أسباب شرح الصدور فصل من كتاب (زاد المعاد في هدي خير العباد)

Download Report

Transcript أسباب شرح الصدور فصل من كتاب (زاد المعاد في هدي خير العباد)

Slide 1

‫أسباب شرح الصدور‬
‫فصل من كتاب‬
‫(زاد المعاد في هدي خير العباد)‬
‫ابن قيم الجوزية‬
‫إعداد‬
‫جنات عبد العزيز دنيا‬
‫‪1‬‬


Slide 2

‫أعظم أسباب شرح الصدر‪ :‬التوحيد وعلى حسب كماله‪ ،‬وقوته‪،‬‬
‫وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه ‪ .‬قال َ‬
‫ّللا تعالى‪{:‬أفمن شرح‬
‫َ‬
‫ّللا‬
‫الم‬
‫ِإلس‬
‫ل‬
‫ه‬
‫ر‬
‫ص‬
‫ور منْ ربه} [الزمر‪ . ]22 :‬وقال‬
‫ن‬
‫ى‬
‫ل‬
‫ع‬
‫و‬
‫ه‬
‫ف‬
‫دْ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫تعالى‪{ :‬فمنْ ير ِد َ‬
‫ّللا أن ي ْهدِيه ي ْ‬
‫ِإلسال ِم ومن ي ِردْ أن‬
‫شر ْح صدْ ره ل ْ‬
‫ِ‬
‫اء} [األنعام‪:‬‬
‫سم ِ‬
‫ص َعد في ال َ‬
‫يضِ لَه ي ْجعلْ صدْ ره ضـي ًقا حرجا ً كَ َنما ي َ‬
‫‪ .]125‬فالهدى والتوحيد مِن أعظم أسبا ِ‬
‫ب شرح الصدر‪ ،‬والشرك‬
‫ضالل مِن أعظم أسبا ِ‬
‫در ‪.‬‬
‫ب‬
‫ضيق ال َ‬
‫وال َ‬
‫ِ‬
‫ص ِ‬
‫ومن أسباب شرح الصدر أيضا ‪ :‬النور الذي يقذِفه َ‬
‫ّللا فى قلب‬
‫العبد‪ ،‬وهو نوراإليمان‪ ،‬فإنه يشرح الصدر ويوسعه‪ ،‬وي ْف ِرح القلب‬
‫‪ .‬فإذا فقِد هذا النور من قلب العبد‪ ،‬ضاق وح ِرج‪ ،‬وصار في أضيق‬
‫سجن وأصعبه ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫‪2‬‬


Slide 3

‫وقد روى الترمذى في جامعه عن النبى صلى ّللا عليه وسلم‪ ،‬أنه‬
‫قال‪( :‬إذا دخل النور القلب‪ ،‬ا ْنفسح وانشرح) ‪ .‬قالوا‪ :‬وما عالمة‬
‫ذلِك يا رسول َ‬
‫ّللا‬
‫ار‬
‫د‬
‫ع‬
‫ِى‬
‫ف‬
‫ا‬
‫ج‬
‫والت‬
‫ِ‪،‬‬
‫د‬
‫و‬
‫ل‬
‫الخ‬
‫دار‬
‫إلى‬
‫ة‬
‫اب‬
‫اإلن‬
‫(‬
‫‪:‬‬
‫قال‬
‫؟‬
‫نْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫واالست ِْعداد للم ْو ِ‬
‫ت ق ْبل نزوله) ‪.‬‬
‫ور‪،‬‬
‫ْ‬
‫الغر ِ‬
‫فيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور‪،‬‬
‫وكذلك النور الحِسى‪ ،‬والظلمة الحِسية‪ ،‬هذه تشرح الصدر‪ ،‬وهذه‬
‫تضيقه ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬العلم‪ ،‬فإنه يشرح الصدر‪ ،‬ويوسعه حتى يكون أوسع من‬
‫صر والحبس‪ ،‬فكلما ا َتسع علم‬
‫الدنيا‪ ،‬والجهل يورثه الضيق والح ْ‬
‫العبد‪ ،‬انشرح صدره واتسع‪ ،‬وليس هذا لكل ِعلم‪،‬بل للعلم الموروث‬
‫عن الرسول صلى ّللا عليه وسلم وهو العلم النافع‪ ،‬فَهله أشرح‬
‫الناس صدراً‪ ،‬وأوسعهم قلوباً‪ ،‬وأحسنهم أخالقاً‪ ،‬وأطيبهم عيشا ً ‪.‬‬
‫‪3‬‬


Slide 4

‫ومنها‪ :‬اإلنابة إلى َ‬
‫ّللا سبحانه وتعالى‪ ،‬ومحبته بكل القلب‪ ،‬واإلقبال‬

‫عليه‪ ،‬والتن ُّعم بعبادته‪ ،‬فال شىء أشرح لصدر العبد من ذلك ‪،‬حتى‬
‫إنه ليقول أحيانا ً‪:‬إن كنت في الجنة في مثل هذه الحالة‪ ،‬فإنى إذاً في‬
‫عجيب في انشراح الصدر‪ ،‬وطي ِ‬
‫ب النفس‬
‫عيش طيب ‪.‬وللمحبة تَثي ٌر‬
‫ٌ‬
‫‪ ،‬ونعيم القلب‪ ،‬ال يعرفه إال من له حِس به‪ ،‬وكلَما كانت المح َبة‬
‫أقوى وأشدَ‪ ،‬كان الصدر أفسح وأشرح‪ ،‬وال يضيق إال عند رؤية‬

‫الفارغين من هذا الشَن‪ ،‬فرؤيتهم قذى عينه‪ ،‬ومخالطتهم‬
‫الب َطالين‬
‫ِ‬
‫ح َمى روحه ‪.‬‬
‫‪4‬‬


Slide 5

‫ومِنْ أعظم أسباب ضيق الصدر‪ :‬اإلعراض عن َ‬
‫ّللا تعالى‪ ،‬وتعلُّق‬

‫القلب بغيره‪ ،‬والغفلة عن ذِكره‪ ،‬ومحبة سواه‪ ،‬فإن من أح َب شيئا ً‬
‫غير َ‬
‫ّللا عذب به‪ ،‬وس ِجن قلبه في محبة ذلك الغير‪ ،‬فما في األرض‬
‫أشقى منه‪ ،‬وال أكسف باالً‪ ،‬وال أنكد عيشاً‪ ،‬وال أتعب قلبا ً‪ ،‬فهما‬
‫محبتان‪ :‬محبة هي جنة الدنيا‪ ،‬وسرور النفس‪ ،‬ولذة القلب‪ ،‬ونعيم‬
‫الروح‪ ،‬وغِذاؤها‪ ،‬ودواؤها‪ ،‬بل حياتها وق َرة عينها‪ ،‬وهى محبة َ‬
‫ّللا‬
‫وحده بكل القلب‪،‬وانجذاب قوى الميل‪ ،‬واإلرادة‪،‬والمحبة كلها إليه ‪.‬‬
‫ومحبة ما سواه هي عذاب الروح‪ ،‬وغ ُّم النفس‪ ،‬وسِ ْجن القلب‪،‬‬
‫وضِ يق الصدر‪ ،‬وهى سبب األلم والنكد والعناء‪. ،‬‬
‫‪5‬‬


Slide 6

‫ومن أسباب شرح الصدر دوام ذِكره على كل حال‪ ،‬وفى‬
‫كل موطن‪ ،‬فللذ ِْكر تَثير عجيب في انشراح الصدر‪ ،‬ونعيم القلب‪،‬‬
‫وللغفلة تَثي ٌر عجيب في ضِ يقه وحبسه وعذابه ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬اإلحسان إلى الخ ْلق ونفعهم بما يمكنه من المال‪ ،‬والجاهِ‪،‬‬
‫والنفع بالبدن‪ ،‬وأنواع اإلحسان‪ ،‬فإن الكريم المحسن أشرح الناس‬
‫صدراً‪ ،‬وأطيبهم نفساً‪ ،‬وأنعمهم قلباً‪ ،‬والبخيل الذي ليس فيه‬
‫الناس صدراً‪ ،‬وأنكدهم عيشاً‪ ،‬وأعظمهم ه َما ً وغ َما ً ‪.‬‬
‫إحسان أضيق‬
‫ِ‬
‫وقد ضرب رسول َ‬
‫ّللا صلى ّللا عليه وسلم ‪ -‬في الصحيح ‪ -‬مثالً‬
‫ان مِنْ حدِيدٍ‪ ،‬كلَما ه َم‬
‫للبخيل والمتصدق‪ ،‬كمثل رجل ْي ِن عل ْي ِهما ج َنت ِ‬
‫ابه وي ْعفِى‬
‫المتصدق ِبصدقةٍ‪ ،‬ا َتسع ْت عل ْي ِه وا ْنبسط ْت‪ ،‬ح َتى يج َر ثِي ِ‬
‫صدقةِ‪ ،‬ل ِزم ْت كل ُّ ح ْلق ٍة مكانها‪ ،‬ول ْم ت َتسِ ْع‬
‫أثره‪ ،‬وكلَما ه َم البخِيل ِبال َ‬
‫راح صدر المؤمن المتصدق‪ ،‬وانفساح قلبه‪،‬‬
‫عل ْي ِه ‪ .‬فهذا مثل انشِ ِ‬
‫وانحصار قلبه ‪.‬‬
‫يق صدر البخيل‬
‫ومثل ضِ ِ‬
‫ِ‬
‫‪6‬‬


Slide 7

‫ومنها‪ :‬الشجاعة‪ ،‬فإن الشجاع منشرح الصدر‪ ،‬واسع البطان‪،‬‬

‫م َتسِ ع القلب‪ ،‬والجبان‪ :‬أضيق الناس صدراً‪ ،‬وأحصرهم قلباً‪ ،‬ال‬
‫فرحة له وال سرور‪ ،‬وال ل َذة له‪ ،‬وال نعيم إال منْ جنس ما للحيوان‬
‫فمحر ٌم‬
‫البهيمى‪ ،‬وأما سرور الروح‪ ،‬ول َذتها‪ ،‬ونعيمها‪ ،‬وابتهاجها‪،‬‬
‫َ‬
‫عرض عن‬
‫محرم علِى كل‬
‫على كل جبان‪ ،‬كما هو‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫بخيل‪ ،‬وعلى كل م ِ‬
‫َ‬
‫جاهل به وبَسمائه تعالى وصفاته‪،‬‬
‫غافل عن ذِكره‪،‬‬
‫ّللا سبحانه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫ودِينه‪ ،‬متعلق القل ِ‬
‫ب بغيره ‪ .‬وإن هذا النعيم والسرور‪ ،‬يصير في‬
‫القبر رياضا ً وجنة‪ ،‬وذلك الضيق والحصر‪ ،‬ينقلب في القبر عذابا ً‬
‫وسجنا ً ‪.‬‬
‫‪7‬‬


Slide 8

‫فحال العبد في القبر ‪ .‬كحال القلب في الصدر‪ ،‬نعيما ً وعذابا ً وسجنا ً‬
‫وانطالقاً‪ ،‬وال عبرة بانشراح صدر هذا لعارض‪ ،‬وال بضيق صدر‬
‫المعول على‬
‫العوارض تزول بزوال أسبابها‪ ،‬وإنما‬
‫هذا لعارض‪ ،‬فإن‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الصفة التي قامت بالقلب توجب انشراحه وحبسه‪ ،‬فهى الميزان ‪..‬‬
‫َ‬
‫وّللا المستعان ‪.‬‬
‫ومنها بل من أعظمها‪ :‬إخراج دغ ِل الق ْل ِ‬
‫ب من الصفات المذمومة‬
‫التي توجب ضيقه وعذابه‪ ،‬وتحول بينه وبين حصول البرء‪ ،‬فإن‬

‫خر ْج تلك‬
‫اإلنسان إذا أتى األسباب التي تشرح صدره‪ ،‬ولم ي ِ‬
‫األوصاف المذمومة من قلبه‪ ،‬لم يحظ مِن انشراح صدره بطائل‪.‬‬
‫‪8‬‬


Slide 9

‫فضول النظر‪ ،‬والكالم‪ ،‬واالستماع‪ ،‬والمخالطةِ‪ ،‬واألكل‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬ترك‬
‫ِ‬
‫والنوم‪ ،‬فإن هذه الفضول تستحيل آالما ً وغموماً‪ ،‬وهموما ً في القلب‪،‬‬
‫وتحبسه ‪،‬وتضيقه‪ ،‬ويتع َذب بها‪ ،‬بل غالِب عذا ِ‬
‫ب الدنيا‬
‫تحصره‪،‬‬
‫ِ‬
‫واآلخرة منها‪ ،‬فال إله إال َ‬
‫ّللا ما أضيق صدر من ضرب في كل آف ٍة‬
‫من هذه اآلفات بسهم‪ ،‬وما أنكد عيشه‪ ،‬وما أسوأ حاله‪ ،‬وما أش َد‬
‫حصر قلبه‪ ،‬وال إله إال َ‬
‫ّللا‪ ،‬ما أنعم عيش منْ ضرب في كل خصل ٍة‬
‫من تلك الخصال المحمودة بسهم‪ ،‬وكانت هم ُّته دائر ًة عليها‪ ،‬ح ً‬
‫ائمة‬
‫حولها‪ ،‬فلهذا نصيب وافر مِنْ قوله تعالى‪{ :‬إنَ األ ْبرار لفِى نعِيم}‬
‫[االنفطار‪ ]13 :‬ولذلك نصيب وافر من قوله تعالى‪{ :‬وإنَ الف َجار لفِى‬
‫جحِيم} [االنفطار‪ ]14 :‬وبينهما مراتب متفاوتة ال يحصيها إال َ‬
‫ّللا‬
‫ٍ‬
‫تبارك وتعالى ‪.‬‬
‫‪9‬‬


Slide 10

‫والمقصود‪ :‬أن رسول َ‬
‫ّللا صلى ّللا عليه وسلم كان أكمل‬
‫الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح الصدر‪ ،‬واتساع القلب‪ ،‬وق َرة‬
‫العين‪ ،‬وحياة الروح‪ ،‬فهو أكمل الخلق في هذا الشرح والحياة‪ ،‬وق َر ِة‬
‫ص به من الشرح الحِسى‪ ،‬وأكمل الخلق متابعة له‪،‬‬
‫العين مع ما خ َ‬
‫أكملهم انشراحا ً ول َذة وق َرة عين‪ ،‬وعلى حسب متابعته ينال العبد من‬
‫انشراح صدره وق َرة عينه‪ ،‬ول َذة روحه ما ينال‪ ،‬فهو صلى َ‬
‫ّللا‬
‫عليه وسلم في ذروة الكمال مِن شرح الصدر ‪ ،‬ورفع الذ ِْكر‪ ،‬ووضع‬
‫الو ْزر‪ ،‬وألتباعه من ذلك بحسب نصيبهم من اتباعه ‪..‬‬
‫ِ‬

‫‪10‬‬


Slide 11

‫نصيب من حفظ َ‬
‫ّللا لهم‪ ،‬وعصمتِه إياهم‪ ،‬ودفاعِه‬
‫وهكذا ألتباعه‬
‫ٌ‬
‫ونصره لهم‪ ،‬بحسب نصيبهم من المتابعة‪،‬‬
‫عنهم‪ ،‬وإعزازه لهم‪،‬‬
‫ِ‬
‫فمستقِل ُّ ومستكثِر ‪ ،‬فمن وجد خيراً‪ ،‬فليحمد َ‬
‫ّللا ‪ .‬ومن وجد غير‬
‫ذلك‪ ،‬فال يلومنَ إال نفسه‪.‬‬
‫‪[email protected]‬‬

‫‪11‬‬