تلخيص كتاب على ساحل ابن تيمية الشيخ الدكتور عائض بن عبد هللا القرني 1 مقدمة ابن تيمية : هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد.

Download Report

Transcript تلخيص كتاب على ساحل ابن تيمية الشيخ الدكتور عائض بن عبد هللا القرني 1 مقدمة ابن تيمية : هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد.

Slide 1

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 2

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 3

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 4

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 5

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 6

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 7

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 8

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 9

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 10

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 11

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 12

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 13

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 14

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 15

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 16

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 17

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 18

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 19

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 20

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 21

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 22

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 23

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 24

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 25

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 26

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 27

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬


Slide 28

‫تلخيص كتاب‬
‫على ساحل ابن تيمية‬
‫الشيخ الدكتور‬
‫عائض بن عبد هللا القرني‬

‫‪1‬‬

‫مقدمة‬
‫ابن تيمية ‪:‬هو شيخ اإلسالم اإلمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‬
‫بن عبد هللا بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد هللا ابن تيمية الحراني ثم‬
‫الدمشقي‪ .‬ولد يوم االثنين العاشر من ربيع األول بحران سنة ‪ 661‬هـ‪ ،‬ولما بلغ‬
‫من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هر ًبا من وجه الغزاة التتار ‪.‬‬
‫وتوفي ليلة االثنين العشرين من شهر ذي القعدة سنة (‪ )728‬هـ وهو مسجون‬

‫بسجن القلعة بدمشق وعمره (‪ )67‬سنة ‪ ،‬فهب كل أهل دمشق ومن حولها‬
‫للصالة عليه وتشييع جنازته وقد أجمعت المصادر التي ذكرت وفاته أنه حضر‬
‫جنازته جمهور كبير جدًا يفوق الوصف‪.‬‬

‫ونعرض فيما يلى تلخيص لكتاب (على ساحل ابن تيمية)‬

‫‪2‬‬

‫طهره في شبابه ‪:‬كان ابن تيمية من الصغر في عناية هللا عز وجل وفي رعايته ‪،‬‬
‫نشأ بين بيته الطاهر العفيف‪ ،‬وحفظ كتاب هللا من الصغر ‪ ،‬وتعلم السنة وأخذ‬
‫اآلداب اإلسالمية من أهل العلم ‪ ،‬عاش عفيفا ً رزينا ً عاقالً محافظا ً على الفرائض ‪،‬‬
‫معتنيا ً بالسنن ‪ ،‬كثير األذكار واألوراد ‪،‬بعيداً عن اللهو والبذخ واللعب ‪.‬‬
‫جده في التحصيل وحفظه‪:‬نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغالً في‬
‫كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكره واستنباط وكتابة‬
‫وتأليف وتعليق حتى إنه لم يتزوج – رحمه هللا – النشغاله بالعلم والجهاد ونشر‬
‫الخير في الناس ‪ ،‬ولم يتول أي والية وال مشيخة وال منصب دنيوي ‪ ،‬ولم يتشاغل‬
‫فن فقط ‪،‬‬
‫بالمال ‪.‬ثم إنه لم ينهل من علم واحد وال من تخصص فحسب ‪ ،‬وال من ٍ‬
‫بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها ‪ ،‬ورسخ في الجميع‬
‫فصار آية وأصبح أعجوبة ً فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم ‪.‬‬
‫واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا ‪،‬وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد فيرسخ في‬
‫ذهنه ‪ ،‬وبذلك حفظ كتاب هللا عز وجل ‪ ،‬وحفظ السنة المطهرة ‪ ،‬وحفظ أقوال أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وحفظ اآلثار ‪ ،‬وحفظ التفاسير ‪ ،‬وحفظ شواهد اللغة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫بقوة‬
‫ألمعيته ‪:‬األلمعية هي سرعة الخاطر وجودة الذهن ‪ ،‬فقد كان يفهم المسألة ٍ‬
‫وجدارة ‪ ،‬وكان يعي مهما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا ً‬
‫عجيبا ً ‪ ،‬وكان إذا حاور يفهم كالم محاوره ويرد عليه في سرعة البرق ‪ ،‬ومن‬
‫ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت ‪ ،‬ويرد عليها‪ ،‬ويثبت الحق ‪ ،‬ويميز‬
‫بين المتشابهات ‪ ،‬ويفرق بين المختلفات ‪ .‬وكان أحيانا ً ينقد بعض المحدثين‬
‫والمؤرخين ‪،‬وبعض الفالسفة وأهل المنطق ‪ ،‬وعلماء الكالم ‪ ،‬ويرد عليهم في‬
‫تخصصاتهم‪.‬‬
‫سعة علمه ‪ :‬وكان أعجوبة في التفسير ‪ ،‬يقرأ – كما ذكر عن نفسه – أكثر من‬
‫مائة تفسير في اآلية ‪ ،‬ثم يدعو هللا ويتضرع إليه فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما ً‬
‫في اآلية لم يكن مكتوبا ً من ذي قبل ‪ ،‬وربما أملى في اآلية الواحدة كراريس ‪ ،‬ورد‬
‫على المناطقة وتغلب عليهم بالحجة وعال عليهم بالبرهان ‪ ،‬ورد على علماء‬
‫الطوائف من رافضة ومعتزله وجهمية واشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى‬
‫كل ذلك وهو معتصم بالدليل ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫همته ‪ :‬لم يرض بعلم دون علم ‪ ،‬ولم يقنع بتخصص دون تخصص ‪ ،‬بل رسخ في‬
‫الجميع ‪ ،‬ومهر في الكل ‪ ،‬تتجلى همته في العبادة ‪ ،‬فقد كان خاشعا ً منيبا ً متسننا ً ‪،‬‬
‫كثير األوراد صالة وصياما ً وذكراً ودعاء ‪.‬وفي التأليف ‪ ،‬فهو من العلماء الثالثة‬
‫الذين بلغوا الغاية في التأليف ‪ ،‬وهم ابن الجوزي والسيوطي باإلضافة إليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان أكثرهم تحقيقا ً وتنقيحا ً ورسوخا ً وعمقا ً ونفعا ً وأثراً في األمة ‪ ،‬حتى قيل إن‬
‫مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف ‪،‬ولو جمعت لكانت أكثر من‬
‫خمسمائة مجلد ‪ ،‬وقد ضاع منها الكثير ‪.‬كما تتجلى همته في الدعوة ؛ فقد اشتغل‬
‫بالدعوة الفردية ‪ ،‬والدعوة الجماعية ‪ ،‬ودعوة السلطان وحاشيته ‪ ،‬ودعوة العامة‬
‫‪،‬ودعوة الطوائف جميعا ً ‪ ،‬ودعوة غيرالمسلمين‪.‬‬
‫غيرته على محارم هللا ‪ :‬كان ابن تيمية يغار ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود‬
‫هللا عز وجل ‪ .‬وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى هللا عليه وسلم ؛ فقد‬
‫اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكالم فدافع ابن تيمية ‪ ،‬فشكاه ذلك‬
‫المعتدي إلى السلطان ‪ ،‬وهيج العامة على ضربه ‪ ،‬فجلد شيخ اإلسالم في مجلس‬
‫السلطان بسبب هذا‪ ،‬وألف في ذلك ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫كان يدخل السوق وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين ‪ .‬كان ينهى الصوفية‬
‫عن ابتداعاتهم والسحرة والمشعوذين ‪ ،‬وينهى عن مخالفة السنة ظاهراً وباطنا ً ‪.‬‬
‫زهده‪ :‬يقول عن الزهد ‪ ”:‬أنه ترك ما ال ينفع في اآلخرة ”وحقق هذا القول في‬
‫حياته؛ فقد أعرض إعراضا ً كليا عن الدنيا وزهد فيها ‪ ،‬وعاش لآلخرة ‪ ،‬فلم يتقلد‬
‫منصبا ً ‪ ،‬ولم يجمع ماالً ‪،‬ولم يأخذ أعطيه‪ ،‬ولم يبن بيتا ً ‪،‬ولم يتآكل بالعلم ‪ ،‬بل كان‬
‫جل همه العلم النافع والعمل الصالح ‪ ،‬وما كانت تعرف له إال غرفة واحدة بجانب‬
‫المسجد ‪ ،‬مع قلة المالبس وقلة ذات اليد ‪.‬‬
‫سنيته و سلفيته‪ :‬ظهرت سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عليه قوال ًوعمالً ‪،‬‬
‫في عباداته‪ ،‬في معامالته ‪ ،‬في كالمه‪.‬وكان مقصده أن يقرر مذهب السلف فأظهر‬
‫هذا المنهج وعلمه في دروسه وفي خطبه ‪ ،‬ودعا إليه سراً وجهراً ‪ ،‬حتى في‬
‫مجالس الملوك ‪ ،‬وفي ديوان السلطان ‪ ،‬وفي بالط الوزراء واألمراء ‪.‬‬
‫ابن تيمية مع الدليل ‪ :‬فال يقول قوالً له دليل في الكتاب أو في السنة إال أورده ‪،‬‬
‫وهو يوصي طالب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت ‪ ،‬وأال يكون مقلداً ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أبن تيمية مفسراً‪ :‬حوى التفسير وطالع كتبه جميعا ً ‪ ،‬وحصرها ‪.‬وقد نقل أن له‬
‫تفسيراً خاصا ً به ‪ ،‬لكن الذي طالعناه من كالمه في التفسير عجب من العجاب ‪،‬‬
‫فأحيانا ً يورد اآلية ثم يسهب في مقاصدها ومعاينها ومراميها وأحيانا ً يظهر أغالط‬
‫كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطئوا في ما ذهبوا إليه ‪،‬كل ذلك بكالم‬
‫رجل عرف اللغة وعرف مدلول الكالم ‪،‬وعرف النقل صحيحه وسقيمه ‪.‬‬
‫ابن تيمية محدثا ً‪:‬المحدثون هم بمنزلة أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتي المدائح ‪ ،‬وقال إن لهم نصيبا ً من قوله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ( :‬ورفعنا لك ذكرك ) ‪ ،‬وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل ‪ ،‬وأنزل أهل‬
‫المنطق والفلسفة منزلة المنافقين ‪.‬‬
‫كان ابن تيمية ينسب الحديث إلى من خرجه ويبين مصادر كل رواية ويبين الزيادة‬
‫‪ ،‬ويعرف الشاذ ‪ ،‬ويدرك المنكر ‪ ،‬ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر‬
‫المحدثين ‪ ،‬بل شهد له معاصروه من أهل الحديث بذلك ‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ابن تيمية فقيها ً‪ :‬الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في داللة النقل ‪ ،‬وهكذا كان‬
‫ابن تيمية‪ ،‬فليس فقهه فقه من ينقل األقوال أو يتبع كالم األئمة ويحفظه وينقله لنا‬
‫‪ ،‬لكنه أدرك أقوال األئمة جميعها ‪ ،‬وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب‬
‫والروايات المختلفة لكل عالم‪ ،‬ثم جعل النص نصيب عينيه واستنبط منه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫من وافقه ومن خالفه‪.‬‬
‫ابن تيمية مناظراً‪ :‬نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة ‪ ،‬وتعقد له‬
‫مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر األلباب ‪ ،‬ويعلو عليهم وينتصر‬
‫بالحجة الدامغة ‪ ،‬والذاكرة الواعية ‪ ،‬والبديهة اللماحة ‪ ،‬حتى إنه ناظر كثيراً من‬
‫الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأى من الخاصة والعامة ‪ ،‬فكان الحق معه ‪.‬‬
‫وكان ال يكل وال يمل من المناظرة ‪ ،‬بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى‬
‫يوقعه ويصرعه ‪ ،‬كل ذلك ومقصوده أن يكون الحق هو المنتصر في اآلخر ‪ ،‬فليس‬
‫قصده المغالبة لذاتها ‪ ،‬وال قصده الظهور والشهرة وال قصد أن تكون له منزلة وال‬
‫مكانة ‪ ،‬فقد ترك المنازل الدنيوية ألهلها ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫ابن تيمية مجاهداً ‪:‬عرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي ‪ ،‬فجاهد جهاد الكلمة ‪،‬‬
‫عبر الدروس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة ‪ ،‬عبر الرسالة‬
‫والمؤلف والفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬والجهاد بالسيف ‪ ،‬فقد‬
‫حضر غزوة ( شقحب ) (‪، )1‬ودعا الناس للجهاد ‪ ،‬بالفطر في رمضان ‪ ،‬وثبت‬
‫ثبات الجبال ‪،‬وأبلى بالء حسنا ً ‪.‬‬
‫ابن تيمية عابداً‪ :‬كان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار ‪ ،‬فكانت‬
‫صالته طويلة ‪ ،‬كثير الذكر حتى إنه ال يفتر لسانه ‪ ،‬ويمضي الليل الطويل ما بين‬
‫الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع ‪ ،‬وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة ‪،‬‬
‫وإذا خرج إلى األسواق ورآه الناس كبروا وهللوا ‪ ،‬وكان إذا قرأ القرآن قرأه‬
‫بصوت خاشع مبك حزين ‪ ،‬وكان كثير الصدقات ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------‬‬‫)‪ (1‬سنة ‪ 702‬هجري معركة " شقحب ”‪ :‬أراد حفيد " هوالكو " الملك " قازان " ‪ ،‬إنهاء حكم‬
‫المسلمين في مصر ‪ ،‬وتسليم بيت المقدس للنصارى ‪ ،‬فجهز لهذه المهمة جيوشا جرارة ‪ ،‬وتقدمت‬
‫جيوشه إلى بالد " حلب " و" حماة " حتى وصلت إلى " حمص " و" بعلبك " ‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫المسلمون بعد أن قام شيخ اإلسالم ابن تيمية بشحذ همم المسلمين شعوبا وحكاما لمواجهة الغزاة ‪،‬‬
‫والدفاع عن المقدسات ‪ ،‬ودارت رحى الحرب في سهل شقحب حيث كتب النصر للمسلمين ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫كالمه عن اليهود‪ :‬فقد كشف ابن تيمية زيفهم وبين مخازيهم في كثير من كتبه‬
‫وفي غصون كالمه ‪ ،‬شارحا ً لآليات التي وردت بصددهم ‪ ،‬عارفا ً ضررهم على‬
‫األمة وما فعلوه مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ملما ً بكتبهم وفرقهم‬
‫وطوائفهم ‪ ،‬كل ذلك وقصده محاربتهم وحماية الدين منهم ‪.‬‬
‫كالمه مع النصارى‪ :‬عايش ابن تيمية النصارى في الشام وعرف طوائفهم‬
‫وفرقهم معرفة تامة ‪ ،‬وألف كتاب ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) يبين‬
‫فيه زيفهم وخطورتهم على اإلسالم وما خالفوا فيه شرع هللا عز وجل وما ضلوا‬
‫فيه ‪.‬‬
‫كالمه مع المالحدة ‪ :‬بين انحرافهم المشين ‪ ،‬وغوايتهم الظاهرة ‪،‬بل يأتي إلى‬
‫الملحد فيبين أصل إلحاده ‪ ،‬ومنشأ هذا اإللحاد وسببه وأقوال ذاك الملحد ونقوالته‪،‬‬
‫سواء كان من الصوفية االتحادية أو الحلولية وسواء كان من أهل الفلسفة أو من‬
‫أهل المنطق ‪،‬أو من أهل الهوى والزيف ‪ ،‬وقد يجمع له رسالة في ذلك ‪،‬أو كتابا ً‬
‫مستقالً في غصون كالمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫كالمه مع الرافضة ‪:‬من أحسن كتب شيخ اإلسالم على اإلطالق ( منهاج السنة )‪.‬‬
‫فبين باألدلة الشرعية القاطعة ‪ ،‬والحجج العقلية مخالفة الرافضة ألهل السنة ‪،‬‬
‫واعتداءهم على أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وكذبهم وافترائهم‪.‬وكتاب‬
‫(منهاج السنة) ظهرت فيه أمور منها ‪ :‬االنتصار ألهل البيت ‪ ،‬وألصحاب رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬ومنها بيان الكذب والزيف الذي دخل على األمة من‬
‫طريق الرافضة ومنها أن الحق ما كان عليه أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أهل البيت‪ ،‬وفي أصحاب الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وفي المعتقد ‪.‬‬
‫كالمه عن الخوارج ‪:‬الخوارج قوم مارقون منتسبون إلى اإلسالم ‪ ،‬وأخبر صلى هللا‬
‫عليه وسلم بأنهم يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية ‪ ،‬تحقرون‬
‫صالتكم إلى صالتهم ‪ ،‬وصيامكم إلي صيامهم وتالوتكم إلى تالوتهم ولهم أتباع‬
‫ويرون الخروج على أئمة الجور ‪ ،‬ويرون سل السيف على األمة ‪،‬ويكفرون‬
‫بالكبيرة ‪ ،‬وقد تتبعهم ابن تيمية في كتبه وبين مخالفتهم واصل نشأة فكرتهم‬
‫الضالة‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن المرجئة‪ :‬والمرجئة قوم يرون أن أصل اإليمان واحد ‪ ،‬وأنه‬
‫ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة مؤمن كامل اإليمان ‪ ،‬وهذا كله خطأ مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ ،‬وقد رد على ذلك ابن تيمية في كتبه ‪،‬وشرح وبسط ؛بين أن‬
‫اإليمان يزيد وينقص ‪،‬ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ‪ ،‬وأنه متفاوت والناس‬
‫متباينون فيه على درجات ‪ ،‬وأن صاحب الكبيرة فاسق بكبيرته ناقص اإليمان ‪.‬‬
‫ابن تيمية والجهمية والمعطلة ‪ :‬عطلوا أسماء هللا الحسنى وصفاته وألحدوا في‬
‫دين هللا عز وجل ‪ ،‬وقالوا بخلق القرآن ‪ ،‬وقد صار لهذه الفرقة شأن في عصر‬
‫المأمون ‪،‬وتصدى لهم اإلمام أحمد في مسألة القول بخلق القرآن ‪ ،‬وأتى ابن تيمية‬
‫بعده بقرون فبين أصل هذه الشبهة ‪ ،‬ورد على الجهمية رداً مفصالً في كثير من‬
‫كتبه ودحض زيفهم ‪،‬وبين أن أهل السنة يثبتون األسماء والصفات ‪،‬كما أتت في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬بال تكييف وال تمثيل وال تشبيه وال تحريف وال تعطيل ‪،‬وأن القرآن‬
‫كالم هللا عز وجل ليس بخلق من خلقه‪ ،‬وإنما هو من أمره تبارك رب العالمين ‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن المعتزله ‪ :‬والمعتزلة قوم قدموا العقل على النقل ‪ ،‬وقدموا‬
‫الرأي على الدليل ‪ ،‬وأثبتوا األسماء ونفوا الصفات ‪ ،‬فتتبعهم ابن تيمية ورد على‬
‫أئمتهم‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ابن تيمية واألشاعرة‪:‬األشاعرة اقرب الناس ألهل السنة ‪ ،‬ومن أئمتهم أناس نفع‬
‫هللا بهم ودافع بهم عن الملة ‪ ،‬بل ردوا على المعتزلة وردوا عل الجهمية المعطلة‬
‫‪ ،‬ولكنهم خالفوا أهل السنة في كثير من المسائل ‪ ،‬بينها الشيخ ابن تيمية في كتبه‬
‫وأوضح الحق في ذلك ؛ كمخالفتهم في إثبات سبع صفات ونفى الباقي من الصفات‬
‫‪ ،‬وبين أن القول في بعض الصفات كالقول في البقية ‪،‬وأن من أثبت صفاته هلل عز‬
‫وجل يلزمه أن يثبت بقية الصفات ‪ ،‬وأن القول في الصفات كالقول في الذات ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر هذه القواعد في رسالته المباركة ( التدمرية )‪.‬‬
‫ابن تيمية وكالمه عن الصوفية‪ :‬كتب ابن تيمية كتاب ( االستقامة ) ‪،‬وله كالم في‬
‫الصوفية في فتاويه ورسائله وفي كتب أخرى ‪ ،‬بين الحق في زيفهم ‪ ،‬ورد على‬
‫الحلولية وعلى االتحادية وكفرهم ‪ ،‬وذكرأئمتهم وبين مخالفتهم لكتاب هللا عز‬
‫وجل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وكشف خطورة منهج التصوف على‬
‫الدين ؛ فقد ابتدعوا طقوس ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬وانتهجوا نهجا مخالفا‬
‫ألهل السنة في سكناتهم‪،‬في موالدهم وفي اجتماعاتهم‪،‬في هيئاتهم في خزعبالتهم‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫ابن تيمية وكالمه عن القدرية والجبرية‪ :‬أهل السنة يثبتون أن الذي قدر األمور هو‬
‫هللا عز وجل ‪،‬ولكن هذه الفرق الضالة قالت ‪:‬إن العبد مجبور على فعل المعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال مشيئة للعبد أبدا ‪ ،‬بل هو كالريشة في مهب الريح ‪ ،‬فبين ابن تيمية خطأ‬
‫هؤالء‪ ،‬وبين أن للعبد مشيئة تحت مشيئة هللا عز وجل ‪ ،‬وأنه ليس مجبوراً على‬
‫المعصية ‪،‬وأنه ال حجة لعاص على هللا تعالى بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬
‫سرعة خطه ‪ :‬من لطائف سيرة الشيخ ابن تيمية أنه سريع الخط ‪ ،‬فخطه أسرع‬
‫من كالمه وربما ألف فى الجلسة الواحدة كتابا ً ( كالتدمرية ) ‪ ،‬و ( الحموية )‪ ،‬و‬
‫(الواسطية ) ‪ ،‬وقد درست كل واحدة منها في سنة دراسية في الجامعات ‪ ،‬وربما‬
‫كتب كتابا ً في عدة أيام ‪ ،‬فكان يتناول القلم ثم ال يتوقف ‪ ،‬وليس عنده أوراق وال‬
‫مراجع وال كتب قريبة منه ثم ال مصنفات ‪ ،‬وإنما يفيض هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫من فتوحاته‪ ،‬ومما استودعته ذاكرته العجيبة القوية ‪.‬‬
‫تاليفه ‪ :‬ترك ابن تيمية للمكتبة اإلسالمية تراثا ً عامراً وتركه مباركة ‪ ،‬فهو من أكثر‬
‫من ألف على طول تاريخ اإلسالم من أهل العلم ‪ ،‬وال أعلم عالما ً نفع هللا بتأليفه‬
‫األمة في عدة فنون كهذا العالم ‪ ،‬صحيح أن أحمد بن حنبل – مثالً‪ -‬أو البخاري ‪،‬‬
‫أو الشافعي ‪ ،‬أو مالك ‪ ،‬لهم تآليف نافعة ‪ ،‬لكنها في أبوابها ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫غير أن ابن تيمية ترك عدة تآليف في عدة فنون ؛ فنفع أهل اإلسالم في باب‬
‫التفسير ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والمعتقد ‪ ،‬وأصول الفقه ‪ ،‬والمنطق والفلسفة ‪،‬وعلم الكالم ‪،‬‬
‫إلى آخر ذلك ‪ ،‬والعجيب في تآليفه أنها صارت حديث الناس ‪ ،‬ودخلت الجامعات‬
‫‪ ،‬واستفاد منها أهل العلم على تعدد مشاربهم ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التوحيد ‪ :‬أحسن ابن تيمية كل اإلحسان في هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستولت على جل حديثه وكتاباته ورسائله وتأليفه ‪ ،‬واعتنى بها كل العناية؛‬
‫لحاجة البشر إليها ‪ ،‬فبسطها شيخ اإلسالم بأنواعها كتوحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬وتوحيد األسماء والصفات ‪ ،‬وتحدث عن مسألة الشرك بأقسامه وبينها‬
‫برسائل ومؤلفات ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومسألة التاريخ ‪ :‬نقل الذهبي وغيره أن الشيخ مؤرخ ‪ ،‬وأنه يعتني‬
‫بتاريخ الدول والرجال والسالطين ‪ ،‬وما سلف كافة األمم والشعوب ‪ ،‬ومن يقرأ‬
‫بعناية لتاليف ابن تيمية يلحظ ذلك‪ ،‬حتى إنه يلحظ اهتمامه بتاريخ ما قبل اإلسالم ‪.‬‬
‫صموده رغم المعوقات ‪ :‬فابن تيمية لم يثنه ما حصل له من األذى والكيد والمكر‬
‫والمجابهة والمواجهة ‪ ،‬بل زاده ذلك قوة وإصرار ومضاء واستمرار ‪ ،‬فإنه واجه‬
‫من الحسد ما هللا به عليم حتى من أقرب المقربين إليه ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫فحسده أرباب المذاهب اإلسالمية ‪،‬وأهل المشارب الفقهية ‪ ،‬وحسده علماء الكالم‬
‫‪،‬وحسده أهل الطوائف من غير أهل السنة ‪ ،‬فافتروا عليه ونسبوا إليه ما لم يقل ‪،‬‬
‫ألفوا فيه الكتب والرسائل ‪ ،‬وأهدروا دمه ‪ ،‬وافتوا بقتله وضللوه ‪،‬ودعوا السلطان‬
‫إلى سجنه وبالفعل سجن خمس مرات ‪،‬وكادوا له‪ ،‬ومنعوا كتبه ومنعوه من‬
‫التدريس ‪ ،‬ومنعوه من الحديث ومواجهة الناس ‪ ،‬وتناولوا عرضه‪ ،‬وجلد مرة من‬
‫المرات ‪ ،‬وأخرج من دمشق إلى مصر ‪.‬كل ذلك والرجل صابر مصابر محتسب على‬
‫ما أصابه في سبيل هللا مصر على تبليغ فكرته ‪ ،‬فصار مضرب المثل في ذلك كله ‪.‬‬
‫ابن تيمية وأسلمة العلوم ‪:‬هذه عبارة عصرية حادثة ‪ ،‬ولكنك إذا نقلتها إلى عصر‬
‫ابن تيمية تجده يؤسلم المعرفة ‪ ،‬يأتي بالعلوم الداخلة والوافدة على المسلمين‬
‫فيضعها في ميزان الكتاب والسنة فيقبل الصحيح منها ويترك المخالف ويطرح‬
‫المرذول ‪ ،‬فكلما سمع بفن قرأه وأبحر فيه ثم عرضه على منهج الوحي ‪ ،‬وعلى‬
‫ميراث محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن وافق رضيه وقبله‪ ،‬وإن خالف رده مهما‬
‫كانت قوة هذا القول ‪.‬‬
‫ابن تيمية ومشروعه اإلصالحي ‪ :‬كان له مشروع إصالحي يهمه ويؤرقه؛ وهو‬
‫إعادة الناس إلى الكتاب والسنة وهو ما يسمى ( بالتجديد) ‪ ،‬همه أن يجدد لألمة ما‬
‫درس من دينها ‪ ،‬وأن يعيدها إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه والتابعون ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ابن تيمية والمعاصرة ‪ :‬لما حوى ابن تيمية الفنون وجمعها نفعه ذلك في أن يكون‬
‫له أسلوب عصري متميز ‪ ،‬غير متخل عن مبادئه وأصوله األولى السلفية السنية ‪،‬‬
‫ولكنه يكسو كالمه بجلباب المعاصرة وبعبارات من عاصروه من العلماء ‪ ،‬وأنه ال‬
‫غضاضة في أن يستفيد من مصطلحات معاصريه إذا كانت جميلة وكانت قوالبها‬
‫أخاذة مؤثرة لتحمل الحق الذي أخذه من الكتاب والسنة ؛ ولذلك كان يتكلم للفالسفة‬
‫بمصطلحاتهم وللمتكلمين بجملهم ‪،‬وللصوفية بإشاراتهم ‪ ،‬وللمعاصرين من‬
‫الفقهاء بكالمهم ‪ ،‬وهذا الذي يسر له االنتشار ‪،‬والعموم ‪،‬واالهتمام ‪.‬‬
‫ابن تيمية داعية ‪ :‬دعا إلى هللا بعمله ومقاله وقلمه وكتبه ورسائله فلم يقتصر‬
‫علمه على الفتيا فحسب ‪،‬ولم ينتظر في بيته ليأتيه الناس ‪ ،‬بل ذهب إلى غيره‬
‫وزار األماكن العامة ‪ ،‬وتكلم مع الخاصة ‪،‬ودخل عل السلطان ‪ ،‬وحاور الفرق‬
‫المخالفة ‪ ،‬وناظر المبتدعة وراسل األقاليم ‪.‬عمل بعلمه كما قال سبحانه ‪ ( :‬ومن‬
‫أحسن قوالً ممن دعا إلى هللا وعمل صالحا ً وقال إنني من المسلمين ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫جرأته‪ :‬ومن مزايا هذا اإلمام انه ثابت الجنان ‪ ،‬فال يخاف من بشر ‪ ،‬وال يرهب‬
‫إنساناً‪ ،‬سجن عدة مرات فما رهب وما عاد عن رأيه ‪ ،‬ودخل على الملوك فكاد‬
‫يزلزل عروشهم بكالمه القوي الصادق العميق ‪ ،‬وكان يشرح فكرته في كل مكان ‪،‬‬
‫تعظيمه لربه ‪ :‬فتعظيمه لربه – سبحانه وتعالى – ظاهر من كتاباته وفي رسائله‬
‫وتأليفه ‪ ،‬وحتى قال بعض الفضالء من المعاصرين ‪ :‬كنت إذا ضعفت في إيماني‬
‫عدت إلى المجلد األول في ( الفتاوى ) ‪ ،‬وقرأت تعظيم ابن تيمية لربه‪ ،‬ومدحه‬
‫لمواله ‪ ،‬وكالمه عن قدرة خالقه سبحانه وتعالى وعن أسمائه وصفاته ‪ ،‬بأسلوب‬
‫عجيب يأخذ بمجامع القلب ‪ ،‬ويستولي على منافذ النفس ‪.‬‬
‫توقيره لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬يوقر رسول الهدى صلى هللا عليه وسلم‬
‫ويحترمه وينصر أقواله ‪ ،‬ويقدم قوله على قول كل قائل من الناس ‪،‬ودافع عن‬
‫رسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وأوذي بسبب هذا الدفاع ‪ ،‬وألف كتابه الشهير‬
‫( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫ابن تيمية والوسطية‪ :‬يقول سبحانه وتعالى ‪ ( :‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً ) ‪،‬‬
‫والتوسط في األمور يدل على العلم التام ‪ ،‬والخشية المتناهية ‪ ،‬والعقل الراجح ‪،‬‬
‫وكذلك كان شيخ اإلسالم كان يدعو طالب العلم وطالب الحق وحامله أن يكون‬
‫وسطا ً في كل أموره ‪ ،‬حتى في أخالقه وسلوكه فإن الدين جاء بالوسط ال إفراط‬
‫وال تفريط ‪ ،‬وال غلو وال جفاء ‪.‬‬
‫ابن تيمية واألولويات ‪ :‬في باب العلم كان يقدم األول فاألول ‪ ،‬فتجده مهتما ً بمسألة‬
‫التوحيد الكبرى ؛ فكانت جل كتبه في األصول‪ ،‬وغالب بحوثه في المعتقد ‪ ،‬حتى‬
‫نظر للمعتقد – سواء في الربوبية أو األلوهية أو األسماء والصفات – تنظير ‪،‬‬
‫وأصل له تأصيالً استفاد منه الماليين بعده – رحمه هللا‪ -‬وصارت كتبه هي المرجع‬
‫في المكتبة اإلسالمية لمن أراد أن يتعمق ويكشف أسرار اإليمان والمتعقد ‪.‬‬
‫ابن تيمية وفقه التيسير‪ :‬فكان – رحمه هللا – يسيراً سهالً في فتاويه ‪ ،‬وفي‬
‫أحكامه الصادرة ‪ ،‬وفي مناقشاته ‪ ،‬يدرك اليسر في داللة النصوص ‪ ،‬وفي مقاصد‬
‫الشريعة ‪ ،‬فتجده إذا تكلم في أبواب المعتقد أتي بأيسر المسائل ‪،‬وبين لك أن الدين‬
‫أتي لرفع الحرج ووضع اآلصار واألغالل عن األمة ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫وتكلم عن مسائل العفو والتوبة والمغفرة والرحمة ‪ ،‬وإذا تكلم في الفروع أتى‬
‫بالرأي األيسر الذي يسعفه الدليل ‪ ،‬كم من مسألة قررت في كتب الفقه وبخاصة‬
‫كتب المذاهب ‪ ،‬وجاء هذا اإلمام وبين أن الحق في خالفها ‪.‬‬
‫خذ مثال المذهب الحنبلي الذي نشأ عليه ابن تيمية وأهل بيته ‪،‬كم من مسألة قررت‬
‫درسها الناس ونشأ عليها طلبة العلم ‪ ،‬فلما جاء هذا اإلمام بين أن الحق خالفها ‪،‬‬
‫فالحنابلة – مثالً – يبدؤون كتب الفقه بقولهم المياه ثالثة أقسام ‪ ،‬فيخطئهم ويقول‬
‫المياه قسمان فقط ‪ :‬طاهر ونجس ‪ ،‬والمسح على الخفين اشترطوا فيه شروطا‬
‫ليست في الكتاب والفي السنة فيبين أن هذا من اآلصار واألغالل ‪ ،‬واشترطوا‬
‫مسافة محددة باألميال بالسفر فيبين أن هذا ليس موجوداً في الكتاب وال في السنة‬
‫‪ ،‬بل ال يسمى سفراً أيضا ً ‪،‬وفي مسائل الحيض أتوا بمسائل شاقة على المرأة‬
‫بين أن السنة خالف ذلك بالدليل والبرهان ‪،‬وفي مسائل المعامالت والبيع والشراء‬
‫والصرف واإلجارة وغيرها بين نقص كثيراً من المسائل بالدليل البرهان‬

‫‪20‬‬

‫معرفته ألسرار السيرة‪ :‬والعجيب أنه إذا تكلم في الخالفة والملك وقضايا الصحابة‬
‫والمغازي والسير والمالحم ال يوردها إيراداً فحسب ‪ ،‬بل يقف وقفة مستبصرة‬
‫ويخرح لك كنوزاً ‪.‬أذكر على سبيل المثال ‪ :‬ولى أبو بكر خالد بن الوليد ‪ ،‬ثم لما‬
‫تولى عمر الخالفة نزعه وعزله وولى أبا عبيده ‪ ،‬قال ابن تيمية في ذلك ‪ :‬إن أبا‬
‫بكر رجل لين رقيق يصلح له رجل قوي شديد وهو خالد بن الوليد ‪ ،‬وإن عمر‬
‫قوي شديد يصلح له رجل لين رقيق وهو أبوعبيدة ‪ ،‬فبين أن من السياسة‬
‫الشرعية أن يكون الخليفة والقائد على خالف في بعض الصفات ‪ ،‬ليكمل أمر األمة‬
‫في اللين والقوة والشدة ‪ ،‬إلى غير ذلك من األسرار التي ذكرها في كتبه – رحمه‬
‫هللا ‪.‬‬
‫لماذا لم يفسر القرآن كامالً ؟ ‪ :‬طلب من ابن تيمية أن يفسر القرآن ‪ ،‬فرد بأن غالب‬
‫القرآن واضح معلوم للقارئ ‪ ،‬وإنما هناك آيات تحتاج إلى شيء من البيان‬
‫والتفسير ‪ ،‬وهذا الذي قاله صحيح ‪ ،‬مع العلم أنه ينسب إليه أن له تفسيراً كامالً‬
‫وهللا أعلم ‪،‬ولكن العجيب أنه إذا أتى إلى آية وأراد شرحها جاء بشيء ال يوجد‬
‫– غالبا ً – في كتب التفسير ؛ من براعة االستنباط وحسن االستدالل وعميق الفهم‬
‫ورسوخ الفقه ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫لماذا لم يؤلف ابن تيمية كتابا ً جامعا ً في الفقه ؟‪ :‬لم يعلم عن ابن تيمية أنه ألف‬
‫كتابا ً جامعا ً في الفقه من أول أبوابه إلى آخره ؛ ألنه كان مشغوالً بقضايا أهم ؛ فهو‬
‫يرى أن كتب الفقه موجودة على المذهب ‪ ،‬وأنها مبسوطة ومختصرة ومتوفرة ‪،‬‬
‫لكن األهم من ذلك – كما يبين هو – مسائل األصول في المعتقد ‪ ،‬ونصره السنة ‪،‬‬
‫والرد على المخالفين من الكفرة والمبتدعة ولم يشرح ابن تيمية كتابا ً – فيما أعلم‬
‫– إال ( العدة ) ‪ ،‬شرح منه جزءاً ‪.‬‬
‫التفاؤل والرجاء عند ابن تيمية ‪ :‬صدر ابن تيمية منشرح ‪ ،‬وهو صاحب ثقة فيما‬
‫عند هللا عز وجل ‪ ،‬ومتفائل بالنصر دائما ً والعاقبة الحسنة ألولياء هللا ‪ ،‬وهو حسن‬
‫الظن بربه ‪ ،‬وينظر بنظرة متفائلة لألمور ‪ ،‬وهو صاحب رجاء ؛ فإذا تكلم فيما أعد‬
‫هللا ألوليائه أسهب وأطنب ‪ ،‬وإذا تكلم عن أهل التوحيد بين ما لهم عند هللا عز‬
‫وجل من مصير مبارك ‪ ،‬وإذا تكلم عن التوبة رغبك في رحمة هللا عز وجل ‪،‬‬
‫وحبب إليك اإلنابة ‪ ،‬وقربك من المغفرة ‪ ،‬وذلك على طريق العودة إلى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ال تقرأ في كالمه اليأس ‪ ،‬وال تفهم منه القنوط ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ابن تيمية والشعر‪ :‬لم يكن شاعراً بالمعنى الحقيقي ‪ ،‬ربما نظم القصائد واستشهد‬
‫لكبار الشعراء كالمتنبي وغيره ‪.‬كتب قصيدة رد فيها على يهودي في أكثر من‬
‫مائتي بيت في جلسة واحدة ‪،‬وكان يكتب المقطوعات التي فيها الدعوة إلى هللا‪.‬‬
‫ابن تيمية واألمثال‪ :‬إذا أسهب ابن تيمية في الحديث أورد بعض األمثال التي‬
‫سارت في الناس ‪،‬أوأنشأها من نفسه هو ؛مثالً تحدث عن ( البطائحية ) وهى فرقة‬
‫صوفية ضالة ‪ ،‬كان عندهم شيء من اإلسالم ‪ ،‬فكانوا إذا ذهبوا إلى الكفار مثل‬
‫التتار ظهرت بعض الكرامات لهم ‪ ،‬فإذا جاؤوا إلى أهل السنة بطلت كراماتهم! فقال‬
‫شيخهم له‪:‬ما لنا إذا ذهبنا إلى الكفرة التتار ظهرت كراماتنا وإذا أتينا إليكم بطلت ؟‬
‫قال ‪”:‬مثلكم ومثلنا ومثل التتار كخيل دهم – يعني فيها شيء من البياض – إذا‬
‫دخلت بين خيل سود ظهرت بيضاء ‪،‬وإذا دخلت في خيل بيضاء ظهرت سوداً‪ ،‬فأنتم‬
‫دهم ؛ ألن عندكم شيئا ً من اإلسالم ‪ ،‬والتتار سود لما عندهم من الكفر‪،‬ونحن بيض‬
‫لما عندنا من نور السنة ‪ ،‬فإذا ذهبتم إلى التتار ظهر بياضكم الباقي عندكم فصرتم‬
‫بيض ‪،‬وإذا أتيتم إلينا ظهر سوادكم لظهور السنة ووضوح الحق لدينا ” ‪.‬‬
‫فتعجب األصحاب من مثله ‪.‬وسمع صوفيا ً يقرأ آية خطأ ويقول ‪(:‬فخر عليهم السقف‬
‫من تحتهم ) !فضربه وقال ‪” :‬ال عقل وال قرآن ” ؛ألن العقل يدل على أن السقف‬
‫من فوق ‪ ،‬والقرآن فيه‪ ( :‬فخر عليهم السقف من فوقهم ) ‪ .‬وله أمثال في ذلك ال‬
‫يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫كتب ابن تيمية بين العامة والخاصة ‪ :‬فله كتب يخاطب بها خواص الناس ‪،‬وله‬
‫كتب ميسرة سهلة ككتاب ( الواسطية ) أو(منهاج السنة)أو (اقتصاد الصراط‬
‫المستقيم )أو ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ) صلى هللا عليه وسلم ‪،‬وغير‬
‫ذلك ‪ ،‬فميزته أنه لكل الطوائف ؛ فمن أراد العمق والدقة فله كتب ‪ ،‬ومن أراد‬
‫السهولة والشرح والبسط فله كتب ‪،‬وغالب رسائله وفتاويه في ( الفتاوى ) تفهم‬
‫من العامة إذا قرئت عليهم من أول وهلة ؛ ألنه يوضحها ويسهلها ‪.‬‬
‫ابن تيمية رجل المرحلة‪ :‬الشك أن هللا سبحانه وتعالى هيأ الظروف واألحوال‬
‫لخروج مثل هذا الرجل اإلمام المجدد ‪ ،‬إذ كانت الحياة السائدة في عهده حياة تدعو‬
‫إلى الرثاء ‪ .‬فظهر الشرك عند القبوريين الذين يطوفون متبركين بالقبور ؛ فظهر‬
‫كثير من الكهنة والمشعوذين والسحرة والدجالين واألفاكين ‪ ،‬ووجد كثير من‬
‫المبتدعة ومذاهبهم المنحرفة ‪ ،‬واستشرى فساد سياسي يتمثل في الظلم من‬
‫الحاكم ‪ ،‬والجهل بالشريعة ‪ ،‬كما ظهر الفساد في القضاء من انتشار للرشوة ‪،‬‬
‫وجهل بالنص ‪ ،‬وبعد عن الدليل ‪ ،‬كما وجد من يصد عن منهج هللا عز وجل في‬
‫المجتمع ممن يدعو إلى انغماسه في الدنيا كفرقة البطائحية ‪ ،‬وكالنصيرية الضالة‬
‫المنحرفة ‪،‬وكأتباع غالة المتصوفة ‪،‬وأتباع ابن عربي الحلولي االتحادي ‪،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫ابن تيمية وعالقته بالدولة في عهده‪ :‬ال شك أن ابن تيمية صحب في تلك الفترة‬
‫السالطين من المماليك ومن األمراء الذين يتبعون للدولة العباسية في أواخر‬
‫عهدها الذى اتسم باالنحطاط والضعف ‪ ،‬وهؤالء السالطين نافذون في مصر‬
‫والشام ‪ ،‬وكان عندهم جور وظلم ‪ ،‬وهم في الجملة مسلمون ‪ ،‬فعاملهم بما يقتضي‬
‫الحال من النصيحة واإلرشاد والتوجيه ‪،‬ولم يوافقهم على باطلهم ‪ ،‬ولم يأخذ‬
‫أعطياتهم ‪ ،‬ولم يدخل في شيء من وظائفهم ‪،‬ولم يتقلد لهم مناصب ‪ ،‬وإنما كان‬
‫همه إصالحهم وإعادتهم إلى منهج هللا عز وجل وإلى شريعة رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وهو في المقابل لم يخرج عليهم ‪ ،‬ولم يدع إلى مقاتلتهم ؛ ألمور منها‬
‫أنه يحتكم إلى الشرع الذي يدعو صاحبه صلى هللا عليه وسلم إلى عدم الخروج‬
‫على اإلمام المسلم ما لم نر فيه كفراً بواحا ً ‪.‬فالمعاصي والجور والظلم ال تقتضي‬
‫الخروج على الحاكم مهما كانت ؛ ألن الخروج أعظم مفسدة من البقاء تحت واليته‬
‫‪ ،‬لما ينتج من ذلك من افتراق الكلمة ‪ ،‬وسفك الدماء ‪ ،‬وذهاب األموال ‪ ،‬والفساد‬
‫في األرض‪ ،‬فكان ذلك منهج ابن تيمية ومنهج أئمة اإلسالم وهذا هو المنهج‬
‫الصحيح الموافق لشرع هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫من هم خصوم ابن تيمية ؟‪ :‬أعظم خصومه هم أعداء الملة من المالحدة واليهود‬
‫والنصارى والصبابئة والدهريين ‪ ،‬وإلى غير ذلك من أعداء اإلسالم ‪ .‬كشف‬
‫مستورهم الخبيث بالتشهير بهم وبزلزلة مناهجهم الضالة وأوذي فى ذلك كل األذي‬
‫ونشأ له أعداء من العلماء المعاصرين ‪،‬اجتمعوا وأفتوا بسفك دمه ‪ ،‬وأوهموا‬
‫العامة أنه مخالف لما كان عليه السلف ‪ ،‬وبتروا أحاديثه ‪ ،‬وقطعوا كثيراً من كالمه‬
‫عن سياقه في مؤلفاته ‪ ،‬فظهر عليهم بالحجة وانتصر عليهم بالدليل ‪ ،‬وكان له‬
‫أعداء من السالطين الظلمة ممن يتبعون الشهوات ‪،‬ويريدون أن تميل األمة ميالً‬
‫عظيما ً ‪ ،‬فقام لهم‪ ،‬وخالفهم كل المخالفة في هذا ‪ .‬فأبان هللا للعامة والخاصة أن‬
‫هذا الرجل العظيم على نور من هللا عز وجل ‪ ،‬وعلى هدي من رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى إنه لما مات كانت جنازته آية للناس من كثرتها واجتماع الناس‬
‫عليها وترحمهم وتأسفهم ‪ .‬حتى ذكر أن بعض اليهود والنصارى خرجوا فيها‪،‬‬
‫وقيل أن منهم من أسلم ‪ ،‬وتاب كثير من العصاة ‪ .‬فرحمه هللا رحمة واسعة ‪.‬‬
‫إلى هنا انتهى تلخيص كتاب (على ساحل ابن تيمية)‪.‬ونعرض فيما يلى أبيات من شعره‬
‫‪26‬‬

‫( ياسائلي عن مذهبي وعقيدتي )‬
‫َيا َ‬
‫سائِلِي َعنْ َم ْذه َِبي َو َعقِي َدتِي *** ُر ِز َق ا ْل ُهدَى َمنْ ِل ْل ِهدَا َي ِة َي ْسأَل ُ‬
‫ُمح ِّق ٍق فِي َق ْولِ ِه‬
‫إِ ْس َم ْع َكالَََ م َ‬
‫*** ال َ َي ْن َثنِي َع ْن ُه َوالَ َي َت َب لدل ُ‬
‫َبٌَ‬
‫*** َو َم َو لدةُ ا ْلقُ ْر َبى ِب َها أَ َت َو ل‬
‫ص َحا َب ِة ُكلُّ ُه ْم لِي َم ْذه ٌ‬
‫ب ال ل‬
‫ُح ُّ‬
‫سل ُ‬
‫ساطِ ٌع‬
‫الصدِيق ُ ِم ْن ُه ْم أَ ْف َ‬
‫*** ََ ل ِك لن َما ِّ‬
‫ضل ٌ َ‬
‫ِول ُكلِّ ِه ْم َقدْ ٌر َو َف ْ‬
‫ضل ُ‬
‫ان َما َجا َء ْت ِب ِه‬
‫*** آيِ َََِ ا ُت ُه َف ْه َو ا ْل َقدِي ُم ا ْل ُم ْن َزل ُ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫َح ًقا َك َما َن َقل َ ِّ‬
‫الص َفا ِ‬
‫َو َجمِي ُع آ َيا ِ‬
‫***‬
‫ت أُم ُِّرهَا‬
‫ت ِّ‬
‫الط َرا ُز األَ لول ُ‬
‫َوأَ ُر ُّد ُع ْق َب َت َها إِلَى ُن لقالِ َها‬
‫*** َوأَ ُ‬
‫صو ُن َها َعنْ ُكل ِّ َما ُي َت َخ ليل ُ‬
‫*** َوإِ َذا ْ‬
‫اب َو َرا َءهُ‬
‫قُ ْب ًحا لِ َمنْ َن َب َذ ا ْل ِك َت َ‬
‫اس َت َدل ل َيقُول ُ َقال َ األَ ْخ َطل ُ‬

‫‪27‬‬

‫َوا ْل ُم ْؤ ِم ُنونَ َي َر ْونَ َح ً‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ل‬
‫ز‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ي‬
‫ك‬
‫ر‬
‫ي‬
‫غ‬
‫ب‬
‫اء‬
‫م‬
‫س‬
‫ال‬
‫ى‬
‫ل‬
‫إ‬
‫و‬
‫**‬
‫*‬
‫م‬
‫ه‬
‫ب‬
‫ر‬
‫ا‬
‫ق‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َوأُق ُِّر ِبا ْلم َ‬
‫ان َوا ْل َح ْو ِ‬
‫ض اللذِي *** أَ ْر ُجوا ب َِِ َِأَ ِّني ِم ْن ُه َر ًيا أَ ْن َهل ُ‬
‫ِيز ِ‬
‫اج َو َ‬
‫َو َك َذا ِّ‬
‫آخ ُر ُم ْه ِمل ُ‬
‫الص َرا ُط َي ُم ُّر َف ْو َق َج َه لن ٍم *** َف ُم َو ِّح ٌد َن ٍ‬
‫صالَهَا ال ل‬
‫ان َ‬
‫َوال لنا ُر َي ْ‬
‫س َيدْ ُخل ُ‬
‫شق ُِّي ِب ِح ْك َم ٍة *** َو َك َذا ال لتق ُِّي إِلَى ا ْل ِج َن ِ‬
‫َولِ ُكل ِّ َح ٍّي َعاق ٍِل فِي َق ْب ِر ِه‬
‫ار ُن ُه ُه َنا َك َو ُي ْسأ َل ُ‬
‫*** َع َمل ٌ َي َق ِ‬
‫اعتِ َقا ُد ال ل‬
‫ِي َومالِكٍ‬
‫شافِع ِّ‬
‫َه َذا ْ‬
‫*** َوأَ ُبو َحنِي َف َة ُث لم أَ ْح َمََ َد َي ْنقِل ُ‬
‫س ِبيلَ ُه ْم َف ُم َو ِّح ٌد‬
‫*** َوإِ ِن ا ْب َت ْ‬
‫َفإِ ِن ا لت َب ْع َت َ‬
‫دَع َت َف َما َعلَ ْي َك ُم َع لول ُ‬

‫‪[email protected]‬‬

‫‪28‬‬