العدالة الجنائية الدولية المحاكم / الجرائم د . حسينة شرون تقسيم الدراسة أوال / مقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية الدائمة والمؤقتة ثانيا / الجرائم والعقوبات في.

Download Report

Transcript العدالة الجنائية الدولية المحاكم / الجرائم د . حسينة شرون تقسيم الدراسة أوال / مقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية الدائمة والمؤقتة ثانيا / الجرائم والعقوبات في.

‫العدالة الجنائية الدولية‬
‫المحاكم ‪ /‬الجرائم‬
‫د‪ .‬حسينة شرون‬
‫تقسيم الدراسة‬
‫أوال ‪ /‬مقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية الدائمة والمؤقتة‬
‫ثانيا ‪ /‬الجرائم والعقوبات في النظام األساسي للمحكمة الجنائية‬
‫الدولية‬
‫أوال ‪ /‬مقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية الدائمة والمؤقتة‬
‫فضلاً عن المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ‪ ،ICC‬وجدت ثلث محاكم جنائية‬
‫دولية مؤقتة‪ ،Ad hoc ،‬وهي محاكم‪ :‬يوغسلفيا السابقة ‪ ICTR‬والمحكمة‬
‫الخاصة لسيراليون ‪.SCS‬‬
‫سنحاول عقد مقارنة سريعة بين هذه المحاكم الجنائية في محاولة للتعرف بشكل‬
‫المقارنة على‬
‫ً‬
‫أوضح على الملمح األساسية لكل منها ًوالعناصر التي يصح عقد‬
‫أساسها هي‪ :‬تاريخ اإلنشاء ‪ -‬السند أو األداة القانونية لإلنشاء ‪-‬المقر‪ -‬طبيعة‬
‫المحكمة من حيث كونها دائمة أو مؤقتة‪ -‬العلقة مع األمم المتحدة ‪ -‬العلقة‬
‫مع مجلس األمن‪ -‬العلقة مع القضاء الوطني ‪ -‬التمويل ‪-‬االختصاص من حيث‬
‫الموضوع والزمان والمكان واألشخاص‪ -‬التنظيم واإلدارة ‪-‬العقوبات الواجبة‬
‫التطبيق‪ -‬وجود قضاة وطنيين من عدمه ضمن تشكيلة المحكمة‪.‬‬
‫وبالنظر إلى أن الحدود المرسومة سلفًا لهذا البحث‪ ،‬ال تسمح بتناول العناصر‬
‫المذكورة في كل بند مستقل على حدة‪ ،‬عليه رأينا ملءمة تصنيف هذه العناصر‬
‫ضمن مجموعات‪ ،‬على النحو التالي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المق ارنة بين المحاكم الجنائية الدولية من حيث اإلنشاء‪:‬‬
‫‪ - 1‬تاريخ اإلنشاء‪:‬‬
‫لو تجاوزنا المحكمتين الجنائيتين الدوليتين المؤقتتين اللتين أنشئتا مباشرة‬
‫عقب الحرب العالمية الثانية ولكنهما أصبحتا اآلن في ذمة تاريخ القانون‬
‫الدولي الجنائي‪ ،‬وهما‪ :‬محكمة نورمبرج ‪ ،1945‬ومحكمة طوكيو ‪،1946‬‬
‫لوجدنا أن أقدم المحاكم الجنائية الدولية القائمة في الوقت الراهن هي‬
‫محكمة يوغسلفيا السابقة عام ‪ ،1993‬تليها محكمة راوندا عام ‪،1994‬‬
‫ثم المحكمة الجنائية الدولية "الدائمة" عام ‪ ،1998‬وأخي ًرا المحكمة‬
‫الخاصة لسيراليون عام ‪.2002‬‬
‫‪ - 2‬األداة القانونية لإلنشاء‪:‬‬
‫يختلف السند القانوني إلنشاء المحاكم الجنائية الدولية‪ ..‬بمحكمتي‬
‫يوغسلفيا السابقة ورواندا أنشئتا مباشرة بموجب ق اررات اتخذها مجلس‬
‫األمن بالخصوص‪.‬‬
‫وأما المحكمة الجنائية ‪ ICC‬فقد أنشئت بموجب اتفاقية دولية أُبرمت‬
‫خصيصًا لهذا الغرض وهي االتفاقية المعروفة ‪-‬كما أشرنا من قبل‪ -‬باسم‬
‫نظام روما األساسي للمحكمة الجنائية الدولية‪.‬‬
‫وأما المحكمة الخاصة لسيراليون وان كان مجلس األمن قد ساهم بشكل‬
‫غير مباشر في إنشائها من حيث كونه اتخذ ق ار ار بموجبه كلف األمين العام‬
‫لألمم المتحدة بالتفاوض مع حكومة سيراليون‪ ،‬إال أن هذه األخيرة لم تنشأ‬
‫بموجب اتفاقية دولية أطرافها عدة دول‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة للمحكمة‬
‫الجنائية الدولية الدائمة وفي نفس الوقت لم تنشأ مباشرة بقرار اتخذه‬
‫مجلس األمن‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة لمحكمتي يوغسلفيا السابقة ورواندا‪،‬‬
‫فمحكمة سيراليون أنشئت بموجب اتفاق دولي أطرافه األمم المتحدة من‬
‫جهة وحكومة سيراليون من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ - 3‬أسباب إنشاء المحاكم الجنائية‪:‬‬
‫المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة يجمع بينها أنها أنشئت جميعها بسبب حروب‬
‫أهلية تطور بعضها إلى نزاع مسلح دولي‪ ،‬كما أن هذه المحاكم أنشأها مجلس‬
‫األمن أو سعى من أجل إنشائها متصرفًا بموجب الفصل السابع من ميثاق‬
‫األمم المتحدة‪ ،‬وفيما يلي تفصيل ذلك‪:‬‬
‫أ‪ -‬المحكمة الدولية ليوغسلفيا السابقة‪:‬‬
‫يمكن تلخيص أسباب إنشاء المحكمة الدولية ليوغسلفيا السابقة‪ ،‬في أنه بعد‬
‫انهيار نظام القطبية الثنائية‪ ،‬وتفكك االتحاد السوفييتي عام ‪ ،1989‬وكذلك‬
‫االتحاد اليوغسلفي في عام ‪ ،1992‬سعت جمهوريات هذا األخير إلى االستقلل‪،‬‬
‫غير أن هذا األمر لم تقبل به جمهورية صربيا على األخص‪ ،‬وترتب على ذلك‬
‫نشوب نزاع مسلح اكتسى طابع الصراع الديني والقومي في نفس الوقت‪ ..‬وقد‬
‫اندلعت الشرارة األولى لذلك النزاع في جمهورية البوسنة والهرسك التي ُيشكل‬
‫المسلمون ‪ % 42‬من سكانها‪ ،‬في حين يشكل الصرب ‪ ،%32‬والكروات ‪%.8‬‬
‫ونظ ًار للتفوق العسكري الذي كان يتمتع به صرب البوسنة آنذاك بسبب دعم‬
‫الجيش الصربي لهم بقوة ارتكبوا مخالفات جسيمة للقانون الدولي اإلنساني أبرزها‬
‫إبادة قرى بأكملها‪ ،‬وقتل المدنيين األبرياء‪ ،‬وطرد وتشريد آالف الكروات ًوالمسلمين‬
‫وتعريضهم للموت جوعًا وعطشا‪ ،‬واقامة معسكرات االعتقال الجماعية التي شهدت‬
‫ممارسة أفظع صنوف التعذيب الجسدي والنفسي‪ ،‬وكذلك اغتصاب النساء‪ ،‬فضلاً‬
‫عن ارتكاب مجازر عديدة‪ ،‬وتنفيذ حاالت إعدام متزايدة خارج القانون والقضاء‪،‬‬
‫ودفن الضحايا في مقابر جماعية لم يكتشف أمر بعضها إال في السنوات األخيرة‪.‬‬
‫ب‪ -‬المحكمة الدولية لرواندا‪:‬‬
‫لعل أبرز وقائع األزمة الرواندية التي أدت إلى تدخل مجلس األمن‪ ،‬تكمن‬
‫في أنه عقب وقوع حاثة تحطم طائرة الرئيسين البورندي والراوندي بتاريخ‬
‫‪ ،1994-4-6‬ارتكبت أفعال عنف فظيعة في رواندا هزت الرأي العام‬
‫العالمي بقوة‪ ،‬وقد وقعت أعمال العنف المتبادل هذه بين القوات الحكومية‬
‫الرواندية من جهة‪ ،‬وقوات الجبهة الوطنية الرواندية من جهة أخرى‪ ،‬والواقع‬
‫أن هذا العنف المتبادل استمر مدة طويلة ارتكبت خللها وقائع قتل‪ ،‬وقطع‬
‫للطرق‪ ،‬فضلاً عن ارتكاب جرائم إبادة جماعية راح ضحيتها األلوف من‬
‫المدنيين األبرياء من النساء واألطفال من سكان مدينة "كيغالي" ومن أفراد‬
‫قبيلتي التوتسي والهوتو بوجه خاص‪.‬‬
‫ونظ ًار لما حصل من مخالفات خطيرة للقانون الدولي اإلنساني وانتهاكات‬
‫صارخة واسعة النطاق لحقوق اإلنسان‪ ،‬وجد مجلس األمن الدولي نفسه‬
‫أمام وضع يهدد السلم واألمن الدولي‪ ،‬األمر الذي دفعه إلى التصرف‬
‫بموجب الفصل السابع من ميثاق األمم المتحدة‪ ،‬وانشاء المحكمة الدولية‬
‫لراوندا‪.‬‬
‫ج‪ -‬المحكمة الخاصة لسيراليون‪:‬‬
‫ُيستفاد من صحيفة االتهام المتعلقة بالقضية التي تنظر فيها محكمة‬
‫سيراليون في الوقت الراهن تحت رقم ) ‪ (SCS-2003-01-1‬ضد تشارلز تيلور‬
‫رئيس جمهورية ليبيريا األسبق‪ ،‬أن حالة النزاع المسلح في سي ارليون بدأت‬
‫عام ‪ ،1991‬وأنه تورطت في هذا النزاع تنظيمات وفصائل مسلحة عدة‪ ،‬من‬
‫بينها الجبهة الثورية المتحدة‪ ،‬وقوات الدفاع المدني‪ ،‬والمجلس الث ًوري‬
‫للقوات المسلحة‪ ،‬من أجل الوصول إلى الحكم والسيطرة على أراضي‬
‫سيراليون‪ ،‬وعلى األخص مناطق تعدين الماس فيها‪.‬‬
‫ويستفاد من صحيفة االتهام المشار إليها أيضًا أنه في جميع فترات النزاع‬
‫ُ‬
‫المسلح في سيراليون‪ ،‬قامت التنظيمات المسلحة المذكورة أعله بهجمات‬
‫شنيعة وعلى نطاق واسع ومنهجي ضد السكان المدنيين في سيراليون‪ ،‬وقد‬
‫شملت الهجمات تجنيد األطفال لألغراض العسكرية‪ ،‬والتعذيب الجسدي‪،‬‬
‫واالعتداءات الجنسية ضد الرجال والنساء واألطفال المدنيين‪ ،‬واالختطاف‪،‬‬
‫وارهاب السكان المدنيين‪ ،‬واتلف ممتلكاتهم‪.‬‬
‫‪ -4‬المقر‪:‬‬
‫اثنتان من المحاكم الجنائية الدولية القائمة مقرها في "الهاي" وهما‪ :‬المحكمة الجنائية‬
‫الدولية ليوغسلفيا السابقة" ‪ ، "ICTFY‬والمحكمة الجنائية الدولية الدائمة‪"ICC ".‬‬
‫أما المحكمة الخاصة لسيراليون‪ ،‬فمقرها في "فريتاون" عاصمة سيراليون‪ ،‬وأما المحكمة‬
‫الجنائية الدولية لراوندا‪ ،‬فمقرها في "أروشا" تنزانيا‪.‬‬
‫وفي هذا السياق تجدر اإلشارة إلى أنه على الرغم من اختلف مقر محكمة يوغسلفيا‬
‫السابقة عن مقر محكمة رواندا‪ ،‬وما ترتب على ذلك من بعد كبير في المسافة بينهما‬
‫"‪ 10.000‬ميل" إال أنهما تقاسمتا ذات المدعي العام وذات الدائرة االستئنافية‪.‬‬
‫والواقع أن قرار ربط المحكمتين على النحو المشار إليه أعله لم يكن مبنيًا على اعتبارات‬
‫قانونية البتة‪ ،‬بل كان مبنيًا على اعتبارات اقتصادية وعملية في نفس الوقت‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك أن الواليات المتحدة األمريكية التي كانت وراء هذه التركيبة الغربية‪ ،‬وغير‬
‫المنطقية لمحكمتين منفصلتين أنشئتا بقرارين غير مرتبطين‪ ،‬أرادت ‪-‬أي أمريكا‪ -‬أن‬
‫تتفادى مشكلة كانت محتملة آنذاك‪ ،‬وهي أن يستغرق اختيار مدعي عام خاص بمحكمة‬
‫رواندا فترة طويلة من الزمن‪ ،‬كما حصل بالنسبة للمحكمة الدولية ليوغسلفيا السابقة‪،‬‬
‫وأما السبب وراء تقاسم المحكمتين للدائرة االستئنافية الدولية ليوغسلفيا السابقة‪ ،‬فقد‬
‫كان اقتصاديا بحث ا‪ ،‬يتمثل في أن ذلك من شأنه توفير النفقات‪.‬‬
‫وهذا ‪ -‬في وجهة نظرنا‪ -‬كان تفكي ًرا خاطئ ا‪ ،‬ألن ُبعد المسافة بين المحكمتين ‪"10.000‬‬
‫ميل" كما أشرنا من قبل سيجعل النفقات من الناحية العملية باهظة جدًا‪.‬‬
‫ب – المقارنة على أساس العناصر ذات الصلة بعالقة كل‬
‫محكمة باألمم المتحدة‪ ،‬ومجلس األمن‪ ،‬والقضاء‪ .‬وعلى‬
‫أساس العناصر ذات العالقة باالختصاص من حيث‬
‫الموضوع‪ ،‬والزمان‪ ،‬والمكان‪ ،‬واألشخاص‪.‬‬
‫من خلل عقد مقارنة بين النصوص ذات العلقة بالتنظيم واإلدارة‬
‫والقضاة الواردة في النظم األساسية للمحاكم الجنائية الدولية‪ً ،‬وكذلك‬
‫أيضًا في القواعد اإلجرائية التي تطبقها يمكن القول بأن ما يميز تلك‬
‫المحاكم من حيث التنظيم واإلدارة‪ ،‬يكمن في التالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬تنفرد المحكمة الجنائية الدولية "الدائمة" دون غيرها من المحاكم‬
‫الجنائية الدولية "المؤقتة" بوجود هيئة للرئاسة ضمن أجهزتها‬
‫الرئيسة وكذلك شعبة تمهيدية‪ ،‬أو كما يسميها البعض غرفة ما قبل‬
‫المحاكمة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬في حين تتوفر كل محكمة من المحاكم الجنائية الدولية‬
‫والمؤقتة على حد سواء على شعبة أو دائرة ابتدائية خاصة بها‬
‫ُيالحظ أن المحكمة الجنائية الدولية لرواندا والمحكمة الدولية‬
‫ليوغسالفيا السابقة‪ ،‬تتقاسمان الدائرة االستئنافية وتشتركان في ذات‬
‫المدعى العام للمحكمة الدولية ليوغسالفيا السابقة‪.‬‬
‫ج‪ -‬ألسباب ال يتسع المقام هنا للخوض في تفاصيلها المحكمة الوحيدة‬
‫التي تتوفر على جمعية للدول األطراف في نظامها األساسي هي المحكمة‬
‫الجنائية الدولية الدائمة ‪"..‬ويلحظ أن هذه الجمعية ليست من ضمن‬
‫األجهزة الرئيسية لتلك المحكمة وهي‪ :‬هيئة الرئاسة‪ -‬مكتب المدعى العام‪-‬‬
‫قلم التسجيل‪ -‬والدوائر القضائية‪.‬‬
‫د ‪-‬تتكون الدوائر في كل من محكمتي يوغسالفيا السابقة ورواندا منه‬
‫(‪ )11‬أحد عشر قاضيا عينتهم الجمعية العامة لألمم المتحدة من قائمة‬
‫قدمها مجلس األمن ال تقل عن ‪ 22‬وال تزيد على ‪ 33‬قاضيا من بين القضاة‬
‫الذين رشحتهم لهذا الغرض الدول األعضاء في األمم المتحدة‪.‬‬
‫وأما الدوائر في المحكمة الجنائية الدولية الدائمة‪ ،‬فتتألف من (‪ )18‬قاضيا‬
‫يتم انتخابهم من قبل جمعية الدول األطراف في نظام روما األساسي‪ ،‬من‬
‫قوائم القضاة الذين ترشحهم الدول األطراف في االتفاقية‪.‬‬
‫وأما الدوائر في المحكمة الخاصة لسيراليون فتتكون من عدد من القضاة ال‬
‫يقل عن ثمانية وال يزيد على أحد عشر قاضيا‪.‬‬
‫هـ‪ -‬تنفرد المحكمة الخاصة لسيراليون بأنها الوحيدة من بين المحاكم‬
‫الجنائية الدولية القائمة‪ ،‬التي تتكون دوائرها من قضاة وطنيين تعينهم‬
‫حكومة سيراليون‪ ،‬والباقي قضاة دوليون يعينهم األمين العام لألمم المتحدة‪،‬‬
‫ففي الدائرة االبتدائية لهذه المحكمة يعمل ثلثة قضاة‪ ،‬تعين أحدهم حكومة‬
‫ويعين األمين العام لألمم المتحدة قاضيين‪.‬‬
‫سيراليون‪ُ ،‬‬
‫وفي هذا السياق يثور سؤال مهم‪ :‬ما دامت المحكمة الخاصة لسيراليون‬
‫مختلطة‪ ،‬تتكون من قضاة تعينهم حكومة سيراليون وآخرين تعينهم األمم‬
‫المتحدة‪ ..‬فهل يصح إسباغ وصف الدولية عليها‪..‬؟ وبعبارة أخرى‪ :‬ما هي‬
‫العناصر التي على أساسها يسوغ وصف المحكمة الخاصة لسيراليون‬
‫بالدولية‪..‬؟ هذه العناصر هي‪:‬‬
‫‪ -1‬إن مجلس األمن الدولي باتخاذه للقرار (‪ )1315‬لعام ‪ 2000‬المتعلق‬
‫بتكليف األمين العام لألمم المتحدة بالتفاوض مع حكومة سيراليون‪ ،‬من أجل‬
‫التوصل إلى إبرام اتفاق بشأن المحكمة الخاصة لسيراليون‪ ،‬هذا المجلس وان‬
‫لم يقم بدور مباشر في إنشاء المحكمة‪ ،‬إال أنه يمكن القول بأن إنشاء تلك‬
‫المحكمة كان بإذن منه‪.‬‬
‫‪ -2‬المحكمة الخاصة لسيراليون أنشئت بموجب اتفاق أحد أطرافه د ًولي‪ ،‬هو‬
‫األمم المتحدة‪.‬‬
‫ل عن قضاة سيراليون‪،‬‬
‫‪ -3‬دوائر المحكمة تضم ‪ -‬كما ذكرنا من قبل‪ -‬فض اً‬
‫قضاة يعينهم األمين العام لألمم المتحدة‪.‬‬
‫‪ -4‬المدعى العام للمحكمة يعينه األمين العام لألمم المتحدة ( المادة ‪3/1‬‬
‫من االتفاق)‬
‫‪ -5‬مسجل المحكمة يعينه األمين العام لألمم المتحدة وهو موظف دولي تابع‬
‫لألمم المتحدة (المادة‪ 4‬من االتفاق)‪.‬‬
‫‪ -6‬نفقات المحكمة تمول من تبرعات المجتمع الدولي (المادة ‪ 6‬من‬
‫االتفاق)‪.‬‬
‫ثانيا ‪ /‬الجرائم والعقوبات في النظام األساسي‬
‫للمحكمة الجنائية الدولية‬
‫أ ‪ -‬قانونية التجريم في المحكمة الجنائية الدولية‬
‫إن المصادر التي يتم بموجبها تحديد الجرائم الدولية هي القواعد العرفية‬
‫واالتفاقيات والمعاهدات‪ ،‬وبناءًا على ذلك أعطيت صفة الجريمة الدولية‬
‫لبعض األفعال مثل االتجار بالرقيق األبيض والنساء واألطفال واإلًرهاب‬
‫وغير ذلك‪ ،‬لكن األمر تغير عندما قامت األمم المتحدة بإنشاء قضاء جنائي‬
‫دولي متخصص دائم لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم دولية‪ ،‬المتمثل‬
‫بالمحكمة الجنائية الدولية في عام ‪ ،1998‬التي أعتمد نظامها األساسي‬
‫عدة مبادئ من أهمها مبدأ القانونية‪.‬‬
‫أشارت المادة (‪ )22‬من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلى‬
‫مبدأ قانونية التجريم ( ال جريمة إال بنص) حيث جاء في الفقرة (‪ )1‬من‬
‫النظام ( ال ُيسال الشخص جنائيًا بموجب أحكام هذا النظام األساسي ما لم‬
‫يشكل السلوك المعني وقت وقوعه‪ ،‬جريمة تدخل في اختصاص هذه‬
‫المحكمة ) فعلى وفق هذه يكون الجاني غير مسؤول ما لم يكن سل ًوكه‬
‫اإلجرامي يمثل جريمة حسب هذا النظام األساسي‪ ،‬وحسب المادة (‪ )5‬من‬
‫النظام األساسي فإن المحكمة تختص بالجرائم اآلتية على سبيل الحصر‪:‬‬
‫‪ -1‬جرائم اإلبادة الجماعية‪.‬‬
‫‪ -2‬الجرائم ضد اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -3‬جرائم الحرب‪.‬‬
‫‪ -4‬جريمة العدوان‪.‬‬
‫وفي حالة كون الفعل غير داخل في اختصاص المحكمة فإنه يبقى مباحا‪،‬‬
‫وهذا يشكل ضمانة للمتهم‪.‬‬
‫لا دقيقًا وال يجوز‬
‫أما الفقرة ‪ 2‬من المادة ‪ 22‬فنصت على ( يؤول تعريف الجريمة تأوي ً‬
‫توسيع نطاقه عن طريق القياس وفي حالة الغموض يكون التعريف لصالح الشخص محل‬
‫التحقيق أو المقاضاة أو اإلدانة )‬
‫بذلك تم التأكيد على وجوب عدم تجاوز القاضي في تطبيقه النص التجريمي على الفعل‬
‫المرتكب‪ ،‬الحدود الدقيقة والفاصلة التي وضعها النظام األساسي بشأن أركان ًوعناصر‬
‫الفعل الجرمي‪ ،‬إذ إن جميع الجرائم التي ذكرتها المادة (‪ )22‬باستثناء جريمة العدوان قد‬
‫تحددت أوصافها في المواد (‪ )7,8, 6‬من النظام األساسي تحديدًا دقيقًا‪.‬‬
‫‪ – 1‬جريمة اإلبادة الجماعية‪:‬‬
‫حددت المادة (‪ )6‬جريمة اإلبادة الجماعية‪ ،‬وتعني أن أي فعل من األفعال التالية‬
‫يرتكب بقصد إهلك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها إهلكًا كليًا‬
‫أو جزئيًا‪ :‬قتل أفراد الجماعة‪ ،‬إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد‬
‫الجماعة‪ ،‬إخضاع الجماعة عمدًا ألحوال معيشية يقصد بها إهلكها الفعلي كليًا‬
‫أو جزئيا‪ ،‬فرض تدابير تستهدف منع اإلنجاب داخل الجماعة‪ ،‬نقل أطفال الجماعة‬
‫عنوة إلى جماعة أخرى‪ .‬فإذا لم يتصف الفعل بأي مما حدد من النماذج في المادة‬
‫‪ ،6‬ال يمكن للقاضي أن يطبق النص المذكور‪ ،‬هذا ولم ُيترك للقاضي سلطة‬
‫تقديرية لوصف الفعل‪.‬‬
‫‪ - 2‬الجرائم ضد اإلنسانية‪:‬‬
‫التي ال يتطلب وفقا للنظام األساسي أن ترتكب الجريمة أثناء النزاع‬
‫المسلح بل يمكن أن ترتكب وقت السلم وبهذا يؤكد النظام األساسي على‬
‫مبدأ حماية السكان من تعسف األنظمة الدكتاتورية والقمعية‪ ،‬ويقصد بها‬
‫أي فعل من األفعال المدرجة في المادة ‪ 7‬متى ما اُرتكبت في أطار هجوم‬
‫واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين‬
‫وعن علم بالهجوم تعد جريمة ضد اإلنسانية‪.‬‬
‫وعليه يجب أن تتوفر الشروط اآلتية في هذه الجرائم‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تكون هناك سياسة متبعة من الدولة أو من قبل منظمة غير‬
‫حكومية‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون الجريمة من الجرائم المذكورة والمحصورة في المادة ‪ 7‬فقرة ‪1‬‬
‫وتشمل ( القتل‪ ،‬اإلبادة‪ ،‬االسترقاق‪ ،‬إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان‪،‬‬
‫السجن أو الحرمان الشديد من الحرية على وجه مخالف للقواعد األساسية‬
‫للقانون الدولي‪ ،‬التعذيب‪ ،‬االغتصاب‪ ،‬اإلستبعاد الجنسي أو اإلك اره على‬
‫البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري أو أي شكل من أشكال العنف‬
‫الجنسي الخطير‪ ،‬اضطهاد أي جماعة محددة أو مجموعة من السكان‬
‫ألسباب سياسية أو عرقية أو دينية أو إثنية أو متعلقة بتحديد نوع الجنس‬
‫ألسباب ال يجيزها القانون الدولي‪ ،‬االختفاء القسري‪ ،‬الفصل العنصري‪،‬‬
‫األفعال اللإنسانية التي تسبب المعاناة الشديدة أو أذى خطير يلحق الجسم‬
‫أو الصحة العقلية أو البدنية )‪.‬‬
‫‪ -3‬أن ترتكب الجريمة على نطاق واسع أو على أساس منهجي‪.‬‬
‫‪ – 3‬جرائم الحرب‪:‬‬
‫أما بخصوص جرائم الحرب فقد فصلتها المادة ‪ 8‬من النظام األساسي‬
‫وتشمل الجرائم التي تمثل انتهاكا التفاقيات جنيف ‪ ،1949‬واالنتهاكات‬
‫الخطيرة األخرى للقوانين واألعراف السارية على المنازعات الدولية‬
‫المسلحة‪ ،‬واالنتهاكات الجسيمة للمادة ‪ 3‬المشتركة بين اتفاقيات جنيف‬
‫األربع ‪ 1949‬إذا كان النزاع المسلح غير ذي طابع دولي‪ ،‬واالنتهاكات‬
‫الخطيرة األخرى للقوانين واألعراف السارية على المنازعات المسلحة غير‬
‫ذات طابع دولي‪ .‬كل ذلك إذا اُرتكبت الجرائم في إطار خطة أو سياسة‬
‫عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم‪.‬‬
‫‪ - 4‬جريمة العدوان‪:‬‬
‫لم يحددها النظام األساسي ولم يبين وصفها أو النماذج اإلجرامية التي‬
‫تندرج في ظلها‪ ،‬وأشارت الفقرة ‪ 2‬من المادة ‪(( 5‬تمارس المحكمة‬
‫االختصاص على جريمة العدوان متى اُعتمد حكم بهذا الشأن وفقًا للمادتين‬
‫‪ 121‬و‪ 123‬يعرف جريمة العدوان وسأضع الشروط التي بموجبها تمارس‬
‫المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بهذه الجريمة ويجب أن يكون هذا الحكم‬
‫متسقًا مع األحكام ذات الصلة من ميثاق األمم المتحدة))‪.‬‬
‫وبذلك تكون الجريمة محل اختصاص المحكمة بعد تعريفها والموافقة عليها‬
‫من قبل جمعية الدول األطراف وفقًا للمادة ‪ 5‬فقرة ‪ 2‬سالفة الذكر‪ ،‬أما‬
‫باإلجماع أو بأصوات أغلبية الثلثين للدول التي قامت بالتصديق على‬
‫التعديل بعد عام من إيداع مستندات التصديق (المادة ‪ 121‬فقرة ‪ ،)5‬ولن‬
‫تصبح جريمة العدوان قابلة للتطبيق على الرغم من ذلك بالنسبة للدول‬
‫األطراف التي لم توافق على التعديل وعلى أية حال إن جريمة العدوان‬
‫سوف تسري بصورة مستقبلية على وفق قاعدة قانونية‪.‬‬
‫لقد جرت محاوالت عديدة ظهرت على الصعيد الدولي لتعريف جريمة‬
‫العدوان منذ عهد عصبة األمم‪ ،‬واستمرت المحاوالت أثناء المداوالت األًولى‬
‫شكلت لجنة لدراسة إمكانية وضع‬
‫إلنشاء المحكمة الجنائية الدولية و ُ‬
‫مشروع لتأسيس المحكمة‪ ،‬وكان من بين المعضلت التي تحول دون‬
‫التأسيس عدم اتفاق األطراف على تعريف العدوان‪ ،‬ورغم صدور القرار رقم‬
‫‪ 3314‬قي عام ‪ 1974‬عن الجمعية العامة لألمم المتحدة‪ ،‬والذي عرف‬
‫العدوان إال أن المسألة ال زالت محل خلف حول التعريف‪.‬‬
‫إن التحديد الدقيق للجرائم وأركانها يجعل المتهم على علم كامل بحدود‬
‫جريمته ووصف ما هو متهم به‪ ،‬بحيث يستطيع أن يواجه شدة االتهام بما‬
‫يناسبه من دفاع وانه غير متهم بما ال أساس له أو سند‪.‬‬
‫وتشير الفقرة ‪ 2‬من المادة ‪ 22‬من النظام األساسي إلى ضمانة أخرى‪،‬‬
‫هي عدم جواز التوسع في تفسير النص التجريمي أو القياس عليه‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن في ذلك ضرر بمصلحة المتهم‪ ،‬فأي توسع في التفسير يؤدي إلى‬
‫إدخال أفعال في نطاق نص التجريم‪ ،‬وعلى العكس من ذلك إن التضييق في‬
‫التفسير يتسبب بإخراج أفعال من نطاق التجريم وكل األسلوبين محل انتقاد‪،‬‬
‫فالتوسع في التفسير يؤدي إلى إدخال البريء إلى ساحة التجريم‪ ،‬بينما‬
‫التضييق فيه يؤدي إلى إخراج المجرم من ساحة التجريم إلى ساحة البراءة‪،‬‬
‫وعليه يجب أن يكون تفسير النصوص مقر ًار وكاشفًا للقصد الحقيقي‬
‫لمشرعي النظام األساسي‪ .‬ومع ذلك يفسر الغموض في نصوص النظام‬
‫األساسي لمصلحة الشخص محل التحقيق أو المقاضاة أو اإلدانة‪ ،‬األمر‬
‫الذي يؤدي إلى اطمئنان الشخص محل المقاضاة‪ ،‬فأولى ضماناته في حالة‬
‫غموض النص تأتي بالتفسير لصالحه‪.‬‬
‫وعليه فإن الفقرة ‪ 2‬أشارت إلى قاعدتين‪ ،‬هما حظر القياس في التفسير‬
‫الخاص بتعريف الجريمة‪ ،‬والقاعدة الثانية هي أن الشك يفسر لصالح‬
‫المتهم‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن الفقرة ‪ 3‬من المادة ‪ 22‬تجيز استعارة النص التجريمي‬
‫وتكييف السلوك على أنه فعل إجرامي على وفق للقانون الدولي أي خارج‬
‫إطار النظام األساسي‪،‬عندما نصت على ( ال تؤثر هذه المادة على تكييف‬
‫أي سلوك على أنه سلوك إجرامي بموجب القانون الدولي خارج هذا النظام‬
‫األساسي)‪ ،‬وأن هذا االستثناء يؤدي إلى نتائج خطيرة‪ ،‬على اعتبار أنه‬
‫يؤدي إلى انتهاك مبدأ قانونية التجريم فيترك مجاال إلدخال نصوصًا تجريمية‬
‫الفرد أن يعرف‬
‫بحجة أنها كذلك على وفق القانون الدولي‪ ،‬وال يستطيع بذلك ً‬
‫المباح والمحظور من األفعال‪ ،‬أضف لذلك إنه ال يوجد هناك نصوص‬
‫تجريمية في القانون الدولي‪ ،‬إذ إنه يعتمد على األعراف واالتفاقيات‬
‫والمعاهدات الدولية‪ ،‬ونرى أن من األفضل أن ترفع الفقرة الثالثة من المادة‬
‫‪ 22‬لتعارضها مع مبدأ قانونية التجريم‪ ،‬وأنها سلح ذو حدين فهي من‬
‫جهة ضد المتهم وحقوقه‪ ،‬ومن جهة أخرى قد تقوي مركز الدفاع ضد‬
‫القضاء لخلو القانون الدولي من نص يجرم األفعال التي توصف بأنها جرائم‬
‫دولية‪.‬‬
‫وبما أن مبدأ عدم الرجعية يعد من أهم النتائج المترتبة على مبدأ القانونية‬
‫على وفق القواعد العامة للقوانين الجنائية فإنه يعد كذلك على وفق القانون‬
‫الدولي‪ ،‬وجاء النص عليه في المادة ‪ 24‬من النظام األساسي فنصت الفقرة‬
‫‪ 1‬على ( ال يسأل الشخص جنائيًا بموجب هذا النظام األساسي عن سلوك‬
‫سابق لبدأ نفاذ النظام )‪ ،‬وبهذا يكون حكم النص يقتضي سريان أحكام‬
‫النظام األساسي على األشخاص عن الوقائع التي تنسب إليهم بعد نفاذ هذه‬
‫األحكام وبالتالي ال تطبق على الوقائع التي سبق أن وقعت قبل نفاذها حتى‬
‫وان كان هذا السلوك يشكل جريمة على وفق النظام األساسي للمحكمة‬
‫الجنائية الدولية‪ .‬والقول بغير ذلك يؤدي إلى إهدار مبدأ القانونية‪ ،‬وذلك ألن‬
‫الجاني سوف يعاقب بقانون لم يكن معموًالا به وقت اقتراف جريمته‪ ،‬األمر‬
‫الذي يعني إعمال قواعد النظام األساسي بأثر رجعي على نحو يخالف مبدأ‬
‫قانونية التجريم‪.‬‬
‫نصت الفقرة ‪ 2‬من المادة ‪ 24‬على ( في حالة حدوث تغيير في القانون‬
‫المعمول به في قضية معينة قبل صدور الحكم النهائي‪ ،‬يطبق القانون‬
‫األصلح للشخص محل التحقيق أو المقاضاة أو اإلدانة )‪ ،‬وعلى ذلك فإن‬
‫القاعدة العامة هي سريان أحكام النظام األساسي بأثر فوري ومباشر على‬
‫الوقائع التي ترتكب منذ بدء سريان أحكامه‪ ،‬ومع ذلك فإنه متى كان هناك‬
‫قانون أصلح للمتهم – غير القانون المطبق – في قضية معينة فإن هذا‬
‫القانون هو الذي سيطبق دون غيره مع ملحظة إن ذلك ال يطبق على نص‬
‫التجريم إذ إن النظام األساسي هو المطبق وحده دون غيره بنص ص ًريح من‬
‫النظام األساسي وان كان النظام أيضًا قد أضاف في الفقرة ‪ 3‬من المادة ‪22‬‬
‫سالفة الذكر إمكانية تطبيق واستعارة نص التجريم من القانون الدولي‪ ،‬لكن‬
‫ما القانون الذي سيطبق على الدعوى المنظورة ويكون أصلح للمتهم ؟‬
‫حصرت المادة ‪ 21‬من النظام األساسي القانون الواجب التطبيق بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬في المقام األول‪ ،‬هذا النظام األساسي وأركان الجرائم والقواعد اإلجرائية‬
‫وقواعد اإلثبات الخاصة بالمحكمة‪.‬‬
‫‪ -2‬في المقام الثاني‪ ،‬حيثما يكون ذلك مناسبا‪ ،‬المعاهدات الواجبة التطبيق‬
‫ومبادئ القانون الدولي وقواعده‪ ،‬بما في ذلك المبادئ المقررة في القانون‬
‫الدولي للمنازعات المسلحة‪.‬‬
‫القوانين‬
‫‪ -3‬واال‪ ،‬فالمبادئ العامة للقانون التي تستخلصها المحكمة من ً‬
‫الوطنية للنظم القانونية في العالم‪ ،‬بما في ذلك القوانين الوطنية للدول التي‬
‫من عادتها أن تمارس واليتها على الجريمة‪ ،‬شرط أن ال تتعارض هذه‬
‫القواعد‬
‫المبادئ مع النظام األساسي وال القانون الدولي وال مع المعايير و ً‬
‫المعترف بها دوليًا‪.‬‬
‫‪ -4‬وللمحكمة أن تطبق مبادئ وقواعد القانون كما هي مفسرة في ق ارراتها‬
‫السابقة‪ ،‬أي السوابق القضائية للمحكمة الجنائية الدولية وحدها دون‬
‫غيرها‪.‬‬
‫ووفقًا للمادة ‪ 21‬الخاصة بالقانون الواجب التطبيق والمادة ‪ 22‬الخاصة‬
‫بقانونية الجريمة‪ ،‬فإنه ال يجوز اللجوء إلى العرف كوسيلة إلسباغ صفة‬
‫الجريمة على فعل ليس له هذا الوصف وفقًا للنظام األساسي‪ ،‬ذلك ألن‬
‫صراحة النص)‬
‫قواعد التفسير القانوني السليم تقتضي بأن (ال اجتهاد مع ً‬
‫ونصوص النظام ذكرت صراحة بأن ال جريمة إال تلك المحددة في النظام‬
‫األساسي وبالتالي ليس للعرف دور بشأن مصادر التجريم‪ ،‬وحتى العقاب‪،‬‬
‫لكن دوره يبرز في تفسير وتطبيق القانون الجنائي الدولي‪.‬‬
‫كما إن سؤا اًال آخر يطرح‪ ،‬هو متى يكون القانون الجديد أصلح للمتهم أمام‬
‫المحكمة الجنائية الدولية ؟‬
‫ورد الحكم عامًا في المادة ‪ 24‬فقرة ‪ 2‬من النظام األساسي‪ ،‬بأن يطبق‬
‫القانون األصلح المتهم الذي صدر قبل صدور الحكم على الشخص محل‬
‫التحقيق أو المقاضاة أو اإلدانة‪.‬‬
‫وعليه يشترط حتى يطبق القانون األصلح للمتهم ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يصدر النص الجديد قبل أن يصير الحكم نهائيًا‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون القانون الجديد أو القاعدة القانونية الجديدة أصلح للمتهم‬
‫بإنشائها مرك ًاز للمتهم أو وضعًا أفضل من القانون الجديد‪ ،‬كأن تلغي بعض‬
‫الجرائم أو بعض العقوبات أو تخفضها أو تقرر وجهًا لإلعفاء من المسؤولية‬
‫الجنائية دون أن تلغي الجريمة ذاتها‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بالقواعد اإلجرائية وقواعد اإلثبات فإنها تسري على‬
‫الماضي استثناءا أيضًا في حال اعتمادها بأغلبية ثلثي أعضاء جمعية‬
‫الدول األطراف‪ ،‬حسب ما قررته المادة ‪ 51‬فقرة ‪ 4‬من النظام األساسي‪،‬‬
‫التي أقرت استثناءا لما فيه مصلحة المتهم‪.‬‬
‫ب ‪ -‬قانونية العقاب في المحكمة الجنائية الدولية‬
‫إن قانونية العقاب ال يقل أهمية عن قانونية التجريم‪ ،‬ألنه يؤدي إلى ضمان‬
‫العدالة للمجتمع الدولي‪ ،‬ويدفع عنه الظلم ويمنع تعسف القضاة بفرضهم‬
‫عقوبات غير منصوص عليها‪.‬‬
‫نص نظام روما األساسي في المادة ‪ 23‬على قانونية التجريم ((ال يعاقب‬
‫أي شخص أدانته المحكمة إال وفقًا لهذا النظام األساسي))‪ ،‬ويحمد هذا‬
‫النص لحصره مصدر العقاب بالنظام األساسي فقط‪ .‬لكن ما هي العقوبات‬
‫التي أعتمدها النظام األساسي ؟‬
‫تضمنت المادة (‪ )77‬من النظام األساسي على أنواع العقوبات التي يجوز‬
‫للمحكمة فرضها على من تثبت إدانته عن ارتكاب جريمة من الجرائم الداخلة‬
‫في اختصاصها في المادة (‪ )5‬منه وهذه العقوبات محددة حص ًرا وليست‬
‫على سبيل المثال وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬العقوبات السالبة للحرية‪:‬‬
‫أ‪ -‬السجن المؤقت‪ ،‬وال تزيد مدته عن (‪ )30‬سنة‪.‬‬
‫ب‪ -‬السجن المؤبد ( مدى الحياة ) وتفرض هذه العقوبة على من ثبت‬
‫ارتكابه جريمة بالغة الخطورة‪.‬‬
‫‪ -2‬العقوبات المالية‬
‫أ‪ -‬الغرامة‪:‬‬
‫التي يتحدد فرضها بموجب المعايير المنصوص عليها في القواعد اإلجرائية‬
‫وقواعد اإلثبات للمحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬وضمن القاعدة (‪ )146‬التي‬
‫حددت موجبات فرضها باآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬القدرة المالية للشخص المدان‪.‬‬
‫‪ -2‬الدافع إلى الجريمة هو الكسب المالي للشخص والى أي مدى كان‬
‫ارتكابها بهذا الدافع‪.‬‬
‫لا عن المكاسب النسبية‬
‫‪ -3‬ما ينجم عن الجريمة من ضرر واصابات‪ ،‬فض ً‬
‫التي تعود على الجاني من ارتكابها‪ .‬وال تتجاوز بأي حال من األحوال ما‬
‫نسبته ‪ %75‬من قيمة ما يمكن تحديده من أصول‪ ،‬سائلة أو قابلة‬
‫للتصريف‪ ،‬وأموال يملكها الشخص المدان‪ ،‬بعد خصم مبلغ مناسب يفي‬
‫باالحتياجات المالية للشخص المدان ومن يعولهم‪.‬‬
‫ب‪ -‬المصادرة‪:‬‬
‫وتعني مصادرة األموال المتأتية من الجرائم التي يدان بها الشخص ًولو‬
‫بصورة غير مباشرة دون المساس بحقوق األشخاص حسني النية‪.‬‬
‫وينص النظام األساسي للمحكمة على إنشاء صندوق استئمان تحول إليه‬
‫العائدات من الغرامات المحكوم بها واألصول والممتلكات المصادرة‪ ،‬وتصرف‬
‫لفائدة الضحايا وعائلتهم وتأذن المحكمة بتحويل المال وغيره من األصول‬
‫إدارته‪.‬‬
‫إلى الصندوق على أن تحدد الدول األطراف في نظام المحكمة معايير ً‬
‫مالحظات على العقوبات المعتمدة في النظام األساسي للمحكمة‬
‫‪ -1‬يبدو جليًا إن العقاب طبق نظام روما األساسي يتجاوز العقوبات‬
‫السالبة للحرية ليمتد إلى الذمة المالية للمتهمين‪ ،‬ويعد هذا إنصافًا للضحايا‬
‫من جهة ووضع حد الستفادة الجناة من عائدات جرائمهم من جهة أخرى‪،‬‬
‫لا عن إقرار مبدأ أخلقي هام وهو عدم حمل المجتمع الدولي على جبر‬
‫فض ً‬
‫أضرار متصلة بجرائم شديدة الخطورة صادرة عن أشخاص بصفتهم الفردية‪،‬‬
‫علمًا أن العدد الكبير عادة لضحايا هذه الجرائم قد يجعل هذا المبدأ األخلقي‬
‫يخضع الستثناءات تدعو الدول األعضاء في المحكمة إلى رصد أموال‬
‫بصندوقها كفيلة بتغطية التعويضات المحكوم بها لفائدة الضحايا أو أسرهم‬
‫وهذا في حد ذاته مبدأ أخلقي يرتقي لقيم التراضي والتعاطف‪.‬‬
‫‪ -2‬قسوة عقوبة السجن المؤقت بحدها األعلى والبالغة ‪ 30‬سنة على الرغم‬
‫من أن القوانين الجنائية تجعل الحد األعلى ال يتجاوز ‪ 20‬سنة‪ ،‬وان نظام‬
‫روما األساسي اعتمد بجل مواده على ما تضمنته القوانين الجنائية الوطنية‬
‫من أحكام‪ ،‬غير أن النظام األساسي قد تدارك قسوة هذه العقوبة عندما نص‬
‫في المادة ‪ 110‬منه على (( تعيد المحكمة النظر في حكم العقوبة لتقرير‬
‫فيما إذا كان ينبغي تخفيضه وذلك عندما يكون الشخص قد قضى ثلثي مدة‬
‫العقوبة‪،‬أو ‪ 25‬سنة في حال السجن المؤبد‪ ،‬ويجب أال تعيد المحكمة النظر‬
‫في الحكم قبل انقضاء المدد المذكورة )) وهذا النص يشكل ضمانة للشخص‬
‫بالشروط المذكورة‪ ،‬كذلك فإن السجن المؤبد يفيد سلب حرية المدان مدى‬
‫الحياة خلفًا لما معروف في أغلب التشريعات العقابية التي تجعل السجن‬
‫المؤبد ال تزيد مدته عند تنفيذه في المؤسسة العقابية عن ‪ 20‬سنة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن النظام األساسي ذكر في المادة ‪ 77‬فقرة ‪ (( 2‬باإلضافة للسجن للمحكمة‬
‫أن تأمر بالغرامة‪....‬أو المصادرة‪ ))....‬والمفهوم من النص أن العقوبة األصلية هي‬
‫السجن وأن العقوبات األخرى هي عقوبات تبعية‪.‬‬
‫‪ -4‬إن عقوبة اإلعدام لم يكن لها ذكر بين العقوبات التي تضمنها النظام‬
‫األساسي‪ ،‬إذ دار نقاش طويل بخصوصها في مؤتمر روما وظهر هناك رأيان‪:‬‬
‫رأي أول تبنته الدول الغربية يدعو إلى رفض عقوبة اإلعدام في النظام األساسي‬
‫رفضًا مطلق ا‪ ،‬وحجتهم أن النص عليها يخالف نصوصًا دستورية في دولهم ألغت‬
‫ل عن وحشية العقوبة وعدم تدارك الخطأ فيها‪ ،‬وعدم تحقيق‬
‫عقوبة اإلعدام‪ ،‬فض اً‬
‫الردع الخاص والعام‪.‬‬
‫أما الرأي الثاني الذي تبنته الدول اإلسلمية ودول أخرى من العالم محتجة بأنها‬
‫نصت على تطبيقها على من يرتكب جريمة فردية في قوانينها الداخلية‪ ،‬فكيف ال‬
‫تطبق على من يرتكب جريمة دولية كاإلبادة الجماعية وغيرها‪ ،‬وأيمانًا بما جاء به‬
‫القران الكريم من قوله تعالى ((من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل إنه من قتل‬
‫نفسًا بغير نفس أو فسادًا في األرض فكأنما قتل الناس جميعًا))‪.‬‬
‫‪ -5‬نصت المادة ‪ 80‬من النظام األساسي وتحت عنوان (عدم المساس‬
‫بالتطبيق الوطني للعقوبات والقوانين الوطنية) على (( ليس في هذا الباب‬
‫من النظام األساسي ما يمنع الدول من توقيع العقوبات المنصوص عليها‬
‫في قوانينها الوطنية أو يحول دون تطبيق قوانين الدول التي ال تنص على‬
‫العقوبات المحددة في هذا الباب ))‪ ،‬وبالتالي يمكن أن تطبق عقوبة اإلعدام‬
‫وفقًا لهذا النص رغم عدم وجودها ضمن النظام األساسي للمحكمة‪ ،‬والواضح‬
‫من هذا النص إن فيه انتهاك لمبدأ قانونية العقاب‪ ،‬إذ من جهة نجد المادة‬
‫‪ 23‬من النظام تشير لعدم معاقبة أي شخص أدانته المحكمة إال وفقًا لهذا‬
‫النظام األساسي‪ ،‬على وفق العقوبات المنصوص عليها في المادة ‪ ،77‬ومن‬
‫جهة أخرى تأتي المادة ‪ 80‬لتجيز للدول أن تطبق العقوبات المنصوص‬
‫عليها في قوانينها الداخلية‪ ،‬ونرى ضرورة إلغاء المادة ‪ 80‬لمخالفتها مبدأ‬
‫قانونية العقاب وعدم تطبيق أي عق ًوبة ما لم يكن منصوصًا عليها في‬
‫النظام األساسي‪.‬‬
‫‪ -6‬على القاضي أن يقَدر العقوبة قبل إنزالها بحق المدان وأن يأخذ في‬
‫الحسبان ما يلي‪:‬‬
‫المجموعة‬
‫ً‬
‫أ‪ -‬خطورة الجريمة التي يدان بها الشخص من حيث أثرها على‬
‫الدولية ونتائجها‪.‬‬
‫ب‪ -‬مدى الضرر المادي والمعنوي الذي حل بالمجني عليه وأسرته‪.‬‬
‫ج‪ -‬الظروف الشخصية للشخص المدان‪ ،‬والمتمثلة بسنه وحظه من التعليم‪،‬‬
‫وحالته االجتماعية واالقتصادية ودوافع ارتكابه الجريمة‪.‬‬
‫د‪ -‬الجهود التي بذلها الشخص المدان بعد ارتكابه الجريمة‪ ،‬كتعويض‬
‫المجني عليه أو تعاونه مع المحكمة‪.‬‬
‫ه‪ -‬تحديد عقوبة عن كل جريمة أرتكبها الجاني ثم إصدار الحكم المشترك‬
‫الذي يتضمن تحديد المدة اإلجمالية للسجن‪.‬‬
‫و‪ -‬عدم نزول مدة السجن اإلجمالية عن مدة الحد األقصى لكل جريمة‪.‬‬
‫ز‪ -‬عدم تجاوز مدة السجن اإلجمالية على مدة ‪ 30‬سنة أو السجن المؤبد‪.‬‬
‫‪ -7‬يلحظ أن النظام األساسي لم يأخذ بمبدأ تنفيذ العقوبات بالتداخل وانما‬
‫اعتمد مبدأ التنفيذ المتعاقب المشروط بعدم نزول مجموع األحكام المتعددة‬
‫عن الحد األقصى لكل جريمة وبعدم زيادة مجموع األحكام المتعددة على ‪30‬‬
‫سنة أو السجن المؤبد‪.‬‬
‫‪ -8‬إن هناك ظروفًا مخففة وظروفًا مشددة على المحكمة أن تأخذ بها عند‬
‫االقتضاء‪ ،‬ومن أمثلة الظروف المخففة قصور القدرة العقلية أو اإلكراه‪ ،‬واذا‬
‫كان الجاني قد بذل جهودًا بعد ارتكابه الجريمة كأن تعاون مع المحكمة أو‬
‫عوض المجني عليه‪ .‬ومن الظروف المشددة إساءة استعمال السلطة أو‬
‫َ‬
‫الصفة الرسمية أو تعدد المجني عليهم أو ارتكاب الجريمة بقسوة ًوغير ذلك‪.‬‬
‫إن المحكمة جعلت ظروف التشديد بقائمة مفتوحة‪ ،‬أي أن بإمكان المحكمة‬
‫تطبيق ظروف تشديد العقوبة على المتهم‪ ،‬على الرغم من أنها غير‬
‫منصوص عليها في القواعد اإلجرائية‪ ،‬بينما نظمت الظروف المخففة بقائمة‬
‫مغلقة وهذا يمس بضمانة مهمة من ضمانات المتهم ويخل بمبدأ القانونية‪.‬‬