6-تاريخ الدولة الملكية
Download
Report
Transcript 6-تاريخ الدولة الملكية
تاريخ الدولة الملكية
ملوك األنباط
واألوضاع العامة خالل مراحل
حكمهم
• تعددت آراء الباحثين وتباينت في ترتيب قائمة
ملوك المملكة النبطية العربية ،إال أن آخر قائمة
اعتمدت وأصبحت األقرب إلى الصواب ،هي تلك
التي اعتمدت على نقش عثر عليه في منطقة
(تل الشقيفية) في مصر ،بالقرب من وادي
طميالت ويعود إلى سنة ( 77ق.م) ،حيث غ ّير
هذا النقش في قائمة تسلسل ملوك األنباط
وأضاف عليها أن الملك عبادة األول قد جاء
عهده بين عهدي الملك الحارث ومالك األول.
أوالا :الملك الحارث األول ( )160 -170/168ق.م.
جاء أول ذكر لملك نبطي نحو عام 168-169ق.م،
وجاءت أقدم إشارة إلى ذكر ملك نبطي في التوراة،
من خالل الحديث عن التنازع الذي حصل بين كل من
األخوين (جاسون /ياسون– ،)Jasonو(منيالووس–
)Menelausفي التنافس على الكهانة العليا عن
اليهود ،وعندما حاز عليها (جاسون) ثار
(منيالووس) فانتزعها منه مما جعل جاسون يلجأ إلى
(الطاغية– )Tyrantزعيم العرب (اريتاس– Aretas
الحارث) ،وقام الملك الحارث النبطي بطرده ونفيه
إلى مصر.
وبهذا يرى الباحث أن هذه الحادثة إشارة إلى ملك عربي أو
حاكم مطلق عرف باسم (الحارث) وأطلق عليه األول
لتمييزه عمن جاء بعده من ملوك حملوا نفس االسم ،وبهذا
يعد أول وأقدم ملك نبطي وردت أخباره في المصادر
التاريخية .ولكن يجب اإلشارة هنا إلى أن هنالك شاهد قبر
موجود في متحف دمشق يحمل نقشا ا يذكر اسم ملك نبطي،
ويرجع تأريخه إلى القرن الثالث قبل الميالد وبذلك يعد هذا
أقدم نقش أو نص نبطي مكتشف .وتأتي اإلشارة الثانية
لهذا الملك في نقش (الخلصة – )Elusaاآلرامي اللغة
وهي المدينة التي تقع بين مدينة عبدة في صحراء النقب
وبين الميناء النبطي (غزة) على ساحل البحر األبيض
المتوسط.
اختلف الباحثون في تأريخ هذا النقش وفي مدة حكم
الحارث الثالث ،إذ ينفي ستاركي أن يكون عائداا إلى
ما قبل ( )150سنة قبل الميالد ،ويؤيده الخيري،
ويريان أنه يعود الى الحارث الثالث حوالي (100
ق.م) ولم ترد أي معلومات عن األسرة الملكية
النبطية ،ولكن هذه المدة طويلة نستطيع ذكر العديد
من األحداث خاللها ،ففي عام ( 146ق.م) ذكر اسم
أمير عربي يدعى (زابيل – زابديل) سكن جنوب
مؤاب في منطقة البتراء.
ويوجد لدينا نقوش يونانية عثر عليها في
(بريني – )Prieneفي آسيا الصغرى تعود إلى
حوالي ( 129ق.م) ،تذكر زعيما ا عربيا ا في
البتراء.،
ثانيا ا :الملك الحارث الثاني ( )96 -110 /120قبل الميالد.
تعود اإلشارة األولى لهذا الملك إلى كتابات المؤرخ
يوسيفوس وذلك في حدود عام ( 100ق.م) ،من خالل
أحداث نزاع الملك الحشموني الكسندر جنايوس حيث قام
(جنايوس) باستغالل مرحلة الضعف السياسي التي م ّرت
بها الدولة السلوقية آنذاك فانتهز الفرصة للتوسع وفرض
سيطرته واحتل العديد من المدن مثل (أم قيس – )Gadara
شماالا( ،عمتار – )Amthusو(رفح – )Raphia
والعريش جنوباا ،واتجه إلى ميناء غزة وهو الميناء
الحيوي والمهم للتجارة النبطية ،حيث كانت البضائع تنقل
في القوافل البرية من أواسط آسيا إلى البحر األبيض
المتوسط وبالد اليونان.
وكان سبب غضبه على أهل غزة أنهم قاموا بدعوة
ملك مصر بطليموس السابع ()Ptolemy VII
لزيارتهم ،وعندما علم أهل غزة بنوايا (جنايوس)
باحتالل بالدهم طلبوا يد العون والمساعدة من
الحارث ملك األنباط آنذاك ،فوعدهم بالمساعدة ولكنه
ولسبب غير معلوم تراجع عن قراره ،وس ّلم المدينة
لإلسكندر جنايوس فنهبها وأحرقها في حدود عام
( 100ق.م).
يرجح كثير من الباحثين أن الملك الحارث الثاني هو
الملك العربي المذكور في كتابات (جوستينوس
ايبتومي– ،)Justinus Eipitomeإذ ذكر أنه ملك
عربي كان يعمل بجد لتوسيع حدود مملكته وفرض
سيطرته على العديد من المناطق قدر استطاعته،
وهذا ما عرف عن الملك النبطي الحارث الثاني من
وذكر
نشاط سياسي واقتصادي وعسكري.
جوستينوس اسم الملك العربي ( )Herotimusأي
(سيد القوم) ،فيبدو التشابه بين هذه التسمية وتسمية
(.)Heritat
وت ّم التعرف على السنة التي انتهى بها حكم الملك
الحارث الثاني من خالل نقش يوضح بداية حكم خلفه
وهو ولده عبادة األول ،عثر عليه في إحدى
المضافات النبطية قرب منطقة باب السيق والمعروفة
باسم (تركلينيوم– )Tricliniumحيث كتب بالخط
اآلرامي – النبطي المبكر ،ويعود إلى األعوام المبكرة
من القرن األول قبل الميالد ( 88-95ق.م) .ويرى
أغلب الباحثين أن سك العملة النبطية قد بدأ في عهد
هذا الملك.
ثالثا ا :الملك عبادة األول ( )85 -96قبل الميالد.
يرى ستاركي أن عبادة األول هو ابن الملك
الحارث الثاني ،وأنه تولى الحكم بعد والده مباشرة
مرتكزاا برأيه على النقش المذكور آنفا ا والذي هو
لشيخ يدعى (أصلح) إذ جاء في السطر الثالث منه
اسم الملك عبادة ملك األنباط.
ويروي يوسيفوس أن نزاعا ا قد نشب بين عبادة ملك
العرب والملك اليهودي اإلسكندر جنايوس
( Alexander Jannaus) (103-76ق.م) ،الذي قام
بتوسيع إطماعه حتى استولى على مؤاب وجلعاد
وفرض عليهما الجزية ،وبذلك ثار األنباط واستطاعوا
بقيادة ملكهم عبادة األول اإليقاع بجنايوس في كمين
عمل له في أماكن وعرة في أم قيس (جدارا
،)Gadaraفوقع في واد عميق نجا منه بأعجوبة،
وفر هاربا ا إلى القدس بعد فشله في حملته واسترداد
ّ
النبطيين لمؤاب وجلعاد وعمون وأماكن أخرى.
عزا يوسيفوس فشل (جنايوس) بهذه الحملة إلى
خيانة أتباعه ،ووصفه بغير المتزن إلقحامه اليهود
في العديد من الحروب التي أدت إلى قتل ما يقارب
الستة آالف يهودي .كما أوضح أن الملك (جنايوس)
س ّلم النبطيين جلعاد ومؤاب وغيرها من المدن التي
احتلها األنباط شريطة أن يمتنعوا عن مساعدة خصوم
(جنايوس) من اليهود والسلوقيين ،ليضمن ويأمن ما
تبقى من مملكته ،وبذلك نرى أن األنباط وملكهم
عبادة األول قد استطاعوا أن يعيدوا سيطرتهم على
مدنهم المسلوبة بل وامتدت سيطرتهم إلى مناطق في
الجوالن وحوران.
رابعا ا :الملك رابيل األول ( )84 /85قبل الميالد.
تعددت اآلراء حول موقع هذا الملك في سلسلة ملوك
األنباط ،كما أن يوسيفوس لم يذكره ،ولكن حسب
نقش البتراء الذي عثرعليه على قاعدة تمثال ،ورد
اسم هذا الملك في السطر األول ،وأرخ الناشرون هذا
النص إلى عهد الملك الحارث الثالث .وورد اسم هذا
الملك (رب ايل العربي – )Rablel of Aribiaفي
أثناء ذكر الحملة التي قتل فيها الملك (انطيوخوس
الثاني عشر Antiochus XII (87-84ق.م).
وجاء في كتابات يوسيفوس أخبار هذه الحملة التي هجم
فيها األنباط بقيادة ملكهم على جيوش انطيوخوس المتناثرة
بشراسة وقوة افقدتهم القدرة على القتال وسقط منهم كثير
من القتلى ومنهم انطيوخوس الذي حاول إعانة جيشه،
ولجأ الناجون من هذه المعركة إلى قرية قانا ( )Canaعند
ساحل يافا.
وعلى األغلب فإن رابيل األول هو ابن للملك الحارث الثاني
وأخ للملك عبادة األول ،وذكر هذا الملك في نقش عثر عليه
في الحجر ولكن لم يرد لقب ملك فيه ،ويمكن أن يكون قد
كتب قبل تنصيبه ملكا ا.
خامسا ا :الملك الحارث الثالث (المحب لليونان
) )Philhellene (85/84- 62/61قبل الميالد.
يعتقد أن الملك الحارث الثالث هو ابن الملك الحارث
الثاني ،وقد اتخذ الحارث الثالث لقب (بازيليوس-
)Basiliusأي (ملك) ،وقد ظهر هذا اللقب على
قطعة نقدية مقلداا بذلك السلوقيين والبطالمة.
أصبحت المملكة النبطية في عهد الملك الحارث الثالث
إحدى القوى التي هددت اليهود ،وساعده ملوك
األنباط الذين سبقوه مثل رابيل األول الذي حقق
االنتصار على انطيوخوس فأتاح هذا المجال لتصبح
الدولة النبطية قوية في عهده .كما أن االضطرابات
ومرحلة الضعف والتقهقر التي أصابت المملكة
السلوقية واإلمبراطورية الرومانية آنذاك أعطت
الفرصة للحارث الثالث لتثبيت أقدامه في الحكم
والمضي قدما ا في توسيع مملكته ،وأصبح أول ملك
نبطي يحكم مدينة دمشق.
وجاء طلب أهل دمشق لضمهم إلى حكمه بسبب
كرههم لبطليموس بن معن األيتوري ( Ptolemy
)Mannaeusالذي كان يهدف إلى احتالل مدينتهم
ونهبها لتوسيع حدود مملكته ،وأمر الحارث الثالث
بضرب نقود فضية وبرونزية تشبه القطع النقدية
السلوقية وذلك بهدف تخليد ذكرى حكمه وسيطرته
على مدينة دمشق ،وكانت هذه القطع تحمل صورة
الملك واسمه.
• وفي حدود عام ( 82ق.م) هزم الحارث الثالث
الحاكم اليهودي إسكندر (جنايوس) على مقربة
من اللد في قلعة (الحديثة – ،)Adidaوعقد معه
صلحا ا لصالح األنباط ثم أعاد الكرة (جنايوس)
وانتزع حوالي اثنتي عشرة قرية من يد الحارث
ما لبث بعدها بسنوات ثالث أن مات مريضا ا أثناء
محاصرته لحصن في شرقي األردن وذلك في
حدود عام ( 77ق.م).
وكان لظهور تيغرانس (دكران األرمني– Tigranes
83- 69ق.م) ،الذي أسقط مملكة السلوقيين بحدود
عام ( 83ق .م) ،السبب الرئيس في انسحاب الحارث
الثالث من مدينة دمشق ،ولكن نتيجة لمهاجمة أحد
قادة الرومان مملكة دكران في أرمينيا انسحب عائداا
إليها ،فنزلت دمشق تحت حكم األيطوريين بقيادة
(بطليموس منايوس) ،وبعد ذلك ضمت إلى حلف
المدن العشر على يد القائد الروماني (بومبي) ،في
حدود عام ( 63ق.م).
وبعد وفاة (جنايوس) تزعزعت األوضاع في مملكة يهوذا
لتنازع ولديه هيركانوس الثاني ( )Hyrcanus IIوأرسطو
بولس الثاني ( )Aristobulus IIعلى الحكم .وفي معركة
أريحا عرض (هيركانوس) الحكم على أخيه (أرسطو
بولس) مقابل منصب الكاهن األعلى ،فوافق أرسطو على
ذلك مما أثار (أنتيباتر األدومي – )Antipaterوالي
آيدوميا حيث أقنع الحارث بأن يمنح اللجوء لهيركانوس
وعرض عليه المساعدة الستعادة عرشه كونه األخ األكبر،
كما أن والدته أوصت بالعرش له بعد وفاتها ،وكان هدف
(انتيباتر) الحصول على منصب عال في الدولة ،كما أن
هدف الحارث الثالث هو استعادة القرى االثنتي عشرة التي
سلبها منهم والده جنايوس.
تحرك الحارث بجيش ضخم متجها ا نحو يهوذا،
واستطاع أن يهزم (أرسطو بولس) وإحكام الحصار
عليه في مدينة القدس ،وفي هذه الحقبة كانت طالئع
الجيوش الرومانية بقيادة (بومبي–)Pompeius
تجتاح آسيا وذلك في حوالي عام ( 66ق.م) وذهب
قسم من هذه الطالئع بقيادة سكاوروس ()Scaurus
إلى سوريا بهدف االستيالء عليها .فذهب ممثلون
عن كال الفريقين النبطي واليهودي الستمالة الرومان
لصفه ،فما كان من سكاوروس إال أن وقف إلى جانب
(أرسطو بولس) ألنه األقدر على دفع المال وتقديم
الهدايا.
وهكذا انسحب الملك النبطي الحارث الثالث إلى
عمان (فيالدلفيا – ،)Philadelphiaوعاد
سكاوروس إلى دمشق .إال أن أرسطو بولس لحق
بالحارث الثالث لينتقم منه على مشارف فيالدلفيا،
فقتل ما يقارب الستة آالف جندي في منطقة (بابيرون
– .)Pupyron
وعندما قدم بومبي إلى سوريا عام ( 63 /64ق.م) احتلها
وأطلق عليها اسم (الوالية السورية) كوالية رومانية ،وسلم
القدس إلى (هيركانوس) عام ( 62ق.م) ،وذلك بعد أن
سجن أرسطو بولس ألن أهل القدس رفضوا دخول
(غابينوس) أحد قادة بومبي إليها ،فحاصرهم ثالثة أشهر،
ودخلها بعد أن قتل ما يقارب إثني عشر ألفا ا من اليهود.
وفي حوالي عام ( 62ق.م) وبأوامر (بومبي) قام
سكاوروس بحملة ضد األنباط ،وعندما احتجز سكاوروس
في طبقة فحل الوعرة أرسل (انتيباتر) إلى الحارث ليكون
سفيراا لِسكاوروس ،حيث أقنع (أنتيباتر) الملك الحارث
الثالث بدفع ثالثمائة تالنت جزية لتجنيب بالده الحرب.
أصدر سكاوروس بعد عودته إلى روما مسكوكات
فضية تخليداا النتصاره على األنباط مثل سابقتها التي
أصدرها تخليداا النتصاره على اليهود وملكهم أرسطو
صور (الحارث) و(أرسطو
بولس .وفي كلتا القطعتين ّ
بولس) راكعين بجوار جمل ويحمالن جريد النخيل،
وكتب أسفل كل منهما اسمه( :الحارث – )ARETAS
و(باخوس أي أرسطو بولس ،)BACHUSوقد
ضربت قطعة (أرسطو بولس) في عام ( 54ق.م)،
أما قطعة (الحارث) فقد ضربت في عام ( 58ق.م).
سادسا ا :الملك عبادة الثاني ( )58 /59 -61 /62قبل
الميالد.
أغفلت المصادر التاريخية ذكر هذا الملك ،وكان جل ما
عرف عنه في سنوات حكمه الثالث ،من خالل نقوده ،ومن
خالل نقش عثر عليه في البتراء ،ويعود إلى السنة األولى
من حكمه ،ويعد هذا النقش أقدم نقش مؤرخ بوضوح إلى
عام ( 62ق.م) ،كما يشير إلى أن الملك عبادة هو ابن
الحارث الثالث .وذكر في أيام الملك الحارث الرابع على
قاعدة تمثال (عبادة اإلله) .ويعتقد أن هذا الملك هو أول
من ضرب قطعا ا فضية من فئة النصف والربع شيقل ،وكان
أول ملك نبطي يضرب مسكوكات بحروف آرامية.
بدأت القوة الرومانية في تلك المرحلة تفرض
سيطرتها في المنطقة بعد غزوهم ليهوذا ،فقد
استولى (بومبي) على المشرق العربي بعد أن
انتزعه من الحكم اليوناني السلوقي ،ومنح
العديد من المدن المهمة في المنطقة استقالالا
ذاتياا ،وأقيم حلف الديكابولس من أهم عشرة
مدن تقع في المنطقة الشمالية من األردن،
وجنوب سوريا ،وأصبح لها طابعها السياسي
واالقتصادي والثقافي.
سابعا ا :الملك مالك األول ( )30-58 /59قبل الميالد.
يذكر يوسيفوس أن أحد زعماء اليهود (أنتيباتر) األدومي تزوج
من امرأة ذات أصول عربية نبطية وتدعى (سيبروس– ،)Cypros
أنجب منها عدة أوالد كان من بينهم الملك اليهودي (هيرود الكبير
– .)Herod The Elderعمل أنتيبابر على إقناع ملك األنباط
مالك األول بمساعدة (يوليوس قيصر – )Julius Ceasarالحاكم
الجديد لروما والذي هزم (بومبي) في معركة (فارسالوس –
)Pharsalusللعمل ضد حاكم مصر البطلمي (بطليموس الثاني
عشر – ،)Ptolemy XIIفما كان من مالك إال أن أمدّ (يوليوس
قيصر) بفرقة من الجيش مكونة من ألف رجل ،وذلك أثناء هجومه
على اإلسكندرية مما جعل (يوليوس قيصر) يكافئ (أنتيباتر)
بتعيينه حاكما ا على يهوذا.
قتل (يوليوس قيصر) عام ( 44ق.م) في روما،
وتسلم الحكم من بعده القائد الروماني (أنطونيوس –
44-30 )Mark Antonyق.م .وفي هذه األثناء
سم (أنتيباتر) ودخل البارثيون ( Parthiansالفرس)
ُ
إلى يهوذا ،ويذكر يوسيفوس أن هيرود ابن انتيباتر
فر هاربا ا إلى بالد
البكر وريث األسرة الحشمونية قد ّ
األنباط ،وبأمر من البارثيين رفض مالك أن يأويه إال
مدة قصيرة جداا.
توجه هيرود بعد ذلك إلى مصر ،وخالل ذلك بعث
له مالك الرسل إلخباره بعدوله عن قرار رفض
المساعدة ،ولكن بعد فوات األوان ،فقد كان
هيرود في طريقه إلى روما .وعند وصوله
لروما ع ّينه الرومان حاكم يهوذا وساعدوه على
دخولها وطرد البارثيين منها ،وكان ذلك في
حدود عام ( 37ق.م).
نعود بالحديث إلى اإلمبراطورية الرومانية ،فبعد أن
أحب
قتل (يوليوس قيصر) تسلم (أنطونيوس) الحكم
ّ
ملكة مصر كليوبترا ( Cleopatra VII
51-30 )Philopatorق.م مثل سابقه ،وقد طلبت
من (أنطونيوس) أن يهديها المملكتين النبطية
واليهودية .لكنه اكتفى عام ( 34ق.م) بتقديم جزء
من الساحل الفنيقي ومزارع البلسم (أريحا) وهي
جزء من المنطقة التابعة لـ (هيرود) ،وجزء من
المملكة النبطية والذي يقع على خليج العقبة ،وكان
على كل من حاكمي الدولة اليهودية والنبطية دفع
الجزية والتي تقدر بمائتي مثقال فضة لـ (كليوبترا).
لكن الملك النبطي مالكا ا األول لم يلتزم بذلك ،فطلبت
(كليوبترا) من (أنطونيوس) أن يوعز إلى (هيرود)
تحصيل الجزية من مالك ،وعندما فشل أمره بشن
هجموم عليه .بدأ (هيرود) بغزو حوران التي أحرز
فيها أول انتصاراته ،ثم اتجه إلى (قنوات –
)Canathaفي منطقة جبل العرب فهزم بها ،وطلب
الصلح من مالك فرفض ،فشجع هيرود جيشه والقى
األنباط بالقرب من فيالدلفيا (عمان) بقيادة
(الثيموس) فهزم بها.
ويرى لولر أن (كليوبترا) وقفت في آخر معركة
إلى جانب األنباط ،وسبب ذلك يعود إلى أنها ال
تريد قوة مسيطرة في المنطقة ،أي أنها أرادت
أن تضعف قوتين معا ا هما قوة (هيرود) وقوة
(مالك) .وقد عانى الملك النبطي مالك األول من
بعض الخسائر :أوالا خسارة جزء من جيشه،
والثانية خسارة مساحة من أرضه ،حيث استولى
هيرود على مساحة كبيرة من األراضي النبطية.
حدثت المعركة البحرية (اكتيوم – )Actium
عام 31ق.م بين القائد الروماني (اكتافيوس –
)Octaviusالحقا ا أغسطس من جهة،
و(أنطونيوس) ،و(كليوبترا) من جهة أخرى،
وفيها هزم انطونيوس ثم انتحر ،مما جعل
كليوبترا تسعى الستمالة (اكتافيوس) .وعندما
لم تنجح انتحرت وكان ذلك عام ( 30ق.م).
ورد أخر ذكر للملك مالك األول في كتابات يوسيفوس
حيث طلبت ابنة (هيركانوس) (ألكساندرا) من مالك
مساعدتها إلعادة الحكم إلى والدها ،لكن (هيرود) قام
بقتل (هيركانوس) الذي مات ضحية لتخطيط ابنته،
لكن (اكتافيوس) وقف إلى جانب (هيرود) واقتطع
بعضا ا من مدن األنباط ووضعها تحت حكمه ،مثل
مدينة غزة الميناء النبطي التجاري ،وأم قيس،
ومدينة الحصن ( )Dionوالتي تقع إلى الشرق من
بحيرة طبريا.
عثر في قرية (سامح – )Sammehإلى الجنوب
الشرقي من مدينة بصرى على نقش في واجهة باب
يعود تأريخه إلى حكم الملك مالك األول ،كما عثر في
بصرى ( )Bostraعلى نقش يعود لعهد الملك نفسه،
وجاء في هذا النقش ما يدل على أنه من الممكن أن
يكون ضريحه في المكان الذي وجد فيه النقش ،مما
جعل لولر يرجح أن الملك النبطي مالكا ا األول قد دفن
في مدينة بصرى ،وهي مدينة األنباط الشهيرة.
ثامنا ا :الملك عبادة الثالث ( )9/8 -30قبل
الميالد.
وصفت أغلب المصادر التاريخية الملك عبادة
الثالث بالخمول وبعدم تحمل المسؤولية ،فنجد
يوسيفوس يصفه بالكسل والتراخي ،كما يصفه
سترابو بأنه لم يكن يعير أمور الدولة أي اهتمام
سواء السياسية منها أو العسكرية أو الشؤون
الداخلية .وبسبب ذلك اشتهر وزيره الشاب
(سلي /سياليوس – .)Syllaios/ Syllaeus
• كما تذكر المصادر التاريخية سلي – وهو الذي
عرف للعالم الخارجي بالمسؤول عن أمور الدولة،
والمتحمل للمسؤولية ،وكان يلقب بأخ الملك وكلمة
(أخ) هنا ال تعني صلة دم أو قرابة بل تدل على رتبة
سياسية مهمة تأتي بعد الملك ،أو تدل على ثقة
الملك به وإسناده المهام وجميع أمور الدولة له،
فيذكره سترابو بأنه يد الملك اليمنى والمسؤول عن
األمور اإلدارية ،فنراه يسيطر على الحكم خصوصا ا
في السنوات األخيرة من حكم الملك عبادة الثالث
وذلك بفضل مكره ومراوغته.
كانت العالقات الرومانية في زمن هذا الملك جيدة،
فعندما بعث اإلمبراطور الروماني (أغسطس قيصر)
حملته إلى جنوب العربية السعيدة ( Arabia Fleix
اليمن السعيدة) – بقيادة (اليوس جاليوس – Alleus
)Gallusفيما بين ( 23 -25ق.م) وهو نائب
أغسطس) في مصر والتي كان هدفها السيطرة على
الطرق التجارية وطمعا ا في ثرواتها الكثيرة الوفيرة.
كما كان الرومان يريدون السيطرة على هذه التجارة
دون وسطاء (أي األنباط) ،وقد ارتبط اسم األنباط في
هذه الحملة في أكثر من مكان وأكثر من شكل:
•أوالا :أن الحملة ستمر من أراض نبطية أو أراض
موالية لألنباط.
•ثانيا ا :كلف عبادة الثالث وزيره سلي – سياليوس -
بمرافقة الحملة دليالا إلى بالد اليمن.
•ثالثا ا :نزل قائد الحملة (اليوس غاليوس) ضيفا ا على
أحد أقرباء الملك عبادة الثالث واسمه حارثة طلبا ا
للراحة.
•رابعا ا :قام الملك عبادة بتزويد الحملة الرومانية
بفرقة مكونة من ( )1000رجل.
توجهت الحملة الرومانية بسفنها إلى ميناء (لويكي
كومي – )Leuke Komeكما عرف في المصادر
الرومانية وهو (القرية البيضاء) التي ذكرها عباس
باسم (حوارة ،ليوقي قومة) في الحجاز ،والتي تقع
على شواطئ البحر األحمر الشرقية ،ث ّم وصلت هذه
الحملة إلى مملكة سبأ ،وحاصرت مدينة مأرب،
وبسبب قلة المياه أصيب الجيش بالتعب واإلعياء،
ففشلت الحملة ولم تستطع االستيالء على المدينة،
وعادت تجر أذيال خيبتها.
يعزو سترابو فشل الحملة إلى خيانة سلي (سياليوس)
وزير المملكة النبطية ،حيث ذهب متجسسا ا على البالد
يساعده الرومان في تدميره هذه المدن والقضاء على
القرى ،وأراد أن يصبح حاكمها بعد أن يصيب الجيش
الروماني التعب واإلعياء ،ولكن حقيقة األمر أن (سترابو)
كان آنذاك صديقا ا لـ (أليوس جاليوس) وهذا يؤثر على
سترابو في سرده للوقائع ومصداقيتها ،وهذا ما أكده ريدل
عندما وصفه بالمتعصب ،كما يذكر كوك أن الخيانة أعيدت
حياكتها بقلم سترابو ،بينما نرى عباس يذكر أن الخيانة
غير واردة ،والسبب أن سلي (سياليوس) سلك الطريق
المعتادة إلى نجران ومنها إلى نشق (إسكا– عند سترابو)
ويثيل (أرثوال) ووصل إلى مأرب (مارسيابا).
ولذلك نرى أنه ال يمكن أن يكون األنباط قد ساعدوا
الرومان في حملة تهدد مصالحهم التجارية في جنوب
الجزيرة العربية والتي تمثل عماد تجارتهم ،ولكن طمع
سلي (سياليوس) في تمثيل الرومان في جنوب الجزيرة
العربية سيساعده في الوصول إلى دفة الحكم النبطي وهو
مطمعه الرئيسي.
لقد اتصفت عالقة الدولة اليهودية مع الدولة النبطية في
عهد الملك عبادة الثالث بالعدائية ،و كان سلي (سياليوس)
يعمل سفيراا لبالده في الخارج ،وقام بزيارة (هيرود) دون
معرفة أسباب هذه الزيارة التي وقع سلي خاللها في حب
(سالومي – )Salomeوبادلته الحب ،وكانت على استعداد
تام للزواج به.
وما لبث سياليوس بعد أن عاد إلى البتراء أن ذهب إلى
القدس ليخطب سالومي ،ولكي يعرقل هيرود هذا الزواج
طلب من سياليوس أن يعتنق اليهودية ليوافق على
زواجه ،فما كان من سياليوس إال أن غضب وعاد إلى
البتراء يقول( :لو فعلت ذلك لرجمني بنو قومي).
ويذكر يوسيفوس أن هيرود سافر إلى روما عام (12
ق.م) ،وألسباب سياسية خالل مدة غيابه ثار سكان
منطقة اللجا (الطرخونية) التابعة له ،واستطاع ضباطه
إخماد هذه الثورة ،ولكن هرب حوالي ( )40رجالا من
رجال هذه الثورة إلى بالد األنباط .وبدوره قدم
سياليوس يد العون لهم وآواهم وشجعهم.
• وعند عودة هيرود إلى بالده أرسل لسياليوس يطالبه
بتسليم الفارين وبإعادة الدّ ين الذي اقترضه باسم الملك
عبادة الثالث ،ولكن سياليوس رفض ،فعرض هيرود
األمر على حكام سوريا الرومان (ساترنينس
وقولومينوس) الذين أعطوا لسياليوس مهلة لتسليم
الهاربين وإعادة المال المقترض ،ول ّما لم يفعل
سياليوس ولم يف بوعوده لحكام سوريا ،سافر إلى
روما لمقابلة (أغسطس) وذلك ليعرض عليه األمر
عرج على مدينة
ويستميله إلى جانبه ،وفي رحلته هذه ّ
(مليتوس) وترك هناك نقشا ا مزدوج اللغة (يوناني –
نبطي).
وفي هذا الوقت طلب هيرود من حكام سوريا أن يأذنوا له
بالذهاب إلى بالد األنباط السترداد المال والفارين ،فجهز
حملة واتجه قاصداا الحصن الذي اختبأ فيه الفارون منه،
وعندما علم األنباط بهذه الحملة جهزوا حملة بقيادة شخص
اسمه (نقيب) أو برتبة (نقيب– ،)Necebوالتقى الجيشان في
منطقة حوران في ( ،)Ravenaوقتل بهذه المعركة القائد
النبطي وعدد من جيشه ،علم سياليوس بما حدث وقام بتبليغ
اإلمبراطور الروماني (أغسطس) ولكن بطريقة مثيرة مما
جعل أغسطس يستشيط غضبا ا من (هيرود) ،كما رفض
استقبال سفرائه وأرسل رسالة يتوعده بها ويتهدده ،وأثناء
وجود سياليوس في روما بلغه خبر وفاة الملك عبادة
واستالم الملك الحارث الرابع الحكم ،فشعر بالخيبة لذلك.
وغضب (أغسطس) لعدم استئذان الحارث له باستالم
العرش .فبعث الحارث الرابع إلى (أغسطس) رسالة يبين
فيها كيد سياليوس وأتهمه بأنه قام بتسميم الملك عبادة،
مما شكك في مصداقية سياليوس عند أغسطس ،فقام
األخير بإصدار األمر بقطع رأس سياليوس ،وت ّم ذلك خالل
زيارته لروما عام ( 6ق.م) .ثم مات هيرود عام ( 4ق.م)
وقسمت مملكته بين عدد من الورثة ،فذهب نصفها إلى
(ارخيالوس) ،واستلم (فيليب) منطقة اللجا وحوران
والبثنية ،وأخذ (انتيباس) منطقة الجليل ومنطقة عبر
األردن ،وأضيفت غزة وجدر وهيبوس إلى الوالية
السورية .وفي عهد عبادة الثالث تطورت النقود تطوراا
ملموسا ا من حيث المواضيع التي عكستها.
تاسعا ا :الملك الحارث الرابع ( 9قبل الميالد 40 -ميالدية).
لم ينتقل الحكم إلى الملك الحارث الرابع وريث الملك عبادة الثالث
بسهولة ،وذلك بسبب الوزير (سلي – سياليوس) الذي حاول
بدسائسه عند اإلمبراطور الروماني أغسطس عرقلة األمر ليفوز
بالحكم في دولة األنباط ،فقام الحارث الرابع بإخبار أغسطس أن
سياليوس هو من قتل الملك عبادة الثالث ،وأنه قام بالعديد من
المؤامرات ون ّظم اغتياالت عدّة ذهب ضحيتها عدد من رجاالت
وأعيان األنباط ،وس ّبب تدهور لألوضاع االقتصادية .كذلك كان
من أسباب صعوبة انتقال الحكم للحارث الرابع غضب اإلمبراطور
الروماني لعدم استشارة الحارث الرابع له عند استالم العرش،
مما يعني عدم اعترافه بسلطة الرومان العليا على المنطقة.
لم تجد محاوالت الحارث الرابع الستمالة
اإلمبراطور الروماني نفعا ا ،حيث يعتقد أن
سياليوس قد وعد اإلمبراطور أغسطس بهدايا
من الفضة ،إذا ت ّم تنصيبه ملكا ا على األنباط .لذا
طرد أغسطس وفد الحارث الرابع وأعاد هداياهم
مقلالا من قيمتها ،على الرغم من أنها كانت
ثمينة جدا ومنها تاج من الذهب الخالص.
ومن زاوية أخرى يبدو أن العالقات بين األنباط واليهود
كانت سيئة نتيجة لما أوصله سياليوس إلى اإلمبراطور
أغسطس عن الحملة اليهودية ضد بالد األنباط ،مما أغضب
أغسطس فرفض استقبال سفراء هيرود الذين جاؤوا له
لتبرير موقفه .ولكن إصرار هيرود على إضعاف حجة
سياليوس والقضاء عليه دفعه إلى أن يبعث مندوبا خاصا ا
لتخفيف غضب أغسطس ،وإعادة الثقة والعالقات معه،
فأوكل هذه المهمة إلى (نيقوال الدمشقي) ونفر من أتباع
سياليوس سابقا ا والذين سيشهدون ضده ويؤكدون أنه قاتل
عبادة وأنه مخادع .وفعالا نجح (نيقوال الدمشقي) في
مهمته وقلب الموازين ضد سياليوس ،ويقال أن أغسطس
أمر بإعدامه في حوالي عام ( 6 /5ق.م).
ويخبرنا يوسيفوس أنه عندما تسلم الحارث الرابع
العرش النبطي كان اسمه (اينياس – ،)Aeneasثم
قام بتغييره إلى الحارث (ارتياس – )Aretasوهو
اسم لعدد من ملوك سبقوه ،وورد في النقوش النبطية
بكثرة ،ويرى رتشه أن اسم هانئ (هـ ن أ و) الذي
ورد في نقش في مدينة (بيتولي) اإليطالية يمثل
االسم القديم للحارث الرابع ،ويطابق هذا االسم
(اينياس) الذي وجد في كتابات يوسيفوس ،وهو اسم
شائع بين األسماء النبطية وإن لم يرد ضمن أسماء
ملوك األنباط.
وتعد مرحلة حكم هذا الملك النبطي من أطول مراحل حكم
الملوك بل وأكثرها ازدهاراا في تاريخ المملكة النبطية ،إذ
دامت قرابة نصف قرن ،بدأها الحارث الرابع بعالقة ودية
مع اليهود حين تزوج الملك اليهودي األدومي (هيرود
انتيباس – Herod Antipas) (4ق.م – 39م) حاكم يهوذا
وصاحب الجليل وهو ابن هيرود الكبير من ابنة الحارث
الرابع ،ولكن لم تلبث العالقات أن عادت لمجراها في
العدائية بسبب وقوع (انتيباس) بحب (هيروديا) زوجة أخيه
(فيليب – Philip) (4ق.م – 34م) ،وهو صاحب اللجا
وحوران والبثنية.
والتي اشترطت لتوافق على الزواج منه أن يطلق
زوجته النبطية ابنة الحارث الرابع ،كما أنها تسببت
بمقتل (يوحنا المعمدان) العتراضه على زواجهما،
ووصل الخبر إلى ابنة الحارث فأدركت ما سيحل
بها ،فهربت ليالا عائدة إلى أبيها يساعدها في
الطريق كل حاكم تابع لوالدها ،وكانت قلعة مكاور
(مخايروس – )Machairosقرب مادبا هي الحد
الفاصل بين أمالك الحارث الرابع وأمالك انتيباس
زوجها ،ومن ثم غادرت مكاور إلى مادبا ومنها إلى
البتراء ،وكان ذلك عام (27م).
وعندما علم الحارث بما حلّ بابنته من ذل ّ قرر االنتقام ،ولكنه
لم يستعجله بل تحين الفرصة حتى عام (34م) فجهز جيشا ا
انتصر به على أنتيباس بالقرب من (جماال – )Gamala
شمالي نهر اليرموك ،وإلى الشرق من بحيرة طبريا .وعند
ذلك استنجد أنتيباس باإلمبراطور الروماني (تيبيروس -
Tiberius ) (14- 37م) فاستجاب اإلمبراطور (تيبريوس)
وأوعز إلى حاكم سوريا (فيتليوس – )Vitelliusالتوجه
للبتراء وإحضار الحارث الرابع حيا ا أو ميتاا ،وبينما كانت
الحملة الرومانية بقيادة حاكم سوريا في طريقها إلى البتراء
وصلها خبر وفاة اإلمبراطور (تيبيريوس) ففشلت ونجا
الحارث .وساءت أحوال أنتيباس بعدها فنحاه الرومان عن
العرش ونفوه الى أسبانيا عام (37م) وبقي هناك حتى مات.
ويعد الحارث الرابع أبرز ملوك األنباط ،إذ استطاع المحافظة
على بالده وعلى استقاللها دون أن يحتك بالرومان ،ويذكر
(زيادين) أن سيطرة األنباط على الطرق التجارية في جزء
كبير من الصحراء العربية وصحراء النقب والضفة الشرقية
لألردن وحوران مدة ثالثة قرون على األقل في عهد هذا
الملك كان لها الدور األكبر واألبرز في أسباب تطور الحضارة
النبطية.
وعثر في العديد من المناطق منها ميناء (أوستيا – )Ostia
الروماني الذي يقع في إيطاليا قرب مدينة روما ،و(بيتولي –
)Puteoliفي إيطاليا أيضا ا ،وجرها على الخليج العربي
على كثير من النقوش التي تدل على أن التجارة النبطية
وصلت إلى مختلف أقطار العالم القديم ،فتعدت حدود مملكته.
اهتم الحارث الرابع بالعمران في مملكته ،ونالت البتراء حصتها من
التطوير العمراني إذ تعود العديد من المباني والنصب التذكارية
وغيرها من المظاهر العمرانية إلى مرحلة حكمه مثل معبد البنت
والمسرح النبطي .،وتحولت مدائن صالح (الحجر) إلى مدينة كبيرة
وربما كانت قاعدة عسكرية ،فقد رأى ضرورة إعمارها لتصلح مركزاا
للدولة النبطية مستقبالا اذا تراجع الوضع االقتصادي ،وخسروا
التجارة البحرية ،وستتناقص حصتهم من التجارة البرية وذلك بسبب
تغير طرق التجارة ،لذلك اتجه نحو الجنوب لتعويض الخسائر وتقوية
وضعه االقتصادي وتحويل الطريق التجاري عبر بصرى ،وقد وجد
أكثر من 20واجهة منحوتة لقبور في مدائن صالح من أصل 32
تحمل نقوشا ا تعود الى حقبة حكم الحارث الرابع .كما أن أفضل وأرقى
أنواع الفخار النبطي الرقيق الملون ( Egg-Shell Nabatean
)Painted Potteryيرجع في صناعته إلى عهد الملك الحارث
الرابع حيث انتشر إلى مناطق خارج النفوذ النبطي.
أما امتداد رقعة سيطرة المملكة النبطية في عهد الملك
الحارث الرابع فقد كانت تضم جنوبي فلسطين وسورية
الجنوبية الشرقية وشمالي شبه الجزيرة العربية ،وكان
يفصل القسم السوري عن قسم شرقي األردن منطقة المدن
العشر (الديكابولس – )Decapolisوكان وادي السرحان
الرابط بين هذين القسمين.
اهتم الحارث الرابع بالزراعة خصوصا ا في مدن النقب في
عبدة ،وممبسيس (كرنب) ونصتان (عوجا الحفير) وخلصة
وسبيطة ،وذلك حتى يضمن لشعبه األمن واالستقرار
الري المتقدمة
ووسائل العيش البديلة ،ويدل على ذلك نظم ّ
وتجميع مياه األمطار وتوصيلها باألراضي الزراعية.
واتخذ لنفسه لقبا ا وضعه على مسكوكاته النقدية وهو (رحم
عمه) أي (المحب ألمته /لشعبه) فقد ورد هذا اللقب في
العديد من النقوش ،وربما يعود سبب اختياره هذا اللقب هو
محاولته التقرب من شعبه وبيان مدى أهميتهم له .وورد
له لقب آخر هو (المحب ألبيه – )Philopatrisوقد ورد
في النقوش الثنائية اللغة (النبطية – اليونانية).
وضرب العديد من المسكوكات بكميات كبيرة ،يقول
(ميشورير) إن من بين كل عشر قطع نقدية نبطية تعود
ثمانية منها إلى عهد الملك الحارث الرابع ،وقد عثر على
نقد الحارث في العديد من المناطق مثل آسيا الوسطى
واليونان وإيطاليا ،وعبده وكرنب ونتسانة ،وجرش،
ومسعدة.
عاشراا :الملك مالك الثاني (ملك األنباط) ( )70-40ميالدية.
هو ابن الملك الحارث الرابع ووريثه ،ويذكر بعض الدارسين
أن مرحلة حكمه اتسمت بالركود السياسي واالقتصادي ،وقد
عثر على مجموعة نقوش تحمل اسم هذا الملك ،منها نقش
على قبر يعود إلى السنة األولى من حكمه ،عثر عليه في
مدينة أم الرصاص قرب مادبا .وعثر في مدينة الحجر على
ستة نقوش قبرية تعود إلى ما بين السنة ( )24-23من
حكمه ،وفي البتراء نقش يذكر أنه أول أبناء الحارث
الرابع ،ونقش في صلخد يذكر اسمه وأنه ابن الحارث ويعود
إلى السنة السابعة عشرة من حكمه ،ونقش آخر في وادي
موسى ،وأخر في عبدة في منطقة النقب.
ذكر يوسيفوس مالكا ا الثاني مرة واحدة وذلك من
خالل الحديث عن مساعدته للقائد الروماني (تيطس –
)Titusووالده (فاسبسيان – )Vespasianus
(79-69م) عندما جهزوا حملة عسكرية لمهاجمة
اليهود ،فوافاهم مالك عند منطقة عكا عام (67م)،
وأمدّهم بألف رجل من الخيالة وخمسة آالف من
المحاربين المشاة ورماة السهام .وقد انتهى هذا
الهجوم بتدمير المدينة المقدسة وإحراق الهيكل
وتشتيت اليهود وتفكيك كيانهم السياسي في المنطقة.
تراجع التقدم النبطي في بداية حكم مالك الثاني ،إذ
جرى تحويل طريق التجارة الذي يصل الجزيرة
العربية بالبحر األبيض المتوسط عبر البتراء إلى
اإلسكندرية ،كما فقد األنباط خالل سنوات حكمه مدينة
دمشق.
وفي دراسة الخيري تبين أن مالكا ا الثاني تابع مسيرة
والده الحارث الرابع في إعمار المنطقة الجنوبية،
حيث حملت أكثر من ثماني واجهات منحوتة في
الصخر في مدائن صالح (الحجر) نقوشا ا ترجع إلى
مرحلة حكمه ،ولم يحدث مالك الثاني تغيرات جذرية
في نظام ضرب النقد في عهده.
الحادي عشر :الملك رابيل الثاني ( )106 -70ميالدية.
يعد هذا الملك آخر ملوك األنباط ،وهو ابن الملك مالك
الثاني ،توفي والده وهو ال يزال صغير السن ،فنصبت
والدته (شقيلة) وصية عليه خالل السنوات السبع األولى
من حكمه أي حتى عام (76م).
وتجدر اإلشارة هنا أنه خالل السنوات السبع التي تولت
فيها (شقيلة) الحكم وصية على رابيل كان وزيرها المدعو
(أنيس) يساعدها في تصريف أمور الدولة ،وقد عثر على
نقش في البتراء يذكر (أنيس) ولقبه (أخ) .توفيت (شقيلة)
األم في عام (76م) ،وتق ّلد رابيل الثاني الحكم وتزوج من
جميلة التي توجها ملكة.
واتخذ له لقبا ا هو (الملك رابيل ملك األنباط واهب الحياة
والخالص ألمته /لشعبه) ،واختلفت آراء الباحثين في
السبب من اتخاذ رابيل الثاني لهذا اللقب .وفي عهده
بدأت مرحلة تراجع البتراء ،فقد أثر عليها سلبا ا نقل
مراكز التجارة إلى المناطق الشمالية من المملكة ،ففي
عام 45م اكتشف هبالوس أن ريحا ا موسمية تهب من
البحر األحمر بأوقات معينة من السنة تعمل في مساعدة
السفن على عبور البحر بسهولة وسرعة ،وأصبح
التجار يفضلون نقل بضائعهم بحراا لسالمته وخلوه من
دفع الضرائب ،مما سبب تراجع أرباح األنباط ،باإلضافة
الى ظهور تدمر في سوريا مدينة حديثة وقوية.
ومن األحداث السياسية المهمة في عهد الملك رابيل الثاني
قيام بعض القبائل البدوية بثورة عرفت باسم (ثورة دمسي)
لتحقيق مآرب خاصة بها .كما فقد األنباط سيطرتهم على
المناطق الشمالية في منطقة حوران ،وفقدوا الطرق التجارية
ال ّبرية بتحويلها إلى البحر األحمر.
وضمت المملكة النبطية في عام (106م) أي بنهاية حكم
الملك رابيل الثاني إلى اإلمبراطورية الرومانية وتشكلت فيها
الوالية العربية ( )Provincia Arabiaوعاصمتها بصرى،
وذلك عندما قام حاكم سوريا (كورنيليوس بالما–
)Cornelius Palmaبموجب مرسوم من اإلمبراطور
(تراجان 98- 117–Trajanم) بإنهاء حكم األنباط وفرض
السيطرة الرومانية عليهم.