6-تاريخ الدولة الملكية

Download Report

Transcript 6-تاريخ الدولة الملكية

‫تاريخ الدولة الملكية‬
‫ملوك األنباط‬
‫واألوضاع العامة خالل مراحل‬
‫حكمهم‬
‫• تعددت آراء الباحثين وتباينت في ترتيب قائمة‬
‫ملوك المملكة النبطية العربية‪ ،‬إال أن آخر قائمة‬
‫اعتمدت وأصبحت األقرب إلى الصواب‪ ،‬هي تلك‬
‫التي اعتمدت على نقش عثر عليه في منطقة‬
‫(تل الشقيفية) في مصر‪ ،‬بالقرب من وادي‬
‫طميالت ويعود إلى سنة (‪ 77‬ق‪.‬م)‪ ،‬حيث غ ّير‬
‫هذا النقش في قائمة تسلسل ملوك األنباط‬
‫وأضاف عليها أن الملك عبادة األول قد جاء‬
‫عهده بين عهدي الملك الحارث ومالك األول‪.‬‬
‫أوالا‪ :‬الملك الحارث األول (‪ )160 -170/168‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫جاء أول ذكر لملك نبطي نحو عام ‪168-169‬ق‪.‬م‪،‬‬
‫وجاءت أقدم إشارة إلى ذكر ملك نبطي في التوراة‪،‬‬
‫من خالل الحديث عن التنازع الذي حصل بين كل من‬
‫األخوين (جاسون‪ /‬ياسون– ‪ ،)Jason‬و(منيالووس–‬
‫‪ )Menelaus‬في التنافس على الكهانة العليا عن‬
‫اليهود‪ ،‬وعندما حاز عليها (جاسون) ثار‬
‫(منيالووس) فانتزعها منه مما جعل جاسون يلجأ إلى‬
‫(الطاغية–‪ )Tyrant‬زعيم العرب (اريتاس– ‪Aretas‬‬
‫الحارث)‪ ،‬وقام الملك الحارث النبطي بطرده ونفيه‬
‫إلى مصر‪.‬‬
‫وبهذا يرى الباحث أن هذه الحادثة إشارة إلى ملك عربي أو‬
‫حاكم مطلق عرف باسم (الحارث) وأطلق عليه األول‬
‫لتمييزه عمن جاء بعده من ملوك حملوا نفس االسم‪ ،‬وبهذا‬
‫يعد أول وأقدم ملك نبطي وردت أخباره في المصادر‬
‫التاريخية‪ .‬ولكن يجب اإلشارة هنا إلى أن هنالك شاهد قبر‬
‫موجود في متحف دمشق يحمل نقشا ا يذكر اسم ملك نبطي‪،‬‬
‫ويرجع تأريخه إلى القرن الثالث قبل الميالد وبذلك يعد هذا‬
‫أقدم نقش أو نص نبطي مكتشف‪ .‬وتأتي اإلشارة الثانية‬
‫لهذا الملك في نقش (الخلصة – ‪ )Elusa‬اآلرامي اللغة‬
‫وهي المدينة التي تقع بين مدينة عبدة في صحراء النقب‬
‫وبين الميناء النبطي (غزة) على ساحل البحر األبيض‬
‫المتوسط‪.‬‬
‫اختلف الباحثون في تأريخ هذا النقش وفي مدة حكم‬
‫الحارث الثالث‪ ،‬إذ ينفي ستاركي أن يكون عائداا إلى‬
‫ما قبل (‪ )150‬سنة قبل الميالد‪ ،‬ويؤيده الخيري‪،‬‬
‫ويريان أنه يعود الى الحارث الثالث حوالي (‪100‬‬
‫ق‪.‬م) ولم ترد أي معلومات عن األسرة الملكية‬
‫النبطية‪ ،‬ولكن هذه المدة طويلة نستطيع ذكر العديد‬
‫من األحداث خاللها‪ ،‬ففي عام (‪ 146‬ق‪.‬م) ذكر اسم‬
‫أمير عربي يدعى (زابيل – زابديل) سكن جنوب‬
‫مؤاب في منطقة البتراء‪.‬‬
‫ويوجد لدينا نقوش يونانية عثر عليها في‬
‫(بريني – ‪ )Priene‬في آسيا الصغرى تعود إلى‬
‫حوالي (‪ 129‬ق‪.‬م)‪ ،‬تذكر زعيما ا عربيا ا في‬
‫البتراء‪.،‬‬
‫ثانيا ا‪ :‬الملك الحارث الثاني (‪ )96 -110 /120‬قبل الميالد‪.‬‬
‫تعود اإلشارة األولى لهذا الملك إلى كتابات المؤرخ‬
‫يوسيفوس وذلك في حدود عام (‪ 100‬ق‪.‬م)‪ ،‬من خالل‬
‫أحداث نزاع الملك الحشموني الكسندر جنايوس حيث قام‬
‫(جنايوس) باستغالل مرحلة الضعف السياسي التي م ّرت‬
‫بها الدولة السلوقية آنذاك فانتهز الفرصة للتوسع وفرض‬
‫سيطرته واحتل العديد من المدن مثل (أم قيس – ‪)Gadara‬‬
‫شماالا‪( ،‬عمتار – ‪ )Amthus‬و(رفح – ‪)Raphia‬‬
‫والعريش جنوباا‪ ،‬واتجه إلى ميناء غزة وهو الميناء‬
‫الحيوي والمهم للتجارة النبطية‪ ،‬حيث كانت البضائع تنقل‬
‫في القوافل البرية من أواسط آسيا إلى البحر األبيض‬
‫المتوسط وبالد اليونان‪.‬‬
‫وكان سبب غضبه على أهل غزة أنهم قاموا بدعوة‬
‫ملك مصر بطليموس السابع (‪)Ptolemy VII‬‬
‫لزيارتهم‪ ،‬وعندما علم أهل غزة بنوايا (جنايوس)‬
‫باحتالل بالدهم طلبوا يد العون والمساعدة من‬
‫الحارث ملك األنباط آنذاك‪ ،‬فوعدهم بالمساعدة ولكنه‬
‫ولسبب غير معلوم تراجع عن قراره‪ ،‬وس ّلم المدينة‬
‫لإلسكندر جنايوس فنهبها وأحرقها في حدود عام‬
‫(‪ 100‬ق‪.‬م)‪.‬‬
‫يرجح كثير من الباحثين أن الملك الحارث الثاني هو‬
‫الملك العربي المذكور في كتابات (جوستينوس‬
‫ايبتومي– ‪ ،)Justinus Eipitome‬إذ ذكر أنه ملك‬
‫عربي كان يعمل بجد لتوسيع حدود مملكته وفرض‬
‫سيطرته على العديد من المناطق قدر استطاعته‪،‬‬
‫وهذا ما عرف عن الملك النبطي الحارث الثاني من‬
‫وذكر‬
‫نشاط سياسي واقتصادي وعسكري‪.‬‬
‫جوستينوس اسم الملك العربي (‪ )Herotimus‬أي‬
‫(سيد القوم)‪ ،‬فيبدو التشابه بين هذه التسمية وتسمية‬
‫(‪.)Heritat‬‬
‫وت ّم التعرف على السنة التي انتهى بها حكم الملك‬
‫الحارث الثاني من خالل نقش يوضح بداية حكم خلفه‬
‫وهو ولده عبادة األول‪ ،‬عثر عليه في إحدى‬
‫المضافات النبطية قرب منطقة باب السيق والمعروفة‬
‫باسم (تركلينيوم–‪ )Triclinium‬حيث كتب بالخط‬
‫اآلرامي – النبطي المبكر‪ ،‬ويعود إلى األعوام المبكرة‬
‫من القرن األول قبل الميالد (‪ 88-95‬ق‪.‬م)‪ .‬ويرى‬
‫أغلب الباحثين أن سك العملة النبطية قد بدأ في عهد‬
‫هذا الملك‪.‬‬
‫ثالثا ا‪ :‬الملك عبادة األول (‪ )85 -96‬قبل الميالد‪.‬‬
‫يرى ستاركي أن عبادة األول هو ابن الملك‬
‫الحارث الثاني‪ ،‬وأنه تولى الحكم بعد والده مباشرة‬
‫مرتكزاا برأيه على النقش المذكور آنفا ا والذي هو‬
‫لشيخ يدعى (أصلح) إذ جاء في السطر الثالث منه‬
‫اسم الملك عبادة ملك األنباط‪.‬‬
‫ويروي يوسيفوس أن نزاعا ا قد نشب بين عبادة ملك‬
‫العرب والملك اليهودي اإلسكندر جنايوس‬
‫( ‪Alexander Jannaus) (103-76‬ق‪.‬م)‪ ،‬الذي قام‬
‫بتوسيع إطماعه حتى استولى على مؤاب وجلعاد‬
‫وفرض عليهما الجزية‪ ،‬وبذلك ثار األنباط واستطاعوا‬
‫بقيادة ملكهم عبادة األول اإليقاع بجنايوس في كمين‬
‫عمل له في أماكن وعرة في أم قيس (جدارا‬
‫‪ ،)Gadara‬فوقع في واد عميق نجا منه بأعجوبة‪،‬‬
‫وفر هاربا ا إلى القدس بعد فشله في حملته واسترداد‬
‫ّ‬
‫النبطيين لمؤاب وجلعاد وعمون وأماكن أخرى‪.‬‬
‫عزا يوسيفوس فشل (جنايوس) بهذه الحملة إلى‬
‫خيانة أتباعه‪ ،‬ووصفه بغير المتزن إلقحامه اليهود‬
‫في العديد من الحروب التي أدت إلى قتل ما يقارب‬
‫الستة آالف يهودي‪ .‬كما أوضح أن الملك (جنايوس)‬
‫س ّلم النبطيين جلعاد ومؤاب وغيرها من المدن التي‬
‫احتلها األنباط شريطة أن يمتنعوا عن مساعدة خصوم‬
‫(جنايوس) من اليهود والسلوقيين‪ ،‬ليضمن ويأمن ما‬
‫تبقى من مملكته‪ ،‬وبذلك نرى أن األنباط وملكهم‬
‫عبادة األول قد استطاعوا أن يعيدوا سيطرتهم على‬
‫مدنهم المسلوبة بل وامتدت سيطرتهم إلى مناطق في‬
‫الجوالن وحوران‪.‬‬
‫رابعا ا‪ :‬الملك رابيل األول (‪ )84 /85‬قبل الميالد‪.‬‬
‫تعددت اآلراء حول موقع هذا الملك في سلسلة ملوك‬
‫األنباط‪ ،‬كما أن يوسيفوس لم يذكره‪ ،‬ولكن حسب‬
‫نقش البتراء الذي عثرعليه على قاعدة تمثال‪ ،‬ورد‬
‫اسم هذا الملك في السطر األول‪ ،‬وأرخ الناشرون هذا‬
‫النص إلى عهد الملك الحارث الثالث‪ .‬وورد اسم هذا‬
‫الملك (رب ايل العربي – ‪ )Rablel of Aribia‬في‬
‫أثناء ذكر الحملة التي قتل فيها الملك (انطيوخوس‬
‫الثاني عشر ‪Antiochus XII (87-84‬ق‪.‬م)‪.‬‬
‫وجاء في كتابات يوسيفوس أخبار هذه الحملة التي هجم‬
‫فيها األنباط بقيادة ملكهم على جيوش انطيوخوس المتناثرة‬
‫بشراسة وقوة افقدتهم القدرة على القتال وسقط منهم كثير‬
‫من القتلى ومنهم انطيوخوس الذي حاول إعانة جيشه‪،‬‬
‫ولجأ الناجون من هذه المعركة إلى قرية قانا ( ‪ )Cana‬عند‬
‫ساحل يافا‪.‬‬
‫وعلى األغلب فإن رابيل األول هو ابن للملك الحارث الثاني‬
‫وأخ للملك عبادة األول‪ ،‬وذكر هذا الملك في نقش عثر عليه‬
‫في الحجر ولكن لم يرد لقب ملك فيه‪ ،‬ويمكن أن يكون قد‬
‫كتب قبل تنصيبه ملكا ا‪.‬‬
‫خامسا ا‪ :‬الملك الحارث الثالث (المحب لليونان‬
‫)‪ )Philhellene (85/84- 62/61‬قبل الميالد‪.‬‬
‫يعتقد أن الملك الحارث الثالث هو ابن الملك الحارث‬
‫الثاني‪ ،‬وقد اتخذ الحارث الثالث لقب (بازيليوس‪-‬‬
‫‪ )Basilius‬أي (ملك)‪ ،‬وقد ظهر هذا اللقب على‬
‫قطعة نقدية مقلداا بذلك السلوقيين والبطالمة‪.‬‬
‫أصبحت المملكة النبطية في عهد الملك الحارث الثالث‬
‫إحدى القوى التي هددت اليهود‪ ،‬وساعده ملوك‬
‫األنباط الذين سبقوه مثل رابيل األول الذي حقق‬
‫االنتصار على انطيوخوس فأتاح هذا المجال لتصبح‬
‫الدولة النبطية قوية في عهده‪ .‬كما أن االضطرابات‬
‫ومرحلة الضعف والتقهقر التي أصابت المملكة‬
‫السلوقية واإلمبراطورية الرومانية آنذاك أعطت‬
‫الفرصة للحارث الثالث لتثبيت أقدامه في الحكم‬
‫والمضي قدما ا في توسيع مملكته‪ ،‬وأصبح أول ملك‬
‫نبطي يحكم مدينة دمشق‪.‬‬
‫وجاء طلب أهل دمشق لضمهم إلى حكمه بسبب‬
‫كرههم لبطليموس بن معن األيتوري ( ‪Ptolemy‬‬
‫‪ )Mannaeus‬الذي كان يهدف إلى احتالل مدينتهم‬
‫ونهبها لتوسيع حدود مملكته‪ ،‬وأمر الحارث الثالث‬
‫بضرب نقود فضية وبرونزية تشبه القطع النقدية‬
‫السلوقية وذلك بهدف تخليد ذكرى حكمه وسيطرته‬
‫على مدينة دمشق‪ ،‬وكانت هذه القطع تحمل صورة‬
‫الملك واسمه‪.‬‬
‫• وفي حدود عام (‪ 82‬ق‪.‬م) هزم الحارث الثالث‬
‫الحاكم اليهودي إسكندر (جنايوس) على مقربة‬
‫من اللد في قلعة (الحديثة –‪ ،)Adida‬وعقد معه‬
‫صلحا ا لصالح األنباط ثم أعاد الكرة (جنايوس)‬
‫وانتزع حوالي اثنتي عشرة قرية من يد الحارث‬
‫ما لبث بعدها بسنوات ثالث أن مات مريضا ا أثناء‬
‫محاصرته لحصن في شرقي األردن وذلك في‬
‫حدود عام (‪ 77‬ق‪.‬م)‪.‬‬
‫وكان لظهور تيغرانس (دكران األرمني– ‪Tigranes‬‬
‫‪83- 69‬ق‪.‬م)‪ ،‬الذي أسقط مملكة السلوقيين بحدود‬
‫عام (‪ 83‬ق‪ .‬م)‪ ،‬السبب الرئيس في انسحاب الحارث‬
‫الثالث من مدينة دمشق‪ ،‬ولكن نتيجة لمهاجمة أحد‬
‫قادة الرومان مملكة دكران في أرمينيا انسحب عائداا‬
‫إليها‪ ،‬فنزلت دمشق تحت حكم األيطوريين بقيادة‬
‫(بطليموس منايوس)‪ ،‬وبعد ذلك ضمت إلى حلف‬
‫المدن العشر على يد القائد الروماني (بومبي)‪ ،‬في‬
‫حدود عام (‪ 63‬ق‪.‬م)‪.‬‬
‫وبعد وفاة (جنايوس) تزعزعت األوضاع في مملكة يهوذا‬
‫لتنازع ولديه هيركانوس الثاني ( ‪ )Hyrcanus II‬وأرسطو‬
‫بولس الثاني ( ‪ )Aristobulus II‬على الحكم‪ .‬وفي معركة‬
‫أريحا عرض (هيركانوس) الحكم على أخيه (أرسطو‬
‫بولس) مقابل منصب الكاهن األعلى‪ ،‬فوافق أرسطو على‬
‫ذلك مما أثار (أنتيباتر األدومي – ‪ )Antipater‬والي‬
‫آيدوميا حيث أقنع الحارث بأن يمنح اللجوء لهيركانوس‬
‫وعرض عليه المساعدة الستعادة عرشه كونه األخ األكبر‪،‬‬
‫كما أن والدته أوصت بالعرش له بعد وفاتها‪ ،‬وكان هدف‬
‫(انتيباتر) الحصول على منصب عال في الدولة‪ ،‬كما أن‬
‫هدف الحارث الثالث هو استعادة القرى االثنتي عشرة التي‬
‫سلبها منهم والده جنايوس‪.‬‬
‫تحرك الحارث بجيش ضخم متجها ا نحو يهوذا‪،‬‬
‫واستطاع أن يهزم (أرسطو بولس) وإحكام الحصار‬
‫عليه في مدينة القدس‪ ،‬وفي هذه الحقبة كانت طالئع‬
‫الجيوش الرومانية بقيادة (بومبي–‪)Pompeius‬‬
‫تجتاح آسيا وذلك في حوالي عام (‪ 66‬ق‪.‬م) وذهب‬
‫قسم من هذه الطالئع بقيادة سكاوروس (‪)Scaurus‬‬
‫إلى سوريا بهدف االستيالء عليها‪ .‬فذهب ممثلون‬
‫عن كال الفريقين النبطي واليهودي الستمالة الرومان‬
‫لصفه‪ ،‬فما كان من سكاوروس إال أن وقف إلى جانب‬
‫(أرسطو بولس) ألنه األقدر على دفع المال وتقديم‬
‫الهدايا‪.‬‬
‫وهكذا انسحب الملك النبطي الحارث الثالث إلى‬
‫عمان (فيالدلفيا – ‪ ،)Philadelphia‬وعاد‬
‫سكاوروس إلى دمشق‪ .‬إال أن أرسطو بولس لحق‬
‫بالحارث الثالث لينتقم منه على مشارف فيالدلفيا‪،‬‬
‫فقتل ما يقارب الستة آالف جندي في منطقة (بابيرون‬
‫– ‪.)Pupyron‬‬
‫وعندما قدم بومبي إلى سوريا عام (‪ 63 /64‬ق‪.‬م) احتلها‬
‫وأطلق عليها اسم (الوالية السورية) كوالية رومانية‪ ،‬وسلم‬
‫القدس إلى (هيركانوس) عام (‪ 62‬ق‪.‬م)‪ ،‬وذلك بعد أن‬
‫سجن أرسطو بولس ألن أهل القدس رفضوا دخول‬
‫(غابينوس) أحد قادة بومبي إليها‪ ،‬فحاصرهم ثالثة أشهر‪،‬‬
‫ودخلها بعد أن قتل ما يقارب إثني عشر ألفا ا من اليهود‪.‬‬
‫وفي حوالي عام (‪ 62‬ق‪.‬م) وبأوامر (بومبي) قام‬
‫سكاوروس بحملة ضد األنباط‪ ،‬وعندما احتجز سكاوروس‬
‫في طبقة فحل الوعرة أرسل (انتيباتر) إلى الحارث ليكون‬
‫سفيراا لِسكاوروس‪ ،‬حيث أقنع (أنتيباتر) الملك الحارث‬
‫الثالث بدفع ثالثمائة تالنت جزية لتجنيب بالده الحرب‪.‬‬
‫أصدر سكاوروس بعد عودته إلى روما مسكوكات‬
‫فضية تخليداا النتصاره على األنباط مثل سابقتها التي‬
‫أصدرها تخليداا النتصاره على اليهود وملكهم أرسطو‬
‫صور (الحارث) و(أرسطو‬
‫بولس‪ .‬وفي كلتا القطعتين ّ‬
‫بولس) راكعين بجوار جمل ويحمالن جريد النخيل‪،‬‬
‫وكتب أسفل كل منهما اسمه‪( :‬الحارث – ‪)ARETAS‬‬
‫و(باخوس أي أرسطو بولس ‪ ،)BACHUS‬وقد‬
‫ضربت قطعة (أرسطو بولس) في عام (‪ 54‬ق‪.‬م)‪،‬‬
‫أما قطعة (الحارث) فقد ضربت في عام (‪ 58‬ق‪.‬م)‪.‬‬
‫سادسا ا‪ :‬الملك عبادة الثاني (‪ )58 /59 -61 /62‬قبل‬
‫الميالد‪.‬‬
‫أغفلت المصادر التاريخية ذكر هذا الملك‪ ،‬وكان جل ما‬
‫عرف عنه في سنوات حكمه الثالث‪ ،‬من خالل نقوده‪ ،‬ومن‬
‫خالل نقش عثر عليه في البتراء‪ ،‬ويعود إلى السنة األولى‬
‫من حكمه‪ ،‬ويعد هذا النقش أقدم نقش مؤرخ بوضوح إلى‬
‫عام (‪ 62‬ق‪.‬م)‪ ،‬كما يشير إلى أن الملك عبادة هو ابن‬
‫الحارث الثالث‪ .‬وذكر في أيام الملك الحارث الرابع على‬
‫قاعدة تمثال (عبادة اإلله)‪ .‬ويعتقد أن هذا الملك هو أول‬
‫من ضرب قطعا ا فضية من فئة النصف والربع شيقل‪ ،‬وكان‬
‫أول ملك نبطي يضرب مسكوكات بحروف آرامية‪.‬‬
‫بدأت القوة الرومانية في تلك المرحلة تفرض‬
‫سيطرتها في المنطقة بعد غزوهم ليهوذا‪ ،‬فقد‬
‫استولى (بومبي) على المشرق العربي بعد أن‬
‫انتزعه من الحكم اليوناني السلوقي‪ ،‬ومنح‬
‫العديد من المدن المهمة في المنطقة استقالالا‬
‫ذاتياا‪ ،‬وأقيم حلف الديكابولس من أهم عشرة‬
‫مدن تقع في المنطقة الشمالية من األردن‪،‬‬
‫وجنوب سوريا‪ ،‬وأصبح لها طابعها السياسي‬
‫واالقتصادي والثقافي‪.‬‬
‫سابعا ا‪ :‬الملك مالك األول (‪ )30-58 /59‬قبل الميالد‪.‬‬
‫يذكر يوسيفوس أن أحد زعماء اليهود (أنتيباتر) األدومي تزوج‬
‫من امرأة ذات أصول عربية نبطية وتدعى (سيبروس– ‪،)Cypros‬‬
‫أنجب منها عدة أوالد كان من بينهم الملك اليهودي (هيرود الكبير‬
‫– ‪ .)Herod The Elder‬عمل أنتيبابر على إقناع ملك األنباط‬
‫مالك األول بمساعدة (يوليوس قيصر – ‪ )Julius Ceasar‬الحاكم‬
‫الجديد لروما والذي هزم (بومبي) في معركة (فارسالوس –‬
‫‪ )Pharsalus‬للعمل ضد حاكم مصر البطلمي (بطليموس الثاني‬
‫عشر – ‪ ،)Ptolemy XII‬فما كان من مالك إال أن أمدّ (يوليوس‬
‫قيصر) بفرقة من الجيش مكونة من ألف رجل‪ ،‬وذلك أثناء هجومه‬
‫على اإلسكندرية مما جعل (يوليوس قيصر) يكافئ (أنتيباتر)‬
‫بتعيينه حاكما ا على يهوذا‪.‬‬
‫قتل (يوليوس قيصر) عام (‪ 44‬ق‪.‬م) في روما‪،‬‬
‫وتسلم الحكم من بعده القائد الروماني (أنطونيوس –‬
‫‪ 44-30 )Mark Antony‬ق‪.‬م‪ .‬وفي هذه األثناء‬
‫سم (أنتيباتر) ودخل البارثيون (‪ Parthians‬الفرس)‬
‫ُ‬
‫إلى يهوذا‪ ،‬ويذكر يوسيفوس أن هيرود ابن انتيباتر‬
‫فر هاربا ا إلى بالد‬
‫البكر وريث األسرة الحشمونية قد ّ‬
‫األنباط‪ ،‬وبأمر من البارثيين رفض مالك أن يأويه إال‬
‫مدة قصيرة جداا‪.‬‬
‫توجه هيرود بعد ذلك إلى مصر‪ ،‬وخالل ذلك بعث‬
‫له مالك الرسل إلخباره بعدوله عن قرار رفض‬
‫المساعدة‪ ،‬ولكن بعد فوات األوان‪ ،‬فقد كان‬
‫هيرود في طريقه إلى روما‪ .‬وعند وصوله‬
‫لروما ع ّينه الرومان حاكم يهوذا وساعدوه على‬
‫دخولها وطرد البارثيين منها‪ ،‬وكان ذلك في‬
‫حدود عام (‪ 37‬ق‪.‬م)‪.‬‬
‫نعود بالحديث إلى اإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬فبعد أن‬
‫أحب‬
‫قتل (يوليوس قيصر) تسلم (أنطونيوس) الحكم‬
‫ّ‬
‫ملكة مصر كليوبترا ( ‪Cleopatra VII‬‬
‫‪ 51-30 )Philopator‬ق‪.‬م مثل سابقه‪ ،‬وقد طلبت‬
‫من (أنطونيوس) أن يهديها المملكتين النبطية‬
‫واليهودية‪ .‬لكنه اكتفى عام (‪ 34‬ق‪.‬م) بتقديم جزء‬
‫من الساحل الفنيقي ومزارع البلسم (أريحا) وهي‬
‫جزء من المنطقة التابعة لـ (هيرود)‪ ،‬وجزء من‬
‫المملكة النبطية والذي يقع على خليج العقبة‪ ،‬وكان‬
‫على كل من حاكمي الدولة اليهودية والنبطية دفع‬
‫الجزية والتي تقدر بمائتي مثقال فضة لـ (كليوبترا)‪.‬‬
‫لكن الملك النبطي مالكا ا األول لم يلتزم بذلك‪ ،‬فطلبت‬
‫(كليوبترا) من (أنطونيوس) أن يوعز إلى (هيرود)‬
‫تحصيل الجزية من مالك‪ ،‬وعندما فشل أمره بشن‬
‫هجموم عليه‪ .‬بدأ (هيرود) بغزو حوران التي أحرز‬
‫فيها أول انتصاراته‪ ،‬ثم اتجه إلى (قنوات –‬
‫‪ )Canatha‬في منطقة جبل العرب فهزم بها‪ ،‬وطلب‬
‫الصلح من مالك فرفض‪ ،‬فشجع هيرود جيشه والقى‬
‫األنباط بالقرب من فيالدلفيا (عمان) بقيادة‬
‫(الثيموس) فهزم بها‪.‬‬
‫ويرى لولر أن (كليوبترا) وقفت في آخر معركة‬
‫إلى جانب األنباط‪ ،‬وسبب ذلك يعود إلى أنها ال‬
‫تريد قوة مسيطرة في المنطقة‪ ،‬أي أنها أرادت‬
‫أن تضعف قوتين معا ا هما قوة (هيرود) وقوة‬
‫(مالك)‪ .‬وقد عانى الملك النبطي مالك األول من‬
‫بعض الخسائر‪ :‬أوالا خسارة جزء من جيشه‪،‬‬
‫والثانية خسارة مساحة من أرضه‪ ،‬حيث استولى‬
‫هيرود على مساحة كبيرة من األراضي النبطية‪.‬‬
‫حدثت المعركة البحرية (اكتيوم – ‪)Actium‬‬
‫عام ‪ 31‬ق‪.‬م بين القائد الروماني (اكتافيوس –‬
‫‪ )Octavius‬الحقا ا أغسطس من جهة‪،‬‬
‫و(أنطونيوس)‪ ،‬و(كليوبترا) من جهة أخرى‪،‬‬
‫وفيها هزم انطونيوس ثم انتحر‪ ،‬مما جعل‬
‫كليوبترا تسعى الستمالة (اكتافيوس)‪ .‬وعندما‬
‫لم تنجح انتحرت وكان ذلك عام (‪ 30‬ق‪.‬م)‪.‬‬
‫ورد أخر ذكر للملك مالك األول في كتابات يوسيفوس‬
‫حيث طلبت ابنة (هيركانوس) (ألكساندرا) من مالك‬
‫مساعدتها إلعادة الحكم إلى والدها‪ ،‬لكن (هيرود) قام‬
‫بقتل (هيركانوس) الذي مات ضحية لتخطيط ابنته‪،‬‬
‫لكن (اكتافيوس) وقف إلى جانب (هيرود) واقتطع‬
‫بعضا ا من مدن األنباط ووضعها تحت حكمه‪ ،‬مثل‬
‫مدينة غزة الميناء النبطي التجاري‪ ،‬وأم قيس‪،‬‬
‫ومدينة الحصن (‪ )Dion‬والتي تقع إلى الشرق من‬
‫بحيرة طبريا‪.‬‬
‫عثر في قرية (سامح – ‪ )Sammeh‬إلى الجنوب‬
‫الشرقي من مدينة بصرى على نقش في واجهة باب‬
‫يعود تأريخه إلى حكم الملك مالك األول‪ ،‬كما عثر في‬
‫بصرى (‪ )Bostra‬على نقش يعود لعهد الملك نفسه‪،‬‬
‫وجاء في هذا النقش ما يدل على أنه من الممكن أن‬
‫يكون ضريحه في المكان الذي وجد فيه النقش‪ ،‬مما‬
‫جعل لولر يرجح أن الملك النبطي مالكا ا األول قد دفن‬
‫في مدينة بصرى‪ ،‬وهي مدينة األنباط الشهيرة‪.‬‬
‫ثامنا ا‪ :‬الملك عبادة الثالث (‪ )9/8 -30‬قبل‬
‫الميالد‪.‬‬
‫وصفت أغلب المصادر التاريخية الملك عبادة‬
‫الثالث بالخمول وبعدم تحمل المسؤولية‪ ،‬فنجد‬
‫يوسيفوس يصفه بالكسل والتراخي‪ ،‬كما يصفه‬
‫سترابو بأنه لم يكن يعير أمور الدولة أي اهتمام‬
‫سواء السياسية منها أو العسكرية أو الشؤون‬
‫الداخلية‪ .‬وبسبب ذلك اشتهر وزيره الشاب‬
‫(سلي‪ /‬سياليوس – ‪.)Syllaios/ Syllaeus‬‬
‫• كما تذكر المصادر التاريخية سلي – وهو الذي‬
‫عرف للعالم الخارجي بالمسؤول عن أمور الدولة‪،‬‬
‫والمتحمل للمسؤولية‪ ،‬وكان يلقب بأخ الملك وكلمة‬
‫(أخ) هنا ال تعني صلة دم أو قرابة بل تدل على رتبة‬
‫سياسية مهمة تأتي بعد الملك‪ ،‬أو تدل على ثقة‬
‫الملك به وإسناده المهام وجميع أمور الدولة له‪،‬‬
‫فيذكره سترابو بأنه يد الملك اليمنى والمسؤول عن‬
‫األمور اإلدارية‪ ،‬فنراه يسيطر على الحكم خصوصا ا‬
‫في السنوات األخيرة من حكم الملك عبادة الثالث‬
‫وذلك بفضل مكره ومراوغته‪.‬‬
‫كانت العالقات الرومانية في زمن هذا الملك جيدة‪،‬‬
‫فعندما بعث اإلمبراطور الروماني (أغسطس قيصر)‬
‫حملته إلى جنوب العربية السعيدة ( ‪Arabia Fleix‬‬
‫اليمن السعيدة) – بقيادة (اليوس جاليوس – ‪Alleus‬‬
‫‪ )Gallus‬فيما بين (‪ 23 -25‬ق‪.‬م) وهو نائب‬
‫أغسطس) في مصر والتي كان هدفها السيطرة على‬
‫الطرق التجارية وطمعا ا في ثرواتها الكثيرة الوفيرة‪.‬‬
‫كما كان الرومان يريدون السيطرة على هذه التجارة‬
‫دون وسطاء (أي األنباط)‪ ،‬وقد ارتبط اسم األنباط في‬
‫هذه الحملة في أكثر من مكان وأكثر من شكل‪:‬‬
‫•أوالا‪ :‬أن الحملة ستمر من أراض نبطية أو أراض‬
‫موالية لألنباط‪.‬‬
‫•ثانيا ا‪ :‬كلف عبادة الثالث وزيره سلي – سياليوس ‪-‬‬
‫بمرافقة الحملة دليالا إلى بالد اليمن‪.‬‬
‫•ثالثا ا‪ :‬نزل قائد الحملة (اليوس غاليوس) ضيفا ا على‬
‫أحد أقرباء الملك عبادة الثالث واسمه حارثة طلبا ا‬
‫للراحة‪.‬‬
‫•رابعا ا‪ :‬قام الملك عبادة بتزويد الحملة الرومانية‬
‫بفرقة مكونة من (‪ )1000‬رجل‪.‬‬
‫توجهت الحملة الرومانية بسفنها إلى ميناء (لويكي‬
‫كومي – ‪ )Leuke Kome‬كما عرف في المصادر‬
‫الرومانية وهو (القرية البيضاء) التي ذكرها عباس‬
‫باسم (حوارة‪ ،‬ليوقي قومة) في الحجاز‪ ،‬والتي تقع‬
‫على شواطئ البحر األحمر الشرقية‪ ،‬ث ّم وصلت هذه‬
‫الحملة إلى مملكة سبأ‪ ،‬وحاصرت مدينة مأرب‪،‬‬
‫وبسبب قلة المياه أصيب الجيش بالتعب واإلعياء‪،‬‬
‫ففشلت الحملة ولم تستطع االستيالء على المدينة‪،‬‬
‫وعادت تجر أذيال خيبتها‪.‬‬
‫يعزو سترابو فشل الحملة إلى خيانة سلي (سياليوس)‬
‫وزير المملكة النبطية‪ ،‬حيث ذهب متجسسا ا على البالد‬
‫يساعده الرومان في تدميره هذه المدن والقضاء على‬
‫القرى‪ ،‬وأراد أن يصبح حاكمها بعد أن يصيب الجيش‬
‫الروماني التعب واإلعياء‪ ،‬ولكن حقيقة األمر أن (سترابو)‬
‫كان آنذاك صديقا ا لـ (أليوس جاليوس) وهذا يؤثر على‬
‫سترابو في سرده للوقائع ومصداقيتها‪ ،‬وهذا ما أكده ريدل‬
‫عندما وصفه بالمتعصب‪ ،‬كما يذكر كوك أن الخيانة أعيدت‬
‫حياكتها بقلم سترابو‪ ،‬بينما نرى عباس يذكر أن الخيانة‬
‫غير واردة‪ ،‬والسبب أن سلي (سياليوس) سلك الطريق‬
‫المعتادة إلى نجران ومنها إلى نشق (إسكا– عند سترابو)‬
‫ويثيل (أرثوال) ووصل إلى مأرب (مارسيابا)‪.‬‬
‫ولذلك نرى أنه ال يمكن أن يكون األنباط قد ساعدوا‬
‫الرومان في حملة تهدد مصالحهم التجارية في جنوب‬
‫الجزيرة العربية والتي تمثل عماد تجارتهم‪ ،‬ولكن طمع‬
‫سلي (سياليوس) في تمثيل الرومان في جنوب الجزيرة‬
‫العربية سيساعده في الوصول إلى دفة الحكم النبطي وهو‬
‫مطمعه الرئيسي‪.‬‬
‫لقد اتصفت عالقة الدولة اليهودية مع الدولة النبطية في‬
‫عهد الملك عبادة الثالث بالعدائية‪ ،‬و كان سلي (سياليوس)‬
‫يعمل سفيراا لبالده في الخارج‪ ،‬وقام بزيارة (هيرود) دون‬
‫معرفة أسباب هذه الزيارة التي وقع سلي خاللها في حب‬
‫(سالومي – ‪ )Salome‬وبادلته الحب‪ ،‬وكانت على استعداد‬
‫تام للزواج به‪.‬‬
‫وما لبث سياليوس بعد أن عاد إلى البتراء أن ذهب إلى‬
‫القدس ليخطب سالومي‪ ،‬ولكي يعرقل هيرود هذا الزواج‬
‫طلب من سياليوس أن يعتنق اليهودية ليوافق على‬
‫زواجه‪ ،‬فما كان من سياليوس إال أن غضب وعاد إلى‬
‫البتراء يقول‪( :‬لو فعلت ذلك لرجمني بنو قومي)‪.‬‬
‫ويذكر يوسيفوس أن هيرود سافر إلى روما عام (‪12‬‬
‫ق‪.‬م)‪ ،‬وألسباب سياسية خالل مدة غيابه ثار سكان‬
‫منطقة اللجا (الطرخونية) التابعة له‪ ،‬واستطاع ضباطه‬
‫إخماد هذه الثورة‪ ،‬ولكن هرب حوالي (‪ )40‬رجالا من‬
‫رجال هذه الثورة إلى بالد األنباط‪ .‬وبدوره قدم‬
‫سياليوس يد العون لهم وآواهم وشجعهم‪.‬‬
‫• وعند عودة هيرود إلى بالده أرسل لسياليوس يطالبه‬
‫بتسليم الفارين وبإعادة الدّ ين الذي اقترضه باسم الملك‬
‫عبادة الثالث‪ ،‬ولكن سياليوس رفض‪ ،‬فعرض هيرود‬
‫األمر على حكام سوريا الرومان (ساترنينس‬
‫وقولومينوس) الذين أعطوا لسياليوس مهلة لتسليم‬
‫الهاربين وإعادة المال المقترض‪ ،‬ول ّما لم يفعل‬
‫سياليوس ولم يف بوعوده لحكام سوريا‪ ،‬سافر إلى‬
‫روما لمقابلة (أغسطس) وذلك ليعرض عليه األمر‬
‫عرج على مدينة‬
‫ويستميله إلى جانبه‪ ،‬وفي رحلته هذه ّ‬
‫(مليتوس) وترك هناك نقشا ا مزدوج اللغة (يوناني –‬
‫نبطي)‪.‬‬
‫وفي هذا الوقت طلب هيرود من حكام سوريا أن يأذنوا له‬
‫بالذهاب إلى بالد األنباط السترداد المال والفارين‪ ،‬فجهز‬
‫حملة واتجه قاصداا الحصن الذي اختبأ فيه الفارون منه‪،‬‬
‫وعندما علم األنباط بهذه الحملة جهزوا حملة بقيادة شخص‬
‫اسمه (نقيب) أو برتبة (نقيب–‪ ،)Neceb‬والتقى الجيشان في‬
‫منطقة حوران في (‪ ،)Ravena‬وقتل بهذه المعركة القائد‬
‫النبطي وعدد من جيشه‪ ،‬علم سياليوس بما حدث وقام بتبليغ‬
‫اإلمبراطور الروماني (أغسطس) ولكن بطريقة مثيرة مما‬
‫جعل أغسطس يستشيط غضبا ا من (هيرود)‪ ،‬كما رفض‬
‫استقبال سفرائه وأرسل رسالة يتوعده بها ويتهدده‪ ،‬وأثناء‬
‫وجود سياليوس في روما بلغه خبر وفاة الملك عبادة‬
‫واستالم الملك الحارث الرابع الحكم‪ ،‬فشعر بالخيبة لذلك‪.‬‬
‫وغضب (أغسطس) لعدم استئذان الحارث له باستالم‬
‫العرش‪ .‬فبعث الحارث الرابع إلى (أغسطس) رسالة يبين‬
‫فيها كيد سياليوس وأتهمه بأنه قام بتسميم الملك عبادة‪،‬‬
‫مما شكك في مصداقية سياليوس عند أغسطس‪ ،‬فقام‬
‫األخير بإصدار األمر بقطع رأس سياليوس‪ ،‬وت ّم ذلك خالل‬
‫زيارته لروما عام (‪ 6‬ق‪.‬م)‪ .‬ثم مات هيرود عام (‪ 4‬ق‪.‬م)‬
‫وقسمت مملكته بين عدد من الورثة‪ ،‬فذهب نصفها إلى‬
‫(ارخيالوس)‪ ،‬واستلم (فيليب) منطقة اللجا وحوران‬
‫والبثنية‪ ،‬وأخذ (انتيباس) منطقة الجليل ومنطقة عبر‬
‫األردن‪ ،‬وأضيفت غزة وجدر وهيبوس إلى الوالية‬
‫السورية‪ .‬وفي عهد عبادة الثالث تطورت النقود تطوراا‬
‫ملموسا ا من حيث المواضيع التي عكستها‪.‬‬
‫تاسعا ا‪ :‬الملك الحارث الرابع (‪ 9‬قبل الميالد ‪ 40 -‬ميالدية)‪.‬‬
‫لم ينتقل الحكم إلى الملك الحارث الرابع وريث الملك عبادة الثالث‬
‫بسهولة‪ ،‬وذلك بسبب الوزير (سلي – سياليوس) الذي حاول‬
‫بدسائسه عند اإلمبراطور الروماني أغسطس عرقلة األمر ليفوز‬
‫بالحكم في دولة األنباط‪ ،‬فقام الحارث الرابع بإخبار أغسطس أن‬
‫سياليوس هو من قتل الملك عبادة الثالث‪ ،‬وأنه قام بالعديد من‬
‫المؤامرات ون ّظم اغتياالت عدّة ذهب ضحيتها عدد من رجاالت‬
‫وأعيان األنباط‪ ،‬وس ّبب تدهور لألوضاع االقتصادية‪ .‬كذلك كان‬
‫من أسباب صعوبة انتقال الحكم للحارث الرابع غضب اإلمبراطور‬
‫الروماني لعدم استشارة الحارث الرابع له عند استالم العرش‪،‬‬
‫مما يعني عدم اعترافه بسلطة الرومان العليا على المنطقة‪.‬‬
‫لم تجد محاوالت الحارث الرابع الستمالة‬
‫اإلمبراطور الروماني نفعا ا‪ ،‬حيث يعتقد أن‬
‫سياليوس قد وعد اإلمبراطور أغسطس بهدايا‬
‫من الفضة‪ ،‬إذا ت ّم تنصيبه ملكا ا على األنباط‪ .‬لذا‬
‫طرد أغسطس وفد الحارث الرابع وأعاد هداياهم‬
‫مقلالا من قيمتها‪ ،‬على الرغم من أنها كانت‬
‫ثمينة جدا ومنها تاج من الذهب الخالص‪.‬‬
‫ومن زاوية أخرى يبدو أن العالقات بين األنباط واليهود‬
‫كانت سيئة نتيجة لما أوصله سياليوس إلى اإلمبراطور‬
‫أغسطس عن الحملة اليهودية ضد بالد األنباط‪ ،‬مما أغضب‬
‫أغسطس فرفض استقبال سفراء هيرود الذين جاؤوا له‬
‫لتبرير موقفه‪ .‬ولكن إصرار هيرود على إضعاف حجة‬
‫سياليوس والقضاء عليه دفعه إلى أن يبعث مندوبا خاصا ا‬
‫لتخفيف غضب أغسطس‪ ،‬وإعادة الثقة والعالقات معه‪،‬‬
‫فأوكل هذه المهمة إلى (نيقوال الدمشقي) ونفر من أتباع‬
‫سياليوس سابقا ا والذين سيشهدون ضده ويؤكدون أنه قاتل‬
‫عبادة وأنه مخادع‪ .‬وفعالا نجح (نيقوال الدمشقي) في‬
‫مهمته وقلب الموازين ضد سياليوس‪ ،‬ويقال أن أغسطس‬
‫أمر بإعدامه في حوالي عام (‪ 6 /5‬ق‪.‬م)‪.‬‬
‫ويخبرنا يوسيفوس أنه عندما تسلم الحارث الرابع‬
‫العرش النبطي كان اسمه (اينياس – ‪ ،)Aeneas‬ثم‬
‫قام بتغييره إلى الحارث (ارتياس – ‪ )Aretas‬وهو‬
‫اسم لعدد من ملوك سبقوه‪ ،‬وورد في النقوش النبطية‬
‫بكثرة‪ ،‬ويرى رتشه أن اسم هانئ (هـ ن أ و) الذي‬
‫ورد في نقش في مدينة (بيتولي) اإليطالية يمثل‬
‫االسم القديم للحارث الرابع‪ ،‬ويطابق هذا االسم‬
‫(اينياس) الذي وجد في كتابات يوسيفوس‪ ،‬وهو اسم‬
‫شائع بين األسماء النبطية وإن لم يرد ضمن أسماء‬
‫ملوك األنباط‪.‬‬
‫وتعد مرحلة حكم هذا الملك النبطي من أطول مراحل حكم‬
‫الملوك بل وأكثرها ازدهاراا في تاريخ المملكة النبطية‪ ،‬إذ‬
‫دامت قرابة نصف قرن‪ ،‬بدأها الحارث الرابع بعالقة ودية‬
‫مع اليهود حين تزوج الملك اليهودي األدومي (هيرود‬
‫انتيباس – ‪Herod Antipas) (4‬ق‪.‬م – ‪39‬م) حاكم يهوذا‬
‫وصاحب الجليل وهو ابن هيرود الكبير من ابنة الحارث‬
‫الرابع‪ ،‬ولكن لم تلبث العالقات أن عادت لمجراها في‬
‫العدائية بسبب وقوع (انتيباس) بحب (هيروديا) زوجة أخيه‬
‫(فيليب – ‪Philip) (4‬ق‪.‬م – ‪34‬م)‪ ،‬وهو صاحب اللجا‬
‫وحوران والبثنية‪.‬‬
‫والتي اشترطت لتوافق على الزواج منه أن يطلق‬
‫زوجته النبطية ابنة الحارث الرابع‪ ،‬كما أنها تسببت‬
‫بمقتل (يوحنا المعمدان) العتراضه على زواجهما‪،‬‬
‫ووصل الخبر إلى ابنة الحارث فأدركت ما سيحل‬
‫بها‪ ،‬فهربت ليالا عائدة إلى أبيها يساعدها في‬
‫الطريق كل حاكم تابع لوالدها‪ ،‬وكانت قلعة مكاور‬
‫(مخايروس – ‪ )Machairos‬قرب مادبا هي الحد‬
‫الفاصل بين أمالك الحارث الرابع وأمالك انتيباس‬
‫زوجها‪ ،‬ومن ثم غادرت مكاور إلى مادبا ومنها إلى‬
‫البتراء‪ ،‬وكان ذلك عام (‪27‬م)‪.‬‬
‫وعندما علم الحارث بما حلّ بابنته من ذل ّ قرر االنتقام‪ ،‬ولكنه‬
‫لم يستعجله بل تحين الفرصة حتى عام (‪34‬م) فجهز جيشا ا‬
‫انتصر به على أنتيباس بالقرب من (جماال – ‪)Gamala‬‬
‫شمالي نهر اليرموك‪ ،‬وإلى الشرق من بحيرة طبريا‪ .‬وعند‬
‫ذلك استنجد أنتيباس باإلمبراطور الروماني (تيبيروس ‪-‬‬
‫‪Tiberius ) (14- 37‬م) فاستجاب اإلمبراطور (تيبريوس)‬
‫وأوعز إلى حاكم سوريا (فيتليوس – ‪ )Vitellius‬التوجه‬
‫للبتراء وإحضار الحارث الرابع حيا ا أو ميتاا‪ ،‬وبينما كانت‬
‫الحملة الرومانية بقيادة حاكم سوريا في طريقها إلى البتراء‬
‫وصلها خبر وفاة اإلمبراطور (تيبيريوس) ففشلت ونجا‬
‫الحارث‪ .‬وساءت أحوال أنتيباس بعدها فنحاه الرومان عن‬
‫العرش ونفوه الى أسبانيا عام (‪37‬م) وبقي هناك حتى مات‪.‬‬
‫ويعد الحارث الرابع أبرز ملوك األنباط‪ ،‬إذ استطاع المحافظة‬
‫على بالده وعلى استقاللها دون أن يحتك بالرومان‪ ،‬ويذكر‬
‫(زيادين) أن سيطرة األنباط على الطرق التجارية في جزء‬
‫كبير من الصحراء العربية وصحراء النقب والضفة الشرقية‬
‫لألردن وحوران مدة ثالثة قرون على األقل في عهد هذا‬
‫الملك كان لها الدور األكبر واألبرز في أسباب تطور الحضارة‬
‫النبطية‪.‬‬
‫وعثر في العديد من المناطق منها ميناء (أوستيا – ‪)Ostia‬‬
‫الروماني الذي يقع في إيطاليا قرب مدينة روما‪ ،‬و(بيتولي –‬
‫‪ )Puteoli‬في إيطاليا أيضا ا‪ ،‬وجرها على الخليج العربي‬
‫على كثير من النقوش التي تدل على أن التجارة النبطية‬
‫وصلت إلى مختلف أقطار العالم القديم‪ ،‬فتعدت حدود مملكته‪.‬‬
‫اهتم الحارث الرابع بالعمران في مملكته‪ ،‬ونالت البتراء حصتها من‬
‫التطوير العمراني إذ تعود العديد من المباني والنصب التذكارية‬
‫وغيرها من المظاهر العمرانية إلى مرحلة حكمه مثل معبد البنت‬
‫والمسرح النبطي‪ .،‬وتحولت مدائن صالح (الحجر) إلى مدينة كبيرة‬
‫وربما كانت قاعدة عسكرية‪ ،‬فقد رأى ضرورة إعمارها لتصلح مركزاا‬
‫للدولة النبطية مستقبالا اذا تراجع الوضع االقتصادي‪ ،‬وخسروا‬
‫التجارة البحرية‪ ،‬وستتناقص حصتهم من التجارة البرية وذلك بسبب‬
‫تغير طرق التجارة‪ ،‬لذلك اتجه نحو الجنوب لتعويض الخسائر وتقوية‬
‫وضعه االقتصادي وتحويل الطريق التجاري عبر بصرى‪ ،‬وقد وجد‬
‫أكثر من ‪ 20‬واجهة منحوتة لقبور في مدائن صالح من أصل ‪32‬‬
‫تحمل نقوشا ا تعود الى حقبة حكم الحارث الرابع‪ .‬كما أن أفضل وأرقى‬
‫أنواع الفخار النبطي الرقيق الملون ( ‪Egg-Shell Nabatean‬‬
‫‪ )Painted Pottery‬يرجع في صناعته إلى عهد الملك الحارث‬
‫الرابع حيث انتشر إلى مناطق خارج النفوذ النبطي‪.‬‬
‫أما امتداد رقعة سيطرة المملكة النبطية في عهد الملك‬
‫الحارث الرابع فقد كانت تضم جنوبي فلسطين وسورية‬
‫الجنوبية الشرقية وشمالي شبه الجزيرة العربية‪ ،‬وكان‬
‫يفصل القسم السوري عن قسم شرقي األردن منطقة المدن‬
‫العشر (الديكابولس – ‪ )Decapolis‬وكان وادي السرحان‬
‫الرابط بين هذين القسمين‪.‬‬
‫اهتم الحارث الرابع بالزراعة خصوصا ا في مدن النقب في‬
‫عبدة‪ ،‬وممبسيس (كرنب) ونصتان (عوجا الحفير) وخلصة‬
‫وسبيطة‪ ،‬وذلك حتى يضمن لشعبه األمن واالستقرار‬
‫الري المتقدمة‬
‫ووسائل العيش البديلة‪ ،‬ويدل على ذلك نظم ّ‬
‫وتجميع مياه األمطار وتوصيلها باألراضي الزراعية‪.‬‬
‫واتخذ لنفسه لقبا ا وضعه على مسكوكاته النقدية وهو (رحم‬
‫عمه) أي (المحب ألمته‪ /‬لشعبه) فقد ورد هذا اللقب في‬
‫العديد من النقوش‪ ،‬وربما يعود سبب اختياره هذا اللقب هو‬
‫محاولته التقرب من شعبه وبيان مدى أهميتهم له‪ .‬وورد‬
‫له لقب آخر هو (المحب ألبيه – ‪ )Philopatris‬وقد ورد‬
‫في النقوش الثنائية اللغة (النبطية – اليونانية)‪.‬‬
‫وضرب العديد من المسكوكات بكميات كبيرة‪ ،‬يقول‬
‫(ميشورير) إن من بين كل عشر قطع نقدية نبطية تعود‬
‫ثمانية منها إلى عهد الملك الحارث الرابع‪ ،‬وقد عثر على‬
‫نقد الحارث في العديد من المناطق مثل آسيا الوسطى‬
‫واليونان وإيطاليا‪ ،‬وعبده وكرنب ونتسانة‪ ،‬وجرش‪،‬‬
‫ومسعدة‪.‬‬
‫عاشراا‪ :‬الملك مالك الثاني (ملك األنباط) (‪ )70-40‬ميالدية‪.‬‬
‫هو ابن الملك الحارث الرابع ووريثه‪ ،‬ويذكر بعض الدارسين‬
‫أن مرحلة حكمه اتسمت بالركود السياسي واالقتصادي‪ ،‬وقد‬
‫عثر على مجموعة نقوش تحمل اسم هذا الملك‪ ،‬منها نقش‬
‫على قبر يعود إلى السنة األولى من حكمه‪ ،‬عثر عليه في‬
‫مدينة أم الرصاص قرب مادبا‪ .‬وعثر في مدينة الحجر على‬
‫ستة نقوش قبرية تعود إلى ما بين السنة (‪ )24-23‬من‬
‫حكمه‪ ،‬وفي البتراء نقش يذكر أنه أول أبناء الحارث‬
‫الرابع‪ ،‬ونقش في صلخد يذكر اسمه وأنه ابن الحارث ويعود‬
‫إلى السنة السابعة عشرة من حكمه‪ ،‬ونقش آخر في وادي‬
‫موسى‪ ،‬وأخر في عبدة في منطقة النقب‪.‬‬
‫ذكر يوسيفوس مالكا ا الثاني مرة واحدة وذلك من‬
‫خالل الحديث عن مساعدته للقائد الروماني (تيطس –‬
‫‪ )Titus‬ووالده (فاسبسيان – ‪)Vespasianus‬‬
‫(‪79-69‬م) عندما جهزوا حملة عسكرية لمهاجمة‬
‫اليهود‪ ،‬فوافاهم مالك عند منطقة عكا عام (‪67‬م)‪،‬‬
‫وأمدّهم بألف رجل من الخيالة وخمسة آالف من‬
‫المحاربين المشاة ورماة السهام‪ .‬وقد انتهى هذا‬
‫الهجوم بتدمير المدينة المقدسة وإحراق الهيكل‬
‫وتشتيت اليهود وتفكيك كيانهم السياسي في المنطقة‪.‬‬
‫تراجع التقدم النبطي في بداية حكم مالك الثاني‪ ،‬إذ‬
‫جرى تحويل طريق التجارة الذي يصل الجزيرة‬
‫العربية بالبحر األبيض المتوسط عبر البتراء إلى‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬كما فقد األنباط خالل سنوات حكمه مدينة‬
‫دمشق‪.‬‬
‫وفي دراسة الخيري تبين أن مالكا ا الثاني تابع مسيرة‬
‫والده الحارث الرابع في إعمار المنطقة الجنوبية‪،‬‬
‫حيث حملت أكثر من ثماني واجهات منحوتة في‬
‫الصخر في مدائن صالح (الحجر) نقوشا ا ترجع إلى‬
‫مرحلة حكمه‪ ،‬ولم يحدث مالك الثاني تغيرات جذرية‬
‫في نظام ضرب النقد في عهده‪.‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬الملك رابيل الثاني (‪ )106 -70‬ميالدية‪.‬‬
‫يعد هذا الملك آخر ملوك األنباط‪ ،‬وهو ابن الملك مالك‬
‫الثاني‪ ،‬توفي والده وهو ال يزال صغير السن‪ ،‬فنصبت‬
‫والدته (شقيلة) وصية عليه خالل السنوات السبع األولى‬
‫من حكمه أي حتى عام (‪76‬م)‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة هنا أنه خالل السنوات السبع التي تولت‬
‫فيها (شقيلة) الحكم وصية على رابيل كان وزيرها المدعو‬
‫(أنيس) يساعدها في تصريف أمور الدولة‪ ،‬وقد عثر على‬
‫نقش في البتراء يذكر (أنيس) ولقبه (أخ)‪ .‬توفيت (شقيلة)‬
‫األم في عام (‪76‬م)‪ ،‬وتق ّلد رابيل الثاني الحكم وتزوج من‬
‫جميلة التي توجها ملكة‪.‬‬
‫واتخذ له لقبا ا هو (الملك رابيل ملك األنباط واهب الحياة‬
‫والخالص ألمته‪ /‬لشعبه)‪ ،‬واختلفت آراء الباحثين في‬
‫السبب من اتخاذ رابيل الثاني لهذا اللقب‪ .‬وفي عهده‬
‫بدأت مرحلة تراجع البتراء‪ ،‬فقد أثر عليها سلبا ا نقل‬
‫مراكز التجارة إلى المناطق الشمالية من المملكة‪ ،‬ففي‬
‫عام ‪45‬م اكتشف هبالوس أن ريحا ا موسمية تهب من‬
‫البحر األحمر بأوقات معينة من السنة تعمل في مساعدة‬
‫السفن على عبور البحر بسهولة وسرعة‪ ،‬وأصبح‬
‫التجار يفضلون نقل بضائعهم بحراا لسالمته وخلوه من‬
‫دفع الضرائب‪ ،‬مما سبب تراجع أرباح األنباط‪ ،‬باإلضافة‬
‫الى ظهور تدمر في سوريا مدينة حديثة وقوية‪.‬‬
‫ومن األحداث السياسية المهمة في عهد الملك رابيل الثاني‬
‫قيام بعض القبائل البدوية بثورة عرفت باسم (ثورة دمسي)‬
‫لتحقيق مآرب خاصة بها‪ .‬كما فقد األنباط سيطرتهم على‬
‫المناطق الشمالية في منطقة حوران‪ ،‬وفقدوا الطرق التجارية‬
‫ال ّبرية بتحويلها إلى البحر األحمر‪.‬‬
‫وضمت المملكة النبطية في عام (‪106‬م) أي بنهاية حكم‬
‫الملك رابيل الثاني إلى اإلمبراطورية الرومانية وتشكلت فيها‬
‫الوالية العربية (‪ )Provincia Arabia‬وعاصمتها بصرى‪،‬‬
‫وذلك عندما قام حاكم سوريا (كورنيليوس بالما–‬
‫‪ )Cornelius Palma‬بموجب مرسوم من اإلمبراطور‬
‫(تراجان ‪98- 117–Trajan‬م) بإنهاء حكم األنباط وفرض‬
‫السيطرة الرومانية عليهم‪.‬‬