بسم هللا الرحمن الرحيم يـقــدم [ حرمة أهل العلم و اإلسالم ] يعج امليدان الدعوي اليوم بحالة من الخلل الناش ئ عن التضخم.
Download
Report
Transcript بسم هللا الرحمن الرحيم يـقــدم [ حرمة أهل العلم و اإلسالم ] يعج امليدان الدعوي اليوم بحالة من الخلل الناش ئ عن التضخم.
بسم هللا الرحمن الرحيم
يـقــدم
[ حرمة أهل العلم و اإلسالم ]
يعج امليدان الدعوي اليوم بحالة من الخلل الناش ئ عن التضخم الكمي الذي
فرض نفسه على حساب التربية النوعية ،األمر الذي أفرز ً
كثيرا من الظواهر
املرضية من أخطرها :تطاول الصغار على الكبار ،والجهال على العلماء ،وطلبة
العلم بعضهم على بعض ،حتى إن الواحد منهم ينس ى قاموس التآخي ،وما أسرع
ما يخرج إلى العدوان على إخوانه ،ويجردهم من كل فضل؛ فل يحلم ول يعفو
َ
الجاهلين؛ بل إن من طلب آخر الزمان من
ول يصبر ،ولكن يجهل فوق جهل
غاص في أوحال السب والشتم والتجريح ،وانتدب نفسه للوقيعة في أئمة كرام
اتفقت األمة على إمامتهم ،وهو ل يدري أنما ذلكم الشيطان يستدرجه إلى
وحل العدوان ،وهو يحسب أنه يحسن ً
صنعا ،ويتوهم أنه يؤدي ما قد وجب
عليه ً
شرعا.
1431هـ
َّ
وكلنا ُ
العالم في اإلسلم ،وما أوله هللا إياه من َس ِم ِي
يعلم مقام ِ
ٌ
ٌ
املناقب ،وما حباه من رفيع املناصب ،وما ذاك إل دللة واضحة ِبينة
َ
ُ
َ
ْ
على ِعظ ِم حرم ِته ،وتمام صيانته .
ُ
أنفس الفضلء
العلماء سائرا َم ِس َيره عبر األزمان تتناقله
ول زال احتر ُام
ِ
الشرفاء ،وتعافه أنفس ُ
الدنآة ُ
الوضعاء .وإن من أعظم آفات اللسان
َ
َ َ
ً
ين
اللذ
والنميمة
الغيبة
صاحبها
على
ا
خطر
َ َ ْ َ َّ ْ ُ ُ ْ َ ْ ً َ ُ ُّ َ َ ُ ُ ْ َ
حرمهما هللا تعالى ،فقال { :ول يغتب بعضكم بعضا أي ِحب أحدكم أن
َْ ُ َ َ ْ َ َ
ًَْ َ َ
ُ
ْ
ُ
ُ
يه ميتا فك ِرهتموه }( .الحجرات)12 :
يأكل لحم أ ِخ ِ
وهذا في حق من يغتاب آحاد الناس ،أما من يغتاب العلماء
وطلبة العلم والدعاة -رغم ما يسدونه لألمة من نصح ،
ومع كثرة ما معهم من الخير -فقد ورد تشبيهه في الحديث بمن طلب
ً
الغنم خذ بأذن أيت َها شئتَ
ُ
من صاحب غنم شاة فقال له :عندك
ِ
فأخذ بأذن كلب الغنم ..هذا إن كان ما يفعله من باب الغيبة ،وأما
إن كان من باب البهتان والكذب فهو أشد ً
ً
وخطرا.
إثما
1431هـ
وأما ما يحتج به هؤلء من أن هذا من األمر باملعروف والنهي عن
املنكر؛ فينبغي أن يضبط هذا بضوابط،
ويراجع نفسه من جهة النية ،ويراجع القول املنسوب إلى العالم أو
طالب العلم من جهة ثبوته عنه،ومن جهة حكم الشرع فيه؛ فإن وجد
حق صاحبها ،وأما
ما يستدعي النصيحة وجب عليه إسداؤها مع حفظ ِ
ُ
ُ
الداعون إليها ،املنافحون عنها فينبغي تحذير األمة منهم
أصحاب البدع،
ومن بدعهم.
َ
ين أ ْج َر ُموا َك ُانوا م َن َّالذ َ
قال هللا سبحانه وتعالى { :إ َّن َّالذ َ
ين َ َآم ُنوا
ِ َ ِ
ِ
ِ
َ
َ
َ َ
َ ْ َُ َ
َ
َ
َ
َ
ُ
َ
َ
َ
َ
انقل ُبوا إلى أ ْه ِلهمُ
ْ
ُّ
ن
و
و
يضحكو ( )29وِإذا مر ا ِب ِهم يتغامز ن ( )30وِإذا
ِ
ِ
ََ َ
انقل ُبوا ف ِك ِه َين }(.املطففين )31 :
1431هـ
إن املسلمين يجب أن يكونوا جماعة واحدة ،وأن يكون مصدرهم ً
واحدا ،وأن تكون قيادتهم واحدة ،
وكما أنهم يجتمعون على عقيدة واحدة ،وهي عبادة هللا -عز وجل -وحده ل شريك له ،وهذه هي جماعة
وهجر ،أو ُوج َد فيهم منافقون؛ فإن األمر خطير ًّ
تباغض ْ
ٌ
جدا
املسلمين ،وإذا دب فيهم خلل أو دب فيهم
ِ
,وللعلماء مكانة عظيمة ،وخطورة الكلم في أعراضهم أو انتقاصهم خطب جلل ،ول سيما وأننا نسمع في
زماننا هذا من يتكلم في أعراض العلماء ،ويتهمهم بالغباوة والجهل ،وعدم إدراك األمور ،وعدم فقه
الواقع كما يقولون ،وهذا أمر خطير.
1431هـ
وإن من علمات تقوى القلب تعظيم شعائر الرب ،وقال تعالى{ :
َْ َ ُُْ
َ َ َ َ ُ َ ْ َ َ َ َّ
الله َفإ َّ
َ
ى
وب } (الحج)32 :
ل
ن
ق
ال
و
ق
ت
ن
م
ا
ه
ذ ِلك ومن يع ِظم شعا ِئر ِ ِ ِ
ِ
أجل َمن أمر هللا بتوقير,وإكرام ,وتعظيم أهل العلم ؛ فهم
ِ
ومن ِ
كما قال اإلمام أحمد -رحمه هللا :خلفاء الرسول في أمته ،وورثة
النبي في حكمته ،واملحيون ملا مات من سنته؛ فبهم قام الكتاب
وبه قاموا ،وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا ،قيضهم هللا لحفظ
الدين ،ولول ذلك لبطلت الشريعة ،وتعطلت أحكامها ،فإنه إذا
فقدت الثقة في علماء املسلمين؛ فمن يقود األمة اإلسلمية ؟! ومن
ُي ْر َج ُع إليه في الفتاوى واألحكام ؟ وهذا َد ٌّ
س من أعدائنا ،انطلى
على كثير من الذين ل يدركون األمور ،أو الذين فيهم غيرة شديدة
وحماس لكنه على جهل ؛ فأخذوه مأخذ الغيرة ومأخذ الحرص
على املسلمين ،لكن األمر ل يكون هكذا .وأعز ش يء في األمة هم
العلماء؛ فل يجوز أن َن َت َن َّق َ
صهم أو نتهمهم بالجهل والغباوة
وباملداهنة ،أو نسميهم علماء السلطين أو غير ذلك ..هذا خطر
عظيم.
1431هـ
فلنتق هللا من هذا األمر ولنحذر من ذلك ؛ فإنه كما يقول الشاعر:
ْ
ُ َ
ْ
َ
َ
ُ
َ
ُ
ْ
َ
َ
يا ر َج َ
الدين يا ِملح البلد *** من يص ِلح امللح إذا امللح فسد ؟!
ال
ِ
ِ
وما أبلغ قول بعض العلماء :أعراض العلماء على حفرة من حفر جهنم .
ومما يدل على خطورة إيذاء مصابيح األمة -وهم العلماء -ما رواه البخاري
في صحيحه عن أبي هريرة -رض ي هللا عنه -أنه قال َ :
قال رسول هللا -صلى
هللا عليه وسلم [ :قال هللا عز وجل َ :من عادى لي ًّ
وليا فقد آذنته بالحرب
].
1431هـ
الطريقة الصحيحة للتعامل مع العلماء عند ظن خطئهم-:
ً
إذا رأى املرء على العالم شيئا يدفع ما قاله ؛ فاألفضل أن ِبينه له .
ف ــاملؤمن مس ــتعد للمناقش ــة ب ــالحق ،واملــؤمن مس ــتعد للرجــوع إل ــى الحــق س ــواء كــان علي ــه أم ل ــه ؛ ألن
الحق ضالة املؤمن ،أينما وجده أخذ به ،هذا هو حقيقة األمر .
وس ــماحة الش ــي ص ــالح ب ــن ف ــوزان الف ــوزان ف ــي كلم ــه مل ــن يخوض ــون ف ــي الن ــاس ويش ــغلون أنفس ــهم
بــذلك ،يقــول { :اتركــوا الكــلم فــي النــاس ،وابــذلوا النصــيحة وادعــوهم إلــى اجتمــاع الكلمــة ،وإلـى تلقــي
العلــم عــن أهلــه ،وإلــى الدراســة الصــحيحة ،إمــا دراســة دينيــة وهــذه أحســن أو دراســة دنيويــة تنفــع
نفســك وتنفــع مجتمعــك ،أمــا الشــتغال بالقيــل والقــال ،فــلن مخط ـ ،وفــلن مصــيب ،وفــلن كــذا
وكذا ..هذا هو الذي ينشر الشـر ،ويفـرق الكلمـة ،ويسـلب الفتنـة .إذا رأي َـت علـى أح طـد خطـأ فانصـحه
بينك وبينه ،أما كلمك في املجلس عن فلن فهذه ليست نصيحة ،هذه فضيحة }.
1431هـ
أسباب التطاول على العلم والعلماء -:
-1تشيي الصحف ،وافتقاد القدوة -:
حيث أن بعض الدعاة وبعض عامة الناس ،يأخذون العلم مما يكتب
دون الرجوع لشي يصحح ما تم نشرهـ ،فيضيع العلم .
-2استعجال التصدر قبل تحصيل الحد األدنى من العلم الشرعي بحجة الدعوة -:
يقول :الدكتور ناصر العقل ( :ومن األخطاء التي ينبغي التنليه عليها في مسألة الفقه ،فصل
الدعوة عن العلم ،هذه توجد في الشباب أكثر من غيرهم ،يقولون :الدعوة ش يء ،والفقه في
الدين ش يء آخر ؛فلذلك نجد أن بعض الشباب يهتم بالدعوة ًّ
عمليا ،ويبذل فيها جهده ووقته،لكن
تحصيله للفقه والعلم الشرعي قليل ًّ
جدا ،مع أن العكس هو الصحيح،ينبغي أن يتعلم،وأن يتفقه
وأن يأخذ العلوم الشرعية ثم يدعو ،ول مانع أن يؤجل الدعوة سنة أو سنتين أو ً
خمسا حتى يشتد
َّ
عوده ،ويكون عنده من العلم الشرعي ما يدعو به ،أما أن يبدأ بعض الشباب بالدعوة لله
سبحانه وتعالى -بمجرد العاطفة وعلم قليل،ثم ينقطع عن العلم وعن املشاي ؛فهذه على املدىالبعيد سيكون لها أثرها الخطير في األمة ،سيخرج دعاة بل علماء ،كما حصل في البلد
اإلسلمية األخرى ).
1431هـ
- 3التعالم وتصدر األحداث -:
ً
ً
مرجعا للفتيا ،
متشبعا بما لم يعط ،ينصب نفسه
فترى صريع الجهل ،
ويتملكه العجب ؛ فيلمز أكابر العلماء ،ويفري أعراضهم ،ويسفه أقوالهم ،
فيصد الناس عن سليل ربهم ،ويصدهم عن اإلدلء عليه ،عن عبد هللا بن
َّ
مسعود رض ي الله عنه قال [ :إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كباركم ،
فإذا كان العلم في صغاركم َّ
سفه الصغير الكبير] .
-4الغترار بكلم العلماء بعضهم في بعض -:
ً
فيحاول بعضهم اعتبار ذلك موضع أسوة وقدوة ،وغافل عن القاعدة الجليلة
التي أصلها العلماء في ذلك ،وهي أن «كلم األقران في بعضهم البعض يطوى،
ول يحكى» إما ؛ ألنه ناش ئ عن اجتهاد أو تأويل ،وإما؛ ألنه ناش ئ عن تنافس
ومعاصرة ومنافرة مذهبية ،مما ل يكاد يسلم منه بشر ،وما ينقل من ذلك إما
ل يصح عنهم ،وإما يصح فيجب أن نغض الطرف عنه ،ونحمله ما أمكن على
أحسن الوجوه ،وإل فيجب طيه وكتمانه ،والشتغال بالستغفار لهم؛ كما
رغبنا القرآن الكريم في ذلك.
1431هـ
-5التأثر بفوضوية الغربيين ونعراتهم-:
ويتضــح هــذا فــي ســلوك بعــض الشــباب الــذين يلتلــون باإلقامــة فــي ديــار الغــرب؛ فيتش ـربون مــنهم
بعــض القــيم ،وبخاصــة ســلوكهم إزاء أكــابرهم وعظمــايهم ،بحجــة حريــة الـرأي والتعبيــر ،واعتـزا ًزا
بما يـدينون بـه مـن «الفوضـوية» التـي يسـمونها «ديمقراطيـة» ،دون أن يـتفطن هـؤلء الشـباب إلـى
الفروق بين القيم اإلسلمية ,وبين القيم الغربية.
-6التعصب الحزبي ،والبغي ،وعقد الولء على غير الكتاب والسنة-:
فـ ــبعض النـ ــاس يربـ ــون أتبـ ــاعهم علـ ــى الـ ــولء ألتخاصـ ــهم ،والنتمـ ــاء لـ ــذواتهم ،أو جماعـ ــاتهم ،
َّ
َّ
ويوالون في ذلك ويعادون ،دون اعتبار ملبدأ الحب في الله ،والبغض في الله ،
َّ
وفــي هــؤلء يقــول شــي اإلســلم ابــن تيميــة رحمــه اللــه تعــالى { :ولــيس ألحــد أن ينتس ـب إلــى شــي
يــوالي علــى متابعتــه ،ويعــادي علــى ذلــك ،بــل عليــه أن يــوالي كــل مــن كــان مــن أهــل اإليمــان ،ومــن
ع ــرف من ــه التق ــوى م ــن جمي ــع الش ــيوب وغي ــرهم ،ول يخ ــه أح ـ ًـدا بمزي ــد م ــوالة إل إذا ه ــر ل ــه
َّ
َّ
مزيد إيمانه وتقواه ،ويقدم من قدم الله ورسوله عليه ،ويفضل من فضله الله ورسوله}.
1431هـ
-7التحاسد والتنافس على الغلو والرياسة -:
ق ــال س ــفيان الث ــوري {:م ــا أح ــب أح ــد الرياس ــة إل أح ــب ذك ــر الن ــاس بالنق ــائه والعي ــوب ،ليتمي ــز ه ـو
بالكمال ،ويكره أن يذكر الناس ً
أحدا عنده بخير}.
وما عبر اإلنسان عن فضل نفسه * بمثل اعتقاد الفضل في كل فاضل
وليس من اإلنصاف أن يدفع الفتى * يد النقه عنه بانتقاص األفاضل
َّ
وقال األوزاعي رحمه الله لبقية بن الوليد { :يا بقية ل تذكر أح ًـدا مـن أصـحاب محمـد نليـك صـلى هللا
أحدا من أمتك ،وإذا سمعت ً
عليه وسلم إل بخير ،ول ً
أحدا يقـع فـي غيـره ؛ فـاعلم أنـه إنمـا يقـول :أنـا
خير منه}.
-8عدم التثلت في النقل-:
يق ــول اب ــن خل ــدون {:ف ــإن ال ــنفس إذا كان ــت عل ــى ح ــال العت ــدال ف ــي قب ــول الخب ــر أعطت ــه حق ــه م ــن
التمحيه والنظر حتى تتبين صدقه من كذبه ،وإذا خامرها تشيع لرأي أو نحلة قبلت ما يوافقها من
األخبــار ألول وهلــة ،وكــان ذلــك امليــل والتشــيع غطــاء علــى عــين بصــيرتها عــن النتقــاد والتمحـيه ،فتقــع
في قبول الكذب ونقله}.
1431هـ
-9الفراغ -:
فــإن الشــتغال بلغــو القــول وتجــريح اتخــرين وســائر آفــات اللســان إنمــا هــو ثمــرة
الفـراغ الــذي لــم يبــادر صــاحبه إلــى ملئــه بالعمــل الصــالح ،قــال صــلى هللا عليــه و
سلم [ :نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس :الصحة والفراغ ]( .رواه البخاري)
وقال الحسن البصري { :نفسك إن لم تشغلها بالحق ،شغلتك بالباطل }.
فالط ــاعن ف ــي أه ــل الح ــق ف ــارغ ،وأه ــل الح ــق مش ــغولون بحقه ــم ،ويق ــول املث ــل
العربي :ويل للشجي من الخلي ،وويل للعالم مـن الجاهـل ،والشـجي :هـو املشـغول
،والخلي :هو الفارغ .
- 10الجحود وعدم اإلنصاف -:
ومــن مظــاهره :تنكــر الطالــب لشــيخه الــذي طاملــا أفــاده ،وعلمــه ،وأحســن إليــه
ألج ــل زل ــة زله ــا ،أو غض ــبة غض ــبها ،فيسح ــد ك ــل م ــا م ـ ى م ــن إحس ــانه إلي ــه ،
ويقول كما تقول كافرات العشير :ما رأيت منك ً
خيرا قط ،ويطلق لسـانه فـي ذم
شيخه ،والتشنيع عليه .
1431هــ
-11استثمار املغرضين لزلت العلماء-:
الحكم علـى زلـة العـالم هـو مـن و ـائف املجتهـدين ،فهـم العـارفون بمـا وافـق أو خـالف ،أمـا غيـرهم؛
فل تمييز لهم في هذا املقام.
من يقض ي بين العلماء ؟!
ســئل ً
يومــا العلمــة أبــو العبــاس عبــد هللا بــن أحمــد بــن إب ـراهيم األبيــاني عــن فقيهــين مــن أصــحابه
وتلميــذه ،وهمــا :أبــو القاســم بــن زيــد ،وســعيد بــن ميمــون ،فقيــل لــه« :أيهمــا أفقــه» ،فقــال« :إنمــا
يفصل بين عاملين من هو أعلم منهما»( .ترتيب املدارك)
1431هـ
فتوى -:
وفــي فتــوى بعنــوان :جــرا العــالم رد لعلمــه ،ســئل الشــي ابــن عثيمــين -رحمــه هللا -عــن هــؤلء الــذين
يقعــون ف ــي أه ــل العل ــم ويتط ــاولون عل ــيهم ،فق ــال :الــذي أراه أن ه ــذا عم ــل مح ــرم ،ف ــإذا ك ــان ل يج ــوز
ً
إلنســان أن يغتــاب أخــاه املــؤمن وإن لــم يكــن عاملــا؛ فكيــف يســوغ لــه أن يغتــاب إخوانــه العلم ـاء مــن
املــؤمنين؟! َوالواجــب علــى اإلنســان املــؤمن أن يكــف لســانه عــن الغيبــة فــي إخوانــه املــؤمنين .قــال هللا
َ ُّ َ َّ
ْ َ ُ َ ً َ َّ َّ َ ْ َ َّ ْ ٌ َ
َْ
َ
ُ
َ
َ
ُ
َ
َّ
اجت ِنب ــوا ك ِثي ــرا ِم ـَـن الظ ـ ِـن ِإن بع ــض الظ ـ ِـن ِإث ــم ول تجسس ــوا ول يغت ــب
تع ــالى { :ي ــا أيه ــا َال ـ ِـذين َآمن ــوا
َ
ْ
َ
َ
َ
َّ
َّ
ُ
َّب ْع ُ
ضـ ُـك ْم َب ْع ً
ضــا أ ُيحـ ُّـب أ َحـ ُـد ُك ْم أن َيأكـ َـل ل ْحـ َـم أخيــه َم ْي ًتــا فكر ْه ُت ُمـ ُ
اب َّر ِحــيمٌ
ـوه َو َّات ُقــوا اللـ َـه إ َّن اللـ َـه َت ـ َّو ٌ
ِ ِ
ِ
ِ
ِ
}(الحجـرا ,)12 :وليعلم هذا الذي ابتلي بهذه البلـوى أنـه إذا جـرا العـالم فسـيكون س ًـلبا فـي رد مـا يقولـه
هــذا العــالم مــن الحــق ،فيكــون وبــال رد الحــق وإثمــه علــى هــذا الــذي جــرا العــالم؛ ألن جــرا العــالم فـي
الواق ــع ل ــيس ً
جرح ــا تخص ـ ًّـيا؛ ب ــل ه ــو ج ــرا إلرث محم ــد -ص ــلى هللا علي ــه وس ــلم؛ ف ــإن العلم ــاء ورث ــة
األنلياء ،فإذا جـرا العلمـاء وقـدا فـيهم لـم يثـق النـاس بـالعلم الـذي عنـدهم ،وهـو مـوروث عـن رسـول
هللا -صلى هللا عليه وسلم ،وحينئذ ل يثقون بش يء من الشريعة التي يأتي بها هذا العالم الذي ُجرا.
1431هـ
كيفية التعامل مع من ّ
يجرح العلماء -:
ً
عمومـ ــا ،ثـ ــم ذرهـ ــم فـ ــي خوضـ ــهم ،وأعـ ــرض عـ ــن
حـ ـ ِـذ ْرهم مـ ــن غيبـ ــة أهـ ــل العلـ ــم والـ ــدعاة واملسـ ــلمين
الجــاهلين ؛ فــإن الوقــوع فــي أع ـراض العلمــاء وســبهم وتجــريحهم ،مخــالف ملــا أمــر هللا بــه ورســوله مــن
جهات عديدة ؛ منها-:
ا
ق
أول :أنــه تعــد علــى حقــو املســلمين ؛ بــل علــى خاصــة املســلمين مــن طلبــة العلــم ,والــدعاة الــذين بــذلوا
وسـ ــعهم لتوعيـ ــة النـ ــاس وإرشـ ــادهم ،وتصـ ــحيح عقائـ ــدهم ومنـ ــاهجهم ،واجتهـ ــدوا فـ ــي تنظـ ــيم الـ ــدروس
واملحاضرات وتأليف الكتب النافعة.
ا
ثاني ــا :أن ــه تفري ــق لوح ــدة املس ــلمين وتمزي ــق لص ــفهم ،وه ــم أح ــوج م ــا يكون ــون إل ــى الوح ــدة والبع ــد ع ــن
الشــتات والفرقــة ،وكثــرة القيــل والقــال فيمــا بيــنهم ،خاصــة وأن الــدعاة الــذين نيــل مــنهم هــم مـن أهــل
الس ــنة والجماع ــة املع ــروفين بمحارب ــة الب ــدع والخراف ــات ،والوق ــوف ف ــي وج ــه الداعي ــة إليه ــا ،وكشـ ـف
خططه ــم وألعيـ ــبهم ،ول ن ــرى مص ــلحة ف ــي مث ــل ه ــذا العم ــل إل لألع ــداء واملتربصـ ــين مـ ــن أهـ ــل الكف ــر
والنفاق ،أو من أهل البدع والضلل .
1431هـ
ا
ثالثا :أن هذا العمل فيه مظاهرة ومعاونة للمغرضين من العلمانيين واملستغربين ،وغيرهم من
امللحدة الذين اشتهر عنهم الوقيعة في الدعاة ،والكذب عليهم ،والتحريض ضدهم فيما كتبوه
َ
وسجلوه ،وليس من حق األخوة اإلسلمية أن يعين هؤلء املتعجلون
أعداءهم على إخوانهم من
طلبة العلم والدعاة وغيرهم.
ً
ر ا
ونشرا وترو ً
ً
يجا لألكاذيب واإلشاعات
إفسادا لقلوب العامة والخاصة ،
ابعا :أن في ذلك
ً
وفتح أبواب الشر على مصاريعها لضعاف النفوس
والنميمة
الغيبة
كثرة
في
ا
وسلب
الباطلة،
ِ
ِ
الذين يدأبون على بث الشبه وإثارة الفتن ،ويحرصون على إيذاء املؤمنين بغير ما اكتسبوا.
ا
خامسا :أن ً
كثيرا من الكلم الذي قيل ل حقيقة لهَ ،وإنما هو من التوهمات التي زينها
َ
الشيطان ألصحابها وأغراهم بها ،وقد قال هللا تعالىَ { :يا أ ُّي َها َّالذ َ
ين َآم ُنوا ْ
اج َت ِن ُبوا ك ِث ًيرا ِم َن
ِ
َ
َّ َّ َ ْ َ َّ ْ َ َ
ول َي ْغ َتب َّب ْع ُ
ض ُك ْم َب ْع ً
ضا }( .الحجرا . )12:واملؤمن ينبغي
ض الظ ِن ِإث ٌم ول ت َج َّس ُسوا
الظ ِن ِإن بع
أن يحمل كلم أخيه على أحسن املحامل ،وقد قال بعض السلف :ل تظن بكلمة خرجت من
ً
أخيك السوء ،وأنت تجد لها في الخير محمل.
1431هـ
ا
سادسا :وما وجد من اجتهاد لبعض العلماء وطلبة العلم فيما يسوغ فيه الجتهاد ،فإن صاحبه ل
ً
يؤاخذ به ول يثرب عليه إذا كان أهل للجتهاد ،فإذا خالفه غيره في ذلك كان األجدر أن يجادله بالتي
ً
حرصا على الوصول إلى الحق من أقرب طريق ودفعا لوساوس الشيطان وتحريشه بين
هي أحسن،
املؤمنين ،فإن لم يتيسر ذلك ،ورأى أحد أنه ل بدمن بيان املخالفة فيكون ذلك بأحسن عبارة
وألطف إشارة،ودون تهجم أو تجريح أو شطط في القول قد يدعو إلى رد الحق أو اإلعراض عنه،
ودون تعرض لألتخاص أو اتهام للنيات أو زيادة في الكلم ل مسوغ لها ،وقد كان الرسول -صلى هللا
عليه وسلم -يقول في مثل هذه األمور( :ما بال أقوام قالوا كذا وكذا) ؛ فليتب اإلنسان إلى هللا ،قبل
أن يفاجأه املوت ،وليصحح ما أخطأ فيه ،وليحرص على جمع كلمة املسلمين ،وليحاول -ما
استطاع -أن يذب عن عرض إخوانه ،وليحاول -ما استطاع -أن ُيصلح ما أفسد الناس ،وليحاول -
ً
ً
ً
ما استطاع -إذا سمع خطأ عن تخه أن يتصل به اتصال مباشرا عن طريق املباشرة واللقاءات،
أو عن طريق الهاتف ،أو عن طريق الكتابة ،وليقل" :بلغني كذا وكذا ،فهل هذا صحيح؟
1431هـ
ً
ل
فبين ذلك حتى
صحيح
غير
كان
وإذا
)
نظره
وجهة
له
ويبين
(
،
تقو
ما
خلف
فاألمر
ا
صحيح
إن كان
ِ
ً
أنشر للعالم أنه غير صحيح" .إذا فعل اإلنسان هذا فإنه سيكون
محمودا عند هللا وعند الناس ..
ملاذا؟ ألنه مصلح .فإن خلو الساحة حقيقة أو ً
حكما من املتأهلين للصدارة املستحقين لها يورث
هور طائفة من أنصاف املتعلمين أو املتعاملين غير املتأهلين ؛
َّ َّ
ً
ليحتلوا ً
اللهَ
ليسوا َأهل له ،وهذا يكفي في بيان خطره حديث النبي -صلى هللا عليه وسلمِ { :إن
ا
مكان
ل َي ْنز ُع ْالع ْل َم َب ْع َد َأ ْن أ ْع َط ُاك ُم ُ
وه ْانت َز ً
اعا َ ،و َل ِك ْن َي ْن َتز ُع ُه ِم ْن ُه ْم َم َع َق ْبض ْال ُع َل َم ِاء ب ِع ْل ِمه ْم َف َي ْب َقى َناسٌ
ِ
ِ ِ
ُّ َ ِ
ِ
ِ ِ
ْ
ال ُي ْس َت ْف َت ْو َن َف ُي ْف ُتو َن ب َرأيه ْم َف ُيض ُّلو َن َو َ
ُج َّه ٌ
ضلون}( .رواه البخاري)
ي
ِ ِِ
ِ
ِ
1431هـ
ما عاقبة التطاول على العلماء ؟!
بما أن الجزاء من جنس العمل؛ فليلشر الطاعن في العلماء املستهزئ بهم؛ بعاقبة من جنس فعله؛
َّ
فعــن إب ـراهيم -رحمــه اللــه -قــال« :إنــي أجــد نفس ـ ي تحــدثني بالش ـ يء ،فمــا يمنعنــي أن أتكلــم بــه إل مخافــة أن
ً َّ
أبتلـى بــه».ولــيعلم أنــه يخشـ ى علــى مــن تلــذذ بغيبـة العلمــاء والقــدا فــيهم أن يلتلـى بســوء الخاتمــة -عيــاذا باللــه
منهــا-؛ فهــذا القاضـ ي الفقيــه الشــافبي محمــد بــن عبــد هللا الزبيــدي ،قــال الجمــال املصــري« :إنــه شــاهده عنــد
وفاتــه وقــد انــدلع لســانه واسـ َّ
ـود ،فكــانوا يــرون أن ذلــك بســلب كثــرة وقيعتــه فــي الشــي مح ــي الــدين النــووي -
َّ
ً
ي
ر
رحمهم الله جميعا.»-و و عن اإلمام أحمد أنه قال« :لحوم العلمـاء مسـمومة ،مـن شـمها مـرض ،ومـن أكلهـا
مــات».وفــي الختــام أقــول إن إعــادة مكانــة العلمــاء إلــى ســابق عهــدها إنمــا يكــون بإصــلا العلمــاء وطلبــة العلــم
ألنفســهم وتوجيــه اللــوم لهــا قبــل غيرهــا ،فانتصــار األمــة وعلــو شــأنها منــو بعــد هللا بقيــام خيــار األمــة بــواجبهم
الــذي كلفــوا بــه وصــيانة العلــم الــذي حفظــوا إيــاه ،فــإذا كــان خيــار األمــة وأفاضــلها مــن أهــل العلــم قــد غي ـروا
وب ــدلوا إل م ــن رح ــم هللا فإن ــه يخش ـ ى عل ــيهم وق ــوع الس ــتبدال ال ــذي توع ــد هللا ب ــه ال ــذين قع ــدوا وتول ـوا ع ــن
َْ ُ ُ َ ُْ ْ َ َ ً
ابا َأليمـ ًـا َو َي ْسـ َـت ْبد ْل َق ْومـ ًـا َغ ْيـ َـر ُك ْم َول َت ُ
ضـ ُّـروهُ
صـراطه املســتقيم حيــث قــال هللا تعــالى ِ { :إل تن ِفــروا يعـ ِـذبكم عــذ
ِ
ِ
َ ْ ً َ َّ ُ َ َ ُ َ ْ َ
َ ْ َ َ َ َّ ْ َ ْ َ ْ ْ َ ْ ً َ ْ َ ُ ْ ُ َّ َ ُ ُ
ٌ
َش ــيئا والل ــه عل ــى ك ـ ِـل ش ـ ي طء ق ـ ِـدير } (التوب ــة ، )39:وق ــال تع ــالى { :وِإن تتول ــوا يس ــتب ِدل قوم ـا غي ــركم ث ــم ل يكون ــوا
َْ َُ
ْ
أمثالكم }( .محمد)38:
ـــــــــــــــــــ
1431هـ
نسأل هللا أن يحفظ علماؤنا ودعوتنا الربانيين من كيد الحاقدين
مع تحيا
موقع
1431ه ـ