مدرسة الثالثين يوما فلسفة الصيام ( )1 وحي القلم : مصطفى صادق الرافعي ج 2 ( )1 بتصرف أمين المزيان

Download Report

Transcript مدرسة الثالثين يوما فلسفة الصيام ( )1 وحي القلم : مصطفى صادق الرافعي ج 2 ( )1 بتصرف أمين المزيان

‫مدرسة الثالثين يوما‬
‫فلسفة الصيام‬
‫(‪)1‬‬
‫وحي القلم ‪ :‬مصطفى صادق الرافعي ج ‪2‬‬
‫(‪ )1‬بتصرف‬
‫أمين المزيان‬
‫‪...‬الصوم فقر إجباري تفرضه الشريعة على‬
‫الناس فرضا ليتساوى الجميع في بواطنهم‪ ،‬سواء‬
‫منهم من ملك المليون من الدنانير‪ ،‬ومن ملك‬
‫القرش الواحد‪ ،‬ومن لم يملك شيئا؛ كما يتساوى‬
‫الناس جميعا في ذهاب كبريائهم اإلنسانية‬
‫بالصالة التي يفرضها اإلسالم على كل مسلم؛‬
‫وفي ذهاب تفاوتهم االجتماعي بالحج الذي‬
‫يفرضه على من استطاع‪.‬‬
‫فقر إجباري يراد به إشعار النفس اإلنسانية بطريقة‬
‫عملية واضحة كل الوضوح‪ ،‬أن الحياة الصحيحة‬
‫وراء الحياة ال فيها‪ ،‬وأنها إنما تكون على أتمها حين‬
‫يتساوى الناس في الشعور ال حين يختلفون‪ ،‬وحين‬
‫يتعاطفون بإحساس األلم الواحد ال حين يتنازعون‬
‫بإحساس األهواء المتعددة ‪.‬‬
‫ولو حققت لرأيت الناس ال يختلفون في اإلنسانية بعقولهم‪،‬‬
‫وال بأنسابهم‪ ،‬وال بمراتبهم‪ ،‬وال بما ملكوا؛ وإنما يختلفون‬
‫ببطونهم وأحكام هذه البطون على العقل والعاطفة‪ ،‬فمن‬
‫البطن نكبة اإلنسانية‪ ،‬وهو العقل العملي على األرض؛ وإذا‬
‫اختلف البطن والدماغ في ضرورة‪ ،‬مد البطن مده من قوى‬
‫الهضم فلم يبق ولم يذر‪.‬‬
‫ومن ههنا يتناوله الصوم بالتهذيب والتأديب والتدريب‪،‬‬
‫ويجعل الناس فيه سواء؛ ليس لجميعهم إال شعور واحد‬
‫وحس واحد وطبيعة واحدة؛ ويحكم األمر فيحول بين هذا‬
‫البطن وبين المادة‪ ،‬ويبالغ في إحكامه فيمسك حواشيه‬
‫العصبية في الجسم كله يمنعها تغذيتها ولذتها‪...‬‬
‫‪...‬أية معجزة إصالحية أعجب من هذه‬
‫المعجزة اإلسالمية التي تقضي أن يحذف من‬
‫اإلنسانية كلها تاريخ البطن ثالثين يوما في‬
‫كل سنة‪ ،‬ليحل في محله تاريخ النفس‪...‬‬
‫‪ ...‬وهنا حكمة كبيرة من حكم الصوم‪ ،‬وهي‬
‫عمله في تربية اإلرادة وتقويتها بهذا األسلوب‬
‫العملي‪ ،‬الذي يدرب الصائم على أن يمنع‬
‫باختياره من شهواته ولذة حيوانيته‪ ،‬مصرا على‬
‫ً‬
‫صابرا عليه بأخالق‬
‫االمتناع‪ ،‬متهيئا له بعزيمته‪،‬‬
‫الصبر‪ ،‬مزاوال في كل ذلك أفضل طريقة نفسية‬
‫الكتساب الفكرة الثابتة ترسخ ال تتغير وال‬
‫تتحول‪ ،‬وال تعدو عليها عوادي الغريزة‪...‬‬
‫‪ ...‬أليست هذه هي إتاحة الفرصة العملية التي‬
‫جعلوها أساسا في تكوين اإلرادة؟ وهل تبلغ‬
‫اإلرادة فيما تبلغ‪ ،‬أعلى من منزلتها حين تجعل‬
‫شهوات المرء مذعنة لفكره‪ ،‬منقادة للوازع‬
‫النفسي فيه‪ ،‬مصرفة بالحس الديني المسيطر‬
‫على النفس ومشاعرها‪.‬‬
‫أما ‪-‬وهللا‪ -‬لو عم هذا الصوم اإلسالمي أهل األرض‬
‫جميعا‪ ،‬آلل معناه أن يكون إجماعا من اإلنسانية كلها على‬
‫ً‬
‫شهرا كامال في السنة‪ ،‬لتطهير العالم من‬
‫إعالن الثورة‬
‫رذائله وفساده‪ ،‬ومحق األثرة والبخل فيه‪ ،‬وطرح المسألة‬
‫النفسية ليتدارسها أهل األرض دراسة عملية مدة هذا‬
‫الشهر بطوله‪ ،‬فيهبط كل رجل وكل امرأة إلى أعماق نفسه‬
‫ومكامنها‪ ،‬ليختبر في مصنع فكره معنى الحاجة ومعنى‬
‫الفقر‪ ،‬وليفهم في طبيعة جسمه ‪-‬ال في الكتب ‪-‬معاني‬
‫الصبر والثبات واإلرادة‪ ،‬وليبلغ من ذلك وذلك درجات‬
‫اإلنسانية والمواساة واإلحسان‪ ،‬فيحقق بهذه وتلك معاني‬
‫اإلخاء والحرية والمساواة‪...‬‬
‫‪ ...‬كل ما ذكرته في هذا المقال من فلسفة الصوم؛ فإنما‬
‫استخرجته من هذه اآلية الكريمة ‪ُ (:‬ك ِتب عل ْي ُك ُم الصِّيا ُم‬
‫كما ُك ِتب على الَّ ِذين ِمنْ ق ْبلِ ُك ْم لعلَّ ُك ْم ت َّتقُون) البقرة‪.183:‬‬
‫وقد فهمها العلماء جميعا على أنها معنى "التقوى "أما‬
‫أنا فأولتها من "االتقاء "؛ فبالصوم يتقى المرء على‬
‫نفسه أن يكون كالحيوان الذي شريعته معدته‪ ،‬وأال‬
‫يعامل الدنيا إال بمواد هذه الشريعة؛ ويتقي المجتمع‬
‫على إنسانيته وطبيعته مثل ذلك‪ ،‬فال يكون إنسان مع‬
‫إنسان كحمار مع إنسان‪ ،‬يبيعه القوة كلها بالقليل من‬
‫العلف‪...‬‬
‫بعضا‪ ،‬ومن معجزاته في هذا التأويل‬
‫يفسر القرآن بعضه‬
‫ً‬
‫الذي استخرجناه أن يؤيده باآلية الكريمة في سورة "يس ‪":‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫ون)‬
‫م‬
‫ح‬
‫ر‬
‫ت‬
‫م‬
‫ك‬
‫ل‬
‫ع‬
‫ل‬
‫م‬
‫ك‬
‫ف‬
‫ل‬
‫خ‬
‫ا‬
‫م‬
‫و‬
‫م‬
‫ك‬
‫ي‬
‫د‬
‫َي‬
‫أ‬
‫ن‬
‫ي‬
‫ب‬
‫ا‬
‫م‬
‫ا‬
‫و‬
‫ق‬
‫ت‬
‫ا‬
‫م‬
‫ه‬
‫ل‬
‫يل‬
‫ق‬
‫( َوِا َذا‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ُ ُ ُ َ َ ْ َ ْ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ ُْ َ ُ َ‬
‫ويشير إلى هذا التأويل قول النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫"إنما الصوم جنة ‪-‬بضم الجيم ‪-‬فإذا كان أحدكم صائما فال‬
‫يرفث وال يجهل‪ ،‬وان امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل ‪:‬إني‬
‫صائم‪ ،‬إني صائم‪".‬‬
‫الجنة ‪:‬الوقاية يتقي بها اإلنسان‪ ،‬والمراد أن يعتقد الصائم أنه‬
‫قد صام ليتقي شر حيوانيته وحواسه‪ ،‬فقوله‪” :‬إني صائم‪ ،‬إني‬
‫صائم"؛ أي إنني غائب عن الفحش والجهل والشر؛ إني في‬
‫نفسي ولست في حيوانيتي ‪.‬‬
‫وكل ما شرحناه فهو اتقاء ضرر لجلب منفعة‪ ،‬واتقاء‬
‫رذيلة لجلب فضيلة‪ ،‬وبهذا التأويل تتوجه اآلية الكريمة‬
‫جهة فلسفية عالية‪ ،‬ال يتأتى البيان وال العلم وال الفلسفة‬
‫بأوجز وال أكمل من لفظها؛ ويتوجه الصيام على أنه‬
‫شريعة اجتماعية إنسانية عامة؛ يتقي بها االجتماع‬
‫شرور نفسه؛ ولن يتهذب العالم إال إذا كان له مع‬
‫القوانين النافذة هذا القانون العام الذي اسمه الصوم‪،‬‬
‫ومعناه "قانون البطن‪".‬‬
‫أال ما أعظمك يا شهر رمضان ! لو عرفك العالم حق‬
‫يوما“‪.‬‬
‫الثالثين‬
‫مدرسة‬
‫”‬
‫‪:‬‬
‫لسماك‬
‫فتك‬
‫ر‬
‫مع‬
‫ً‬
‫شكراً على حسن المتابعة‬
‫وتقبل هللا منا ومنكم‬
‫‪gawab.com‬‬
‫‪aminemil‬‬