أولاً: تعريف الأمن القومي الإسرائيلي.

Download Report

Transcript أولاً: تعريف الأمن القومي الإسرائيلي.

‫األمن القومي اإلسرائيلي‬
‫إعداد‪/‬‬
‫د‪ .‬إبراهيم محمود حبيب‬
‫المبحث األول‬
‫اإلطار السياسي‬
‫والعسكري لألمن‬
‫القومي اإلسرائيلي‬
‫تستلزم الطبيعة الدينية والوظيفية للدولة العبرية‪ :‬أن‬
‫يكون اإلطار العام لألمن القومي إطاراً أمنيا ً عسكريا ً‬
‫بالدرجة األولى‪ ,‬أما اإلطار السياسي؛ فهو عملية‬
‫تكميلية لسد الثغرات المفتوحة في اإلطار العسكري‪،‬‬
‫لذلك سنحاول من خالل هذا المبحث التعرف على‬
‫مفهوم األمن اإلسرائيلي‪ ,‬وما هي مرجعياته ومحدداته‬
‫ونظريته وأهدافه اإلستراتيجية وطرق تحقيقها‪.‬‬
‫أولا‪ :‬تعريف األمن القومي اإلسرائيلي‪.‬‬
‫• يعرف األمن القومي ألي دولة في العالم‪" :‬بأنه قدرة الدولة على‬
‫الحفاظ على مصالحها‪ ,‬والدفاع عنها؛ ولكن تعريف األمن القومي‬
‫اإلسرائيلي يكاد يكون شاذاً عن كل تلك المفاهيم‪ ,‬حيث يعرف ديفيد بن‬
‫جوريون األمن القومي اإلسرائيلي بقوله هو‪" :‬الدفاع عن الوجود"‬
‫• لذلك فإن مفهوم األمن القومي اإلسرائيلي يمتد ليشمل محاولة التأثير‬
‫على خط التفاعالت اإلقليمية‪ ,‬التي تضمن منع أي تحديد لقدرات‬
‫إسرائيل السياسية والجيوبوليتيكية؛ مما سيجبر األطراف العربية على‬
‫القبول بها والتعامل معها على أساس واقعي ال يمكن تغييره‪.‬‬
‫• كما يرى العسكريون اإلسرائيليون أن مفهوم األمن القومي يمتد ليشمل‬
‫قضية النقاء اليهودي وضمان تدفق المهاجرين اليهود إلسرائيل‬
‫واالرتباط بقوة عظمى‪.‬‬
‫ثانيا ا‪ :‬نظرية األمن اإلسرائيلي‪.‬‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫أراد بن جوريون مؤسس النظرية األمنية اإلسرائيلية عام ‪1949‬م؛‬
‫اإلجابة على سؤال مصيري يواجه تلك الدولة الناشئة يقول‪ :‬كيف‬
‫يمكن تحقيق األمن لشعب قليل العدد يعيش في دولة صغيرة‬
‫المساحة‪ ,‬محدودة الموارد‪ ,‬محاطة بكثرة عددية معادية؟‬
‫أدركت القيادة اإلسرائيلية أن‪ :‬اإلجابة على هذا السؤال ليست سهلة‪,‬‬
‫وأنه يجب التغلب على محوري السؤال الرئيسيين المتمثلين في صغر‬
‫حجم الدولة‪ ,‬والكثرة المعادية‪ ,‬فتم االتفاق إلى تحديد ركيزتين‬
‫أساسيتين لنظرية األمن اإلسرائيلي‪ ,‬اللتين تمثلتا باألتي‪:‬‬
‫تجيش الشعب بكامله (كل الشعب هو جيش)‬
‫نقل الحرب إلى أرض العدو‬
‫ولتثبيت تلك الركائز وضمان فاعليتها‪ ,‬أكد بن جوريون ومردخاي مالكيف (أول‬
‫رئيس لهيئة األركان اإلسرائيلية) على ضرورة امتالك المقومات التالية‪:‬‬
‫• بناء جيش قوي يكون بمثابة العمود الفقري للمؤسسة األمنية‪.‬‬
‫• الحرب القصيرة‪.‬‬
‫• تبني أسلوب الهجوم في القتال‪.‬‬
‫• ضرورة امتالك قوة ردع والعمل على تطويرها‪.‬‬
‫• توفير المرونة الميدانية وسرعة الحركة في أرض المعركة‪.‬‬
‫المرجعية الفكرية لنظرية األمن اإلسرائيلي‪:‬‬
‫أولا‪ :‬المرجعية الدينية‪.‬‬
‫استطاعت الصهيونية أن تسخر الدين لخدمة أغراضها السياسية‪,‬‬
‫وتمثل ذلك بربط اليهودي وجدانيا ً بفلسطين‪ ,‬وتكريس مبدأ سيادته‬
‫على األمم‪ ,‬على اعتبار أن ذلك وعد إلهي ال بد من تحقيقه‪ ،‬وقد‬
‫حاولت أن تجعل من حروب إسرائيل‪ ,‬حروب مقدسة؛ ألن الرب‬
‫هو الذي يقودها‪ ,‬وفي ذلك يقول موشيه جورين حاخام الجيش‬
‫اإلسرائيلي أثناء حرب ‪1967‬م‪" :‬إن حروب إسرائيل الثالث مع‬
‫العرب في سنوات ‪1967 ،1956 ،1948‬م‪ ،‬إنما هي حروب‬
‫مقدسة إذ دارت أوالها لتحرير إسرائيل‪ ,‬وقامت الثانية لتثبيت‬
‫أركان الدولة‪ ،‬أما الحرب الثالثة فكانت لتحقيق كلمات أنبياء‬
‫إسرائيل‪ ،‬ومن أجل تحرير وتثبيت وتحقيق أمن إسرائيل نؤمر‬
‫بالقتال‬
‫تابع ‪ ...‬المرجعية الفكرية لنظرية األمن اإلسرائيلي‪.‬‬
‫تستند المرجعية الدينية من خمسة مصادر أساسية هي‪:‬‬
‫– العهد القديم "التوراة"‪ :‬هناك العديد من النصوص التي يستند عليها من‬
‫التوراة لربط اليهود باألرض وحثهم على القتال‪ :‬مثل "كل موضع تدوسه‬
‫بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلمت موسى“ أي أن هذا النص يبيح إلسرائيل‬
‫الحق بأن تتوسع دون قيد أو شرط‪ ,‬ألي أرض تطؤها أقدام جنودها‪.‬‬
‫– التلمود‪ :‬من النصوص التي وردت في التلمود وترغب وتشجع اليهود للسكن‬
‫في فلسطين‪" :‬األرض المقدسة هي أعلى من كل األراضي“ "هواء فلسطين‬
‫هو األفضل في الكون‪ ،‬وهو يكفي لجعل اإلنسان حكيما“‬
‫– فكرة الخالص والعودة إلى أرض الميعاد‪ :‬تتلخص هذه الفكرة بإعادة بعث‬
‫الشعب اليهودي وعودته إلى األرض التي وعدهم بها الرب مثل ما ورد في‬
‫التوراة "وقال الرب‪ :‬لنسلك أُعطي هذه األرض من نهر مصر إلى النهر‬
‫الكبير نهر الفرات”‬
‫تابع ‪ ...‬المرجعية الفكرية لنظرية األمن اإلسرائيلي‪.‬‬
‫– فكرة السيادة العالمية لليهود‪ :‬تنبع هذه الفكرة من عقيدة التفوق‬
‫والتمييز‪ ,‬حيث يعتقد اليهود أنهم شعب هللا المختار وأن عليهم قيادة‬
‫العالم الذي يجب أن يتحول إلى مجموعة من الخدم والعبيد (جويم)‬
‫ولن يتحقق ذلك؛ إال بعد العودة إلى أرض الميعاد‪.‬‬
‫– استغالل الالسامية‪ :‬استطاعت الحركة الصهيونية أن تستغل‬
‫موضوع الالسامية لفرض هيمنتها على العالم‪ ,‬حيث تعتبر‬
‫العنصر اليهودي هو العنصر السامي فقط‪ ,‬وأن معاداة الغرب‬
‫لليهود؛ هي معاداة للسامية‪ ,‬وهو ما تحاول إسقاطه على العرب‪,‬‬
‫مع أن العرب ساميون أيضا ً‪ً.‬‬
‫تابع ‪ ...‬المرجعية الفكرية لنظرية األمن اإلسرائيلي‪.‬‬
‫ثانيا ا‪ :‬المرجعية التاريخية‪.‬‬
‫ال يوجد في تاريخ المنطقة العربية ما يعرف باسم التاريخ اليهودي؛ صحيح أن اليهود‬
‫•‬
‫استوطنوا بعض أجزاء من فلسطين أثناء حكم مملكة داوود وسليمان عليهما السالم‪ ,‬إال أنهم لم‬
‫يتركوا تاريخا ً أو أثراً حضاريا ً‪ :‬ألنهم كانوا عبارة عن قبائل بدوية متحركة لم تعرف المدنية‬
‫والحضارة‪.‬‬
‫لذلك كلف بن جوريون مجموعة من المؤرخين اليهود لصياغة ما عرف باسم التاريخ‬
‫•‬
‫العسكري اليهودي‪ ,‬وقد بذل هؤالء المؤرخون جهداً كبيراً في ذلك‪ ,‬حيث ربطوا بين معارك‬
‫العبرانيين في التاريخ القديم وحروب دولة إسرائيل في التاريخ الحديث ليقنعوا أنفسهم قبل‬
‫غيرهم‪ :‬أنهم أصحاب مهمة إلهية تخصهم بشرف إتمام رسالة اآلباء واألجداد‬
‫وفي ذلك يقول بن جوريون "إن كل تاريخ إسرائيل القديم الذي يرويه لنا الكتاب المقدس هو‬
‫•‬
‫بالدرجة األولى تاريخ إسرائيل العسكري‪ ،‬لقد حارب اليهود األوائل األشوريين والبابليين‬
‫والمصرين والعمونيين والفرس واإلغريق والرومان؛ وحين هزموا على يد فيالق تيتطس بعد‬
‫معركة يائسة‪ ،‬آثروا أن يقتلوا أنفسهم في ماسادة على أن يستسلموا"‬
‫ثالثا ا‪ :‬محددات األمن القومي اإلسرائيلي‪.‬‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫ضيق رقعة األرض وصغر حجم الدولة‪:‬‬
‫قلة عدد السكان ووجود أقليات معادية‪:‬‬
‫بعد إسرائيل عن أصدقائها‪:‬‬
‫إحاطتها بدول معادية وغير قابلة لوجودها‪:‬‬
‫هشاشة القتصاد القومي والعتماد على المساعدات‬
‫الخارجية‪:‬‬
‫رابعا ا‪ :‬إستراتيجية األمن القومي اإلسرائيلي‪:‬‬
‫الهداف الستراتيجية‪.‬‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫تجزئة الدول العربية وبلقنة الوطن العربي‬
‫تمكين الدولة اليهودية النقية من التكامل‬
‫تحويل إسرائيل إلى قلعة صناعية ودولة خدمات سياحية‪.‬‬
‫ربط االقتصاد العربي باالقتصاد اإلسرائيلي من منطلق‬
‫السيطرة ومبدأ التبعية‬
‫تجزئة دول المنطقة غير العربية‬
‫تحويل القدس إلى عاصمة عالمية مصرفية وصناعية‪.‬‬
‫ومن أجل تحقيق األهداف القومية المشار إليها أنفاً؛ كان البد‬
‫لمخططي السياسة اإلسرائيلية من رسم اإلستراتيجية التي‬
‫تحققها‪ ,‬وهو ما تم بالفعل‪ ,‬فقد وضعت تلك الخطة على‬
‫مستويين‪ :‬المستوى األعلى أطلق عليه اسم (الخطة‬
‫اإلستراتيجية الكبرى)‪ ,‬أما المستوى الثاني فأطلق عليه اسم‬
‫(الخطة اإلستراتيجية لمعالجة مشاكل األمن الجاري) وهي‬
‫التي تطبق حاليا ً على الساحة الفلسطينية‪ .‬وللعلم فإن المدة‬
‫الزمنية لهذه الخطط تمتد من خمس إلى عشر سنوات تجدد‬
‫بعد تقييمها‪.‬‬
‫الخطة اإلستراتيجية الكبرى‪:‬‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫مخطط بلقنة المنطقة‪:‬‬
‫يهدف هذا المخطط إلى تقسيم المقسم وتجزئ المجزأ إلى دويالت قزميه صغيرة مبنية على أسس دينية مذهبية وعرقية؛ وذلك من خالل‬
‫استغالل المشاكل الداخلية التي تعاني منها بعض الدول العربية التي تعيش فيها أقليات عرقية أو دينية أو قومية وتعزيز النزعة االنفصالية‬
‫لدى هذه األقليات‪ ,‬حيث أدت هذه السياسية في كثير من األحيان إلى اندالع حروب أهلية‪ ,‬وهو ما حث في أكثر من مكان‪.‬‬
‫تسعى إسرائيل من خالل هذا المخطط تحقيق هدفين أساسيين‪:‬‬
‫األول‪ :‬يتمثل في أضعاف المحيط العربي وتفتيت قواه وتشتيتها حتى تستمر السيطرة اإلقليمية والتفوق النوعي واالستراتيجي لها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬يتمثل في ضرورة إطفاء الشرعية الدولية على الدولة العبرية بحيث ال تبقى وحدها دولة دينية يشار إليها كعنصر شاذ في المنطقة؛‬
‫بل ستصبح دوالً كثيرة في المنطقة على هذا األساس وهو ما سيساعد وبشكل كبير على تحقيق أحد أهم األهداف القومية العليا المتمثل في‬
‫تمكين الدولة اليهودية النقية من التكامل‪.‬‬
‫مخطط شد األطراف‪:‬‬
‫يهدف هذا المخطط إلى شد انتباه القلب العربي عن صراعه الحقيقي معها إلى مناطق األطراف العربية ويتمثل ذلك في إدخال دول األطراف‬
‫العربية في صراعات إقليمية مع دول الجوار اإلقليمي غير العربية‪ ،‬وقد طبق هذا المخطط عمليا ً‪ ً,‬واتضحت مالمحه في الحرب العراقية‬
‫اإليرانية‪ ,‬والتحالف مع تركيا في الشمال‪ ,‬ومع ارتريا وإثيوبيا ودول حوض النيل في الجنوب األفريقي‪.‬‬
‫مخطط تكثيف الستيطان‪:‬‬
‫يستهدف هذا المخطط تكريس الواقع االستيطاني في األراضي الفلسطينية المتمثل في إيجاد تركيز للعنصر اليهودي لمنع إقامة دولة فلسطينية‬
‫قابلة للحياة‪ ,‬واستخدام هؤالء المستوطنين في عملية تبادل سكاني قد يتم االتفاق عليها مع الفلسطينيين‪ ,‬إلنهاء حق العودة‪ ,‬وترحيل مليون‬
‫ونصف المليون فلسطيني الباقون على أرضهم منذ عام ‪1948‬م إلى الدولة الفلسطينية العتيدة‪ ,‬ولتحقيق يهودية الدولة كما تطالب حاليا ً‪.‬‬
‫الخطة اإلستراتيجية لمعالجة مشكالت األمن الجاري‬
‫• تسير إسرائيل وفق هذه الخطة علي محوريين أساسيين‪:‬‬
‫• المحور األول‪ :‬يتمثل في الدخول في عملية مفاوضات‬
‫مستمرة في إطار ما يعرف بعملية السالم دون تحقيق نتائج‬
‫فعلية على األرض يمكن أن تفضي إلي أقامة سالم مع‬
‫العرب والفلسطينيين‪ ,‬وتحاول إطالة أمد المفاوضات من‬
‫خالل الدخول في التفاصيل واالبتعاد عن القضايا الجوهرية‪,‬‬
‫وربط أي اتفاق باختبار نوايا الطرف العربي‪ ,‬والتركيز‬
‫األساسي في عملية المفاوضات على الحلول المرحلية فقط‪.‬‬
‫الخطة اإلستراتيجية لمعالجة مشكالت األمن الجاري‬
‫• المحور الثاني‪ :‬يتمثل في فرض الوقائع على األرض من‬
‫خالل تكريس االستيطان كما ورد سابقاً‪ ،‬وتهويد القدس‬
‫وترحيل الفلسطينيين منها‪ ،‬وحصر سكان الضفة الغربية في‬
‫معازل‪ ،‬واالستيالء على الثروات الطبيعية واالستمرار في‬
‫العمل الدءوب لبناء الهيكل مكان المسجد األقصى‪ ,‬وبالتالي‬
‫يشكل المحوريين المذكورين إستراتيجية السياسة الخارجية‬
‫والدفاعية إلسرائيل‬
‫وفي منهجية تعاملها مع العرب في إطار عملية السالم‪,‬‬
‫والتي تحددت ثوابتها بالالءات العشر التالية‪:‬‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫•‬
‫ال لالنسحاب الكامل إلى حدود ‪1967‬م‪.‬‬
‫ال لتقسيم القدس‪.‬‬
‫ال لسيادة عربية كاملة على جبل الهيكل (المسجد األقصى)‬
‫ال لدولة فلسطينية ذات استقالل كامل‪.‬‬
‫ال إليقاف عمليات االستيطان أو تفكيك المستوطنات األمنية الرئيسية‪.‬‬
‫ال لعودة الالجئين الفلسطينيين‪.‬‬
‫ال لتحالف استراتيجي عربي يضم بعض أو كل دول المواجهة والعمق العربي‪.‬‬
‫ال المتالك أي دولة عربية برنامج نووي‪.‬‬
‫ال ألي خلل في الميزان العسكري القائم حاليا ً بين العرب وإسرائيل‪.‬‬
‫ال لحرمان إسرائيل من مطالبها المائية في األنهار العربية‬
‫المبحث الثاني‬
‫إسرائيل والمنظومة اإلقليمية‬
‫• يقول أرئيل شارون إن األمن القومي اإلسرائيلي يمتد من جاكرتا إلى‬
‫المحيط األطلسي أي أن كل العالم اإلسالمي أينما تواجد فإنه يشكل‬
‫تحديا ً لألمن القومي اإلسرائيلي‪.‬‬
‫• لذلك تتعامل إسرائيل مع المنظومة اإلقليمية من خالل نظريتها األمنية‬
‫كمحيط معادي‪ ،‬ال يمكن أن تأمنه؛ وهو ما يؤكده هنري كسينجر‬
‫بقوله‪ :‬إن السياسة اإلسرائيلية ال تمتلك سياسة خارجية‪.‬‬
‫• وبناءاً على ذلك قامت برسم خريطة إستراتيجية لسياستها الخارجية‬
‫لمواجهة هذه المنظومة الستيعابها مع فرض حالة من التخلف والفقر‬
‫عليها لضمان استمرار التفوق اإلسرائيلي النوعي في كل المجاالت‪،‬‬
‫مما يحقق األمن واالستقرار لها‪ ,‬وقد شملت هذه المنظومة كل الدول‬
‫العربية واإلسالمية‪ ,‬ومناطق نفوذها على اعتبار أنها مصدر للتهديد‪.‬‬
‫تقوم اإلستراتيجية اإلسرائيلية على تقسيم‬
‫المنظومة اإلقليمية إلى ست دوائر رئيسية‪:‬‬
‫أولا‪ :‬دائرة وادي النيل‬
‫• تضم هذه الدائرة كالً من مصر والسودان ودول منابع نهر النيل‪ ،‬وتتصدر هذه‬
‫الدائرة مصر‪.‬‬
‫• تنظر إسرائيل إلى مصر باعتبارها القوة األكبر بين الدول العربية القادرة على‬
‫مواجهتها؛ بسبب ما تمتلكه من مصادر القوة الذاتية من ثقل سكاني‪ ,‬وعلمي‪,‬‬
‫وتاريخي‪ ,‬وجيوبوليتكي؛ فعلى مر العصور‪ ,‬لم تستطع أي قوة احتالل غازية‬
‫للشرق األدنى السيطرة عليه إال من خالل السيطرة على مصر أوالً‪ ,‬ومن هذا‬
‫المنطلق بنيت إستراتيجية المواجهة مع مصر‪ ,‬لتحافظ على التفوق النوعي‬
‫اإلسرائيلي‪ ,‬وإشغال مصر في مشاكل داخلية وأمنية واقتصادية الخ‪ ,‬ولن يتم ذلك‬
‫إال من خالل إضعاف الدولة المصرية وإرباكها وخلق مؤثرات ضاغطة عليها‬
‫من الداخل‪ ,‬وفي مناطق النفوذ والمصالح‪ ،‬لصرف توجهاتها القومية بعيداً عن‬
‫خط حدودها‪.‬‬
‫ثانيا ا‪ :‬دائرة الشام‬
‫تضم هذه الدائرة كالً من سوريا ولبنان واألردن إضافة إلى العراق‪,‬‬
‫وترى اإلستراتيجية اإلسرائيلية أن سوريا هي من يتصدر هذه الدائرة‪،‬‬
‫بعد أن كان العراق ينافسها قبل غزوه عام ‪2003‬م‪ ،‬فسبق إلسرائيل‬
‫أن اعتبرت العراق مصدر الخطر األكبر إلى أن تم تدمير قوته‬
‫واحتالله على يد الواليات المتحدة‪ ,‬وقد اعترف الرئيس األمريكي‬
‫السابق جورج دبليو بوش في مقابلة إذاعية له مع إحدى القنوات‬
‫األمريكية‪ :‬أن غزوه للعراق كان لتحقيق هدفين هما‪ :‬حماية إسرائيل‪،‬‬
‫واالستيالء على النفط‪ .‬تنظر إسرائيل لدول هذه الدائرة بكثير من‬
‫األهمية كونها تشكل خط التماس المباشر معها حيث يبلغ طول خط‬
‫الحدود مع دولها أكثر من خمسمائة كيلو متر‪ .‬مما يعرض عمقها‬
‫اإلستراتيجي الهش للتهديد المباشر‪.‬‬
‫ثالثا ا‪ :‬دائرة الخليج‪.‬‬
‫• تضم تلك الدائرة دول الخليج الست إضافة إلى اليمن‪ ،‬تتصدر‬
‫السعودية هذه الدائرة بال منازع‪ ,‬وذلك لقوتها العسكرية‬
‫واالقتصادية والسكانية واإلستراتيجية‪ ،‬وهذا ال يعني أن ال‬
‫أهمية لباقي الدول بل على العكس‪ ،‬فإسرائيل لم تستطع أن‬
‫تحدث اختراقه في عالقاتها مع السعودية‪ ،‬ولكنها استطاعت‬
‫أن تفعل ذلك مع كل من قطر‪ ،‬وعمان‪ ،‬حيث أنشأت مكاتب‬
‫لرعاية المصالح المشتركة‪.‬‬
‫رابعا ا‪ :‬الدائرة المغربية‬
‫• تضم هذه الدائرة كالً من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا‬
‫وتنظر إسرائيل إلى المغرب والجزائر بصفتهما الدولتين اللتين‬
‫تتنافسان على زعامة هذه الدائرة‪.‬‬
‫بشكل عام ال ترى إسرائيل في دول هذه الدائرة خطراً إستراتيجيا ً‬
‫•‬
‫ٍ‬
‫عليها كون تلك الدول تبتعد عنها باآللف الكيلو مترات‪ ،‬إضافة إلى‬
‫تخلفها التكنولوجي والعلمي‪ ،‬وضعفها السياسي واالقتصادي‪ ،‬إضافة‬
‫إلى االهتمام األوروبي الواضح بهذه المنطقة كونها تشكل الحديقة‬
‫الخلفية ومناطق نفوذه‪ ,‬وهذا ال يعني أن إسرائيل ال تتحرك في تلك‬
‫الدول بل على العكس فإن بصمتها واضحة وفي أكثر من موضع‪،‬‬
‫وخصوصا ً في األحداث الدامية في الجزائر‪ ,‬ومحاولتها إذكاء النعرات‬
‫الطائفية بين العرب والبربر في أكثر من مرة‪.‬‬
‫خامسا ا‪ :‬الدائرة اإلفريقية‬
‫• على الرغم من أن أفريقيا كانت قارة مجهولة بالنسبة للعاملين في الخارجية‬
‫اإلسرائيلية في خمسينيات القرن الماضي‪ ,‬إال أن التفكير االستراتيجي تجاه هذه‬
‫القارة كان موجوداً وأخذ يتعزز بقوة خصوصا ً بعد نيل العديد من دول هذه القارة‬
‫االستقالل‪ ,‬مما أعطاها أهمية كبيرة في األمم المتحدة نتيجة لكثرتها العددية‪.‬‬
‫• لقد كان اإلدراك اإلسرائيلي ألهمية القارة السمراء محدداً بطبيعة الصراع العربي‬
‫اإلسرائيلي‪ ,‬والتطلع لالستفادة من الدور اإلفريقي في هذا المجال الذي كانت‬
‫تسيطر عليه مصر بامتياز حتى توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام‬
‫‪1979‬م‪.‬‬
‫• تتصدر جنوب أفريقيا هذه الدائرة‪ ,‬على اعتبار أن عدداً كبيراً من اليهود يعيش‬
‫فيها‪ ,‬إضافة إلى العالقة الوثيقة التي كانت تربطها بنظام التميز العنصري‪.‬‬
‫سادسا ا‪ :‬الدائرة اإلسالمية‬
‫• تضم هذه الدائرة مجموعة الدول اإلسالمية المؤثرة وتحدد إسرائيل‬
‫خطورة دول هذه الدائرة بحسب قوتها العسكرية النووية‪ ,‬حيث‬
‫تصدرت باكستان هذه الدائرة بعد امتالكها القنبلة النووية‪ ,‬وهو ما‬
‫اعتبرته إسرائيل تهديداً ألمنها القومي؛ على اعتبار أن القنبلة النووية‬
‫الباكستانية هي قنبلة إسالمية‪.‬‬
‫• تحاول إسرائيل إقامة عالقات دبلوماسية مع كل الدول اإلسالمية؛‬
‫لتالفي خطرها‪ ,‬ومثال ذلك توغلها في دول أسيا الوسطى‬
‫(كازاخستان‪ ,‬أوزباكستان) عقب انهيار االتحاد السوفيتي السابق‪ ,‬كما‬
‫أنها تسعى لتحقيق ذلك مع اندونيسيا وماليزيا أيضا ً‪.‬‬
‫المـبحــث الـثالــث‬
‫تحديات األمن اإلسرائيلي‬
‫كثيرة هي التحديات التي تواجهه إسرائيل‬
‫بسبب نشأتها غير الطبيعية‪ ,‬ودورها كدولة‬
‫وظيفية للمشروع الغربي في المنطقة‬
‫العربية‪ ,‬لذلك سنحاول تسليط الضوء على‬
‫أهم ثالث أخطار رئيسية‪ ,‬ومثلها ثانوية على‬
‫المستويين الخارجي والداخلي‪.‬‬
‫التحديات الخارجية‬
‫أولا‪ :‬التحديات الرئيسية‪:‬‬
‫يحدد جهاز الستخبارات العسكرية ”أمان“ التحديات الرئيسية‬
‫الخارجية التي تواجه األمن القومي اإلسرائيلي في ثالث‬
‫مصادر رئيسية‪:‬‬
‫‪ .1‬المشروع النووي اإليراني‪.‬‬
‫‪ .2‬حكم حماس في غزة‪.‬‬
‫‪ .3‬النسحاب األمريكي من العراق‪.‬‬
‫التحديات الخارجية‬
‫ثانيا ا‪ :‬التحديات الثانوية‪.‬‬
‫‪ .1‬تأثر العالقة اإلستراتيجية مع الوليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫‪ .2‬خطورة تغير بعض األنظمة الحاكمة في الدول العربية‬
‫المؤثرة‪.‬‬
‫‪ .3‬تزايد نسبة العداء األوروبي لليهود‬
‫التحديات الداخلية‬
‫أولا‪ :‬التحديات الرئيسية‬
‫يرى اإلسرائيليين أن أهم ثالث تحديات رئيسية تواجه األمن‬
‫القومي اإلسرائيلي على المستوى الداخلي‪:‬‬
‫‪ .1‬الخطر الديمغرافي الفلسطيني‪.‬‬
‫‪ .2‬تفكك المجتمع اإلسرائيلي (التفرقة العنصرية وازدياد‬
‫التميز الطبقي والثني)‬
‫‪ .3‬التركز السكاني في منطقة تل أبيب‪.‬‬
‫التحديات الداخلية‬
‫ثانيا ا‪ :‬التحديات الثانوية‪.‬‬
‫كثيرة هي التحديات الثانوية التي تواجهه األمن القومي اإلسرائيلي‪ ,‬والتي يمكن‬
‫استعراض أهم ثالثة منها بما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬ازدياد ظاهرة التطرف الديني‪.‬‬
‫–‬
‫–‬
‫–‬
‫–‬
‫عسكرة التعليم‪ :‬تغلغل المفاهيم العسكرية في التعليم المدني اإلسرائيلي‪ ,‬لدرجة وصلت إلى‬
‫رياض األطفال‪ ,‬ويحاول القائمين على التعليم في إسرائيل الذين ينتمي أغلبهم إلى اليمين‬
‫الصهيوني المتطرف إلى تعميق االنتماء الديني لدى أبناء الشبيبة اإلسرائيلية بشتى الوسائل‪.‬‬
‫انهيار اليسار اإلسرائيلي‪ ,‬وجنوحه نحو اليمين في أفكاره ومبادئه بحيث لم يصبح بينه وبين‬
‫اليمين فروق تذكر‪ ,‬وهذا ما أكدته نتائج االنتخابات األخيرة‪.‬‬
‫انتشار المدارس الدينية للتيار الصهيوني المتطرف في الجيش والتحاق خريجيها في الوحدات‬
‫القتالية الخاصة التي تسهل الوصول إلى قيادة الجيش وتبوء المناصب الرفيعة فيه‪.‬‬
‫التحريض المستمر ضد العرب والفلسطينيين والحث على قتلهم من خالل فتاوى دينية لكبار‬
‫الحاخامات في إسرائيل‪.‬‬
‫التحديات الداخلية‬
‫‪ .2‬النهيار األخالقي للدولة‪.‬‬
‫يرصد كبار المفكرين ورجال الدولة أهم ظواهر انهيار المنظومة في النقاط التالية‪:‬‬
‫–‬
‫–‬
‫–‬
‫–‬
‫–‬
‫قرار الوكالة اليهودية بالتوقف عن محاولة إقناع اليهود في أرجاء العالم بالهجرة إلى إسرائيل‪ ،‬ألن مخاطر‬
‫العيش في إسرائيل أكبر من مخاطر القوى الالسامية في الشتات‪.‬‬
‫تزايد مظاهر انفضاض اليهود عن إسرائيل‪ ،‬حيث تشير نتائج دراسة أجريت في أوساط اليهود األمريكيين أن‬
‫‪ %70‬منهم لم يزوروا إسرائيل وال يعتزمون زيارتها؛ بينما عبر‪ %50‬منهم عن عدم اهتمامه لزوال إسرائيل‪.‬‬
‫انهيار التماسك األسري اليهودي وازدياد ظاهرة الزواج المختلط‪ .‬فقد أظهر تقرير خاص جنوح اليهود في العالم‬
‫إلى الزواج المختلط؛ إذ بين التقرير أن أعلي نسبة للزواج المختلط موجودة في روسيا وأكرانيا حيث بلغت‬
‫‪ ,%80‬وفي ألمانيا وهنجاريا ‪ ,%60‬وفي الواليات المتحدة ‪ ,%54‬بينما في إسرائيل لم تتجاوز النسبة ‪.%5‬‬
‫تزايد نسبة الهجرة العكسية من إسرائيل إلى الخارج‪ ,‬حيث وصل عدد اإلسرائيليين الذين يعيشون في الخارج‬
‫إلى ‪ 750‬ألف شخص‪ .‬يقول روفي ريفلين رئيس الكنيست السابق‪ :‬لقد تغلغل اليأس في نفوس اإلسرائيليين من‬
‫مستقبل كيانهم‪ ،‬والذي يعبر عنه سعي أعداد متزايدة من اإلسرائيليين للحصول على جوازات سفر أوروبية‬
‫الستخدامها في الفرار من الدولة عند الحاجة‪ .‬معتبراً أن هذا السلوك لم يكن يصدر عن هؤالء اإلسرائيليين لوال‬
‫الشعور المتأصل في نفوسهم بأن الدولة في طريقها للتفكك والزوال‪.‬‬
‫يقول إيرز ايشل مدير مدرسة " إعداد القادة " في تل أبيب‪ :‬إن أحد مصادر هدم منظومة القيم يتمثل في حقيقة‬
‫أن قادة الدولة لم يعودوا مثاالً يقتدى به للشباب اإلسرائيلي‪ .‬ويؤكد أنه في الوقت الذي يصرح قادة الدولة مهددين‬
‫بشن مزيد من الحروب‪ ،‬إال أنهم يستثون أبنائهم من تحمل عبء هذه الحروب‪.‬‬
‫التحديات الداخلية‬
‫‪ .3‬الفساد السياسي‪.‬‬
‫تعاني إسرائيل من سلسلة فضائح تحيط بزعمائها في قضايا فساد وسلوكيات غير أخالقية‪,‬‬
‫وتتمثل هذه القضايا في الختالس‪ ,‬والتالعب بالمال العام‪ ,‬والواسطة والمحسوبية‪ ,‬والفضائح‬
‫الجنسية‪ .‬ولقد طالت هذه القضايا أعلى هرم السلطة بدءاا من رئيس الدولة ورئيس‬
‫والوزراء‪ ,‬مروراا بأعضاء كنيست‪ ,‬وقضاة خانوا األمانة‪ ,‬حاخامات قاموا بأعمال مشينة‪,‬‬
‫ورئيس هيئة األركان وقائد عام الشرطة المتهمين بالتقصير‪ ,‬وإنتهاءاا بسلطات الضريبة‬
‫والموظفين الصغار في كل المجالت‪ .‬أما الخطورة الحقيقية لفساد النظام السياسي فتكمن في‬
‫الحالة الناتجة عن تشظي هذا النظام إلى أحزاب اثنيه صغيرة تعمل وفق مصالحها الخاصة‪,‬‬
‫بعيداا عن المصلحة اإلسرائيلية العليا‪ .‬وقد أدت هذه الظاهرة إلى زعزعة الثقة الشعبية بهذا‬
‫النظام المتآكل‪ ،‬الغير قادر على تجسيد السياسة التي يقرها‪ ,‬وعجزه عن محاربة الفقر‬
‫والبطالة‪ .‬ويعتقد علماء الجتماع والسياسة واإلستراتيجية في إسرائيل‪ :‬أن مشكلة الفساد‬
‫السياسي نابعة من أزمة القيادة التي تعيشها إسرائيل أصالا‪ ,‬ووجود أشخاص غير مؤهلين‬
‫في أعلى هرم السلطة يفتقدون إلى الرؤية اإلستراتيجية‪ ,‬والتمسك بالروح التوراتية التي‬
‫أقيمت عليها الدولة العبرية‪.‬‬
‫تمت بحمد هللا‬