرد أدلة عقلية على وقوعه
(( ذهب شذوذ من الناس إلى امتناع وقوع الترادف في اللغة ،وجوابه
أن يقال :ال سبيل إلى إنكار الجواز العقلي
• ،فإنه ال يمتنع أن يقع أحد اللفظين على مسمى واحد ثم يتفق
الكل عليه ،وأن تضع إحدى القبيلتين أحد االسمين على
ً
مسمى ،وتضع األخرى له اسما ً آخر ،من غير شعور كل
قبيلة بوضع األخرى ثم يشيع الوضعان بعد ذلك .ثم يُدلل
اآلمدي على إمكانيـة وقوع ذلك بقوله (( :ثم الدليل على
وقوع الترادف في اللغة ما نقل عن العرب من قولهم :
الصهلـب ،والشوذب من أسماء الطويـل ،والبهتر ،والبحتر
من أسماء القصير )) (. )9
• ويؤيد هذا الرأي القائل بالترادف مجموعة من علماء اللغة
لعل من أبرزهم ابن خالويه ،وهو الذي أثبت للسيف أسما ًء
كثيرة مترادفة ( )10ومنهم أبو بكر الزبيدي والرماني ،
وابن جني ،وقد أفرد له بابا ً في خصائصه ومنهم الباقالني ،
وابن سيده والفيروز آبادي الذي ذكرت سالفا ً أنه أثبت للعسل
ثمانين اسما ً (. )11
• والسيوطي ممن يثبتون وجود الترادف في اللغة ،ويعلل ذلك
،ذاكراً فوائد الترادف :وأبرز علله ما يأتي (: )12
• أوالً :أن تكثر الوسائل ،والطرق ،إلى اإلخبار عما في
النفس ،فربما نسى أحد اللفظين ،أو عام عليه النطق به ،
وقد كان بعض األذكياء ـ ويقصد به واصل ابن عطاء ()13
ألثغ ،فلم يحفظ عنه أنه نطق بحرف الراء ،ولوال
المترادفات تعينه على قصده لما قدر على ذلك .
• ثانيا ً :التوسع في سلوك طرق الفصاحة ،ألن اللفظ الواحد
قد يتأتى باستعماله مع لفظ آخر السجع ،والقافية والتجنيس .
• ثالثا ً :ذهب بعض الناس إلى أن الترادف على خالف
األصل ،واألصل هو التباين ،وبه كما يقول اإلمام السيوطي
ـ جزم البيضاوي في منهاجه .
• رابعا ً :قد يكون أحد المترادفين أجلى في تعبيره من اآلخر
،وقد ينعكس الحال بالنسبة لقوم آخرين .
• خامسا ً :أورد السيوطي تقسيما ً لعالم اسمه " ألكيا " وهو اسم
غريب وتقسيم كما يقول السيوطي غريب ؛ يقول :تنقسم
األلفاظ إلى متوارد كما تسمى الخمر عقارا ،وصهباء ،
وقهوة ،والمترادفة مثل صلح الفاسد ،ولم الشعث .
• سادسا ً :أثبت السيوطي المترادف بنماج لمن استقصوا أو
حاولوا استقصاء أسماء العسل ،والسيف ،وكأنه بذكره لهذه
األسماء ،يرى أن القائلين بإنكار الترادف يتمحلون في وضع
العلل
• ثانيا ً :التطبيق :
• حينما ننظر لكلمات مثل (الهمم ،والغم ،والحزن) ،نجد أن جذر
المعنى الذي تجتمع عليه الكلمات الثالث هو ما يعتري النفس من
كدر ،وعدم رضى ،مع تفاوت وتمايز في داللة كل كلمة منها .
• وأبدأ بكلمة الحزن التي تتخذ في معاجم اللغة دالالت ،ويفسره
صاحب المعجم الوسيط بمرادفه وهو اُغتم ( ، )14وابن فارس
في مقياسه اللغوي ( )15تجاوز تعريفه للحزن وقال هو معروف
؛ يُقال أحزنني الشيء يحزنني ،وحزانتك أهلك ومن تحزن
عليهم ،ووجدت الشريف الجرجاني ( )16يعرف الحزن ،
ويربطه بالماضي (( :عبارة عما يحصل لوقوع مكروه ،أو
فوات محبوب في الماضي . )) ..
• والواقع أننا حينما نبحث عن مترادفات الحزن نجدها متعددة ،
وكلمات عدة تؤدي المعنى الذي ذكرته آنفا ً فعند علماء اللغة
تقول (( :غمني ،أحزنني وشجاني ،وشجنني ،وأشجنني ،وعز
علي ،وشق علي ،وعظم علي ،واشتد علي )) ويُقال (( :ورد
فالن خبر ،فحزن له واغتم ،وأسـى ،وشجى ،وشجن ،وترح
،ووجد ونكد ،وكئب ،واكتأب ،واستاء ،وابتأس ،وجزع
وأسف ،لهف ،والتهف ،والتاع ،والتعــج ،وارتمض )) ...
( . )17وهي كلمات كما ترى تحمل كل واحدة منها داللة ،ال
يمكن في تصوري أن تلتقي كلمتين منها التقا ًء تاما ً فلكل واحدة
منها ظالالً معينة وبما أننا قد اخترنا ،الثالث كلمات السابقة ،
فلنتابع الحديث عنها .
• فالغم كما يقول ابن فارس (( الغين والميم أصل واحد صحيح
يدل على تغطية ،وإطباق ،ويُقال :غمه األمر يغمه غما ً .
وهو شيء يغشى القلب )18( )) ..وفي الوسيط يدور حول
التغطية )19( ..وهي داللة كما فهمت أعمق إذ أن الهم
يتغشى الفؤاد ،ويضيق الخناق على المغموم ،وكأنه قد
غطاه تماما ً فال يستطيع أن يتنفس ،وبخالف الحزن ،فهو
مرحلة متقدمة ماضية ،قد انجلى الضيق ولم يبق منه إال
بقايا من الحزن (( .وقالوا الحمد هلل الذي أذهب عنا الحزن))
.
• وعلى الرغم من أن ابن فارس ممن يقولون بإنكار الترادف ،
فهو يفسر لنا الكلمة بمرادفها فهو يعرف الهم بأنه الحزن
ويقول (( الهاء والميم أصل صحيح يدل على ذوب وجريان
وما أشبه ذلك ومنه قول العرب :همني الشيء ،أذابني
والهم الذي هو الحزن عندنا من هذا القياس ،ألنه كأنه لثالثة
يهم ،أي يذيب )) (. )20
• ومن تتبع دالالت الكلمات الثالث تستطيع أن نخرج بفائدة تنوع دالالتها
،ولعل وضوحها هو الذي دفع بابن فارس إلى تجاوز توضيح الفروق
بينها ،وهو الذي جعل لغويا ً مثل الثعالبي وأبي هالل العسكري ال
يوضحون الفرق بينها ( )21وربما كان األمر على خالف ما فهمت ،
والذي يتراءى لي ـ وهو رأي شخصي قابل للنقض ـ أن الترادف غير
ممكن في العربية ،وأن القول بوجوده يتعارض مع عظمة العربية ،
واتساع قاموسها ،ولو سلمنا للقائلين بالترادف لسفهنا بطريقة أو بأخرى
علماء اللغة ،الذين جمعوا اللغة من مضانها ،ومن أفواه العرب ووقعنا
في عبثية لفظية ،تنـزه اللغة العربية عنها ،وأم ٌر آخر يدعم القول
بإنكار الترادف ،وهــو النماذج التي أوردت في ثنايا البحث ،فإن في كل
كلمة ذكرت آنفا ً داللة ،وإيحاء ،حتى على افتراض توحد منطلقها
المعنوي .
• وبعد ..فال أزعم أنني ألممت بأطراف البحث في هذه القضية
،التي شغلت الباحثين في مجال اللغة حتى من علماء اليونان
،وعلماء اللغة السنسكريتية القديمة ،وحسبي أني أطللت
بالقارئ الكريم على أبعاد هذه القضية ،التي تتخذ أهميتها من
ارتباطها بقاموسنا اللغوي الكبير الذي نعتز به ..
• والحمد هلل أوالً وآخراً
•
•
•
•
•
•
•
•
•
•
•
•
•
•
•
•
•
•
•
•
•
•
•
()1
()2
()3
()4
()5
()6
()7
()8
()9
()10
()11
()12
()13
()14
()15
()16
()17
()18
()19
()20
()21
•
الفروق اللغوية /أبو هالل العسكري /ص ، 13 ، 12ط مكتبة القدس 1353هـ ،القاهرة .
المرجع السابق ص. 13
المرجع السابق ص. 14
المرجع نفسه .
الصاحبي في فقه هللا /أحمد بن فارس ص 65طبعة القاهرة 1328/هـ .
المزهر /السيوطي جـ 1ص. 400
المرجع نفسه .
المرجع نفسه ،جـ 1ص . 406
النص في المزهر ، 1/406 ،وكتاب الترادف للزيادي ،ط وزارة الثقافة 1980م .
المزهر " .. 1/406 ،بسط ألسماء السيف " .
الترادف ،حاكم الزيادي ،ص. 220
المزهر . 1/406 ،
تجد قصته في البيان والتبيين ،جـ ، 1ص ، 10ط دار الكتب العلمية ،لبنان ،بدون تاريخ .
المعجم الوسيط ،مجمع اللغة بالقاهرة ،جـ 1ص ، 177ط ، 3دار عمران .
مقاييس اللغة ،ابن فارس ،تح عبدالسالم هارون ،جـ 1ص ، 54ط 1366 1القاهرة .
التعريفات ،علي محمد الجرجاني ،مخطوط ،ص ، 59بدون تاريخ ولم أجد مكان الطبع .
انظر نجعـة الرائد في المترادف والوارد ،إبراهيم اليازجي ،ط لبنان ط ، 1970 ، 2جـ ، 1ص. 199
مقاييس اللغة . 4/376 ،
المعجم الوسيط . 2/685 :
مقاييس اللغة :جـ. 13/ 6
لم أجد في فقه اللغة للثعالبي ،وفي الفروق ألبي هالل إشارة إلى الفرق بينها .