الذي يراك حين تقوم خلق هللا الخلق وابتالهم لينظر كيف يعملون ، وجعل الجنة محفوفة بالمكاره والنار محفوفة بالشهوات ، فمن راقب هللا في سره.

Download Report

Transcript الذي يراك حين تقوم خلق هللا الخلق وابتالهم لينظر كيف يعملون ، وجعل الجنة محفوفة بالمكاره والنار محفوفة بالشهوات ، فمن راقب هللا في سره.

‫الذي يراك حين تقوم‬
‫خلق هللا الخلق وابتالهم لينظر كيف يعملون‪ ،‬وجعل‬
‫الجنة محفوفة بالمكاره والنار محفوفة بالشهوات‪،‬‬
‫فمن راقب هللا في سره وعلنه وتذكر نظر هللا إليه عند‬
‫المعصية فاجتنبها فاز برضاه‪ ،‬وإال فيا خسارته‬
‫وبواره!‬
‫مراقبة هللا‬
‫أحبتي!‬
‫كثير من الناس وجودهم كالعدم‪ ،‬لم يتأملوا دالئل الوحدانية‪ ،‬ولم يقفوا عند أوامر هللا‬
‫ونواهيه‪ ،‬هم كاألنعام بل هم أضل‪ ،‬إن وافق الشرع مرادهم قبلوه وإن لم يوافق تركوه‪،‬‬
‫إن حصلوا على الدرهم والدينار رضوا وأخذوه‪ ،‬ولم يبالوا من حالل أم من حرام‬
‫كسبوه‪ ،‬إن سهلت عليهم الصالة فعلوها‪ ،‬وإن لم تسهل تركوها‬
‫من تفكر في العواقب أخذ الحذر! ومن أيقن بطول الطريق تأهب للسفر! تمضي السنون‬
‫وتنقضي األيام والناس تلهو واألنام نيام والناس تسعى للحياة بغفلة لم يذكروا القرآن‬
‫واإلسالم والمال أصبح جمعه كتهجد وتمتع الشهوات صار قيام قد زين الشيطان كل رذيلة‬
‫والناس تفعل ما تريد حرام يا نفس يكفي فالذنوب كثيرة إن الغرور يسبب اإلجرام هل تعلم‬
‫اليوم المحدد وقته هللا يعلم وحده العالم ماذا تقول إذا حملت جنازة ودفنت بالقبر الشديد‬
‫ظالم هذا السؤال فهل علمت جوابه ماذا تجيب إذا نطقت كالم من ذا نصيرك إن روحك‬
‫غرغرت جاء المفرط كي يقول ختام اليوم تفعل ما تشاء وتشتهي وغداً تموت وترفع األقالم‬
‫يروى أن عيسى بن مريم عليه السالم رأى الدنيا في صورة عجوز هتماء عليها من كل‬
‫زينة فقال لها‪ :‬كم تزوجت؟ فقالت‪ :‬ال أحصيهم! قال‪ :‬فكلهم مات عنك أو كلهم طلقك؟ قالت‪:‬‬
‫بل كلهم قتلت! فقال عيسى عليه السالم‪ :‬بؤسا ً ألزواجك الباقين كيف ال يعتبرون بأزواجك‬
‫الماضين؟‪.‬‬
‫اعلم رعاك هللا! واسمعي بارك هللا فيك! ال يقطع الطريق إال بالصبر والتسلية‬
‫كما قيل‪ ،‬فإن تشكت فعللها المجرة من ضوء الصباح وعدها بالرواح ضحى‪.‬‬
‫حكي عن بشر الحافي أنه سار ومعه رجل في طريق طويل فعطش صاحبه فقال‬
‫له‪ :‬نشرب من هذه البئر‪ ،‬فقال بشر‪ :‬اصبر إلى البئر األخرى‪ ,‬فلما وصال إليها‬
‫قال له‪ :‬اصبر إلى البئر األخرى‪ ،‬فما زال يعلله ويصبره ثم قال‪ :‬هكذا تنقطع‬
‫الدنيا‪ ،‬بالصبر والتصبير‪.‬‬
‫فدرب النفس على هذا األصل وتلطف بها وعدها الجميل لتصبر على ما قد‬
‫حملت‪.‬‬
‫كان بعض السلف يقول لنفسه‪ :‬وهللا ما أريد بمنعك هذا الذي تحبين إال من‬
‫اإلشفاق عليك‬
‫فمن هجر اللذات نال على المنى ومن عشق اللذات عض على اليد ففي‬
‫قمع أهواء النفوس اعتزازها وفي نيلها ما تشتهي ذل سرمد‬
‫آية ومعنى‬
‫آية ومعنى‪ :‬قال سبحانه‪:‬‬
‫ِيم * الَّذِي َي َرا َك حِينَ َتقُو ُم * َو َت َقل َب َك فِي‬
‫يز َّ‬
‫{ َو َت َو َّكلْ َعلَى ا ْل َع ِز ِ‬
‫الرح ِ‬
‫م} [الشعراء‪.]220 - 217:‬‬
‫سا ِجدِينَ * إِ َّن ُه ه َُو ال َّ‬
‫ال َّ‬
‫سمِي ُع ا ْل َعلِي ُ‬
‫قال السعدي رحمه هللا‪ :‬وأعظم مساعد للعبد على القيام بما أمر به‬
‫االعتماد على ربه‪ ،‬واالستعانة بمواله على توفيقه للقيام بالمأمور‪،‬‬
‫ِيم}‬
‫يز َّ‬
‫فذلك أمر هللا تعالى بالتوكل عليه فقال‪َ { :‬و َت َو َّكلْ َعلَى ا ْل َع ِز ِ‬
‫الرح ِ‬
‫[الشعراء‪]217:‬‬
‫والتوكل‪ :‬هو اعتماد القلب على هللا تعالى في جلب المنافع ودفع‬
‫المضار‪ ،‬مع ثقته باهلل وحسن ظنه بحصول مطلوبه‪ ،‬فإنه عزيز‬
‫رحيم بعزته يقدر على إيصال الخير ودفع الشر عن عبده وأمته‪،‬‬
‫وكل ذلك برحمته‪.‬‬
‫ثم نبهه عند فعل األوامر وترك النواهي باستحضار قرب هللا والنزول في‬
‫منزل اإلحسان فقال‪:‬‬
‫سا ِجدِينَ } [الشعراء‪،]219 - 218:‬‬
‫{الَّذِي َي َرا َك حِينَ َتقُو ُم * َو َت َقل َب َك فِي ال َّ‬
‫أي يراك في هذه العبادة العظيمة التي هي الصالة‪ ،‬يراك وقت قيامك وتقلبك‬
‫راكعا ً ساجداً‪ ،‬خصها بالذكر ‪-‬يعني الصالة‪ -‬لفضلها وشرفها‪ ،‬وال بد من‬
‫استحضار القلب حين فعلها‪ ،‬ألنه من استحضر فيها قرب ربه خشع وذل‬
‫وأكملها‪ ،‬وبتكميلها يكمل سائر عمله ويستعين بها على جميع أموره‪.‬‬
‫سمِي ُع ا ْل َعلِي ُم} [الشعراء‪ ]22:‬أي‪ :‬السميع لسائر األصوات على‬
‫ثم قال‪{ :‬إِ َّن ُه ه َُو ال َّ‬
‫اختالف تشتتها وتنوعها‪ ،‬والعليم الذي أحاط بالظواهر والبواطن والغيب‬
‫والشهادة‪.‬‬
‫فاستحضار العبد رؤية هللا له في جميع أحواله وسمعه لكل ما ينطق به‬
‫وعلمه بما ينطوي عليه قلبه من الهم والعزم والنيات يعينه على بلوغ‬
‫منزلة اإلحسان‪.‬‬
‫معنى اإلحسان والمراقبة‬
‫فما هو اإلحسان؟ اإلحسان جاء في الحديث الصحيح عند مسلم في حديث وصف اإلسالم‬
‫واإليمان لما سئل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن اإلحسان قال‪:‬‬
‫(أن تعبد هللا كأنك تراه‪ ،‬فإن لم تكن تراه فإنه يراك)‪.‬‬
‫نعم يراك ويعلم سرك ونجواك‪ ،‬في الصحراء يراك‪ ،‬في الجو أو في السماء يراك‪ ،‬إن كنت‬
‫وحيداً رآك‪ ،‬أو كنت في جمع رآك‪،‬‬
‫ج فِي َها َو ُه َو َم َع ُك ْم أَ ْينَ‬
‫س َم ِ‬
‫{ َي ْعلَ ُم َما َيلِ ُج فِي األَ ْر ِ‬
‫اء َو َما َي ْع ُر ُ‬
‫ج ِم ْن َها َو َما َي ْن ِزل ُ مِنَ ال َّ‬
‫ض َو َما َي ْخ ُر ُ‬
‫َما ُك ْن ُت ْم َو َّ‬
‫هللاُ ِب َما َت ْع َملُونَ َبصِ ير}‬
‫[الحديد‪.]4:‬‬
‫معنى اإلحسان‪ :‬استحضار عظمة هللا ومراقبته في كل حال‬
‫فما هي المراقبة؟‬
‫قال ابن القيم رحمه هللا في مدارج السالكين من منازل إياك نعبد وإياك نستعين‪:‬‬
‫المراقبة هي دوام علم العبد وتيقنه باطالع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه‪،‬‬
‫فاستدامته لهذا العلم واليقين بذلك هي المراقبة‪ ،‬وهي ثمرة علمه بأن هللا سبحانه رقيب‬
‫عليه ناظر إليه سامع لقوله مطلع على عمله‪ ،‬ومن راقب هللا في خواطره عصمه هللا في‬
‫حركات جوارحه‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬وهللا إني ألستحي أن ينظر هللا في قلبي وفيه أحد سواه‪.‬‬
‫قال ذو النون‪ :‬عالمة المراقبة إيثار ما أنزل هللا‪ ،‬وتعظيم ما عظم هللا‪ ،‬وتصغير ما صغر‬
‫هللا‪.‬‬
‫وقال إبراهيم الخواص‪:‬‬
‫المراقبة‪ :‬خلوص السر والعلن هلل جل في عاله‪ ،‬من علم أن هللا يراه حيث كان‪ ،‬وأن هللا‬
‫مطلع على باطنه وظاهره وسره وعالنيته‪ ،‬واستحضر ذلك في خلوته أوجب له ذلك العلم‬
‫واليقين‪.‬‬
‫كان بعض السلف يقول ألصحابه‪ :‬زهدنا هللا وإياكم في الحرام زهد من قدر عليه في‬
‫الخلوة فعلم أن هللا يراه فتركه من خشيته جل في عاله‪.‬‬
‫أسماء هللا الحسنى وأثرها على من استحضرها‬
‫فهيا معا ً أحبتي ننظر في معاني هذه األسماء وآثارها‪.‬‬
‫من آثار هذه المعاني والصفات‪ :‬اعلم بارك هللا فيك واعلمي رعاك هللا! أن أسماء هللا‬
‫الحسنى هي التي أثبتها هللا تعالى لنفسه وأثبتها له عبده ورسوله محمد صلى هللا عليه‬
‫وسلم وآمن بها جميع المؤمنين قال تعالى‪:‬‬
‫س ُي ْج َز ْونَ َما َكا ُنوا‬
‫{ َو ِ َّ ِ‬
‫هلل األَ ْس َما ُء ا ْل ُح ْس َنى َفادْ ُعوهُ ِب َها َو َذ ُروا الَّ ِذينَ ُي ْل ِحدُونَ فِي أَ ْس َمائِ ِه َ‬
‫َي ْع َملُونَ }‬
‫[األعراف‪،]180:‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫صالتِ َك‬
‫الر ْح َمنَ أَ ًيا َّما َتدْ ُعوا َفلَ ُه األَ ْس َما ُء ا ْل ُح ْس َنى َوال َت ْج َه ْر ِب َ‬
‫هللا أَ ِو ادْ ُعوا َّ‬
‫{قُ ِل ادْ ُعوا َّ َ‬
‫س ِب ً‬
‫يال} [اإلسراء‪،]110:‬‬
‫َوال ُت َخاف ِْت ِب َها َوا ْب َت ِغ َب ْينَ َذلِ َك َ‬
‫وقال‪َّ { :‬‬
‫س َنى} [طه‪.]8:‬‬
‫هللا ُ ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو لَ ُه األَ ْس َما ُء ا ْل ُح ْ‬
‫وجاء في الصحيحين عن أبى هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫(إن هلل تسعة وتسعين اسما ً من أحصاها دخل الجنة‪ ،‬وهو وتر يحب الوتر)‪،‬‬
‫ومعنى أحصاها‪ :‬حفظها وعدها واستوفاها وعمل بمقتضاها‪.‬‬
‫فكما أن القرآن ال ينفع حفظ ألفاظه دون العمل به كذلك أسماء هللا وصفاته‪ ،‬وال بد أن نعلم أن‬
‫أسماء هللا ليست بمنحصرة في التسعة والتسعين المذكورة في حديث أبي هريرة وال فيما‬
‫استخرجه العلماء من القرآن‪ ،‬وال فيما علمته الرسل والمالئكة وجميع المخلوقين‪ ،‬لحديث ابن‬
‫مسعود عند أحمد وغيره عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫(ما أصاب أحداً هم وال حزن فقال‪ :‬اللهم أنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك‪ ،‬ناصيتي بيدك ماض‬
‫في حكمك عدل في قضاؤك‪ ،‬أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من‬
‫خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن العظيم ربيع‬
‫قلبي ونور صدري وجالء حزني وذهاب همي‪ ،‬من قالها أذهب هللا حزنه وهمه وأبدله مكانه‬
‫فرحاً‪ ،‬فقيل‪ :‬يا رسول هللا! أفال نتعلمها؟ فقال‪ :‬بلى‪.‬‬
‫ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها)‪.‬‬
‫فتعلموها وعلموها رعاكم هللا‪.‬‬
‫واعلم واعلمي أن من أسماء هللا عز وجل ما ال يطلق عليه إال مقترنا ً‬
‫بمقابله‪،‬‬
‫فإذا أطلق وحده أوهم نقصا ً تعالى هللا عن ذلك‪ ،‬فمنها المعطي المانع‬
‫والضار النافع والقابض الباسط والمعز المذل والخافض الرافع‪،‬‬
‫فال تطلق على انفرادها بل ال بد من ازدواجها بمقابلها إذ لم تذكر في‬
‫القرآن والسنة إال كذلك‪.‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫(المنتقم) لم يأت في القرآن إال مضافا ً إلى‪:‬‬
‫(ذي) كقوله‪( :‬عزيز ذو انتقام) أو مقيداً بالمجرمين كقوله‪:‬‬
‫{إِ َّنا مِنَ ا ْل ُم ْج ِرمِينَ ُمن َتقِ ُمونَ }‬
‫[السجدة‪.]22:‬‬
‫ومما يجب علمه أيضا ً أنه ورد في القرآن أفعال أطلقها هللا عز وجل على نفسه‬
‫على سبيل الجزاء والعدل والمقابلة‪ ،‬وهي فيما سيقت فيه مدح وكمال في ذات هللا عز وجل؛‬
‫لكن ال يجوز أن يشتق له تعالى اسم منها‬
‫وال تطلق عليه في غير ما سيقت فيه من اآليات‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫هللا َوه َُو َخا ِد ُع ُه ْم} [النساء‪،]142:‬‬
‫{إِنَّ ا ْل ُم َنافِقِينَ ُي َخا ِد ُعونَ َّ َ‬
‫هللاُ َو َّ‬
‫وقوله‪َ { :‬و َم َك ُروا َو َم َك َر َّ‬
‫هللاُ َخ ْي ُر ا ْل َماك ِِرينَ } [آل عمران‪،]54:‬‬
‫هللا َف َنسِ َي ُه ْم} [التوبة‪ ،]67:‬وقوله‪:‬‬
‫وقوله‪َ { :‬ن ُ‬
‫سوا َّ َ‬
‫{ َوإِ َذا َخلَ ْوا إِلَى َ‬
‫ش َياطِ ينِ ِه ْم َقالُوا إِ َّنا َم َع ُك ْم إِ َّن َما َن ْحنُ ُم ْس َت ْه ِز ُئونَ *‬
‫َّ‬
‫ئ ِب ِه ْم َو َي ُمد ُه ْم فِي ُط ْغ َيانِ ِه ْم َي ْع َم ُهونَ }‬
‫هللاُ َي ْس َت ْه ِز ُ‬
‫[البقرة‪.]15 - 14:‬‬
‫فال يطلق على هللا تعالى أنه مخادع وال ماكر وال ناس وال مستهزئ‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬تعالى هللا عن ذلك علواً كبيراً‪.‬‬
‫وال يقال‪ :‬هللا يستهزئ ويخادع ويمكر وينسى على سبيل اإلطالق‪،‬‬
‫تعالى هللا عن ذلك علواً كبيراً؛‬
‫ولكن هذا فعله بالمخادعين ومكره بالماكرين واستهزاؤه بالمستهزئين ونسيانه للذين نسوه‪.‬‬
‫وهي في هذا السياق مدح وكمال‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم رحمه هللا‪ :‬وفي كتاب هللا من ذكر أسمائه وصفاته أكثر من ذكر آيات‬
‫الجنة والنار‪ ،‬وإن اآليات المتضمنة ألسمائه ولصفاته أعظم قدراً من آيات المعاد‪.‬‬