Transcript المذكرة
بسم هللا الرحمن الرحيم
جامعة األمير عبد القادر للعلوم االسالمية
قسنطينة
مذكرة مقدمة لنيل شهادة املاستر تخصص مؤسسات الزكاة والوقف والتنمية املحلية
من إعداد الطالبين:
مصطفى مسارة
مصعب فاحل
إشراف األستاذ :
عبد الناصر براين
السنة الجامعية 1435-1434 :هـ 2014-2013/م
احلمد هلل الذي جعل الزكاة أحد أركان االسالم ،وأوجبها يف أموال األغنياء طهرة هلم من البخل والشح
واآلاثم ،ومواساة لذوي احلاجة من الفقراء واألرامل واأليتام ،وعلى نبينا أفضل الصالة والسالم ،وعلى آله وصحبه
الذين ملؤوا األرض ابلعدل والسالم ومن تبعهم إبحسان إىل يوم يقضى فيه بني األانم وبعد:
فلقد جتسد تنظيم الزكاة منذ العهود األوىل للحضارة اإلسالمية انطالقا من التنظيمات املتميزة اليت كانت يف عهد
النيب ،و ظهور نواة بيت املال يف عهد أيب بكر الصديق ،وتوسعه يف عهد الفاروق عمر ،و التطبيق الفعال
للزكاة يف عهد عمر بن عبد العزيز ،حني مت اغناء الفقراء من بيت مال املسلمني ،و من مث استمرت جباية الزكاة و
توزيعها عرب قرون متتالية وصوال إىل تطبيقاهتا يف العصر احلايل .
وما ميز التطبيقات املعاصرة للزكاة ،هو تلك االختالفات اليت بيّنها فيما خيص اهلياكل التنظيمية و أساليب
اجلمع و التوزيع ،و إلزامية الزكاة من عدمها ... ،إال أن أهدافها تبقى مشرتكة ،و اليت تتمحور حول السعي احلثيث من
أجل إحياء شعرية الزكاة بني املسلمني ،إضافة إىل بلوغ األهداف االقتصادية و االجتماعية للزكاة ،كما أن جناحها
يرتكز على جمموعة من املبادئ نذكر منها :قوة اإلدارة ،اإلخالص يف العمل ،توطيد عالقات إدارة الزكاة مع املواطنني،
الصدق املسؤولية ،العدالة...اخل.
ولقد سعت الكثري من الدول اإلسالمية إىل تنظيم الزكاة يف أشكال مؤسساتية ،هلا أبعادها ومدلوالهتا
االجتماعية واالقتصادية ،والتنظيمية ،ولعل من أهم التجارب الرائدة يف هذا العصر جتربة كل من مجهورية السودان ممثلة
يف مؤسسة ديوان الزكاة ،واململكة العربية السعودية ممثلة يف نظام تتظافر فيه جهود ع ّدة مؤسسات حكومية ،حيث
سعت كل من الدولتني يف توفري عناصر ومقومات جناح تطبيق الزكاة ،يف ظل الظروف واألوضاع املعاصرة.
نظرا ملا للزكاة من دور فعال يف شىت جوانب احلياة ( الدينية واالجتماعية واالقتصادية ،)...سعت
بعض الدول يف تويل مسؤولية جبايتها وإنفاقها من خالل تنظيم إداري مؤسسايت ،من أجل حتقيق األهداف
املسطرة ،وتعترب السودان والسعودية من هذه الدول اليت هلا السبق يف هذا اجملال ،حيث قامت بتطوير نظامها
الزكوي من خالل سنها لقوانني وتشريعات تنظم تلك اهليئات العاملة يف حتصيل وتوزيع الزكاة ،كما جعلت هلذه
الكياانت هياكل تنظيمية تتحدد من خالهلا املهام والسلطات من أعلى سلطة إىل أدانها .
من هذا املنطلق نربز اإلشكالية اآلتية:
ما مدى كفاءة كل من جتربيت السودان والسعودية يف حتصيل وتوزيع الزكاة ،وأثر ذلك على اقتصادايهتا ؟
وتتفرع على هذه اإلشكالية الرئيسية األسئلة الفرعية التالية:
ماهي األساليب اليت عملت هبا كل من السودان والسعودية يف جمال حتصيل الزكاة؟
و ماهي األساليب اليت اعتمدهتا كال الدولتني يف جمال توزيع الزكاة؟
هل ميكن االستفادة من هذه األساليب يف جتربة صندوق الزكاة اجلزائري؟
يسعى هذا البحث إىل حتقيق بعض األهداف نورد منها ما يلي:
التعرف على الزكاة ابعتبارها من أهم موارد النظام املايل االسالمي ،ومعرفة آاثر الزكاة يف
احلياة االقتصادية واالجتماعية.
معرفة أهم التجارب احلديثة للزكاة والوقوف على أهم مرتكزات جناحها سواء اليت جتمعها
وتوزعها مببدأ االلزام مثل :السودان والسعودية أو الطواعية مثل :اجلزائر .
بيان ما ميكن أن تق ّدمه جتربة السودان والسعودية يف جمال التحصيل والتوزيع من إضافات
لصندوق الزكاة اجلزائري.
ينبين هذا البحث على فرضيات اآلتية:
متتاز كل من جتربة الزكاة يف السودان والسعودية بكفاءة معتربة يف حتصيل وتوزيع الزكاة .
تطوير البنية التشريعية والتنظيمية يف املؤسسة الزكوية يؤدي إىل رفع الكفاء يف جانيب
التحصيل والتوزيع.
تنظيم الزكاة يف إطار مؤسسايت يقوم على مبدأ االلزام يف اجلباية والتوزيع يؤدي إىل حتقيق
الكثري من األهداف االجتماعية واالقتصادية .
إمكانية نقل هذه التجارب واالستفادة منها.
إن الدول اإلسالمية وجمتمعاهتا بصفة عامة تعاين من مشكالت اقتصادية واجتماعية ،
تسعى جاهدة حللها وتذليلها ،يف حني نرى أن أغلب هذه األنظمة قد صعبت عليها هذه
املشاكل ،مما جعل الكثري يفكر يف العودة إىل النظام االقتصادي االسالمي ،الذي له
العديد من األدوات الفعالة اليت أثبتت جناعتها يف عصر احلضارة االسالمية ،و من أهم
هذه األدوات الزكاة اليت ستكون حمور حبثنا.
ومبا أن جتربة اجلزائر يف تطبيق الزكاة من خالل إنشاء صندوق الزكاة املوجود حتت وصاية
وزارة الشؤون الدينية واألوقاف ،ال تزال يف بداية املشوار وتسعى اجلهات املعنية به يف تطويره
وذلك أتسيا ببعض التجارب الرائدة ،فجاءت هذه الدراسة لتسلط الضوء على أبرز تلك
التجارب وهي جتربة ديوان الزكاة ابلسودان ،وجتربة الزكاة ابلسعودية .
إن من الدراسات السابقة اليت كانت نتائجها مبثابة نقطة االنطالق لبحثنا هي :
الدكتور حممد عبد احلميد حممد فرحان ،كتاب مؤسسات الزكاة وتقييم دورها االقتصادي ،وقد تطرق
الباحث يف هذه الدراسة إىل واقع مؤسسات الزكاة يف بعض الدول االسالمية ( السودان ،السعودية ،
واألردن ،واليمن) ،حيث تعرض إىل تقييمها من خالل كالمه عن واقعها التشريعي والتنظيمي ،ومدى أتثريه
يف كفاءة التحصيل والتوزيع ،مع ذكره ألهم النتائج اليت قدمتها هذه املؤسسات يف تنمية اقتصاد بلداهنا.
بوعالم بن جياليل ،وحممد العلمي ،كتاب اإلطار املؤسسايت للزكاة – أبعاده ومضامينه ، -املؤمتر
الثالث للزكاة املنعقد يف ماليزاي ،وجاء فيه الكالم عن اجلوانب اإلدارية والتنظيمية للزكاة من خالل عرض
التجارب اليت قامت هبا بعض الدول االسالمية سواء اليت تعتمد مبدأ اإللزام أو الطواعية يف حتصيل الزكاة .
من أجل حتقيق أهداف البحث املرجوة ،مت االعتماد على املناهج التالية:
املنهج الوصفي التحليلي :وذلك خالل بيان وحتليل ماهية الزكاة وذكر مقاصدها الشرعية ودورها
االقتصادي واالجتماعي ،إضافة إىل حتليل التجربتني وحتديد نقاط قوهتا وسبل االستفادة منها .
املنهج التارخيي :ومت ذلك حني تطرقنا إىل اتريخ جباية الزكاة يف عهد النيب واخللفاء الراشدين وبعض
الدول االسالمية ،وكذلك عند بيان مراحل تطبيق الزكاة يف كل من السودان والسعودية .
املنهج املقارن :وقد اعتمدانه يف املقارنة بني ديوان الزكاة السوداين ونظام الزكاة السعودي .
ندرة املراجع اليت درست يف املوضوع من الناحية التطبيقية وامليدانية .
صعوبة احلصول على بياانت وإحصائيات حديثة عن جتربة السعودية .
ضيق الوقت املتاح للبحث ،و تشعب املوضوع أدى لعدم االملام جبميع جوانبه.
للقيام هبذا البحث مت هيكلة العمل ابخلطة التالية :مقدمة وثالثة فصول وخامتة .
الفصل األول :جاء كتحديد لالطار املفاهيمي للزكاة ،من خالل التعرض يف هذا الفصل إىل اإلطار النظري للزكاة ،
من بيان مفهومها ،وحكمها وحكم مانعها ،ومقاصدها الشرعية وأهم أهدافها االقتصادية واالجتماعية ،واألموال اليت
جتب فيها ،وكذا مصارفها ،كما تطرقنا ملاهية الكفاءة وأنواعها وأهداف قياسها ومؤشراهتا .
الفصل الثاين :كان موسوم ابلبنية التشريعية والتنظيمية لنظام الزكاة ابلسودان والسعودية ،وقد ذكران مفهوم املؤسسة
الزكوية ،و مناذج عن بعض املؤسسات اليت تقوم على مبدأ االلزام أو الطواعية يف التحصيل ،وبعدها مت التكلم عن أهم
خصائص البنية التشريعية والتنظيمية لكل من جتربيت السودان والسعودية .
الفصل الثالث :وعنوانه بكفاءة أساليب حتصيل وتوزيع الزكاة يف جتربيت السودان والسعودية ،وجاء يف هذا الفصل
عرض أساليب حتصيل وتوزيع الزكاة يف السودان والسعودية ومدى كفاءة تلك األساليب ،مع بيان وحتليل احصائيات
هاتني التجربتني ،وكيفية استفادة جتربة صندوق الزكاة اجلزائري من أهم اخلصائص اليت ساعدت على جناح تطبيق
الزكاة يف الدولتني .
* الزكاة شأهنا شأن كثري من العبادات هلا خصائص متيزها عن غريها ،فهي عبادة مالية اثبتة قدرا واستمرارا يف كل
سنة ،يتوىل اإلمام جبايتها ابلقوة والقهر من مانعيها ،وليس لدافع الزكاة مقابل خاص .
* إن نوعية الزكاة متعددة بتعدد األموال والدخول من هبيمة األنعام والنقدين وعروض التجارة و الزروع والثمار
والركاز واملستغالت من األموال الثابتة واألوراق املالية وغريها ،وسعرها نسيب وليس تصاعداي.
* للزكاة مصارف حمدودة معلومة يف كتاب هللا ،ال جيوز صرفها يف غريها .
* حتقق الزكاة أهدافا روحية تتمثل يف تقوية ارتباط العبد بربه ،وأهدافا اجتماعية تساهم يف توفري احلاجيات
األساسية لكل فرد من اجملتمع وتقلل الفوارق والطبقية بني الناس ،كما هلا أثر اقتصادي يكمن يف تنشيط احلركة
االقتصادية بتنمية أموال األغنياء ،واستثمار موارد الفقراء وبذلك يتحسن مستوى اقتصاد اجملتمع والفرد .
* سعت كثري من الدول االسالمية يف هذا العصر إىل تطبيق الزكاة عن طريق إصدار قوانني تنظم جبايتها وتوزيعها
يف مصارفها الشرعية عرب مؤسسات زكوية هلا هياكلها اإلدارية ،تسهر على تطبيق هذه الشعرية.
* إن من بني تلك الدول من أخذت مببدأ اإللزام يف جبايتها من األفراد بل وتعاقب وتغرم من مينعها ،وأخرى
انتهجت تنظيمها يف شكل هيئات ومجعيات وصناديق وتركت ألصحاب األموال احلرية يف دفع أمواهلم لديها .
* مجهورية السودان واململكة العربية السعودية كانتا من أوائل الدول االسالمية اليت سنت قوانني ومراسيم تنظم
من خالهلا تطبيق الزكاة ،ولقد تطورت هذه التشريعات مع مرور الزمن لتالئم املستجدات الفقهية والتطورات
التكنولوجية احلديثة .
* إن اململكة العربية السعودية ال تعتمد يف تطبيق الزكاة على قانون خاص وإمنا يقوم نظامها الزكوي على جمموعة
من املراسيم والقرارات.
* لقد عرفت السودان تدرجا يف تطبيق الزكاة ،فقد مرت على ع ّدة مراحل ،انطالقا مبشروع صندوق الزكاة الذي
يقوم على مبدأ الطواعية يف مجع الزكاة ،وبعدها صدر قانون اإللزام بدفع الزكاة وأنشأ ما يعرف بديوان
الضرائب والزكاة ،مث تالها صدور قانون يقضي بفصل الزكاة عن الضريبة ،وانفرادها بديوان خاص ذو
ومكون من إدارات مركزية وأخرى إقليمية
شخصية اعتبارية ّ
* إن اململكة العربية السعودية ال جتعل تنظيم الزكاة يف مؤسسة مستقلة كما هو احلال يف السودان ،وإمنا قامت
بتسخري بعض املؤسسات احلكومية التابعة لبعض الوزارات ومحلتها بعض املهام والوظائف ،فكلفت مصلحة
الزكاة والدخل التابعة لوزارة املالية جبباية زكاة عروض التجارة ،وكذا كلفت املؤسسة العامة لصوامع الغالل
ومطاحن الدقيق التابعة لوزارة الزراعة جبباية زكاة القمح ،كما استعانت بوزارة الداخلية يف جباية الثمار وهبيمة
األنعام ،يف حني أانطت مهمة التوزيع لوكالة الضمان االجتماعي التابعة لوزارة الشؤون االجتماعية.
* لقد اعتمد ديوان الزكاة السوداين يف حتصيله للزكاة عدة أساليب ختتلف ابختالف خاصية كل وعاء ،وقد
سامهت تلك األساليب بتسهيل عملية اجلباية للديوان و للمزكني ،إال أن بعضها له عيوب من أمهها كثرة
املصاريف اإلدارية مما أثر سلبا على مردودية احلصيلة وجعل تلك الطرق ال تصل اىل الكفاءة املطلوبة يف
التحصيل .
* سلك نظام الزكاة يف السعودية هنجا مغايرا لديوان الزكاة يف السودان ،فهي تعتمد على مبدأ الفصل بني
جهازي التحصيل والتوزيع ،حيث أوكلت بعض املؤسسات احلكومية مهمة جباية أصناف حمددة من األموال
الزكوية ،وذلك حبكم العالقة املباشر بينها وبني املزكني ،كل هذا من أجل السرعة يف التحصيل والتقليل من
التكاليف .
* لقد مشل التوزيع يف السودان مجيع املصارف الشرعية واختلفت نسب التوزيع بني املصارف حسب األولوية و
املصلحة اليت يراها الديوان .
حتصله املؤسسات املكلفة ابجلباية يف اململكة العربية السعودية يتم توريده لوكالة الضمان االجتماعي
* إن كل ما ّ
اليت تقوم بضمه إىل ميزانيتها السنوية مث توزعه على املستحقني يف شكل معاشات شهرية وسنوية.
* تسعى الدولة اجلزائرية جاهدة إلحياء شعرية الزكاة من خالل تطوير صندوق الزكاة ،ولن تصل ملرادها إال
ابستفادهتا من التجارب الرائدة يف هذا اجملال كتجربيت السودان والسعودية وغريمها .
أما التوصيات اليت نوصي هبا :
درس يف املعاهد
السعي إىل إدراج االقتصاد االسالمي بصفة عامة وفقه الزكاة بشكل أخص يف الربامج اليت ت ّ
واجلامعات واملدارس املختلفة ،ابإلضافة إىل نشر الكتب واجملالت اليت تتناول أحكام الزكاة وأمهيتها يف مجيع
نواحي احلياة :دينية واقتصادية واجتماعية ....
استغالل كل الوسائل االعالمية املتاحة(السمعية واملرئية واملكتوبة) من أجل نشر الوعي لدى أفراد اجملتمع أبمهية
الزكاة وكيفية أدائها .
العمل على انشاء هيئة مستقلة للزكاة هلا شخصيتها االعتبارية وذمة مالية و استقالل إداري.
السهر على االنتقال من مبدأ الطواعية يف جباية الزكاة إىل مبدأ االلزام .
على صندوق الزكاة اجلزائري العمل على توسيع يف املال اخلاضع للزكاة ،ابإلضافة إىل استيعاب كل املصارف أثناء
التوزيع.