العدالة الجنائية الدولية المحاكم / الجرائم د . حسينة شرون تقسيم الدراسة أوال / مقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية الدائمة والمؤقتة ثانيا / الجرائم والعقوبات في.
Download
Report
Transcript العدالة الجنائية الدولية المحاكم / الجرائم د . حسينة شرون تقسيم الدراسة أوال / مقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية الدائمة والمؤقتة ثانيا / الجرائم والعقوبات في.
العدالة الجنائية الدولية
المحاكم /الجرائم
د .حسينة شرون
تقسيم الدراسة
أوال /مقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية الدائمة والمؤقتة
ثانيا /الجرائم والعقوبات في النظام األساسي للمحكمة الجنائية
الدولية
أوال /مقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية الدائمة والمؤقتة
فضلاً عن المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ،ICCوجدت ثلث محاكم جنائية
دولية مؤقتة ،Ad hoc ،وهي محاكم :يوغسلفيا السابقة ICTRوالمحكمة
الخاصة لسيراليون .SCS
سنحاول عقد مقارنة سريعة بين هذه المحاكم الجنائية في محاولة للتعرف بشكل
المقارنة على
ً
أوضح على الملمح األساسية لكل منها ًوالعناصر التي يصح عقد
أساسها هي :تاريخ اإلنشاء -السند أو األداة القانونية لإلنشاء -المقر -طبيعة
المحكمة من حيث كونها دائمة أو مؤقتة -العلقة مع األمم المتحدة -العلقة
مع مجلس األمن -العلقة مع القضاء الوطني -التمويل -االختصاص من حيث
الموضوع والزمان والمكان واألشخاص -التنظيم واإلدارة -العقوبات الواجبة
التطبيق -وجود قضاة وطنيين من عدمه ضمن تشكيلة المحكمة.
وبالنظر إلى أن الحدود المرسومة سلفًا لهذا البحث ،ال تسمح بتناول العناصر
المذكورة في كل بند مستقل على حدة ،عليه رأينا ملءمة تصنيف هذه العناصر
ضمن مجموعات ،على النحو التالي:
أ -المق ارنة بين المحاكم الجنائية الدولية من حيث اإلنشاء:
- 1تاريخ اإلنشاء:
لو تجاوزنا المحكمتين الجنائيتين الدوليتين المؤقتتين اللتين أنشئتا مباشرة
عقب الحرب العالمية الثانية ولكنهما أصبحتا اآلن في ذمة تاريخ القانون
الدولي الجنائي ،وهما :محكمة نورمبرج ،1945ومحكمة طوكيو ،1946
لوجدنا أن أقدم المحاكم الجنائية الدولية القائمة في الوقت الراهن هي
محكمة يوغسلفيا السابقة عام ،1993تليها محكمة راوندا عام ،1994
ثم المحكمة الجنائية الدولية "الدائمة" عام ،1998وأخي ًرا المحكمة
الخاصة لسيراليون عام .2002
- 2األداة القانونية لإلنشاء:
يختلف السند القانوني إلنشاء المحاكم الجنائية الدولية ..بمحكمتي
يوغسلفيا السابقة ورواندا أنشئتا مباشرة بموجب ق اررات اتخذها مجلس
األمن بالخصوص.
وأما المحكمة الجنائية ICCفقد أنشئت بموجب اتفاقية دولية أُبرمت
خصيصًا لهذا الغرض وهي االتفاقية المعروفة -كما أشرنا من قبل -باسم
نظام روما األساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وأما المحكمة الخاصة لسيراليون وان كان مجلس األمن قد ساهم بشكل
غير مباشر في إنشائها من حيث كونه اتخذ ق ار ار بموجبه كلف األمين العام
لألمم المتحدة بالتفاوض مع حكومة سيراليون ،إال أن هذه األخيرة لم تنشأ
بموجب اتفاقية دولية أطرافها عدة دول ،كما هو الحال بالنسبة للمحكمة
الجنائية الدولية الدائمة وفي نفس الوقت لم تنشأ مباشرة بقرار اتخذه
مجلس األمن ،كما هو الحال بالنسبة لمحكمتي يوغسلفيا السابقة ورواندا،
فمحكمة سيراليون أنشئت بموجب اتفاق دولي أطرافه األمم المتحدة من
جهة وحكومة سيراليون من جهة أخرى.
- 3أسباب إنشاء المحاكم الجنائية:
المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة يجمع بينها أنها أنشئت جميعها بسبب حروب
أهلية تطور بعضها إلى نزاع مسلح دولي ،كما أن هذه المحاكم أنشأها مجلس
األمن أو سعى من أجل إنشائها متصرفًا بموجب الفصل السابع من ميثاق
األمم المتحدة ،وفيما يلي تفصيل ذلك:
أ -المحكمة الدولية ليوغسلفيا السابقة:
يمكن تلخيص أسباب إنشاء المحكمة الدولية ليوغسلفيا السابقة ،في أنه بعد
انهيار نظام القطبية الثنائية ،وتفكك االتحاد السوفييتي عام ،1989وكذلك
االتحاد اليوغسلفي في عام ،1992سعت جمهوريات هذا األخير إلى االستقلل،
غير أن هذا األمر لم تقبل به جمهورية صربيا على األخص ،وترتب على ذلك
نشوب نزاع مسلح اكتسى طابع الصراع الديني والقومي في نفس الوقت ..وقد
اندلعت الشرارة األولى لذلك النزاع في جمهورية البوسنة والهرسك التي ُيشكل
المسلمون % 42من سكانها ،في حين يشكل الصرب ،%32والكروات %.8
ونظ ًار للتفوق العسكري الذي كان يتمتع به صرب البوسنة آنذاك بسبب دعم
الجيش الصربي لهم بقوة ارتكبوا مخالفات جسيمة للقانون الدولي اإلنساني أبرزها
إبادة قرى بأكملها ،وقتل المدنيين األبرياء ،وطرد وتشريد آالف الكروات ًوالمسلمين
وتعريضهم للموت جوعًا وعطشا ،واقامة معسكرات االعتقال الجماعية التي شهدت
ممارسة أفظع صنوف التعذيب الجسدي والنفسي ،وكذلك اغتصاب النساء ،فضلاً
عن ارتكاب مجازر عديدة ،وتنفيذ حاالت إعدام متزايدة خارج القانون والقضاء،
ودفن الضحايا في مقابر جماعية لم يكتشف أمر بعضها إال في السنوات األخيرة.
ب -المحكمة الدولية لرواندا:
لعل أبرز وقائع األزمة الرواندية التي أدت إلى تدخل مجلس األمن ،تكمن
في أنه عقب وقوع حاثة تحطم طائرة الرئيسين البورندي والراوندي بتاريخ
،1994-4-6ارتكبت أفعال عنف فظيعة في رواندا هزت الرأي العام
العالمي بقوة ،وقد وقعت أعمال العنف المتبادل هذه بين القوات الحكومية
الرواندية من جهة ،وقوات الجبهة الوطنية الرواندية من جهة أخرى ،والواقع
أن هذا العنف المتبادل استمر مدة طويلة ارتكبت خللها وقائع قتل ،وقطع
للطرق ،فضلاً عن ارتكاب جرائم إبادة جماعية راح ضحيتها األلوف من
المدنيين األبرياء من النساء واألطفال من سكان مدينة "كيغالي" ومن أفراد
قبيلتي التوتسي والهوتو بوجه خاص.
ونظ ًار لما حصل من مخالفات خطيرة للقانون الدولي اإلنساني وانتهاكات
صارخة واسعة النطاق لحقوق اإلنسان ،وجد مجلس األمن الدولي نفسه
أمام وضع يهدد السلم واألمن الدولي ،األمر الذي دفعه إلى التصرف
بموجب الفصل السابع من ميثاق األمم المتحدة ،وانشاء المحكمة الدولية
لراوندا.
ج -المحكمة الخاصة لسيراليون:
ُيستفاد من صحيفة االتهام المتعلقة بالقضية التي تنظر فيها محكمة
سيراليون في الوقت الراهن تحت رقم ) (SCS-2003-01-1ضد تشارلز تيلور
رئيس جمهورية ليبيريا األسبق ،أن حالة النزاع المسلح في سي ارليون بدأت
عام ،1991وأنه تورطت في هذا النزاع تنظيمات وفصائل مسلحة عدة ،من
بينها الجبهة الثورية المتحدة ،وقوات الدفاع المدني ،والمجلس الث ًوري
للقوات المسلحة ،من أجل الوصول إلى الحكم والسيطرة على أراضي
سيراليون ،وعلى األخص مناطق تعدين الماس فيها.
ويستفاد من صحيفة االتهام المشار إليها أيضًا أنه في جميع فترات النزاع
ُ
المسلح في سيراليون ،قامت التنظيمات المسلحة المذكورة أعله بهجمات
شنيعة وعلى نطاق واسع ومنهجي ضد السكان المدنيين في سيراليون ،وقد
شملت الهجمات تجنيد األطفال لألغراض العسكرية ،والتعذيب الجسدي،
واالعتداءات الجنسية ضد الرجال والنساء واألطفال المدنيين ،واالختطاف،
وارهاب السكان المدنيين ،واتلف ممتلكاتهم.
-4المقر:
اثنتان من المحاكم الجنائية الدولية القائمة مقرها في "الهاي" وهما :المحكمة الجنائية
الدولية ليوغسلفيا السابقة" ، "ICTFYوالمحكمة الجنائية الدولية الدائمة"ICC ".
أما المحكمة الخاصة لسيراليون ،فمقرها في "فريتاون" عاصمة سيراليون ،وأما المحكمة
الجنائية الدولية لراوندا ،فمقرها في "أروشا" تنزانيا.
وفي هذا السياق تجدر اإلشارة إلى أنه على الرغم من اختلف مقر محكمة يوغسلفيا
السابقة عن مقر محكمة رواندا ،وما ترتب على ذلك من بعد كبير في المسافة بينهما
" 10.000ميل" إال أنهما تقاسمتا ذات المدعي العام وذات الدائرة االستئنافية.
والواقع أن قرار ربط المحكمتين على النحو المشار إليه أعله لم يكن مبنيًا على اعتبارات
قانونية البتة ،بل كان مبنيًا على اعتبارات اقتصادية وعملية في نفس الوقت.
وتفصيل ذلك أن الواليات المتحدة األمريكية التي كانت وراء هذه التركيبة الغربية ،وغير
المنطقية لمحكمتين منفصلتين أنشئتا بقرارين غير مرتبطين ،أرادت -أي أمريكا -أن
تتفادى مشكلة كانت محتملة آنذاك ،وهي أن يستغرق اختيار مدعي عام خاص بمحكمة
رواندا فترة طويلة من الزمن ،كما حصل بالنسبة للمحكمة الدولية ليوغسلفيا السابقة،
وأما السبب وراء تقاسم المحكمتين للدائرة االستئنافية الدولية ليوغسلفيا السابقة ،فقد
كان اقتصاديا بحث ا ،يتمثل في أن ذلك من شأنه توفير النفقات.
وهذا -في وجهة نظرنا -كان تفكي ًرا خاطئ ا ،ألن ُبعد المسافة بين المحكمتين "10.000
ميل" كما أشرنا من قبل سيجعل النفقات من الناحية العملية باهظة جدًا.
ب – المقارنة على أساس العناصر ذات الصلة بعالقة كل
محكمة باألمم المتحدة ،ومجلس األمن ،والقضاء .وعلى
أساس العناصر ذات العالقة باالختصاص من حيث
الموضوع ،والزمان ،والمكان ،واألشخاص.
من خلل عقد مقارنة بين النصوص ذات العلقة بالتنظيم واإلدارة
والقضاة الواردة في النظم األساسية للمحاكم الجنائية الدوليةً ،وكذلك
أيضًا في القواعد اإلجرائية التي تطبقها يمكن القول بأن ما يميز تلك
المحاكم من حيث التنظيم واإلدارة ،يكمن في التالي:
أ -تنفرد المحكمة الجنائية الدولية "الدائمة" دون غيرها من المحاكم
الجنائية الدولية "المؤقتة" بوجود هيئة للرئاسة ضمن أجهزتها
الرئيسة وكذلك شعبة تمهيدية ،أو كما يسميها البعض غرفة ما قبل
المحاكمة.
ب -في حين تتوفر كل محكمة من المحاكم الجنائية الدولية
والمؤقتة على حد سواء على شعبة أو دائرة ابتدائية خاصة بها
ُيالحظ أن المحكمة الجنائية الدولية لرواندا والمحكمة الدولية
ليوغسالفيا السابقة ،تتقاسمان الدائرة االستئنافية وتشتركان في ذات
المدعى العام للمحكمة الدولية ليوغسالفيا السابقة.
ج -ألسباب ال يتسع المقام هنا للخوض في تفاصيلها المحكمة الوحيدة
التي تتوفر على جمعية للدول األطراف في نظامها األساسي هي المحكمة
الجنائية الدولية الدائمة "..ويلحظ أن هذه الجمعية ليست من ضمن
األجهزة الرئيسية لتلك المحكمة وهي :هيئة الرئاسة -مكتب المدعى العام-
قلم التسجيل -والدوائر القضائية.
د -تتكون الدوائر في كل من محكمتي يوغسالفيا السابقة ورواندا منه
( )11أحد عشر قاضيا عينتهم الجمعية العامة لألمم المتحدة من قائمة
قدمها مجلس األمن ال تقل عن 22وال تزيد على 33قاضيا من بين القضاة
الذين رشحتهم لهذا الغرض الدول األعضاء في األمم المتحدة.
وأما الدوائر في المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ،فتتألف من ( )18قاضيا
يتم انتخابهم من قبل جمعية الدول األطراف في نظام روما األساسي ،من
قوائم القضاة الذين ترشحهم الدول األطراف في االتفاقية.
وأما الدوائر في المحكمة الخاصة لسيراليون فتتكون من عدد من القضاة ال
يقل عن ثمانية وال يزيد على أحد عشر قاضيا.
هـ -تنفرد المحكمة الخاصة لسيراليون بأنها الوحيدة من بين المحاكم
الجنائية الدولية القائمة ،التي تتكون دوائرها من قضاة وطنيين تعينهم
حكومة سيراليون ،والباقي قضاة دوليون يعينهم األمين العام لألمم المتحدة،
ففي الدائرة االبتدائية لهذه المحكمة يعمل ثلثة قضاة ،تعين أحدهم حكومة
ويعين األمين العام لألمم المتحدة قاضيين.
سيراليونُ ،
وفي هذا السياق يثور سؤال مهم :ما دامت المحكمة الخاصة لسيراليون
مختلطة ،تتكون من قضاة تعينهم حكومة سيراليون وآخرين تعينهم األمم
المتحدة ..فهل يصح إسباغ وصف الدولية عليها..؟ وبعبارة أخرى :ما هي
العناصر التي على أساسها يسوغ وصف المحكمة الخاصة لسيراليون
بالدولية..؟ هذه العناصر هي:
-1إن مجلس األمن الدولي باتخاذه للقرار ( )1315لعام 2000المتعلق
بتكليف األمين العام لألمم المتحدة بالتفاوض مع حكومة سيراليون ،من أجل
التوصل إلى إبرام اتفاق بشأن المحكمة الخاصة لسيراليون ،هذا المجلس وان
لم يقم بدور مباشر في إنشاء المحكمة ،إال أنه يمكن القول بأن إنشاء تلك
المحكمة كان بإذن منه.
-2المحكمة الخاصة لسيراليون أنشئت بموجب اتفاق أحد أطرافه د ًولي ،هو
األمم المتحدة.
ل عن قضاة سيراليون،
-3دوائر المحكمة تضم -كما ذكرنا من قبل -فض اً
قضاة يعينهم األمين العام لألمم المتحدة.
-4المدعى العام للمحكمة يعينه األمين العام لألمم المتحدة ( المادة 3/1
من االتفاق)
-5مسجل المحكمة يعينه األمين العام لألمم المتحدة وهو موظف دولي تابع
لألمم المتحدة (المادة 4من االتفاق).
-6نفقات المحكمة تمول من تبرعات المجتمع الدولي (المادة 6من
االتفاق).
ثانيا /الجرائم والعقوبات في النظام األساسي
للمحكمة الجنائية الدولية
أ -قانونية التجريم في المحكمة الجنائية الدولية
إن المصادر التي يتم بموجبها تحديد الجرائم الدولية هي القواعد العرفية
واالتفاقيات والمعاهدات ،وبناءًا على ذلك أعطيت صفة الجريمة الدولية
لبعض األفعال مثل االتجار بالرقيق األبيض والنساء واألطفال واإلًرهاب
وغير ذلك ،لكن األمر تغير عندما قامت األمم المتحدة بإنشاء قضاء جنائي
دولي متخصص دائم لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم دولية ،المتمثل
بالمحكمة الجنائية الدولية في عام ،1998التي أعتمد نظامها األساسي
عدة مبادئ من أهمها مبدأ القانونية.
أشارت المادة ( )22من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلى
مبدأ قانونية التجريم ( ال جريمة إال بنص) حيث جاء في الفقرة ( )1من
النظام ( ال ُيسال الشخص جنائيًا بموجب أحكام هذا النظام األساسي ما لم
يشكل السلوك المعني وقت وقوعه ،جريمة تدخل في اختصاص هذه
المحكمة ) فعلى وفق هذه يكون الجاني غير مسؤول ما لم يكن سل ًوكه
اإلجرامي يمثل جريمة حسب هذا النظام األساسي ،وحسب المادة ( )5من
النظام األساسي فإن المحكمة تختص بالجرائم اآلتية على سبيل الحصر:
-1جرائم اإلبادة الجماعية.
-2الجرائم ضد اإلنسانية.
-3جرائم الحرب.
-4جريمة العدوان.
وفي حالة كون الفعل غير داخل في اختصاص المحكمة فإنه يبقى مباحا،
وهذا يشكل ضمانة للمتهم.
لا دقيقًا وال يجوز
أما الفقرة 2من المادة 22فنصت على ( يؤول تعريف الجريمة تأوي ً
توسيع نطاقه عن طريق القياس وفي حالة الغموض يكون التعريف لصالح الشخص محل
التحقيق أو المقاضاة أو اإلدانة )
بذلك تم التأكيد على وجوب عدم تجاوز القاضي في تطبيقه النص التجريمي على الفعل
المرتكب ،الحدود الدقيقة والفاصلة التي وضعها النظام األساسي بشأن أركان ًوعناصر
الفعل الجرمي ،إذ إن جميع الجرائم التي ذكرتها المادة ( )22باستثناء جريمة العدوان قد
تحددت أوصافها في المواد ( )7,8, 6من النظام األساسي تحديدًا دقيقًا.
– 1جريمة اإلبادة الجماعية:
حددت المادة ( )6جريمة اإلبادة الجماعية ،وتعني أن أي فعل من األفعال التالية
يرتكب بقصد إهلك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها إهلكًا كليًا
أو جزئيًا :قتل أفراد الجماعة ،إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد
الجماعة ،إخضاع الجماعة عمدًا ألحوال معيشية يقصد بها إهلكها الفعلي كليًا
أو جزئيا ،فرض تدابير تستهدف منع اإلنجاب داخل الجماعة ،نقل أطفال الجماعة
عنوة إلى جماعة أخرى .فإذا لم يتصف الفعل بأي مما حدد من النماذج في المادة
،6ال يمكن للقاضي أن يطبق النص المذكور ،هذا ولم ُيترك للقاضي سلطة
تقديرية لوصف الفعل.
- 2الجرائم ضد اإلنسانية:
التي ال يتطلب وفقا للنظام األساسي أن ترتكب الجريمة أثناء النزاع
المسلح بل يمكن أن ترتكب وقت السلم وبهذا يؤكد النظام األساسي على
مبدأ حماية السكان من تعسف األنظمة الدكتاتورية والقمعية ،ويقصد بها
أي فعل من األفعال المدرجة في المادة 7متى ما اُرتكبت في أطار هجوم
واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين
وعن علم بالهجوم تعد جريمة ضد اإلنسانية.
وعليه يجب أن تتوفر الشروط اآلتية في هذه الجرائم:
-1أن تكون هناك سياسة متبعة من الدولة أو من قبل منظمة غير
حكومية.
-2أن تكون الجريمة من الجرائم المذكورة والمحصورة في المادة 7فقرة 1
وتشمل ( القتل ،اإلبادة ،االسترقاق ،إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان،
السجن أو الحرمان الشديد من الحرية على وجه مخالف للقواعد األساسية
للقانون الدولي ،التعذيب ،االغتصاب ،اإلستبعاد الجنسي أو اإلك اره على
البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري أو أي شكل من أشكال العنف
الجنسي الخطير ،اضطهاد أي جماعة محددة أو مجموعة من السكان
ألسباب سياسية أو عرقية أو دينية أو إثنية أو متعلقة بتحديد نوع الجنس
ألسباب ال يجيزها القانون الدولي ،االختفاء القسري ،الفصل العنصري،
األفعال اللإنسانية التي تسبب المعاناة الشديدة أو أذى خطير يلحق الجسم
أو الصحة العقلية أو البدنية ).
-3أن ترتكب الجريمة على نطاق واسع أو على أساس منهجي.
– 3جرائم الحرب:
أما بخصوص جرائم الحرب فقد فصلتها المادة 8من النظام األساسي
وتشمل الجرائم التي تمثل انتهاكا التفاقيات جنيف ،1949واالنتهاكات
الخطيرة األخرى للقوانين واألعراف السارية على المنازعات الدولية
المسلحة ،واالنتهاكات الجسيمة للمادة 3المشتركة بين اتفاقيات جنيف
األربع 1949إذا كان النزاع المسلح غير ذي طابع دولي ،واالنتهاكات
الخطيرة األخرى للقوانين واألعراف السارية على المنازعات المسلحة غير
ذات طابع دولي .كل ذلك إذا اُرتكبت الجرائم في إطار خطة أو سياسة
عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم.
- 4جريمة العدوان:
لم يحددها النظام األساسي ولم يبين وصفها أو النماذج اإلجرامية التي
تندرج في ظلها ،وأشارت الفقرة 2من المادة (( 5تمارس المحكمة
االختصاص على جريمة العدوان متى اُعتمد حكم بهذا الشأن وفقًا للمادتين
121و 123يعرف جريمة العدوان وسأضع الشروط التي بموجبها تمارس
المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بهذه الجريمة ويجب أن يكون هذا الحكم
متسقًا مع األحكام ذات الصلة من ميثاق األمم المتحدة)).
وبذلك تكون الجريمة محل اختصاص المحكمة بعد تعريفها والموافقة عليها
من قبل جمعية الدول األطراف وفقًا للمادة 5فقرة 2سالفة الذكر ،أما
باإلجماع أو بأصوات أغلبية الثلثين للدول التي قامت بالتصديق على
التعديل بعد عام من إيداع مستندات التصديق (المادة 121فقرة ،)5ولن
تصبح جريمة العدوان قابلة للتطبيق على الرغم من ذلك بالنسبة للدول
األطراف التي لم توافق على التعديل وعلى أية حال إن جريمة العدوان
سوف تسري بصورة مستقبلية على وفق قاعدة قانونية.
لقد جرت محاوالت عديدة ظهرت على الصعيد الدولي لتعريف جريمة
العدوان منذ عهد عصبة األمم ،واستمرت المحاوالت أثناء المداوالت األًولى
شكلت لجنة لدراسة إمكانية وضع
إلنشاء المحكمة الجنائية الدولية و ُ
مشروع لتأسيس المحكمة ،وكان من بين المعضلت التي تحول دون
التأسيس عدم اتفاق األطراف على تعريف العدوان ،ورغم صدور القرار رقم
3314قي عام 1974عن الجمعية العامة لألمم المتحدة ،والذي عرف
العدوان إال أن المسألة ال زالت محل خلف حول التعريف.
إن التحديد الدقيق للجرائم وأركانها يجعل المتهم على علم كامل بحدود
جريمته ووصف ما هو متهم به ،بحيث يستطيع أن يواجه شدة االتهام بما
يناسبه من دفاع وانه غير متهم بما ال أساس له أو سند.
وتشير الفقرة 2من المادة 22من النظام األساسي إلى ضمانة أخرى،
هي عدم جواز التوسع في تفسير النص التجريمي أو القياس عليه ،على
اعتبار أن في ذلك ضرر بمصلحة المتهم ،فأي توسع في التفسير يؤدي إلى
إدخال أفعال في نطاق نص التجريم ،وعلى العكس من ذلك إن التضييق في
التفسير يتسبب بإخراج أفعال من نطاق التجريم وكل األسلوبين محل انتقاد،
فالتوسع في التفسير يؤدي إلى إدخال البريء إلى ساحة التجريم ،بينما
التضييق فيه يؤدي إلى إخراج المجرم من ساحة التجريم إلى ساحة البراءة،
وعليه يجب أن يكون تفسير النصوص مقر ًار وكاشفًا للقصد الحقيقي
لمشرعي النظام األساسي .ومع ذلك يفسر الغموض في نصوص النظام
األساسي لمصلحة الشخص محل التحقيق أو المقاضاة أو اإلدانة ،األمر
الذي يؤدي إلى اطمئنان الشخص محل المقاضاة ،فأولى ضماناته في حالة
غموض النص تأتي بالتفسير لصالحه.
وعليه فإن الفقرة 2أشارت إلى قاعدتين ،هما حظر القياس في التفسير
الخاص بتعريف الجريمة ،والقاعدة الثانية هي أن الشك يفسر لصالح
المتهم.
تجدر اإلشارة إلى أن الفقرة 3من المادة 22تجيز استعارة النص التجريمي
وتكييف السلوك على أنه فعل إجرامي على وفق للقانون الدولي أي خارج
إطار النظام األساسي،عندما نصت على ( ال تؤثر هذه المادة على تكييف
أي سلوك على أنه سلوك إجرامي بموجب القانون الدولي خارج هذا النظام
األساسي) ،وأن هذا االستثناء يؤدي إلى نتائج خطيرة ،على اعتبار أنه
يؤدي إلى انتهاك مبدأ قانونية التجريم فيترك مجاال إلدخال نصوصًا تجريمية
الفرد أن يعرف
بحجة أنها كذلك على وفق القانون الدولي ،وال يستطيع بذلك ً
المباح والمحظور من األفعال ،أضف لذلك إنه ال يوجد هناك نصوص
تجريمية في القانون الدولي ،إذ إنه يعتمد على األعراف واالتفاقيات
والمعاهدات الدولية ،ونرى أن من األفضل أن ترفع الفقرة الثالثة من المادة
22لتعارضها مع مبدأ قانونية التجريم ،وأنها سلح ذو حدين فهي من
جهة ضد المتهم وحقوقه ،ومن جهة أخرى قد تقوي مركز الدفاع ضد
القضاء لخلو القانون الدولي من نص يجرم األفعال التي توصف بأنها جرائم
دولية.
وبما أن مبدأ عدم الرجعية يعد من أهم النتائج المترتبة على مبدأ القانونية
على وفق القواعد العامة للقوانين الجنائية فإنه يعد كذلك على وفق القانون
الدولي ،وجاء النص عليه في المادة 24من النظام األساسي فنصت الفقرة
1على ( ال يسأل الشخص جنائيًا بموجب هذا النظام األساسي عن سلوك
سابق لبدأ نفاذ النظام ) ،وبهذا يكون حكم النص يقتضي سريان أحكام
النظام األساسي على األشخاص عن الوقائع التي تنسب إليهم بعد نفاذ هذه
األحكام وبالتالي ال تطبق على الوقائع التي سبق أن وقعت قبل نفاذها حتى
وان كان هذا السلوك يشكل جريمة على وفق النظام األساسي للمحكمة
الجنائية الدولية .والقول بغير ذلك يؤدي إلى إهدار مبدأ القانونية ،وذلك ألن
الجاني سوف يعاقب بقانون لم يكن معموًالا به وقت اقتراف جريمته ،األمر
الذي يعني إعمال قواعد النظام األساسي بأثر رجعي على نحو يخالف مبدأ
قانونية التجريم.
نصت الفقرة 2من المادة 24على ( في حالة حدوث تغيير في القانون
المعمول به في قضية معينة قبل صدور الحكم النهائي ،يطبق القانون
األصلح للشخص محل التحقيق أو المقاضاة أو اإلدانة ) ،وعلى ذلك فإن
القاعدة العامة هي سريان أحكام النظام األساسي بأثر فوري ومباشر على
الوقائع التي ترتكب منذ بدء سريان أحكامه ،ومع ذلك فإنه متى كان هناك
قانون أصلح للمتهم – غير القانون المطبق – في قضية معينة فإن هذا
القانون هو الذي سيطبق دون غيره مع ملحظة إن ذلك ال يطبق على نص
التجريم إذ إن النظام األساسي هو المطبق وحده دون غيره بنص ص ًريح من
النظام األساسي وان كان النظام أيضًا قد أضاف في الفقرة 3من المادة 22
سالفة الذكر إمكانية تطبيق واستعارة نص التجريم من القانون الدولي ،لكن
ما القانون الذي سيطبق على الدعوى المنظورة ويكون أصلح للمتهم ؟
حصرت المادة 21من النظام األساسي القانون الواجب التطبيق بما يلي:
-1في المقام األول ،هذا النظام األساسي وأركان الجرائم والقواعد اإلجرائية
وقواعد اإلثبات الخاصة بالمحكمة.
-2في المقام الثاني ،حيثما يكون ذلك مناسبا ،المعاهدات الواجبة التطبيق
ومبادئ القانون الدولي وقواعده ،بما في ذلك المبادئ المقررة في القانون
الدولي للمنازعات المسلحة.
القوانين
-3واال ،فالمبادئ العامة للقانون التي تستخلصها المحكمة من ً
الوطنية للنظم القانونية في العالم ،بما في ذلك القوانين الوطنية للدول التي
من عادتها أن تمارس واليتها على الجريمة ،شرط أن ال تتعارض هذه
القواعد
المبادئ مع النظام األساسي وال القانون الدولي وال مع المعايير و ً
المعترف بها دوليًا.
-4وللمحكمة أن تطبق مبادئ وقواعد القانون كما هي مفسرة في ق ارراتها
السابقة ،أي السوابق القضائية للمحكمة الجنائية الدولية وحدها دون
غيرها.
ووفقًا للمادة 21الخاصة بالقانون الواجب التطبيق والمادة 22الخاصة
بقانونية الجريمة ،فإنه ال يجوز اللجوء إلى العرف كوسيلة إلسباغ صفة
الجريمة على فعل ليس له هذا الوصف وفقًا للنظام األساسي ،ذلك ألن
صراحة النص)
قواعد التفسير القانوني السليم تقتضي بأن (ال اجتهاد مع ً
ونصوص النظام ذكرت صراحة بأن ال جريمة إال تلك المحددة في النظام
األساسي وبالتالي ليس للعرف دور بشأن مصادر التجريم ،وحتى العقاب،
لكن دوره يبرز في تفسير وتطبيق القانون الجنائي الدولي.
كما إن سؤا اًال آخر يطرح ،هو متى يكون القانون الجديد أصلح للمتهم أمام
المحكمة الجنائية الدولية ؟
ورد الحكم عامًا في المادة 24فقرة 2من النظام األساسي ،بأن يطبق
القانون األصلح المتهم الذي صدر قبل صدور الحكم على الشخص محل
التحقيق أو المقاضاة أو اإلدانة.
وعليه يشترط حتى يطبق القانون األصلح للمتهم ما يلي:
-1أن يصدر النص الجديد قبل أن يصير الحكم نهائيًا.
-2أن يكون القانون الجديد أو القاعدة القانونية الجديدة أصلح للمتهم
بإنشائها مرك ًاز للمتهم أو وضعًا أفضل من القانون الجديد ،كأن تلغي بعض
الجرائم أو بعض العقوبات أو تخفضها أو تقرر وجهًا لإلعفاء من المسؤولية
الجنائية دون أن تلغي الجريمة ذاتها.
أما فيما يتعلق بالقواعد اإلجرائية وقواعد اإلثبات فإنها تسري على
الماضي استثناءا أيضًا في حال اعتمادها بأغلبية ثلثي أعضاء جمعية
الدول األطراف ،حسب ما قررته المادة 51فقرة 4من النظام األساسي،
التي أقرت استثناءا لما فيه مصلحة المتهم.
ب -قانونية العقاب في المحكمة الجنائية الدولية
إن قانونية العقاب ال يقل أهمية عن قانونية التجريم ،ألنه يؤدي إلى ضمان
العدالة للمجتمع الدولي ،ويدفع عنه الظلم ويمنع تعسف القضاة بفرضهم
عقوبات غير منصوص عليها.
نص نظام روما األساسي في المادة 23على قانونية التجريم ((ال يعاقب
أي شخص أدانته المحكمة إال وفقًا لهذا النظام األساسي)) ،ويحمد هذا
النص لحصره مصدر العقاب بالنظام األساسي فقط .لكن ما هي العقوبات
التي أعتمدها النظام األساسي ؟
تضمنت المادة ( )77من النظام األساسي على أنواع العقوبات التي يجوز
للمحكمة فرضها على من تثبت إدانته عن ارتكاب جريمة من الجرائم الداخلة
في اختصاصها في المادة ( )5منه وهذه العقوبات محددة حص ًرا وليست
على سبيل المثال وهي:
-1العقوبات السالبة للحرية:
أ -السجن المؤقت ،وال تزيد مدته عن ( )30سنة.
ب -السجن المؤبد ( مدى الحياة ) وتفرض هذه العقوبة على من ثبت
ارتكابه جريمة بالغة الخطورة.
-2العقوبات المالية
أ -الغرامة:
التي يتحدد فرضها بموجب المعايير المنصوص عليها في القواعد اإلجرائية
وقواعد اإلثبات للمحكمة الجنائية الدولية ،وضمن القاعدة ( )146التي
حددت موجبات فرضها باآلتي:
-1القدرة المالية للشخص المدان.
-2الدافع إلى الجريمة هو الكسب المالي للشخص والى أي مدى كان
ارتكابها بهذا الدافع.
لا عن المكاسب النسبية
-3ما ينجم عن الجريمة من ضرر واصابات ،فض ً
التي تعود على الجاني من ارتكابها .وال تتجاوز بأي حال من األحوال ما
نسبته %75من قيمة ما يمكن تحديده من أصول ،سائلة أو قابلة
للتصريف ،وأموال يملكها الشخص المدان ،بعد خصم مبلغ مناسب يفي
باالحتياجات المالية للشخص المدان ومن يعولهم.
ب -المصادرة:
وتعني مصادرة األموال المتأتية من الجرائم التي يدان بها الشخص ًولو
بصورة غير مباشرة دون المساس بحقوق األشخاص حسني النية.
وينص النظام األساسي للمحكمة على إنشاء صندوق استئمان تحول إليه
العائدات من الغرامات المحكوم بها واألصول والممتلكات المصادرة ،وتصرف
لفائدة الضحايا وعائلتهم وتأذن المحكمة بتحويل المال وغيره من األصول
إدارته.
إلى الصندوق على أن تحدد الدول األطراف في نظام المحكمة معايير ً
مالحظات على العقوبات المعتمدة في النظام األساسي للمحكمة
-1يبدو جليًا إن العقاب طبق نظام روما األساسي يتجاوز العقوبات
السالبة للحرية ليمتد إلى الذمة المالية للمتهمين ،ويعد هذا إنصافًا للضحايا
من جهة ووضع حد الستفادة الجناة من عائدات جرائمهم من جهة أخرى،
لا عن إقرار مبدأ أخلقي هام وهو عدم حمل المجتمع الدولي على جبر
فض ً
أضرار متصلة بجرائم شديدة الخطورة صادرة عن أشخاص بصفتهم الفردية،
علمًا أن العدد الكبير عادة لضحايا هذه الجرائم قد يجعل هذا المبدأ األخلقي
يخضع الستثناءات تدعو الدول األعضاء في المحكمة إلى رصد أموال
بصندوقها كفيلة بتغطية التعويضات المحكوم بها لفائدة الضحايا أو أسرهم
وهذا في حد ذاته مبدأ أخلقي يرتقي لقيم التراضي والتعاطف.
-2قسوة عقوبة السجن المؤقت بحدها األعلى والبالغة 30سنة على الرغم
من أن القوانين الجنائية تجعل الحد األعلى ال يتجاوز 20سنة ،وان نظام
روما األساسي اعتمد بجل مواده على ما تضمنته القوانين الجنائية الوطنية
من أحكام ،غير أن النظام األساسي قد تدارك قسوة هذه العقوبة عندما نص
في المادة 110منه على (( تعيد المحكمة النظر في حكم العقوبة لتقرير
فيما إذا كان ينبغي تخفيضه وذلك عندما يكون الشخص قد قضى ثلثي مدة
العقوبة،أو 25سنة في حال السجن المؤبد ،ويجب أال تعيد المحكمة النظر
في الحكم قبل انقضاء المدد المذكورة )) وهذا النص يشكل ضمانة للشخص
بالشروط المذكورة ،كذلك فإن السجن المؤبد يفيد سلب حرية المدان مدى
الحياة خلفًا لما معروف في أغلب التشريعات العقابية التي تجعل السجن
المؤبد ال تزيد مدته عند تنفيذه في المؤسسة العقابية عن 20سنة.
-3أن النظام األساسي ذكر في المادة 77فقرة (( 2باإلضافة للسجن للمحكمة
أن تأمر بالغرامة....أو المصادرة ))....والمفهوم من النص أن العقوبة األصلية هي
السجن وأن العقوبات األخرى هي عقوبات تبعية.
-4إن عقوبة اإلعدام لم يكن لها ذكر بين العقوبات التي تضمنها النظام
األساسي ،إذ دار نقاش طويل بخصوصها في مؤتمر روما وظهر هناك رأيان:
رأي أول تبنته الدول الغربية يدعو إلى رفض عقوبة اإلعدام في النظام األساسي
رفضًا مطلق ا ،وحجتهم أن النص عليها يخالف نصوصًا دستورية في دولهم ألغت
ل عن وحشية العقوبة وعدم تدارك الخطأ فيها ،وعدم تحقيق
عقوبة اإلعدام ،فض اً
الردع الخاص والعام.
أما الرأي الثاني الذي تبنته الدول اإلسلمية ودول أخرى من العالم محتجة بأنها
نصت على تطبيقها على من يرتكب جريمة فردية في قوانينها الداخلية ،فكيف ال
تطبق على من يرتكب جريمة دولية كاإلبادة الجماعية وغيرها ،وأيمانًا بما جاء به
القران الكريم من قوله تعالى ((من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل إنه من قتل
نفسًا بغير نفس أو فسادًا في األرض فكأنما قتل الناس جميعًا)).
-5نصت المادة 80من النظام األساسي وتحت عنوان (عدم المساس
بالتطبيق الوطني للعقوبات والقوانين الوطنية) على (( ليس في هذا الباب
من النظام األساسي ما يمنع الدول من توقيع العقوبات المنصوص عليها
في قوانينها الوطنية أو يحول دون تطبيق قوانين الدول التي ال تنص على
العقوبات المحددة في هذا الباب )) ،وبالتالي يمكن أن تطبق عقوبة اإلعدام
وفقًا لهذا النص رغم عدم وجودها ضمن النظام األساسي للمحكمة ،والواضح
من هذا النص إن فيه انتهاك لمبدأ قانونية العقاب ،إذ من جهة نجد المادة
23من النظام تشير لعدم معاقبة أي شخص أدانته المحكمة إال وفقًا لهذا
النظام األساسي ،على وفق العقوبات المنصوص عليها في المادة ،77ومن
جهة أخرى تأتي المادة 80لتجيز للدول أن تطبق العقوبات المنصوص
عليها في قوانينها الداخلية ،ونرى ضرورة إلغاء المادة 80لمخالفتها مبدأ
قانونية العقاب وعدم تطبيق أي عق ًوبة ما لم يكن منصوصًا عليها في
النظام األساسي.
-6على القاضي أن يقَدر العقوبة قبل إنزالها بحق المدان وأن يأخذ في
الحسبان ما يلي:
المجموعة
ً
أ -خطورة الجريمة التي يدان بها الشخص من حيث أثرها على
الدولية ونتائجها.
ب -مدى الضرر المادي والمعنوي الذي حل بالمجني عليه وأسرته.
ج -الظروف الشخصية للشخص المدان ،والمتمثلة بسنه وحظه من التعليم،
وحالته االجتماعية واالقتصادية ودوافع ارتكابه الجريمة.
د -الجهود التي بذلها الشخص المدان بعد ارتكابه الجريمة ،كتعويض
المجني عليه أو تعاونه مع المحكمة.
ه -تحديد عقوبة عن كل جريمة أرتكبها الجاني ثم إصدار الحكم المشترك
الذي يتضمن تحديد المدة اإلجمالية للسجن.
و -عدم نزول مدة السجن اإلجمالية عن مدة الحد األقصى لكل جريمة.
ز -عدم تجاوز مدة السجن اإلجمالية على مدة 30سنة أو السجن المؤبد.
-7يلحظ أن النظام األساسي لم يأخذ بمبدأ تنفيذ العقوبات بالتداخل وانما
اعتمد مبدأ التنفيذ المتعاقب المشروط بعدم نزول مجموع األحكام المتعددة
عن الحد األقصى لكل جريمة وبعدم زيادة مجموع األحكام المتعددة على 30
سنة أو السجن المؤبد.
-8إن هناك ظروفًا مخففة وظروفًا مشددة على المحكمة أن تأخذ بها عند
االقتضاء ،ومن أمثلة الظروف المخففة قصور القدرة العقلية أو اإلكراه ،واذا
كان الجاني قد بذل جهودًا بعد ارتكابه الجريمة كأن تعاون مع المحكمة أو
عوض المجني عليه .ومن الظروف المشددة إساءة استعمال السلطة أو
َ
الصفة الرسمية أو تعدد المجني عليهم أو ارتكاب الجريمة بقسوة ًوغير ذلك.
إن المحكمة جعلت ظروف التشديد بقائمة مفتوحة ،أي أن بإمكان المحكمة
تطبيق ظروف تشديد العقوبة على المتهم ،على الرغم من أنها غير
منصوص عليها في القواعد اإلجرائية ،بينما نظمت الظروف المخففة بقائمة
مغلقة وهذا يمس بضمانة مهمة من ضمانات المتهم ويخل بمبدأ القانونية.