الحوكمة في مؤسسات التعليم العالي
Download
Report
Transcript الحوكمة في مؤسسات التعليم العالي
الحوكمة في التعليم العالي
أ.د .الياس ميشال الشويري
من كبار المسؤولين التنفيذيين
في القطاعين العام والخاص في لبنان
مقدمة
مما ال شك فيه ان التعليم العالي:
أصبح أكبر وأهم قطاع في أي دولة،
وقد توسع في العديد من الدول وأصبح رمزاً ومرآةً تعكس
صورة البلد وتعبّر عن أهمية التعليم فيه.
من هنا ،ضرورة تحديد أدوار هذا القطاع لشدة تأثيره على رسم
مستقبل البلد وموقعه بالنسبة لنظم التعليم العالي في المنطقة والعالم.
الحوكمة في مؤسسات التعليم العالي
في السنوات األخيرة ،تزايد اإلهتمام بموضوع الحوكمة
( (governanceفي مؤسسات التعليم العالي ،وكثرت الدراسات
والنشرات بهذا الشأن (وزير التربية والتعليم العالي في لبنان ،حسّان
دياب).
التعريف المتداول للحوكمة مبني على الطرائق واآلليات التي
تستخدمها مؤسسات التعليم العالي لتحديد أهدافها ولتطبيق هذه
االهداف ،وإلدارة المؤسسات على الصعد المتعلقة بالبرامج
االكاديمية والحياة االجتماعية والشؤون المالية وشؤون االساتذة
والموظفين.
بما أن للجامعات مساهمة أساسية في تنمية بلدانها على المستويات
االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،لذلك يجتهد القيّمون على
الجامعات في صياغة رسالة الجامعة التعليمية ،التي تح ّدد أهدافها
العليا.
الحوكمة الرشيدة
لست بصدد عرض أهمية الحوكمة في المؤسسات التعليمية،
وخصوصاً في مؤسسات التعليم العالي ،وال سيما أمام القيمين منكم
على هذا القطاع والمعنيين به،
فنحن جميعا نعي أن تطوير قطاع التعليم العالي ال يكتمل في غياب
حوكمة رشيدة لمؤسساته وفي ظل افتقار للمساءلة والشفافية ،إذ أن
المقصود بالحوكمة الرشيدة ال يتعلق يإدارة الجامعة فحسب ،ال بل
بوضع معايير وآليات حاكمة ألداء كل األطراف من خالل:
تطبيق الشفافية،
سياسة اإلفصاح عن المعلومات،
أسلوب لقياس األداء ومحاسبة المسؤولين،
مشاركة الجمهور في عملية اإلدارة والتقييم.
الحوكمة الرشيدة -تابع
لقد برهنت العديد من الدراسات والتجارب في العالم أن الحوكمة
الرشيدة في مؤسسات التعليم العالي خطوة ضرورية تجاه تطوير
نوعية التعليم العالي وأحد العناصر األساسية التي تؤدي إلى تحسين
المخرجات التعليمية.
وفي الواقع ،تبين أن الجامعات العريقة في العالم تتميّز جميعها
بسياسات فعالة للحوكمة والتمويل والقيادة ،فضالً عن اعتماد هذه
المؤسسات آليات مؤسساتية واضحة وحرصها على نوعية الهيكل
التعليمي فيها.
قواعد الحوكمة
مهما اختلفت هذه الصيغ ،إال أنها تجمع على أن أسمى أهداف الجامعات
تتر ّكز في هدفين أساسين (وزير التربية والتعليم العالي في لبنان ،حسّان
دياب):
أولهما ،يقوم على تأمين تعليم جيد ينتج أفواجا من الخريجين
المؤهلين لتلبية حاجات مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.
وثانيهما ،يعبر عن خدمة المجتمع من خالل التفاعل بين الجامعة
والمجتمع ،وإسهام الجامعة في التصدي لقضايا المجتمع ،وذلك من
خالل األبحاث والدراسات وورش العمل وغيرها.
الحوكمة الصالحة هي اإلطار المتكامل لخلق التوازن المنشود داخل
الجامعة .كما أن للحوكمة أربع قواعد أساسية يتوجب على أي مؤسسة أن
تطبقها بدقة كي تحصل على هذا التوازن ،وهذه القواعد هي :االدارة
الحديثة ،الشفافية ،المساءلة والمشاركة.
قواعد الحوكمة -تابع
يقصد باالدارة الحديثة إعتماد التخطيط االستراتيجي والمرحلي والتطبيق
الرشيد والمتابعة.
ويقصد بالشفافية تصميم وتطبيق النظم واآلليات والسياسات وغير ذلك
من األدوات التي تكفل حق المعنيين من طالب وأساتذة وإداريين وفئات
المجتمع.
أما المساءلة فتقضي بتمكين ذوي العالقة وأصحاب المصلحة من مراقبة
العمل دون أن يؤدي ذلك الى تعطيله.
وتستوجب المشاركة إتاحة الفرصة ألهل الجامعة في مختلف مراكزهم
ووظائفهم ،وكذلك فئات المجتمع ،للمشاركة في صنع السياسات ووضع
قواعد للعمل ،كل تبعاً لمركزه ووظيفته.
ظهور حوكمة الجامعات
حري بنا أن نلفت االنتباه إلى أن ظهور مفهوم حوكمة الجامعات إنما جاء
ليخاطب التحديات التي كانت وما زالت تواجه هذه الجامعات.
من هذه التحديات ،مواكبة عولمة التعليم العالي ،وكذلك المنافسة ،ليس في
اإلطار الوطني فحسب ،بل على الصعيدين االقليمي والدولي.
هذا التحدي الذي يستدعي وضع سياسات وآليات لضمان جودة التعليم واالدارة
بهدف إحداث تق ّدم في المعرفة وخدمة المجتمع وتأهيل الطالب لحياة أفضل.
وتبرز الحوكمة في هذا السياق كإطار يدفع المؤسسة الجامعية إلى التغيير
والتكيّف والتق ّدم عبر مشاركة أهل الجامعة وذوي العالقة في صياغة التوصيات
والقرارات ومناقشتها ،وفي مراقبة الموازنات ،وفي التقييم والمحاسبة ،وفي
تعزيز قيم الديمقراطية واالبتعاد عن االستئثار الفردي.
المعوقات
نحن في مقابل الدعوة إلى الحوكمة الصالحة ندرك جيداً وجود العديد من
المعوقات التي تحول دون تطبيق هذا المفهوم ،ومنها الثقافة السائدة في
المجتمع العربي بشكل عام وفي لبنان بشكل خاص ،والمناخ السياسي
العام في المنطقة العربية ،والتشريعات الجامعية ،وضعف مشاركة
األساتذة الجامعيين والطالب في الحياة الجامعية ،وغيرها.
وال شك بأن هذه المشاكل تحتاج إلى حلول من شأنها أن تؤدي بمفهوم
حوكمة الجامعات الى السير في مساره التطبيقي الصحيح.
وعلى ذلك ،فال بد لنا من التشديد مجدداً على أن الهدف من سياسات
الحوكمة يجب أن يبقى دوماً التنمية ،التنمية االنسانية واالقتصادية
واالجتماعية والثقافية.
بطاقة فحص لحوكمة الجامعات
إنطالقاً من هنا ،وفي إطار االجتماعات الدورية التي يلتقي فيها وزراء التعليم
العالي كل عامين ،أقر وزراء التعليم العالي العرب استخدام أداة جديدة لقياس
حوكمة الجامعات في مختلف أنحاء منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا.
ويتمثل الغرض من هذه األداة ،التي طورها برنامج التعليم العالي التابع لمركز
التكامل المتوسطي في مرسيليا الذي يحظى بدعم البنك الدولي ،في قياس
حوكمة الجامعات في بلدان المنطقة وتحديد أنماطها المختلفة ،ومدى توافقها مع
الغرض منها ،وذلك لمساعدة مؤسسات التعليم العالي على فهم كيفية تحسين
أدائها.
بطاقة فحص لحوكمة الجامعات -تابع
اختب َرت بطاقة القياس بالفعل في 40جامعة في أربعة بلدان ،هي :مصر
وقد
ِ
وتونس والمغرب والضفة الغربية وقطاع غزة .وهي خطوة أولى نحو وضع
أداة أكثر شموال لمتابعة أداء الجامعات.
ونظرا ألن نظم الحوكمة هي أحد أهم األبعاد -إن لم يكن أكثرها أهمية – لفهم
كيف يمكن للجامعات تحسين أدائها ،فإن هذا مدخل إلى تقييم األبعاد األخرى
مثل ضمان الجودة ،ونواتج تعلَّم الطالب ،وجودة التدريس والبحوث ،وصالحية
الخريجين لسوق العمل.
بطاقة فحص لحوكمة الجامعات -تابع
وقد أسفر استخدام األداة الجديدة في 40جامعة عن بضعة دروس بشأن
مزايا القياس وكيف يمكن أن يكون آلية فاعلة لتحقيق اإلصالحات ،وهي
تش ِّكل معلما بالغ األهمية على الطريق نحو تحسين المساءلة عن تقديم
الخدمات االجتماعية ،ورحلة نموذجية جريئة قامت بها هذه الجامعات.
وأظهرت ستة بلدان أخرى :الجزائر والبحرين والعراق والكويت ولبنان
والسودان اهتماماً بالمشاركة في المشروع ،ويعتزم البنك الدولي توسعة
المشروع في العراق ولبنان والجزائر بحلول يونيو/حزيران من هذا العام.
وتتميز "بطاقة قياس حوكمة الجامعات" بأن لها تأثيرا واسعا ،وسوف تساعد
في تغيير نظم إدارة الجامعات في الكثير من البلدان.
الختام
تواجه كل بلدان المنطقة تحديات تتعلق بتسريع خطى النمو االقتصادي
وتوفير فرص العمل لأليدي العاملة المتعلمة اآلخذة في االزدياد .وثمة
حاجة أيضا لتضييق الفجوة بين المعروض من التعليم واحتياجات
سوق العمل؛ ويعني ذلك أن الجامعات ُتعتبر في حد ذاتها مؤسسات
حيوية للنهوض بالنمو االقتصادي ،وتتطلب االهتمام بها على هذا
األساس.
وفي أعقاب ثورات ما يسمّى -الربيع العربي -في العام ،2011التي
وضعت نظم الحوكمة الرشيدة في بلدان المنطقة على المحك ،باتت
الجامعات ّ
تمثل المنطلَق الحقيقي لتحقيق التنمية؛ فالجامعات ذات األداء
الجيد في وضع متميّز يم ّكنها من االضطالع بالدور القيادي الذي
تمس الحاجة إليه بشدة.
الختام -تابع
وحوكمة الجامعات هي أحد العناصر الرئيسية التي يمكن أن تؤدي إلى
تحسين النتائج .و ُتعتبر حوكمة الجامعات أيضاً محرِّ كا مهماً للتغيير،
كما أن كيفية إدارة المؤسسات هي أحد أكثر العوامل حسماً في تحقيق
أهدافها.
هناك نماذج كثيرة للحوكمة الرشيدة ،وهي تختلف باختالف البلدان،
ونوع المؤسسة ،والميراث التاريخي والعوامل الثقافية والسياسية
وأحيانا االقتصادية األخرى.
من الواضح أنه ال يوجد نهج واحد "يناسب الجميع" في هذا الشأن.
ويتضح بجالء أيضا أن اختيار النموذج المحتمل لنظم الحوكمة
لمؤسسة معينة يجب أن يكون قراراً مدروساً دراسة جيدة.