المفاوضات الدولية وتسوية النزاعات تمهيد : هناك وسائل متعددة لحل النزاعات الدولية ، حاول فقهاء القانون الدولي تصنيفها ، واستقر الوضع على تقسيمها إلى حلول ودية.
Download
Report
Transcript المفاوضات الدولية وتسوية النزاعات تمهيد : هناك وسائل متعددة لحل النزاعات الدولية ، حاول فقهاء القانون الدولي تصنيفها ، واستقر الوضع على تقسيمها إلى حلول ودية.
المفاوضات الدولية وتسوية النزاعات
تمهيد:
هناك وسائل متعددة لحل النزاعات الدولية ،حاول فقهاء القانون الدولي
تصنيفها ،واستقر الوضع على تقسيمها إلى حلول ودية هي الحلول السياسية
والحلول القانونية مثل المفاوضات ،والوساطة ،والتحقيق ،ولجان التوفيق،
والتحكيم والقضاء الدوليين .وحلول أخرى غير ودية ،مثل الحرب والحصار
واالنتقام وغيرها .وقد اختلفت التصنيفات الفقهية لوسائل التسوية السلمية
للمنازعات الدولية حسب المعيار المعتد أيضا في التصنيف ،فمنهم من قسمها إلى
أربعة أنواع هي :الوسائل الدبلوماسية والسياسية والتحكيمية والقضائية ،حيث
يشمل النوع األول المفاوضات الدبلوماسية والمساعي الحميدة والوساطة والتحقيق
والتوفيق ،وتتمثل الوسائل السياسية في التسويات التي تتوالها أجهزة المنظمات
الدولية ،أما النوع الثالث فهو التحكيم الدولي ،أما النوع الرابع فيشمل التسويات
التي تتوالها محاكم العدل الدولية ،وهناك من قسم الوسائل السلمية إلى قسمين،
التسويات التي تتم بواسطة المنظمات الدولية والتقنيات التقليدية .غير أن التقسيم
الشائع هو ذلك الذي يقسم الوسائل السلمية إلى الوسائل القضائية أو القانونية
من جهة ،والوسائل السياسية أو الدبلوماسية من جهة أخرى.
وما يهمنا في هذا الموضوع هو المفاوضات الدولية كوسيلة سلمية
لحل المنازعات الدولية ،وهذا ال يعني أن المفاوضات تتم في وقت السلم
فقط ،بل أنها كوسيلة لتسوية النزاعات قد تعتمد حتى عند استعمال
وسائل غير ودية ،كما أنها قد تكون جزء مهما من وسائل سلمية أخرى
مثل الوساطة أو اللجان المختلطة في التحكيم الدولي .وسوف نحاول في
هذا الموضوع التعرف عن قرب على المفاوضات الدولية من حيث
التعريف بها ،والتعرف على المفاوضين ،وكذا أهم خصائص المفاوضات
الدولية وأشكالها ،وكذا نهايتها .لكن قبل ذلك البد من التعرف بشكل
مفصل على ماهية النزاع الدولي الذي يكون محال لهاته المفاوضات
المحور األول :ماهية النزاع الدولي
أوال /تعريف النزاع الدولي:
– 1التعريف الفقهي للنزاع الدولي:
هناااااك تعريفااااات المتعااااددة للناااازاع الاااادولي ،نااااذكر منهااااا أنااااه مجمااااوع
اإلدعاااءات المتناقضااة بااين شخصاايين دوليااين أو أكثاار ،ويتطلااب حلهااا طبقااا
لقواعد تسوية المنازعة الدولية الواردة في القانون الدولي ،وهنااك مان ذهاب
إلى أن النزاع الادولي هاو ذلاك النازاع الاذي ينشاد باين دولتاين أو بوجاه عاام
بين شخصيين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي ،ويتضمن وجود مطالاب
أو إدعاااءات ماان قباال أحااد األط اراف الدوليااة بخصااوص مساادلة أو موضااوع
محدد وأن تقابل هذه المطالب أو تلك اإلدعااءات باالرفأ أو بعدعااءات مان
جانب الطرف اآلخر.
وهناك من يرى بادن مصاطلا النزاعاات الدولياة يساتعمل باختصاار لوسام
خااالف بااين دولتااين علااى مساادلة قانونيااة أو حااادث معااين ،أو بساابب تعاارأ
وجهااات نظرهمااا القانونيااة ،فااالنزاع الاادولي يتعلااق بظهااور مصااالا متضاااربة
تجسااد ساالوكات متقابلااة ماان قباال الاادولتين المتنااازعتين ،لهااذه السالوكات ماان
الجديااة والجسااامة مااا يهاادد مصااالا إحاادى الاادولتين (احتجااا ،إدعاااء حااق،
إنكاره من الطرف المقابل )...حول واقعة أو مسدلة قانونية.
ويمكن أن نعرف النزاع الدولي اختصا ار بدنه خالف حاول مسادلة قانونياة
(كتفسااير معاهاادة دوليااة) أو واقعيااة كااالخالف حااول مكااان سااير خااط الحاادود،
ويتمثل في تناقأ أو تعارأ أو تضاارب اآلراء القانونياة لشخصاين أو أكثار
من أشخاص القانون الدولي.
– 2التعريف القضائي للنزاع الدولي:
ال نجد الكثير فاي هاذا المجاال ،اللهام ماا جااء فاي القارار الصاادر عان
المحكمة الدائمة للعدل الدولي في قضية مافرومااتي ( 30أوت ،)1924
حيث ذهبت إلى أن النزاع الادولي يعارف بدناه" :عادم االتفااق بشادن مسادلة
ماان مسااائل الواقااع أو القااانون" ،ومعنااى ذلااك أن الن ازاع الاادولي هااو خااالف
بين دولتاين علاى مسادلة قانونياة أو حاادث معاين ،بسابب تعاارأ وجهاات
نظرهما القانونية أو تعارأ مصالحهما.
ما يستخلص من هاذه التعااريف أن يشاترط لقياام النازاع الادولي تاوافر
الشرطين التاليين:
يشااااترط أن يكااااون هناااااك خااااالف ينشااااد عاااان إدعاااااءات ومصااااالامتناقضة بين أطراف مختلفة ،ويستمر في المطالبة بهاته اإلدعاءات.
أن يكون أطراف النزاع من أشخاص القاانون الادولي ،أي أن يكاونالنااازاع ذو صااافة دولياااة عاماااة وليسااات خاصاااة ،وهاااذا ماااا سااانتطرق إلياااه
بالتوضيا في النقطة الموالية.
ثانيا /أطراف النزاع الدولي
المنازعااة الدوليااة هااي تلااك المنازعااة التااي تنشااد بااين الاادول ،أو بااين أشااخاص القااانون
الدولي بوجه عام ،أي أن المنازعات التي تقع بين أفراد ينتمون إلاى النظاام القاانوني فاي دول
مختلفااة ال تاادخل فااي إطااار النزاعااات الدوليااة ،فهااذه المنازعااات يخااتص بهااا القااانون ال ادولي
الخاص ،الذي يطبق أيضا على المنازعات بين األفراد والادول األجنبياة ،أي أن النزاعاات التاي
يكون أحد أفرادها فردا ال ترقى كقاعدة عامة إلى مصاف النزاعات الدولية إال إذا قررت الدولاة
التي يحمل جنسيتها هاذا الفارد تبناي مطالبتاه ضاد الدولاة األجنبياة ،فهناا تخار المنازعاة مان
نطاق القانون الدولي الخاص إلى نطاق القانون الدولي العام ،وهاو ماا يسامى بنظاام الحماياة
الدبلوماسية.
هذه مجموعة من العيناات التاي يمكان أن يتحاول الفارد فيهاا إلاى طارف فاي نازاع دولاي،
غير أن ذلاك ال يتادتى كماا هاو مالحاظ إال بعاد إضافاء ماا يسامى بالحماياة الدبلوماساية ،التاي
تعااارف بدنهاااا حلاااول الدولاااة التاااي يحمااال الشاااخص المتضااارر جنسااايتها محلاااه فاااي المطالباااة
بالتعويأ تجاه الدولاة التاي قامات بالعمال غيار المشاروع ،وذلاك اساتنادا إلاى حاق الدولاة فاي
حمايااة األف اراد الااذين يحملااون جنساايتها ،وهناااك مجموعااة ماان الشااروط يجااب توافرهااا إلعمااال
الحماياااة الدبلوماساااية ،هاااي الجنساااية ،واساااتنفاد طااارق المراجعاااة الداخلياااة ،وساااالمة سااالوك
المتضرر.
نشير كذلك إلى أن النزاعاات التاي تقاع باين دولاة وشاركة اساتثمار أجنبياة تخار كاذلك
ماان النزاعااات الدوليااة ،حتااى ولااو انصاارفت إرادة الطاارفين إلااى تطبيااق بعااأ قواعااد القااانون
الاادولي العااام ،حيااث يحاادث فااي الكثياار ماان الحاااالت أن تشااترط الشااركة االسااتثمارية إخضاااع
منازعاته إلى قواعد القانون الدولي رغبة في تفادي ما يمكان أن يطا أر علاى القاانون الاداخلي
للدولة المتعاقدة من تعديالت ،ويمكان للشاركات كدشاخاص خاصاة أن تصابا أيضاا طرفاا فاي
النزاعات الدولية متى نالت هي األخرى الحماية الدبلوماسية وفقا للشروط السابقة.
وقبل أن ننتقل من هذا العنصر ،البد من اإلشارة إلى أن وضع الفرد في القانون الدولي
المعاصر ،في تطور مستمر ،حيث أن الفرد يمكن أن يكون طرفا في بعأ النزاعات
الدولية ،حتى في ظل غياب الحماية الدبلوماسية ،لعل أهمها وضعيته في مجال حقوق
اإلنسان والقانون الدولي اإلنساني ،ففي العديد من االتفاقيات المتعلقة بهذا المجال نجدها
تعترف بالفرد وتمكنه من التقاضي ورفع الدعاوى والتظلم والشكوى أم المحاكم والعديد من
اللجان الدولية ،كما أن الفرد له وضع خاص في نظام روما األساسي للمحكمة الجنائية
الدولية ،ناهيك عن تنامي مركز الفرد في المجال الدولي ،وخاصة في الجرائم الدولية ،في
إطار تطور مبدأ عالمية النص الجنائي.
ثالثا /تقسيم النزاعات الدولية
هنااااك تقسااايمات متعاااددة للنزاعاااات الدولياااة ،حياااث تختلاااف النزاعاااات
الدولية من حيث موضوعها ،فقد يتعلاق النازاع بالتنفياذ معاهادة دولياة ،وقاد
يتعلق النزاع بمدى مطابقة سلوك دولة ما لقاعدة دولية معينة ،كما تختلاف
النزاعااات ماان حيااث خطورتهااا ،فقااد يترتااب علااى النازاع تهديااد الساالم واألماان
الاادوليين ،وقااد يكااون التهديااد أقاال خطااورة كطاارد أجنبااي أو دبلوماسااي ماان
دولة ما ،وهناك تقسيم آخر للنزاعاات الدولياة علاى أساا جيرافاي ،فتقسام
النزاعات إلاى دولياة عالمياة ،وأخارى دولياة إقليمياة ،وأخارى نزاعاات داخلياة
داخاال حاادود الدولااة كااالحرب األهليااة ،غياار أن أهاام وأدق تقساايمات الن ازاع
الدولي هو تقسيمه من حيث طبيعته إلى نزاع قانوني الاذي يمكان أن يكاون
محال للتسوية القضائية والنزاع السياسي ،لما له من بالغ األثار علاى قباول
حل النزاعات قضائيا واآلثار المترتبة عليها.
– 1تعريف النزاع القانوني:
النزاعات ذات الطبيعة القانونية هي تلك النزاعات التي تخضع عادة
للتسوية القضائية عن طريق التحكيم والقضاء الدوليين ،والتي يكون الطرفان
على خالف حول تطبيق األوضاع القائمة أو تفسير أحكامها ،وهذه النزاعات
يمكن حلها وفقا للقواعد القانونية المتعارف عليها في تسوية النزاعات
الدولية .
– 2تعريف النزاع السياسي:
يعرف البعأ المنازعات الدولية ذات الطبيعة السياسية بدنها كل نزاع
من أجل التفوق في السلطة والهيمنة ،وهناك من يرى بدنها تلك النزاعات
التي ال تقبل عادة التسوية عن طريق القضاء أو التحكيم الدوليين،
– 3معايير التمييز بين النزاع القانوني والنزاع السياسي:
المذهب الشخصي:
هناااك ماان يااذهب إلااى أن األطاراف المتنازعااة تسااتطيع وفقااا إلرادتهاا أن
تسبغ على النزاع صفة قانونية أو سياسية ،حيث يعتبر هذا الفريق أنه مان
الخطد الرجوع إلاى طبيعاة النازاع إلساباة صافة ماا علياه ،كماا أناه مان غيار
المالئااام الرجاااوع إلاااى طبيعاااة القواعاااد التاااي يجاااب علاااى المحكماااة أن تقاااوم
بتطبيقهااا لهااذا اليااارأ .وهااذا االتجاااه هاااو مااا يطلااق علياااه فقهااا اال تجااااه
الشخصي ،وهذا ألننا نعتمد على إرادة الدول واختيارها.
المذهب الموضوعي:
بااالنظر إلااى كثاارة االنتقااادات الموجهااة للمااذهب الشخصااي ظهاار االتجاااه
الموضاااوعي ،الاااذي حااااول االساااتناد إلاااى قواعاااد القاااانون الااادولي ،حياااث أن
المنازعة القانونياة هاي تلاك المنازعاة التاي يارى أطرافهاا أن إدعااءاتهم تقاوم
علااااى أسااااا ماااان القااااانون الاااادولي ،فالموضااااوعات القانونيااااة هااااي تلااااك
الموضوعات التاي يمكان أن يصادر فيهاا قارار مسابب مان محكام أو محكماة،
وفااي نفا هااذا االتجاااه هناااك ماان ياارى باادن المنازعااات التااي تعتقااد فيهااا كاال
األط اراف بدنهااا تسااتطيع تحقيااق مصااالحها ماان خااالل تطبيااق القااانون دون
الحاجة إلى اللجاوء إلاى وساائل أخارى ،أماا المنازعاة السياساية عنادهم فهاي
تلك المنازعة التي تعتمد فيها الدول علاى اإلدعااءات االقتصاادية والسياساية
واألخالقية ،التي لم تنظمها بعد قواعد القانون الدولي.
فالمالحظ إذا أن هناك تعدد في المعايير الفقهية التي حاولت التمييز
بين نوعي المنازعة الدولية ،وباالرجوع إلاى موقاف القضااء الادولي ،نجاده
لم يتطرق بشكل صريا لمشكل التصنيفات هاته إال في عدد مان القضاايا
الدوليااة فااي أحكامااه األخياارة نساابيا ،حيااث رفااأ التفرقااة بااين المنازعااات
القانونية والمنازعات السياسية ،حيث جاء في حكم محكمة العادل الدولياة
في قضية الدبلوماسيين األمريكيين المحتجزين في طهران سنة ،1980
حيث ردت المحكمة على اإلدعاء اإليراني الرافأ الختصاص المحكمة
بسبب طبيعة النزاع السياسية ،بدن جاء في حيثيات القرار" :ال يوجد أي
نص في نظامها األساسي وال في الئحتها الداخلية يمنعها من الفصل في
نزاع تحت مقولة أن النزاع له جوانب ومظاهر سياسية أيا كانت أهمية هاته
الجوانب أو المظاهر" .وهو نف الموقف الذي اتخذته المحكمة في قضية
األنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها سنة ،1984
حيث دفعت الواليات المتحدة أن هذا النزاع ال يصلا عرضه على المحكمة
األمن هو المختص به ولي
بسبب طبيعته السياسية ،وأن مجل
المحكمة ،فردت هاته األخيرة على هذا الدفع بدنه" :طالما أن مجل األمن
لم يتحقق مما وقع على النحو الوارد بالمادة 39من الميثاق ،فعن
المنازعات يجب أن تسوى وفقا للطرق المذكورة بالمادة 33بما فيها الحل
القضائي أي العرأ على محكمة العدل الدولية،"...
وفي الحكم الصادر عن ذات المحكمة في 20ديسمبر 1988بخصوص
قضية األعمال المسلحة الحدودية وعبر الحدودية بين نيكاراغوا
والهندو ار ،أكدت المحكمة على اختصاصها بالفصل في جميع المنازعات
الدولية أيا كانت طبيعتها ،قانونية أم سياسية ،ورفضت المحكمة أي
محاولة للحد من دورها تحت ستار هاته التفرقة التقليدية المرفوضة في ظل
الوضع الراهن للعالقات الدولية ،وهذا الموقف للقضاء الدولي جدير بالتدييد
ألنه ال يخلو أي نزاع دولي مهما كان من معطيات قانونية وسياسية تمتز
وتتداخل فيما بينها ،فالممارسة الدولية تكشف عن أن معظم النزاعات إن لم
تكن جميعها لها طبيعة مزدوجة ،فهي تضم عناصر قانونية كما ترتكز في
نف الوقت على أس سياسية.
المحور الثاني :المف اوضات الدبلوماسية لحل النزاعات الدولية
أوال /تعريف المفاوضات الدبلوماسية:
تسااامى المفاوضاااات بالمفاوضاااات المباشااارة .والمفاوضاااات الدبلوماساااية
والمفاوضات الدولية ،ويقصد بها مجموع المباحثات والمشااورات التاي تجاري
باين دولتاين أو أكثار بهادف تساوية نازاع قاائم بينهاا بطريقاة ودياة ومباشاارة،
وتعتبر المفاوضات أول القنوات الهامة التي ينبيي على الدول سلوكها عادة
إل زالااة أي نزاعااات قااد تنشااد بينهااا .وقااد تاام الاانص علااى هاتااه الوساايلة فااي
العديااد ماان االتفاقيااات الدوليااة .وتعااد المفاوضااات ماان أقصاار وأيساار الطاارق
الدبلوماسااية لحاال المنازعااات ،وذلااك لعاادم تقياادها بااعجراءات شااكلية معينااة.
وتبدأ المفاوضات عادة بادعوة توجههاا إحادى الادول المتفاوضاة ،وقاد تكاون
الاادعوة مصااحوبة بمشااروع معاهاادة أو اقتا ار وقااد تكااون مجاارد دعااوة لتباادل
وجهات النظر حول موضوع معين تتم المفاوضة على أساسه.
ولكي نفهم جيدا الادور األساساي للمفاوضاات فالباد أن ننتباه
إلى أنه إذا كانت الحرب هي فن اإلكراه ،فعن المفاوضات هاي فان
اإلقناااع ،فلهااا بحكاام وظيفتهااا معنااى سياسااي هااام ،وتسااتخدم فااي
السلم كما تستخدم في الحرب ،ولما كانت الدبلوماساية تتركاز فاي
إعاااداد وتنفياااذ السياساااة الخارجياااة للااادول ،فاااعن أداة تساااهم فاااي
تحقياااق أهاااداف هاتاااه السياساااة هاااي وسااايلة المفاوضاااات ،ساااواء
العلنية منها أو السرية ،حياث أنهاا تقارب أو تباعاد باين األهاداف
السياسية لكل دولة أو شخص من أشخاص القانون الدولي.
ثانيا /المفاوضون الدبلوماسيون:
تجري المفاوضات ما بين أشخاص يطلق اسم المندوبين أو الممثلين أو
المتفاوضين ،وهم يزودون بالوثائق التي تمنحهم الصالحية المطلقة ،يطلق
عليها تسمية وثائق التفويأ التي تدبج بطريقة رسمية خاصة ،وهي تحمل
طابع الدولة الذي يرمز إلى سيادتها واستقاللها ،وتحمل أيضا تواقيع رئي
الدولة ورئي الحومة ووزير الخارجية.
ويقدم المندوب تفويضه ،أي وثيقة صالحيته ،إلى السلطات التي
ّ
سيتفاوأ معها ،ويتدكد كل متفاوأ من حيازة المتفاوضين اآلخرين هذه
الوثيقة.
ووثيقة التفويأ الممنوحة تخول عادة الممثل أو المندوب ،إمكانية
التفويأ والتوقيع ،غير أنه في بعأ األحيان ال تمنا له صالحية التوقيع
وتمنحه حق التفاوأ فقط ،وهذا من أجل إعطاء الدولة فرصة لمراجعة
المفاوضات قبل التوقيع ،وفي حالة ما إذا تجاوز المفاوأ حدود تفويضه وقام
بالتوقيع ،فعن توقيعه ال يلزم الدولة التي يتفاوأ باسمها في شيء ،ولذلك
فعن للكيفية التي يحرر بها التفويأ أهمية كبرى.
وبالرجوع للمادة السابعة من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة
،1969نجد أن األصل في أن التفاوأ يقوم به رؤساء الدول المتنازعة،
أو يمكن أن يقوم بذلك رؤساء الحكومات أو وزراء الخارجية وال يحتاجون
في هذه الحالة إلى أي تفويأ خاص لهم بذلك من رئي الدولة ،كما يمكن
أن يقوم بذلك أي شخص آخر يوكل إليه القيام بهذه المهمة ،من وزراء أو
دبلوماسيين أو أي موظف فني ،غير أنه يشترط في هذه الحالة أن يكون
مزودا بتفويأ صريا ومكتوب صادر عن رئي الدولة من أجل تمثيل
الدولة في مرحلة المفاوضات ،فاألصل أن يقوم بهذه المهمة رئي الدولة،
غير أنه اليوم من النادر جدا أن يقوم بهذه المهمة إال بالنسبة للمعاهدات
المهمة.
وتنص المادة السابعة من معاهدة فيينا دائما على منا رؤساء
البعثات الدبلوماسية صالحية التفاوأ مع الدول التي يمثلون دولهم
لديها ،دون الحاجة إلى تفويأ خاص بذلك ،كما تنص كذلك على منا
هذه الصالحية لممثلي الدول لدى المنظمات الدولية ،بالنسبة للمعاهدات
المقترحة في إطار المنظمات المعتمدين لديها.
والمالحظ انه من الناحية العملية أن المفاوضات عادة ما تتم بين
وزراء خارجية الدول المتنازعة ،أو بين ممثليهم الدبلوماسيين ،غير أن
أنجع المفاوضات التي أثبتها التعامل الدولي هي تلك المفاوضات التي
يجريها مفاوضون من أصحاب االختصاص ،والمتمتعين بالمهارة والخبرة
واإلتقان.
ومن شروط نجا المفاوأ أن يكون قاد ار على أداء مهمته برو
معنوية عالية ،وأن يكون متسلحا في كل وقت بقوة الحجة واإلقناع ،ومبديا
في نف الوقت حسن نيته في التوصل إلى حل سلمي ،ومن مستلزمات
الوطني المتجسد في تفضيل
نجا المفاوضات وضو الرؤية والح
المصالا العامة على الخاصة لدى المفاوأ ،والمهارة التي يجب أن يتحلى
بها تتطلب منه إذا كانت المفاوضات توشك أن تصل إلى طريق مسدود أن
يبادر إلى صيغ مناسبة تخرجه من المدزق ،وقد يستلزم ذلك إدخال تعديالت
على المقترحات المقدمة مبدئيا ،واذا كان المفاوأ وفدا ،يجب أن يكون
الفريق متضامنا ومتفهما ومنسجما ،ومتفقا مسبقا على األدوار التي يلعبها
كل طرف في الفريق ،ومتفقا كذلك على الهدف المسطر والواجب الوصول
إليه ،وأن يخضع الجميع إلى رئي واحد هو األكثر خبرة ودراية ،لكي ال
تظهر سمات عدم االتفاق وضعف المفاوضين .
ثالثا /خصائص المفاوضات الدولية:
– 1المرونة:
ذلك أن الهدف من التفاوأ هو الوصول إلى حد أدنى من االتفاق ،ولذلك
وجب أن يكون هناك نوع من التنازل من الجانبين ،ذلك أن النزاع تجري
مناقشته بين األطراف المتنازعة بصورة مباشرة وفقا لمصالحهم المشتركة،
مما يحتم على كل طرف أن يطّلع على رأي الطرف الثاني ،فالتوصل إلى
تسوية النزاع ال يخلو من المساومات والتنازالت ،ويؤكد البعأ على أن
نجا المفاوضات يتوقف في غالب األحيان على ما يقدمه األطراف من
تنازالت ،ولهذا فعن فن التفاوأ يفترأ توافر قدر من المرونة لدى
األطراف حتى يساعد على مراعاة حقوق كل طرف ،فال يدخل احدهما في
المفاوضات بيرأ الحصول على كل الميانم دون تقديم أي تنازل.
– 2السرية:
والسرية ليست خاصية تشمل جميع المفاوضات وانما تشمل
أغلبها ،وتعتبر خاصية مهمة في نجا المفاوضات ،ذلك أنها تخر
المفاوضات وتبعدها عن التدثيرات الخارجية والمصالا واألطماع
الدولية األخرى .وان كان المالحظ اليوم أن أسلوب المفاوضة هو
األسلوب األكثر انتشا ار في التعامل الدولي ،إال أن وسائل اإلعالم ال
تزودنا بشكل دوري بالتقارير عما يجري من مفاوضات في مختلف
أرجاء العالم ،والسبب يعود للخاصية الثانية للمفاوضات وهي خاصية
السرية والرغبة في الكتمان التي تكتنف هاته األعمال.
– 3السرعة:
ألن الحلول الودية إذا لم تنجا تفتا الباب أمام الحلول غير الودية ،فعن
خاصية السرعة في المفاوضات تصبا خاصية ذات أهمية بلية ،ألن
طبيعة العالقة الودية بين الطرفين تستدعي تسوية مبكرة للنزاع بقصد
تهدئة التوتر واعادة العالقات إلى مجراها الطبيعي ،غير أن هذا األمر ال
يعني أن هناك فترة زمنية محددة إلنجاز المفاوضات ،فقد تنتهي بسرعة
خالل ساعات أو أيام ،ولكنها قد تطول أحيانا لتستيرق شهو ار أو
أعواما ،والمثال على ذلك أن إنهاء الحرب الكورية في الخمسينيات تطلب
سنتين من المفاوضات وعقد المئات من االجتماعات ،والمفاوضات بين
الصحراء اليربية والمملكة الميربية ،وكذا الفلسطينية اإلسرائيلية استيرقت
أعواما ولم تنته بعد.
رابعا /أشكال المفاوضات الدولية:
ال يوجد شاكل محادد للمفاوضاات ،وانماا تتخاذ أشاكال متعاددة ،ناذكر
منهااا :أن المفاوضااات قااد تكااون دائمااة وقااد تكااون مؤقتااة ،فالمفاوض اات
الدائمة هي تلك المفاوضات المستمرة وتتم خصوصا في إطار المنظماات
الدولية وأجهزتها كالجمعية العامة ومجل األمن في األمم المتحادة ،أماا
المفاوضات المؤقتاة فهاي تاتم علاى وجاه الخصاوص عناد قياام نازاع ماا،
حيث تحاول الدول الوصول عان طرياق المفاوضاات إلاى حال هاذا النا ازع
إما بشكل ثنائي أو جماعي.
وهنااااك شاااكل ثااااني للمفاوضاااات الدبلوماساااية ،يتعلاااق بعنصااار العلنياااة،
فتقسااااام المفاوضاااااات إلاااااى مفاوضاااااات علنياااااة أو مفاوضاااااات سااااارية ،أماااااا
المفاوضات السارية ،وهاي الناوع اليالاب مان الناحياة التطبيقياة ،فعنهاا تادور
فااي الخفااااء وال يعلااام بفحواهاااا الااارأي العااام الااادولي ،وغالباااا ماااا يحمااال فيهاااا
المفاوضون أسماء غير حقيقية ،وعادة ما يجري هذا الناوع مان المفاوضاات
في دولة محايدة أو تحت رعاية دولة ثالثاة ،ويكاون هاذا المار ضاروري كلماا
زاد تعقيااد الن ازاع وحساساايته ،وماان األمثلااة علااى المفاوضااات الساارية نااذكر
المفاوضات التي تمت في الميرب سنة 1977بين حسان التهاامي وموشاي
ديان ،للترتيب لزيارة السادات لأل راضي المحتلة في 19أكتاوبر .1977أماا
المفاوضات العلنية فهي تلك المفاوضات التي تجري على مسمع وعلم الارأي
العام الدولي ،مثل المفاوضات التي تمت خالل ماؤتمر مدرياد للساالم بتااري
31أكتااوبر ،1991والااذي عقااد ماان أجاال التوصاال إلااى حاال الن ازاع العربااي
اإلسرائيلي.
والمفاوضات بالنظر إلى األطراف المتفاوضة يمكان أن تكاون مفاوضاات ثنائياة،
كمااا يمكاان أن تكااون مفاوضااات جماعيااة أو متعااددة األط اراف ،فالمفاوضااات الثنائيااة
وهي النوع اليالب والحاسم في فأ النزاعات ،فتتم بحضور مفاوضين عان الادولتين
المتنازعتين بشكل مباشر ،والتاي لهاا مصاالا مباشارة فاي الفاأ النازاع ،وهاذا الناوع
من المفاوضات يطلق عليه المفاوضات التي تتم بالطريق الدبلوماسي العادي ،حياث
يجتمع الممثلون الدبلوماسيون لدى دولة ماا بمنادوبي هاذه الدولاة ويتناقشاون حاول
موضااوع المعاهاادة وياادبجون نصااها ثاام يوقعونهااا ونااذكر ماان هااذه المفاوضااات م اثال
مفاوضات إفيان بين الجزائر وفرنسا ،أما المفاوضات الجماعياة أو متعاددة األطاراف،
أو تلك المفاوضات التي تتم في إطار مؤتمر دولي ،وهو ما يسمى بالمفاوضاات عان
طريااق المااؤتمرات الخاصااة ،التااي ياادعى إليهااا مناادوبوا الاادول المتفاوضااة ،وفااي هااذه
تنسق أعمال المؤتمر ويوضع لها برنامج أو نظاام داخلاي توافاق علياه الادول
الحالة ّ
المتفاوضة ،وقد تتم المفاوضة كذلك داخل إطار منظمة دولياة معيناة ،إذا كانات هاذه
المنظمة هي الداعية إلى عقد معاهدة ماا ،كتلاك المفاوضاات المتعلقاة بماؤتمر األمام
المتحدة الدبلوماسي للمفوضين الذي عقد في روما في الفترة الممتدة من 15جاوان
إلى 17جويلية من عام ،1998وهذا بقصد التوصل إلى اتفاق حول إنشاء ووضع
قواعد للمحكمة الجنائية الدولية.
يضاف إلى ما سبق أن المفاوضاات الدولياة باالنظر إلاى مكاان إجرائهاا،
نجاااد أنهاااا قاااد تجاااري فاااي إقلااايم إحااادى الااادولتين المتناااازعتين أو فاااي دولاااة
محايدة ،كتلاك المفاوضاات التاي أجراهاا وفاد الحكوماة الجزائرياة المؤقتاة ماع
فرنسا بسويس ار في 07أفريل ،1961وكذا المفاوضات التاي جارت وال تازال
بين الميرب وجبهة البوليزاريو الصحراوية في إحدى ضواحي نيويورك.
كما قد تحصل المفاوضات بشكل شفوي أو تجري كتابة بتبادل المذكرات
أو بالطريقتين معا ،وهذا األمر متروك أيضا لألطراف المتنازعة لكي تحدده.
خامسا /انتهاء المفاوضات:
إذا انتهت المفاوضات بنجا ،فاعن هاذا األمار يسافر عان صادور وثيقاة
تسااامى عاااادة البياااان المشاااترك ،وتكاااون موقعاااة مااان األطاااراف المتفاوضاااة،
وتتضاامن شااروط االتفاااق وبنااوده األساسااية لتسااوية النازاع ،هااذا إذا مااا كااان
المفاوأ مخوال حق التوقيع ،واال يكتفاي المفااوأ بعباداء موافقتاه المبدئياة
وهااو مااا يساامى بااالتوقيع باااألحرف األولااى علااى االتفاااق الااذي تاام ،والتعهااد
بعرضه على السلطات المختصة في دولته من أجل توقيعه.
أمااا فااي حالااة فشاال المفاوضااات فتصاادر األط اراف المعنيااة ،مجتمعااة أو
منفاااردة ،بياناااا تعتااارف فياااه باإلخفااااق ،غيااار أن المتعاااارف علياااه أن تتااارك
األط اراف إذا كاناات حساانة النيااة الباااب مفتوحااا لمعاااودة التفاااوأ بعااد فتاارة
استراحة وتدمل ،أو العتماد وسيلة أخرى لتحقيق التسوية السلمية.
خالصة:
ال تزال المفاوضات الدولية تعتبر من أكثر أساليب حل المنازعات الدولية
انتشارا ،وخاصة المفاوضات السرية ،وهذا بالنظر إلى سرعتها وسهولتها
وسريتها ،باالبتعاد عن مختلف الضيوطات الدولية والمصالا الخارجية
لألطراف غير المتنازعة بشكل مباشر .كما اثبت الواقع أن الكثير من
المفاوضات الدبلوماسية أثبتت نجاحها سواء في حل النزاع قبل اللجوء إلى
الوسائل غير الودية ،أو حتى بعد اللجوء إليها ،كما أنه حتى بعد حل
النزاع بالوسائل غير الودية ،عادة ما يتم اللجوء إلى طاولة المفاوضات
لضمان عدم تكرار مثل هذا النزاع ،وتوضيا ما لكل دولة من حقوق
والتزامات.